أحلام ترامب بنقل سكان غزة إلى المغرب    ترقب لخامس عملية تبادل بين إسرائيل وحماس السبت    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يمدد عقده مدربه إنريكي إلى غاية 2027    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    أطروحة ترصد تواصل الحكومة بالأزمات    حفل اختتام الدورة التكوينية لدعم أطفال التوحد بطنجة    العثور على جثة شاب في مياه سبتة: ارتفاع عدد الضحايا في البحر إلى سبعة منذ بداية العام    قنابل أمريكية لإسرائيل ب7 مليارات دولار    لقاء بالبيضاء يتناول كفاح آيت إيدر    أحدهم مبحوث عنه وطنياً.. عناصر "لابيجي" تعتقل مروجين للكوكايين ضواحي الدريوش    مجهولون يختطفون سيدة مسنة ويبحثون عن مبلغ مالي ضخم    مجلس جهة الرباط يصادق على اتفاقيات للتنمية ب6 مليارات درهم    موريتانيا تمنح للسائقين المغاربة تأشيرة دخول متعددة صالحة لثلاثة أشهر    وفاة شاب بأزمة قلبية مفاجئة أثناء مباراة لكرة القدم في طنجة    قمة عالمية مرتقبة بجنيف حول فرص ومخاطر الذكاء الاصطناعي المستقل    كيف كذب القنصل الإسرائيلي حملة التضليل وترويج شائعات استقبال المغرب لسكان غزة    التوقيع على اتفاقية إعلان الشارقة ضيف شرف الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    مولاي رشيد يترأس حفل عشاء أقامه جلالة الملك بمناسبة جائزة الحسن الثاني للغولف وكأس الأميرة للا مريم    تعادل ثمين لتواركة أمام "الماط"    الجنائية الدولية تندد بعقوبات ترامب    قتيل في حادث إطلاق نار ببروكسيل    أسعار مواد الغذاء تتراجع في العالم    مجلس النواب يختتم الدورة الثلاثاء    المغرب يلقّح قرابة 5 ملايين طفل لمحاصرة انتشار وباء "بوحمرون"    طقس السبت.. انخفاض في درجة الحرارة وامطار على الشمال الغربي    مطار الحسيمة يسجل رقم قياسي في عدد المسافرين سنة 2024    إعلان الرباط.. رؤساء برلمانات بلدان إفريقية يثمنون المبادرة الأطلسية للملك محمد السادس    طفلة طنجاوية تفوز بجائزة أفضل طفلة مسالمة ومتسامحة في إسبانيا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع التوازن    إعادة انتخاب المغرب في اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية لهيئات مكافحة الفساد    انتفاضة الثقافة    قمة عربية أو عربية إسلامية عاجلة!    "فيفا" يجمّد عضوية اتحاد الكونغو.. هل من تأثير على مجموعة المغرب في تصفيات المونديال؟    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    الركراكي يعلن عن اللائحة الرسمية للمنتخب المغربي لمواجهة نيجريا وتنزانيا في هذا التاريخ    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية تستهدف تكوين 30 ألف متدرج في مجال الصناعة التقليدية (لحسن السعدي)    المغرب يشارك بفريق قاري في عدد من السباقات الدولية بتركيا    طنجة تحتضن ندوة علمية حول مشروع قانون المسطرة المدنية: دعوات لتعزيز فعالية العدالة واستقلالية المهن القضائية    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    إيمان غانمي ل "رسالة 24" : تمرير قانون الإضراب يعكس توجها استبداديا    التامني تسائل وزير التعليم العالي عن مصير طلبة الطب دفعة 2023    لسعد جردة: لم أكن أتوقع العودة بهذه السرعة لتدريب الرجاء البيضاوي    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    إطلاق حملة تلقيح ضد الحصبة بالمدارس وتوزيع استمارة الموافقة على آباء التلاميذ    بنك المغرب: 78 في المائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال "عاديا"    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    طنجة.. اختتام منتدى "النكسوس" بالدعوة إلى تدبير مستدام للموارد    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    مسيرة عظيمة.. رونالدو يودّع مارسيلو برسالة مليئة بالمشاعر    "جامعيو الأحرار" يناقشون فرص وإكراهات جلب الاستثمارات إلى جهة الشرق    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالة البوعزيزي: مُفجّر الثورة التونسية لم يتجاوز الثانوي
نشر في هسبريس يوم 16 - 02 - 2013

هناك، في سيدي بوزيد، المدينة التونسية المنسية التي صارت على كل لسان بعد الثورة التونسية، فهي التي زرعت بذور الربيع العربي لتهب رياحه على باقي مدن تونس وعلى مصر ولبيا واليمن وسوريا وحتى بلد الاستثناء الذي يقبع في أقصى غرب الشمال الإفريقي، تواجدت هسبريس في الذكرى الثانية لنجاح الثورة التونسية، تحاول البحث في ثنايا مدينة بقيت قابعة في جيوب الإهمال رغم أنها اشتهرت أكثر حتى من تونس العاصمة، نغازل شوارعها وطرقها المتربة، كي نصل إلى بيت البوعزيزي، الرجل الذي أحرق جسده ذات يوم احتجاجا على الظلم، فلم يدر أن احتجاجه سيحرق كراس اعتقد العباد أن زوالها لن يتم إلا بمعجزة ربانية..
طلبنا (أنا وصديق مغربي قاطن بالديار التونسية) من سائق سيارة أجرة أن يقلنا إلى بيت أسرة البوعزيزي الموجود بحي النور، لم يعرف المنزل بالضبط، لكنه قرر أن يقلنا ثم نسأل الساكنة عنه، هناك، ركب معنا شاب في السيارة لكي يحدده لنا، دقائق ونحن ندخل ونخرج من أزقة تضم منازل في طور البناء وأخرى هشة يسكنها فقراء المدينة، لم يكن من اللازم أن يذكرنا سائق التاكسي بكون المنطقة فقيرة، فالفقر واضح في هذه الأرجاء التي تشبه الأحياء الهامشية المغربية..
ما هي إلا لحظات حتى أشار لنا إلى منزل البوعزيزي: منزل صغير به باب يفضي إلى مساحة خالية تعد خصيصا لنشر الملابس ووضع الأشياء التي لا تستطيع الدخول إلى المنزل-كعربة الراحل- ثم إلى المسكن، طرقنا الباب مرات متعددة، ومع كل ثانية تمر، كان الأمل بلقيان الوالدة يتضاءل، إلى أن قتلته جارة أكدت لنا بأن ساكني المنزل هاجروا إلى تونس العاصمة منذ مدة..
لم يكن الوقت كافيا لتجرع ريق الحسرة، فقد أخبرتنا الجارة بوجود خالة له من الممكن أن تتحدث لنا، وبعد أن ترجل الشاب من السيارة لعدم معرفته بمكان منزلها، وبعد جولات في الأزقة المتربة، اهتدينا أخيرا إلى منزلها، طرق خفيف على الباب فتحت على إثره شابة في منتصف العشرينيات، طلبنا من سائق السيارة أن يتحدث معها ويقدمنا لها قبل الشروع في أي حديث، تأملتنا مليا قبل أن تعرف بنفسها: صونيا ابنة خالة البوعزيزي، دلفت إلى المنزل للحظات مرت وكأنها دهرا، قبل أن تفتح لنا الباب وتدعونا إلى غرفة الاستقبال، وما هي سوى لحظات حتى أتت خالته..
امرأة في عقدها الخامس، وجه بدأت التجاعيد تغزوه لكنها لم تستطع مقارعة جمال لم تنل منه السنين، عينان خضراوتان تجلبانك إليهما بعمق شديد، رحبت بنا واشترطت علينا عدم تصوير الفيديو، لأنها تخاف كثيرا من عائلة "الطرابلسية"، طمأنها بأننا لن نقوم بذلك وبأننا مغاربة لا علاقة لنا بتونس، طلبت منا صونيا كذلك عدم التصوير بالفيديو لأنها مقبلة على الدخول إلى الجيش مثل ثلاث أخوات لها، ولا تريد أن يخلق لها الحوار أي مشاكل..
اسم خالة البوعزيزي "سٌيدة البوعزيزي"، السبب في حملها لنفس اللقب هو أن والد محمد البوعزيزي من أبناء العم، مما يجعل من اللقب مقرونا حتى بوالدة فقيد الثورة، حكت لنا كيف أن محمد ليس هو اسمه الحقيقي، بل هو طارق، لكنهم اختاروا أن يلقبوه بمحمد، هكذا بكل بساطة، لا سبب في ذلك، وكيف أن الحديث عن شهادته الجامعية مجرد إشاعة، فهو وصل فقط إلى السنة الثانية من التعليم الثانوي، ليودع مقاعد الدراسة نتيجة الفقر والحاجة، فوالده توفي نهاية الثمانينيات في ليبيا التي كان يشتغل بها، ووالدته كانت تشتغل كعاملة في جني الزيتون، وأخوه الأكبر سالم كان يعمل نجارا، لذلك فضل طارق أن يشتغل من أجل قوت أسرته التي يوجد فيها ثلاث أخوات، وأخوين أخريين.
"كان الشهيد يريد الزواج من ابنة خالة أمه، وقد فاتحني في الأمر فوافقته في فكرته" تخبرنا الخالة ودمعة تترقرق في عينيها، تكمل صونيا بأنه كان كذلك يطلب الزواج منها –على سبيل المزاح-عندما كان صغيرا وكانت ترفض، "تربينا كإخوة معا، كان ينام كثيرا في بيتنا، على تلك الأريكة التي تجلس عليها توجد رائحته" تقول صونيا التي تؤكد بأنه كان يحب الضرب على الدربوكة كثيرا، وهو من ضربها في حفل زفاف أخيه، بينما كان يكره السياسة كثيرا ولا يتحدث عليها.
تتذكر صونيا اليوم الذي أحرق فيه جسده وتحكي لنا عندما اتصل بهم الخال معلنا لهم الخبر، كيف جروا نحو مبنى البلدية بدون نعل، ليجدوا سيارة الإسعاف قد نقلته، فحاولوا الدخول إلى المبنى، لكن الحرس ضربهم بشدة واعتدى على والدتهم، لتقرر هي شخصيا أن تساهم في الاحتجاجات التي تحولت فيما بعد إلى ثورة عارمة رغم أنها لم تكن تنتظر أن تتحول الأمر إلى هذا الشكل.
"كنفرح برشا ملي نشوف لعباد تحتج فبلدان أخرى وفرحت برشا ملي طاح مبارك والقذافي" تقول الخالة بكثير من الثقة قبل أن تردف إنها تحس أحيانا بالندم على الثورة عندما ترى جثث القتلى في سوريا، وتدعو الله في كل صلواتها أن يعجل بالنصر ضد "الطغاة" الذين تتيقن بسقوطهم، بالنظر إلى رؤية "بسمة" أخت طارق، التي رأت في منامها بعد نجاح الثورة رجلا ملتحيا بوجه مشرق لم تتبين ملامحه، يخبرها أنه سيحرر كذلك ليبيا وسوريا كما حرر تونس.
عندما سألناها عن أصل تلك الاتهامات بخصوص الراحل ووصفه بالسكير، نفت الخالة الأمر بشكل مطلق، وقالت إنه كان دائم الصلاة، ومن نشر مثل هذه الإشاعات مجرد حاسد لأسرة البوعزيزي التي تلقت مساعدات مالية من مختلف أنحاء العالم العربي جعلتها تنتقل إلى السكن بالعاصمة التونسية، بل إن البوعزيزي، تقول الخالة، كثيرا ما كان ينسى حذاءه أمام المسجد عندما يدخل للصلاة، وبمجرد ما ذكرنا لها حزب النهضة، حتى رددت بكونه حزبا متشددا ويريد فرض النقاب على الجميع بحسب ما سمعت من الناس، كما أنها لم تصوت عليه، بل لحزب اسمه العريضة الشعبية نظرا لأن مرشحه رجل صادق.
قدمت لنا صونيا في نهاية حديثنا معهما صورة شخصية لطارق لم تعرض من قبل في الإعلام، كانتا تتحدثان والدموع تغالب كلماتهما، وقفت الخالة لتودعنا متمنية بأن ننعم في بلدنا بالأمن والرخاء، tرغم أنها لم تطأ المدرسة قط، كانت واعية جدا بما يدور حولها، وكانت كلماتها تعبر عن ثقة كبيرة بدور عائلتها في صناعة الثورة، بساطتها وتواضعها جعلا صديقي المغربي المرافق لي يقبل رأسها احتراما لها..
وقفنا ننتظر سيارة الأجرة ، الخالة في باب المنزل توصينا بالعودة في أي وقت نريد، لم نحس بالوقت وهو يتسرب من أيدينا، فلقاء عائلة كهذه شرف لا يتكرر كل يوم، ففي البداية كانتا مترددتان في الحديث إلى صحافي، وأخبرتانا كيف أنهما رفضتا مرارا وتكرارا إجراء مقابلات صحفية، غير أن احترامهما الكبير لبلد اسمه المغرب، جعلهما تقبلان على حوار حرّك في أعماقهما الكثير من الآلام..
ودعنا سيدي بوزيد على متن سيارة نقل لم نجدها إلا بصعوبة، كما أنها لم تصل بنا إلى تونس العاصمة كما أتينا منها صباحا، بل أقلتنا إلى صفاقس، ومنها سيارة نقل أخرى إلى العاصمة، فمدينة البوعزيزي لا تزال محرومة حتى من أبسط حقوقها: نقل منتظم يؤمن زيارة من يريد شكر أرض حررت الكثير من البلدان من استعمارها الداخلي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.