بعد لحظة كنت فيها في خلوة مع نفسي .. إذ عادت بي الذاكرة إلى مراجعة شريط الذكريات، وهكذا مرت بي لقطة كانت بمثابة فرصة ذهبية جاد بها علينا كاتب مغربي له وزنه الخاص، وكان لابد لي من أن أقف أمام موقفه النبيل لما أعطانا نموذجا في الإصلاح .. انه الكاتب الأستاذ أحمد بوزفور الذي أصدر بجرأة فائقة بيانا أعلن فيه عن رفضه التام لتسلم جائزة المغرب للكتابة الخاصة بالإبداع الأدبي التي منحتها له وزارة الثقافة المغربية خلال سنة 2004 بحيث ارجع الأستاذ بوزفور رفضه إلى أنه لم يرشح نفسه ولاكتابه للجائزة المذكورة .. ولم يكن يرغب فيها بتاتا، بمعى أنه أراد أن يقول بأن هناك من هو أجدر بها منه، وهكذا يكون كاتبنا الكبيرالمحترم قد بدأ مسألة الإصلاح هذه من داخل نفسه .. ومن أعماق وجدانه، ومن صميم قناعاته الداخلية، في حقيقة الأمر عشت لحظات مؤثرة مع هذه اللقطة، واتضح لي جليا كيف أن الأدباء والمثقفين الحقيقيين لاتدفعهم رغباتهم إلى السطو على أدوار هي لغيرهم ولاتخصهم في شيء، وفي خضم هذه الذكريات واللقطات سرعان ما عدت لمتابعة برامج الفضائيات الأجنبية، حيث اتضح لي فجأة أن هذه الفضائيات تتوفر على فرق مهنية على جميع الأصعدة ..وأن الاختصاصات داخلها محترمة، وكم كانت حسرتي شديدة لما عدت إلى إعلامنا الرسمي السمعي البصري فوجدت انه بقدرة قادر .. وبين عشية وضحاها يصبح كل من هب ودب منتجا .. منشطا ومعدا أو مقدما لبعض البرامج التي تبثها القناتين، وكذا الإذاعات الوطنية التي دون ادنى شك فتحت الأبواب على مصراعيها - لحاجة في نفس (...)-لتستقبل بعض الممثلين والمطربين، وحتى بعض المتطفلين على مهن أقوى منهم ومن تخصصه، وليس لهم أي إلمام بها .. بحيث يرغبون في لعب كل الأدوار وجمع كل المهن أو الاختصاصات في قبضة اليد الواحدة .. وذلك لتكديس الثروات، ناسين أو متناسين أنه على المنشط الناجح أن يلم بمكانيزمات التنشيط، وعليه أن يملك الخصائص الفكرية والعملية التي تخلق الفرجة والمتعة .. وعليه أيضا التمكن من جميع القواعد والإجراءات الضابطة للبرنامج الذي يقوم بتنشيطه، والمتأمل لواقع التنشيط على الشاشات المغربية يطرح سؤالا مفاده هل بعض الذين يستهويهم ميدان التنشيط يتوفرون على هذه الخصائص، ونحن نعلم مسبقا أن جلهم غير مؤهل لهذه المهمة الصعبة حقا، وذلك لمحدودية ثقافتهم وتجاربهم الحياتية والعملية. ولاشك أن عامة الناس قد لاحظوا هذا وقد ضاقوا ذرعا من هذه التصرفات، وهذا ما أوحى لي بكتابة هذه السطور- التي ربما يخيل لبعضهم أنها فقط من أجل إسالة المداد- أو التحامل على الممثلين و المطربين الذين اختاروا مؤخرا ميدان التنشيط كعمل لهم .. مع أن الهدف من تناولي لهذا الموضوع هو تصحيح للوضع الذي لانرضاه لإعلامنا الرسمي، لأنه يحز في النفس عندما لا نجد الرجل المناسب في المكان المناسب، لهذا فغيرتنا على إعلام وطننا هي التي جعلتنا نتطرق لهذا الموضوع، الذي وددنا به دق الجرس من أجل إثارة انتباه المسؤولين لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع مثل هذه المهازل التي دفعتنا للتدخل وإعطاء الدروس التي سوف لاترق الذين نحن بصدد الحديث عنهم، لأنهم يريدون الاستحواذ على كل شيء، عملا بالمثل الشعبي الذي يقول : (مانعطيو خيرنا لغيرنا ) رغم أن دار البريهي وتلفزة عين السبع تتوفران على مجموعة كبيرة من المنشطين والصحافيين الأكفاء المتوفرين على تجارب طويلة في هذا الميدان، ولكن يبقى مصيرهم الإهمال والتهميش، ولاأحد يعرف ما القصد من ذلك ! "" لهذا أجهر ولا أهمس في آذان الذين أعجبتهم ( روسهم ) لأقول لهم أنه ليس الحضور الدائم ولا التطفل على كل الميادين بصانعي النجوم .. فكفى من التهريج والسطو على الاختصاصات التي هي فوق مستوياتكم " مهنيا وثقافيا " ، وما أحوج فنانينا من ممثلين ومطربين وغيرهم من الذين يتنافسون فيما بينهم للظفر بمهمة تنشيط البرامج هذه الأيام إلى هذه المسألة ( مسألة الإصلاح ). ثم أفضل الهمس في آذان المسؤولين الذين بيدهم زمام أمور إعلامنا الرسمي، عليكم أن تعلموا أن التلفزات التي تجلب المشاهدين هي تلك التي تعير لنداءات المواطنين "دافعي الضرائب" الاهتمام البالغ .. وتعمل باقتراحاتهم، ولاتعمل على تعذيب أسماعهم وأبصارهم بأصوات وبوجوه قد ملوا من السماع والنظر إليها بكثرة ما تحشر نفسها في كل شيء، وليعلموا أن هناك شبه إجماع بين النظارة على أن يترك الوافدون من مجال التمثيل والغناء مهمة التنشيط والإعداد والتقديم لذوي الشأن من صحافيين وإعلاميين هم مؤهلين لأداء المهمة على أحسن وجه والفاهم يفهم.