يجمع إلياس العمري بين عضوية المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وصفتي المناضل الجمعوي ورجل الأعمال. إنه من أسرة ريفية محافظة، لم يمنعه تشبعه بالأفكار اليسارية، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، من نسج علاقات توصف بالأخطبوطية داخل أجهزة الدولة. يستعيد العمري، من خلال هذا الحوار، ذكريات الطفولة وأقوى لحظات مساره. - بعد فترة الفراغ التي تطرقنا إليها في الحلقة الماضية، التحقت بالحركة الحقوقية. < بدأت أشتغل في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وشاركت في عملية إعادة هيكلتها التي ابتدأت سنة 1987 في اجتماع مغلق في بيت عبد الرحمن بنعمرو، وبعد ذلك باشرت العمل ضمن لجنة متابعة خروقات حقوق الإنسان، بصفتي منسقا، إلى جانب الخمليشي الذهبي وعلي عمار وآخرين. وفي تلك الفترة، كان أرحموش متدربا عند المحامي أيت بلقاسم، فقدمني لهذا الأخير على أنني كهربائي، وذات يوم احتاج، أيت بلقاسم لكهربائي، فأمر أرحموش أن يرسل في طلبي. - وماذا عن مسارك المهني؟ < عملت على تنظيم العمل النضالي للطلبة القاعديين خلال الاجتماعات التي كانت تُعْقد بمنزلي في دوار الرجا في الله بحضور نور الدين جرير، أحمد الجزولي، مصطفى الإبراهيمي ورفاق آخرين. بالنسبة إلى مساري المهني، أعترف أن زواجي هو الذي دفعني للعمل، إذ اضطررت للبحث عن عمل بعد أن اشتغلت الطالبة التي ستصبح زوجتي مباشرة بعد تخرجها من المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي سنة 1989، حتى أكون جديرا بالزواج منها. اتصلت على الفور بعمر الزيدي وعملت معه في دار البيادر للنشر، حيث أصبحت مع حلول سنة 1992 أتقن كل ما يتعلق بصناعة الورق، فالتحقت بشركة أسسها رفيق مقيم في الديار الفرنسية. وفي 1995، أسست شركتي الخاصة بشراكة مع عزيز لوديي، صهر المنبهي، لكنها لم تنشر سوى كتابين: «الغازات السامة» وآخر لسعيدة المنبهي. أفلست الشركة والتحقت بشركة مغربية إسبانية. - كيف التحقت بها؟ < اتصلوا بي وعينوني مديرا عاما براتب جيد مكنني من شراء شقة بدوار الرجا في الله بالرباط، رغم أنني أقطن الآن في حي الرياض بالرباط. - ألا يراودك حنين إلى أيام حي الرجا في الله؟ < بالتأكيد، فكل نهاية أسبوع أذهب إلى سوقه الأسبوعي رفقة أبنائي الثلاثة الذين ولدوا جميعا في هذا الحي. ومتى التقيت لأول مرة بإدريس بنزكري؟ التقيته لأول مرة خلال زيارتي لأصدقاء كانوا معتقلين في السجن المركزي بالقنيطرة، ولم يستفد حينئذ من العفو الملكي لأنه رفض التوقيع على ملتمس العفو سنة 1989. تقوت علاقاتنا بعد خروجه من السجن، فبعيدا عن الاعتبارات السياسية، كان بنزكري بالنسبية إلي بمثابة الأخ الأكبر المستعد دوما للاستماع. إنه رمز، قد أصدم الكثيرين إن قلت إن أرحام الأمهات المغربيات عجزت حتى الآن عن الجود بمثله. إذ هناك صنفان من الرجال: الأول يقرأ التاريخ ويكتبه والثاني يكتب عنه التاريخ مثل: عبد الكريم الخطابي، أما بنزكري فقرأه وكتبه وهو الآن في مركز التاريخ، ولا يتأتى هذا الأمر إلا للأنبياء ولما قلت الكلام نفسه في إحدى المناسبات، شرع لحسن الداودي، القيادي في العدالة والتنمية، في التمتمة ببعض الأدعية. - وإلى متى يعود أول لقاء لك مع فؤاد عالي الهمة؟ < التقيته مباشرة بعد تعيينه كاتبا للدولة في الداخلية بعد تنحية إدريس البصري سنة 1999 على ما أعتقد. وكنت وقتها بصدد التحضير لندوة في الحسيمة حول الغازات السامة، لكن الداخلية لم تعلمنا كتابيا بأن النشاط ممنوع إلا بعد توافد الضيوف، ك»ماريا روزا» وآخرين، من مختلف بقاع العالم. الصحافي على بوزردة، الذي كان آنذاك صحافيا في وكالة رويترز، هو أول من لاقاني بالهمة بحضور الكاتب عبد القادر الشاوي. أما اللقاء الثاني، فتم بعد 3 أو 4 أشهر من الأول في منزلي بحضور الصديق أحمد الحليمي، المندوب السامي في التخطيط. - وكيف توطدت علاقاتك بالهمة؟ < كنت، باسم لجنة البيان الأمازيغي، عضوا في اللجنة المنظمة للمسيرة المليونية في 2000 تضامنا مع الشعبين العراقي والفلسطيني تحت قيادة خالد السفياني، حينما أصدر أحمد الدغرني بيانا يدعو فيه الأمازيغ إلى مقاطعة تلك المسيرة دون أن تكون له الشجاعة ليوقعه باسمه، مما وضع الحركة الأمازيغية وزعماءها، بمن فيهم محمد شفيق، في وضع محرج. في ظل تلك الأجواء المشحونة، أعلمني خالد السوفياني أنني سأحل ضيفا على أخبار الثامنة في التلفزة المغربية لتوضيح الموقف الأمازيغي، وفي ذلك اليوم التقيت فيصل العرايشي بعد الإجابة على جميع الأسئلة، حيث أكدت في أجوبتي على أن الأمازيغ كانوا على الدوام إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأنه لا يمكنهم اليوم أن يتعاطفوا مع كيان عنصري فاشستي استيطاني يستهدف الحق في الحياة، وبالنسبة إلي الأمر لا يتعلق بحرب دينية. وقد اتصل بي الهمة بعد الأخبار مباشرة ليهنئني على ما قلته.