الحلقة الخامسة لم يغمض جفنتيه الليل بكامله , فقد قضى معظم الظهيرة نائما ومتدللا على حبيبته وجدته العزيزة رقية , والتي كانت ترى في العفريت وإخوته الثلاث قرة عينها ولطالما كانت تردد عبارتها المشهور - آحِيَناَ راه ما أعز من الولد غير ولد الولد شرد العفريت بذهنه مرة أخرى يتأمل الغرفة في ظلام شبه دامس .. وكان يستطيع التعرف على موقع الأشياء داخلها وكأن النور يسطع.. هناك وراء ذلك الكرسي الخشبي يوجد صندوق خشبي كبير , كانت العزيزة رحمها الله تضع بداخله أثمن ما لديها .. ولم يك أثمن ما لديها سوى إسورة ( دمليج ) من الذهب الخالص. لطالما أقسمت أنها ستبيعها أو ترهنها إذا إحتاج العفريت أي شيء في أية لحظة .. أريحية أنثوية محشوة بشعور الأمومة الصادقة .. تلكم كانت العزيزة رقية رحمها الله. وقد كان لها ما أقسمت عليه بعد ذلك اليوم. فقد إحتاج العفريت وهو إبن العشرين سنة إلى بعض المال لكي يسافر إلى إسبانيا , فكانت العزيزة رقية في الموعد , بارة بقسمها. رهنت دمليجها ليعود لها العفريت بثمن الرهن بعد عمل صيفي مضن في بلاد الأندلس طيلة الصيف. تكوم تحت الغطاء الصوفي الخشن ولبس جلبابه الصوفي البني الفاتح و المخطط بالأبيض .. أخرج رأسه من تحت الغطاء فلسعته هبة برد قارس تسرب من النافذة فوق رأسه .. سمع صوت جاكس ينبح فأطل من النافذة ليرى أربعة شبان يصعدون نحو " عقبة موستارخوش" وللمستر خوش هذا قصة غامضة سوف أحكيها لكم يوما ما. كان الشبان يتحدثون بصوت مرتفع وقد بدى عليهم النشاط والمرح في هذه الساعة الأولى من الفجر. حاول العفريت تتبع مسيرة الشبان الأربعة وهو يطل عليهم من حافة سور البيت الطويل .. لكنهم إنغمسوا في الظلام واندثر أثرهم عند بلوغهم " دار الإنجليزي " والتي كانت تبعد عن حجرة العزيزة رقية بحوالي مائة متر. عاد وتسلل عبر النافذة نحو غرفة جدته وهو يرتعش بردا .. جمع رجليه إلى مستوى الصدر وتكوم ككرة من البلاستيك وانغمس في جلبابه متمما غطاءه باللحاف الصوفي .. "بطانية جدي" .. وكانت كما سلفت الذكر مصنوعة من الصوف الحقيقي وعلى يد نسوة جربن الحياة في حرفة الحياكة وغزل الصوف التقليدي. بحلق بعينه من تحت الغطاء فأحس بجدته تتوجه نحو المغسلة لكي تتوضأ لصلاة الفجر .. سمعها وهي تسكب الماء في الإبريق النحاسي وتضعه على النار .. كان يعرف من موقع قدميها مكان وجودها في البيت , فقط عبر الإنصات الشديد لما تحركه من أواني .. ومن فتحها للأبواب .. وكان آخر ما سمعه هو توجهها عائدة نحو غرفتها لآداء صلاة الفجر .. حين غمرت كلمة الله أكبر الله أكبر .. كل البيوت وغابات بال فلوري وأزقتها .. فمؤذن حي بال فلوري يستطيع رؤية حديقة بيت العفريت من فوق صومعته . وكان آذان الفجر هو المنبه الحقيقي لكل أفراد الأسرة وميقاتا لبدأ النهار .. على الرغم من تمكن الصغار من البقاء نياما بعض الدقائق أكثر لكن الجميع يجب يكون على طاولة الإفطار عند الساعة السادسة صباحا .. للذهاب إلى المدرسة. توجه العفريت نحو جدته فوجدها لا تزال تصلي , جلس إلى حافة السداري ( المصطبة ) وانتظرها لتكمل دعواتها له ولأبيه وعماته أمينة وفاطمة وبناتهم وأبنائهم وأزواجهم .. كان دعاءها رحمه الله أطول دعاء يبتهل به مسلم أو مسلمة لله. وقليلا ما كانت رحمها الله تدعو لنفسها سوى دعاء واحد هو المغفرة بينما الدعوات بالصحة والمال والبنون والرفاهية كانت كلها توزع على العفريت وأخواته والباقي يذهب لأولادها الثلاث محمد ( أبي رحمه الله ) وعمتيه فاطمة وأمينة. وضع يده على كتفها وقال: - العزيزة انتينا ماشا معايا للمدرسة ياك ؟ - بسم الله الرحمان الرحيم .. طيرتيها مني آوليدي الله يطيرك من قدامي . شني كتعمل فأسلاس ( الظلام ) .؟ شني فيقك فهاذ الساعة .. مشي تنعس الله يجعلك تنعس ما تنوض. - العزيزة الله يرحم باباك ويماك .. قولي ؟ إنتينا ماشا معايا ياك ؟ حيت الباراح قلتيلي مش تمشي معايا باش تقتل الأساذ ياك ؟ - إييه مش نقتلو ونقتلك حتى انتينا إلى ما رجعتيشي لموطعك ( مكانك ). عاد إلى فراشه وهو على يقين بأن العزيزة رقية ذاهبة معه إلى المدرسة أحب أباه أم كره .. وكان على يقين كذلك أن معركة حامية سوف تنشب في البيت على طاولة الإفطار بين أبيه والعزيزة رقية. - وفاين مش تمشي آ يما الله يهيك - قلتلك أنا رجلي فرجلو لعند هاذ الأساذ لي عمل فيها هاذ الحالة والله ما أنا فارقاه يدي فيدو حتى للمدرسة - وخاليني أيما نوصلك .. - لا .. ما توصلني ما نوصلك أنا ماش نشوبر الطرابيا نيميرو 7 ماش توصلني حتى لراس المصلى ومن تما ها أنا في البوليبار. - ولكن أيما - ما ولكيني ما والو .. غير لبس صباطك ومشي للخدمة ديالك .. العايل أنا مكلفا بيه .. أما العفريت فكان منكمشا على كرسي قرب الباب وقد جهز محفظته المدرسية ولبس حذاءه الجلدي الذي قدمه له العم مفضل المريني عند الدخول المدرسي , وهو على أهبة الإستعداد لكلا القرارين .. إما الركوب في سيارة الفولسفاكن العتيقة والذهاب مع ولاده أو الإمساك بيد جدته والتوجه قرب البقال حيث محطة الحافلات المتوجهة إلى السوق دبرا (سوق البراني ). - دبا أنا بغيت نعرف واش انتينا تبغي شي واحد يدمي لولدك رجلو هاكذا - أ لآلآ .. الله يهديك .. راه ولدك ولدي .. هاذو كلهم ولادي .. ولكن الترابي ضرورية - الترابي ما شي هي السليخ .. هاذ العواول مشي لحمهم من الحجر .. آ قلوب الحجر والله يا باباك وباقي جاني مضروب - آلالا أ الواليدة واش عرفتي بعدا شني عمل - كلا طريف دكاليينطي فالمدرسة - آ لالا . أ لالا سمعني الله يهديك شني سماك الله بعدا ؟ - هاذي العزيزة رقية ( أجابه العفريت بصوت جاف ) - ألآلآ رقية .. راه حصلتو كياكول كاليينطي ويمسح فالمطالعة العربية ولم تك رحمها الله تعرف القراءة أو الكتابة .. لكنها كانت كلما رأت على الأرض قطعة ورق بها كلمات عربية كانت تقبلها وتضعها في مكان مرتفع كان كل ما هو مكتوب بالعربية في رأيها هو كلام الله .. قرآنا كان أو غيره. فماذا ستفعل العزيزة رقية بعد ذلك ؟ وكيف ستنتهي معركتها مع الأستاذ ؟ بعد أن عرفت أن العفريت مزق كتاب العربية وتلك جريمة لا تغتفر في رأيها. ذلك ما أسره لكم في الجزء الثالث والأخير من قصة " معركة الإنتقام " شكرا على متابعتكم وإلى اللقاء في الحلقة القادمة للتواصل مع الكاتب عبر الفايس بوك الموقع الإلكتروني