قضايا "التغيير في العالم العربي" "هموم الإصلاح في العالم الإسلامي" "التراث والتجديد" ومواضيع أخرى عناوين كبيرة لأزمة مستفحلة لا تزال تستأثر باهتمام الباحثين وشرائح واسعة من المهتمين في العالم الإسلامي، بعضهم خاض فيها مؤثِرا مجال الفكر وميدان الثقافة منفذا لإصلاح ما فسد، والبعض الآخر رأى للتغيير أبوابا أخرى هي أقرب المسالك للأفضل وأدل على الطريق. اختلفت أساليب التغيير وانعكست ألوانها على كل تيارات الإصلاح في العالم العربي والإسلامي بما فيهم الإسلاميين الذين نفرت فئة قليلة منهم لبناء الأساس الفكري والمضمون العلمي للتغيير، فيما هيمن تيار كاسح، اختار الأسلوب الدعوي والطريق "السياسي "المختصر"، هؤلاء وجدوا أنفسهم اليوم على الواجهة يجني بعضهم ثمار سعي حثيث نحو السلطة وقد بلغوا مرادا طالما عبروا عنه بقول عثمان بن عفان رضي الله عنه" يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". اليوم وبعد أزيد من قرن من تجارب الإصلاح، وبعد أن ظهر أن الإسلام مكوّن لا محيد عنه في ثقافة المجتمع، وبعد أن أسفر "الإجبار الديمقراطي" عن انبعاث الصوت الإسلامي، وجب الوقوف من جديد لتقويم مسارات "الإصلاح الإسلامي" الذي أصبح أكثر جذبا وإغراء لدى الباحثين والمحللين ووسائل الإعلام في أنحاء العالم الواسع، اليوم أصبح من اللازم النظر إلى منطلقات هذا الإصلاح ومساراته نظرة تمحيص وإمعان، ليس تشكيكا في صدق هذه المنطلقات ولكن أملا في درء صدمة مقبلة يكون سببها ضيق التفكير، وانحسار البناء النظري لفكرة الإصلاح التي يُبديها هؤلاء، وهشاشة الأساس المرجعي للحركة الإسلامية التي استفادت من انفراج سياسي نأمل أن تكون في موعده. هذه التجربة حين نتابعها فمن باب التصحيح والنصح نفعل، فنحن وإن لم نوافقها الرؤية للإصلاح، فمن الواجب أن نساندها بالتوجيه، إذ أن فشلها سيصيب الثقة في البديل الإسلامي بلا شك، وستعود الحركات الإسلامية لمراجعة مسيرتها ولكن بعد فوات الأوان. "العمل الإسلامي" لم يتأسس على قواعد متينة تؤهله "للشهادة على الناس" وما يرَوّجه القائمون عليه من خطاب يحتاج إلى تصويب ناصح يدفع عنه الكثير من الثقة الظاهرة في خطابه، بدءاً بمفهوم الإصلاح الذي يفتقر إلى قوة المضمون، وانتهاءً بشعار "الحل الإسلامي" الذي يرفعه دون ملاءمة "عالمة" لدلالات نصوصه حتى تعمل عملها في الواقع الجديد بما يوافق التصور الحقيقي للقرآن الكريم تجاه مختلف القضايا الإنسانية. أحب اليوم أن أناقش الأزمة من زاوية تكاد تختزل كل أزمات ما يسمى ب "الفكر الإسلامي" و"الفقه الإسلامي" و"العمل الإسلامي" وغير ذلك من مجالات الفكر والممارسة الإسلاميين، المجالات التي لا زالت تتمخض منذ زمن لإنتاج واقع بديل؛ أناقش الأزمة من زاوية الواقع النسائي وأنا أعرف أن عنوانا حول المرأة في شهر مارس سيكون أنفذ إلى فئة النساء اللواتي وجدن في الثورة العربية فتحة مضيئة في اتجاه مستقبل واعد بعد أن غُيّبن عن فعل التغيير طيلة عمر النهضة الحديثة أو غَيّبن أنفسهن اختيارا. و لا أشك أن الانفراج الذي انبلج فجأة في وجه النساء العربيات المسلمات هو فرصة سانحة من أجل إدماج حقيقي بعيد عن عقلية التأثيث التي خضعت لها مشاركاتهن السابقة في حركة الإصلاح. النساء اللواتي خرجن بالفطرة إلى الشوارع لم يُغيّبن الحس الديني عن التظاهر وما يستدعيه الانتماء من وعي بالواجب وبحقيقة دورهن في بناء مجتمع العدالة من خلال تصريحاتهن ومواقفهن، وأيضا من خلال ما قدّمن من دماء وتضحيات اعتبرنها جهادا أو استشهادا، فهؤلاء النساء أشعَرن من في حاجة إلى الإشعار من دعاة الإصلاح أنهن حركة نسائية ناضجة تحتاج إلى تعهد وتأطير حقيقي ومتحرّر من الوصاية الغربية التي لا تراعي خصوصياتهن الثقافية، ومتحررة كذلك من فكر قاصر لا زال ينظر إلى المرأة من خلال اجتهادات فقهية لا مبرر لوجودها في العصر الراهن. المسألة النسائية في خطاب الإسلاميين تثار في انسجام تام مع أسلوب الحركة الإسلامية في الإصلاح، وقضية المرأة استُهدِفت في توافق تام مع أسلوب الحركة في تغليب الهمّ السياسي على البناء الفكري. واليوم حين تجني طائفة من هذه الحركة ثمارها السياسية التي طالما انتظرتها، لا تجد من مضمون يفي فعلا ببناء نهضة حديثة بمقومات فكر أصيل وجذاب ومنفتح، فالبناء العلمي لمضمون الإصلاح لم يكن حاضرا بقدر حضور هاجس السلطة، وهذا الهاجس أثّر بشكل كبير على الخطاب الإصلاحي للإسلاميين وعلى الحركة النسائية التي تجد نفسها على الدوام ضمن الحركة الأم لا تخرج عن فهمها للإصلاح، وهذا الوضع تسبب لها في أزمة طرح البديل أو أقول أوقعها في أزمتين كبيرتين: أزمة الفكر وأزمة المنهج . الأزمة الفكرية للحركة النسائية الإسلامية: الحركة النسائية الإسلامية منذ بداية نشأتها أوائل القرن 20 نهجت أسلوب المقاومة ضد التفسخ والانحلال وضد التبرج واللادينية أيضا، هذه المقاومة انْبَنَت على رفض سلبيات الليبرالية الوافدة التي كانت ترى فيها مشروعا لإبادة الهوية الإسلامية بشكل عام و تتهمها بالدعوة إلى التخلية من الطهر الذي تنعم فيه المرأة وقيم العفاف التي ورثتها من انتمائها الديني، ولذلك جنحت حركة النساء -ضمن التيار الإسلامي- إلى دعوة مضادة تهدف إلى ربط المرأة بالدين الذي يحفظ فيها هذا الطهر والعفاف، وجعلت محور دعوتها تأكيد تكريم المرأة في الإسلام، وهي دعوة إلى حقيقة لم تنفد إلى عمقها كما لم تحسن مقاربة سبق الإسلام إلى تحرير النساء من القهر الذي كن يرفلن فيه قبل بزوغ فجره وانتشار نوره على العالمين. الجناح النسائي للحركة الإسلامية رهن نفسه في خندق الدفاع والتبرير، ولم ينتبه إلى أن المشكلة أعقد من عواطف توقظ مشاعر التدين الخامدة في النفوس، فالتكريم المزعوم تشوبه شوائب علقت بالنصوص وليست التقاليد بمهانتها إلا تراكم لفهوم بالية تحتاج إلى تصحيح، والمشكلة تتعلق بشكل مباشر بالتفسير ومصنّفات الفقه والشروح والحواشي والمختصرات التي تشكل في مجملها موروثا محصّنا من قِبل فقهاء لازالوا يعيشون بين ظهرانينا ولمّا يخرجوا من عباءة القدماء الذين قدّموا الكثير للأمة، ولكنهم كانوا بشرا ممن خلق الله يصيبون ويخطئون، وكان أولى أن يأخذ الجدد من قولهم بعِلم ويُردّون، دون أن يكون في الرد إساءة للأقدمين أو تنقيص. شعار تكريم الإسلام للمرأة تَجَنّب الخوض في قضايا إشكالية لها علاقة مباشرة بالنصوص المؤسّسة، الشيء الذي جعل الخطاب النسائي يقارع الأفكار الليبرالية وقيم العولمة ونظرتهما لمسألة المساواة والتحرر دون أن يُقوّي مناعته ضد تهمة التمييز الذي يضمرها، وتُهَم أخرى ترتفع إلى تهميش الإسلام وشريعته للمرأة، وحين تُخدش كرامة المرأة المسلمة بهذه التهم لا تجد من يدفعها عنها، ولا تجد في نفسها القوة والأهلية اللازمتين لرد الشبه والتقولات، وحين يبلغها ضرر من آراء فقهاء ناقلين لفتاوى بائدة لا تجد نفسها قادرة على تقويم هذه الفهوم. لقد لازَم الالتباس مواقف الحركة النسائية الإسلامية في العالم الإسلامي تجاه قضايا فقهية حرجة، من أشهرها فتوى إباحة زواج القاصر التي لقيت مقاومة في المغرب من طرف العموم، في حين اعتبرها أصحابها رأيا فقهيا ثابتا في الفقه والتفسير ولا خصوصية في نصه، هذا الرأي مثلا لم يجد في الحركة النسائية التي تنتمي إلى الجسم الحركي الكبير استنكارا علميا ولا تصحيحا، بل جنحت إلى الصمت كعادتها حينما يصدر رأي شاذ يُنسب إلى التراث الفقهي غير الممحّص، ولربما كانت ذريعة الحركة عدم إثارة المواضيع الحساسة مع التيارات الإسلامية المخالفة والمتشددة، والواقع أن المرأة المسلمة لا تجد نفسها ضحية أفكار محصورة في تيار متشدّد ولكنها تؤتى أيضا من قِبل الفكر الحركي الموسوم بالقصور والذي يباركه الجناح النسائي دون حرج، مع أن المرأة في فحوى هذا الفكر ومضمونه كائن قاصر أزلي لا يرقى إلى كمال الرجل. الحركة الإسلامية حين انتدبت نفسها للتغيير أول مرة لم تُعِر اهتماما كبيرا بالنصوص، وفي الوقت الذي كان محمد عبده وتلامذته يبنون التفسير من جديد ويعيدون صياغة الفقه على قِلّة منهم، كان استنفار الحركة الإسلامية كاسحا في ربوع مصر والعالم العربي أملا في استرجاع الخلافة المغتصبة، ولم يلتفت أصحاب هذا الاختيار إلى أن الخلافة ضاعت بسبب فهم ضَيَّقَ النص وألزمه بأحكام فرعية لم يكن فقه النساء ضمنها إلا طهارة ونفاس وطاعة زوج ولزوم بيت، وكان الباقي أحكام تخاطب الرجل أولا وفي معزل عن محيطه الواسع وفضائه العمراني الرحيب. الآراء الفقهية لا تزال قاصرة حسبما يبدو عن مسايرة التصور الشمولي للقرآن الكريم الذي ينظر إلى الأفراد نساء ورجالا عامل نهضة عمرانية، محكومين بالعمل للنهضة في إطار الأحكام التكليفية الخمسة ولم يكلفوا فقط بما يضمنوا به سعادة الآخرة، كما أن هذه الآراء، كانت -وهي تنتج فقها قديما- تعمل بغير وعي على عزل العلوم الخادمة الجديدة عن أداء مهامها في النصوص، كما كانت تُقبِر هذه العلوم التي ينتجها ويثيرها في الغالب باحثون لا ينتمون إلى تنظيمات سياسية أو دعوية وتحصرها في دراسات أكاديمية جافة، وهذا ما يفسّر ابتعاد الفتاوى المتعلقة بالمرأة عن ترجمة فقه نسائي عمراني إسلامي حقيقي، فعند كل فتوى مستجدة يتأكد أن هناك اختلالا ما بين ادعاء التحرّر في الصف الإسلامي وما يسوقه بعض المنتسبين إلى الفقه ومعهم عموم النساء الإسلاميات. ومن ينظر اليوم إلى الخطاب النسائي في صفوف الحركة الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي يرى خطابا سياسيا مهيمنا تمثله قيادات حركية لا تفتر عن مناقشة مفهوم الجندر والمناصفة، وغير ذلك من المواضيع بأسلوب تقليدي في الدفاع عن الذات، وبمقاربة تتسم بالاندفاعية وتخلو من العلمية الشرعية والوعي الأصيل، هذا إلى جانب نوع آخر يقابل هذا الأسلوب يمكن تصنيفه في خانة "الخطاب الشرعي" تمثله الواعظات والمرشدات الدينيات، وهو خطاب لا يخرج عمّا يجب على المرأة من مسئوليات تجاه بيتها، وطاعة تجاه زوجها، وما يتعلق بطهارتها من أحكام حيض ونفاس...إلخ، أما التأليف الذي تنتجه التنظيمات الإسلامية في الموضوع فلا يكشف -على قلته- عن وعي بالواجب الحقيقي لحركة النساء ولا عن الوعي بدقة المرحلة وتبدل أحوال الزمان، وحتى حين يكون هناك سبب يدعو إلى المراجعة بسبب نقد خارجي تنتفض الأقلام للرد عليه بأسلوب التبرير حينا وبأساليب أخرى قد لا يخلو بعضها من التهم الجاهزة والتخوين أحيانا، وقد جربنا في المغرب مثلا موقفا شبيها حين أعدّ الأستاذ الساسي تقريرا حول نظرة فقهاء تيار حركي مغربي للمرأة انطلاقا من فتاوى مسطورة، فلم نسمع من هذا التيار بعد ذلك اعترافا بقصور الفتاوى والآراء الفقهية المذكورة، ولكن شهدنا أياما من النزاع غير المفهوم وفصولا من الردود الخالية من العلمية والموضوعية. الأزمة المنهجية في الحركة النسائية الإسلامية: الاختيار النسائي في الصف الحركي يشكو من علل السياسيين في طرح البدائل والمشاريع، فأسلوب النساء المنافحات عن القضية يُضمر في الغالب عدوا مفترضا من أجله تعقد الجموع ولصدِّ خطره يباح الكلام، ولا تُسفر هذه الجموع -قَبل أن تُفَضّ- على وعي بمسئولية الذات عن الواقع المتردي للنساء. وها نحن وبعد مائة سنة لا زلنا نناقش المساواة بأسلوب مطبوع بالسطحية وبالاندفاعية والصراع، وعلى هامش حقيقة المساواة في التشريع الذي يحتاج إلى درس حقيقي لم ينضج بعد. أما حين تُدّعى المرجعية الإسلامية من قِبل الخطاب النسائي فلا تعكس هذه الدعوة عمق التصور الإسلامي لقضياها، مع أننا لا نشك في صدق النية وحرقة النبرة ونحسن الظن بالخطيبات، وبدل أن يُجَلّى التصور ويُنَقّى من شوائبه تختلط المرجعية المذهبية والسياسية بالمرجعية المعرفية التي يُفترض أن تُستَمَدّ من استنباط سليم وواعي للنصوص وبعيدٍ عن إكراهات الالتزام السياسي. وهكذا، وحين يغيب الاجتهاد الذي يراعي سمو التشريع، يقترب الخطاب من الإيديولوجيا بما هي "تبرير للأفكار" أو لنقل كما قال عاطف عيت: " تبريرات منطقية وفلسفية لنماذج السلوك والاتجاهات والأهداف وأوضاع الحياة العامة السائدة"، ويبتعد عن المرجعية بما هي: "الجهة التي يُرجع إليها لأخذ مسائل الدين وفهم أحكامه وقضاياه"، ولا تكون بهذا المعنى إلا مُمِدّا شرعيا للفهم والسلوك من خلال ما تُسفر عنه القراءة العلمية المتأنية للنصوص ومن خلال الاستنباط من النص والالتزام بمقتضى أصوله ومقرراته. ومن الأخطاء القاتلة للحركة النسائية المنبثقة عن الحركات الإسلامية ما يبدر عن خطابها الذي يبدو أحيانا خادما لإثراء الرصيد السياسي للحركة الأم، ذلك أن بعض المواضيع التي تكون محور الخرجات النسائية ذات الطبيعة الموسمية توحي –على الأرجح- بوجود خلفيات سياسية قد تعني النساء حينا وتصيب بعض الجوانب من قضيتهن، ولكنها لا تلامس جوهر ما يتطلعن إليه من عدالة يرين أن الإسلام يختزنها، وقد تتضخم هذه المواضيع الموسمية في مضمون الخطاب النسائي المتأثر بالمواقف السياسية لتأخذ أبعادا مجتمعية وأشكالا لا تناسب حجمها الحقيقي، وهكذا تفضي المرأة المسلمة إلى نفسها بعد أن ألقت السمع إلى خطاب جعل منها مادة احتفالية دون أن تعود بثمرة تغذي بها الخصاص الذي خرجت لاسترداده أو وصفة واقعية ومجدية تصحح بها وضعها حتى في بيتها الصغير، فتنمي بوصفتها الوعي بقضيتها الكبرى حتى وإن تجاهلت علاقاتها المجتمعية وقضايا الجندر والجنوسة ومشاكل الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تصفق لها بحماس مخلوط باليأس والرجاء حين تكون في مهرجان خطابي قبل أن ترجع إلى بيتها لتأنس بمسلسل مكسيكي لا زالت تراه الأهم. من المفيد القول وبكل صدق أن هذه الحركة راكمت في مسيرتها تجارب في التأطير والخدمة الاجتماعية، وحصّلت رصيدا مهما من تقنيات الخطابة أيضا، وهي كلها أوعية غاية في الأهمية نجحت حركة النساء في تقويتها مع الزمن، إلا أن هذا النجاح قد يكون السبب في رفض توجيهات الآخرين كلما انتقدوا مسارات الحركة النسائية، ونبهوا إلى مزالق رأوها في مضامين الخطاب، وهذا الحاجز قد يعيق هذه النجاحات "الشكلية" ويمنعها أن تُنمّى وتتبلور إلى نجاح حقيقي يكون له أثر في وعي النساء بالكرامة الحقيقية التي يضمنها الإسلام، فبفعل الوعي المبصر بمقومات الإنسانية القرآنية، تتحوّل النساء إلى قوة فاعلة تسير بثبات إلى غاياتها المرسومة لها وجودا دون مركبات نقص أو ريبة. النجاح السياسي والانتشار الاجتماعي والتاريخ النضالي ونجاحات أخرى، قد تكون –بلا وعي- موانع نفسية تحول دون نجاحات الفكر النسائي الإسلامي، حيث تنتصب الثقة بالذات حاجزا يمنع الفكر من التطور وتنمية قدرته على طرح البديل الحقيقي بعد مراجعة مقاصده وسلامة مرجعيته، وما دام العمل النسائي في صفوف الحركات الإسلامية مرتكنا إلى حالة اللا وعي التي يعيشها، غافلا عن بناء القاعدة الصلبة لمشروعه، سيطيل حتما من أمد سكرته، وسيسعد مائة عام أخرى بلذة الانتشاء بإنجازاته "الصغيرة" التي راكمها طيلة الزمن الفائت من عمر الإصلاح، وستعيش النساء في ظل هذه المسيرة أزمات إضافية ستخنق أنفاسها لا محالة إن لم تتحرر من القيود على اعتبار أن النساء يمكن أن يكن كتلة مجتمعية ناضجة تبادر إلى إصلاح حقيقي هي أهل له في الزمن العربي الجديد. إن النساء اللواتي انتفضن من قهر سياسي طال أمده، قادرات على نفض الإهانات الجديدة من خلال ارتباطهن بالنصوص مباشرة وبدون وسائط، وجديرات بخلع كل مظاهر الدونية التي يكرسها خطاب الإصلاح الجديد الذي يبدو أن أصحابه غير واعين بأزماته وغير قادرين على رؤية آفاته بالعين المجردة. *باحثة بمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام