بعد أن اضطرت القوات المسلحة الملكية للتدخل لتأمين حركة السير ونقل البضائع وتنقل المدنيين عبر معبر "الكركرات" الرابط بين المغرب وموريتانيا، بعد ثلاثة أسابيع من قطع الطريق وتخريبه وتهديد سلامة الأشخاص المدنيين من طرف البوليساريو، هذه التطورات تكشف عن الواقع والوضع الفعلي الآتي: خلال حوالي 29 سنة الأخيرة منذ تولي الأممالمتحدة مهمة تدبير الملف، وعقد اتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991، طرأت تحولات كبيرة في العالم خاصة في مجال السياسة والعلاقات الدولية، وفي أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوبها، وفي الوضع الميداني بالأقاليم الصحراوية، وفي تعاطي المغرب مع الملف، في حين بقيت جبهة البوليساريو ودولة الجزائر متصلبة في مقاربتها القديمة للنزاع المفتعل، وطرق التعاطي معه وانتظاراتها، كما يبدو من خلال وهمها وادعاءاتها بتحرير الأراضي واسترجاع مناطق، مما يجعلها متأخرة جدا عن معطيات السياق الراهن، ولعل تدخل القوات المسلحة الملكية في "الكركرات" سيوقظ البوليساريو والجزائر من سباتهما ويضعهما أمام تطورات الواقع الفعلي والميداني في الصحراء، والتعاطي الدولي، وحجم قدراتها ووجودها، وممكنات التدبير الموضوعي والجاد للملف. تطور الوضع التنموي بالأقاليم الصحراوية مقارنة مع سنوات الثمانينيات والتسعينيات، والواقع الميداني والحقوقي داخل مخيمات تندوف، وتحولات الوضع الاستراتيجي في العالم وفي المنطقة، خاصة مع اعتماد المغرب سياسة العمق الإفريقي ذات أبعاد اقتصادية كبيرة في المستقبل خاصة بالنسبة للدول والشركات الكبرى، والاستعداد لإطلاق حركة تجارية عبر ميناء الداخلة... كلها مستجدات جيو-استراتيجية ستضع الجزائر والبوليساريو في عزلة كبيرة، مما سيفرض عليهما إما التعاطي الجدي والواقعي مع الوضع الجديد والخروج من رهانات الماضي، أو دخول مرحلة العزلة الكاملة والاضمحلال السياسي. لا شك أن طول مدة هذا "النزاع" السياسي الذي يسيء إلى الجزائر قد أرهق الشعب الجزائري خاصة الفئة العريضة من الشباب والنخب السياسية والمجتمعية، وربما حتى جزءا من العسكر الجزائري، الذين ورثوا هذا الورطة عن الجيل والسياق السابقين، خاصة في ظل الأوضاع الدولية والداخلية الحالية، وهم واعون بأنه السبب الأساس في إعاقة التطور والتعاون المغاربي سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وتطور بلادهم أيضا واستفادتها في ظل ممكنات الوضع الراهن. ومن ثمة استحالة مغامرة الجزائر بالدخول في حرب انتحارية خاسرة، وصعوبة عودة البوليساريو إلى أسلوب الهجمات والعصابات والاشتباكات التي كانت تنهجها خلال ثمانينيات القرن الماضي في ظل سياق دولي مختلف، ووضع ميداني مختلف أيضا، خاصة أمام الرد الحازم للقوات المسلحة الملكية، حيث ستضطران إلى القبول بالجلوس الجدي لطاولة المفاوضات لمناقشة أجرأة واقعية لمقترح الحكم الذاتي.