راخوي يريد إجبار المهاجرين على توقيع عقد حسن السلوك حيث يلتزمون من خلاله ب"احترام العادات والتقاليد الإسبانية" "" انتقدت ماريا تيريسا فيرنامنديث دي لافيغا، نائبة رئيس الحكومة الإسبانية، المقترح الذي أعلن عنه ماريانو راخوي وقالت عنه إنه انتهازي -أي المقترح-. وينص "عقد الاندماج" الذي يقترحه راخوي على فرض مجموعة من الواجبات "الإضافية" على المهاجرين المقيمين بإسبانيا من قبيل احترام "العادات والتقاليد الإسبانية". وأبرزت ديلافيغا أن العديد من الإجراءات التي تضمنها مقترح زعيم الحزب الشعبي موجودة في التشريع الإسباني. وأضافت أن الحزب الشعبي مستعد لنهج كل السبل لتعرية الحكومة وإضعافها، فإذا كان قبل أيام لمح إلى احتمال وقوع "كارثة اقتصادية" فإنه اليوم يوهم المواطنين الإسبان بوجود فزاعة اسمها الهجرة. ومن بين الفقرات التي ينص عليها "عقد الاندماج" الذي يقترحه راخوي وبالإضافة إلى احترام التقاليد الإسبانية، نجد على سبيل المثال: التزام المهاجرين بتعلم اللغة الإسبانية، وأداء الضرائب وبذل مجهودات للاندماج في المجتمع الإسباني، وعلى الخصوص "العودة إلى بلدانهم إذا لم يحصلوا على عمل خلال فترة معينة". ويعتبر هذا الاقتراح نسخة طبق الأصل للقرار الذي اتخذه نيكولاس ساركوزي سنة 2004 عندما كان وزيرا للداخلية. وينص هذا العقد المقترح أيضا على أنه في حالة مخالفة بنوده يكون المهاجر عرضة للحرمان من المساعدات الاجتماعية التي اكتسبها وربما سببا في طرده من البلاد. رأي المهاجرين والخبراء: وحسب التصريحات التي أدلى بها بعض المهاجرين فإن راخوي يسعى لكسب أوراق انتخابية إضافية إلى رصيده من خلال هذا المقترح للوصول إلى رئاسة الحكومة خلال الانتخابات التشريعية التي ستشهدها إسبانيا في 9 مارس/آذار المقبل.من جهته أبرز الخبير جوزيب أوليفير، أستاذ كرسي الاقتصاد التطبيقي (المتخصص في مجال العلقاقات بين الاقتصاد والهجرة)، أن ثلثي مناصب الشغل التي تم خلقها خلال السنوات الأخيرة كانت من نصيب المهاجرين. ويرى هذا الخبير الاقتصادي أن إسبانيا بحاجة إلى مزيد من المهاجرين للرفع من نموها الاقتصادي وشدد على ضرورة بقاء هؤلاء المهاجرين في إسبانيا. موقف رافض من قبل كل الأحزاب الإسبانية: من جهتها أعربت مختلف الأحزاب السياسية في إسبانيا (الحزب الاشتراكي الحاكم – الحزبي القومي الباسكي – اليسار الجمهوري في كاتالونيا – حزب التقارب والوحدة – اليسار الموحد) عن رفضها لهذا المقترح الذي تقدم به زعيم الحزب الشعبي الإسباني، وأشاروا إلى كونه يعتبر مبادرة "تمييزية" تنبثق من صميم عقيدة "اليمين المتطرف"، حيث أجمعت كل هذه الأحزاب على أن المهاجرين ما عليهم إلا احترام القوانين المعمول بها في البلاد مثل باقي المواطنين، وما عدا ذلك فلا جدوى منه على الإطلاق. من جهته استنكر رئيس الوزراء الإسباني خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو المقترح الذي أعلن عنه راخوي حول "عقد الاندماج" الخاص بالمهاجرين، وأضاف أن المهاجرين ملزمون فقط باحترام القوانين الجاري بها العمل مثل بقية المواطنين وأداء واجباتهم، كما قدم اعتذاره باسم كل الإسبان للعمال المهاجرين بخصوص الخطابات العدائية التي يطلقها بين الفينة والأخرى الحزب الشعبي المحافظ. كما رفض ثاباتيرو مقترح راخوي القاضي بإلزام المهاجرين التوقيع على عقد حسن سلوك اجتماعي ومهني. وبخصوص مسألة احترام التقاليد الإسبانية، ذكر ثاباتيرو بأنه من حسن الحظ أن الإسبان لديهم عادات وتقاليد متنوعة ومتباينة، متسائلا بالتالي: أية تقاليد يقصدها راخوي؟ وفي نفس السياق، انتقد الناطق باسم حزب اليسار الجمهوري (قومي كاتالاني)، أغوستي سيردا، هذا "العقد" المقترح، لأن المهاجرين الذين سيقضون فترة تفوق السنة في إسبانيا عليهم تعلم اللغة واحترام "العادات"، وأبرز أن هذا المقترح لا يعترف "ببقية الثقافات غير الإسبانية". وأضاف قائلا: "بالتالي إذا جاء إلى إسبانيا أناس يجهلون اللغة الإسبانية ولا يندمجون في المجتمع، فنفس الشيء يجب تطبيقه عندما يأتي أقوام إلى برشلونة لا يعرفون اللغة الكاتالانية ويخلقون نفس المشاكل". بيدرو زيرولو، المسؤول عن الحركات الاجتماعية والعلاقات مع المنظمات غير الحكومية في الحزب الاشتراكي الحاكم، هاجم هذا المقترح واعتبره بدون معنى ولصيقا بخيارات اليمين، وأضاف أن اليمين الإسباني يستخدم وصفات قديمة غير فعالة لواقع جديد، وبالتالي يستحيل إيجاد تدبير فعال لتدفقات الهجرة مع مقترحات راخوي. بالنسبة للناطق باسم حزب "اليسار الموحد"، جوان هيريرا، فقد رفض مطلقا فكرة العقد ولكنه قال في حالة إقراره لا يجب ربطه بالتقاليد الإسبانية بل باحترام القيم الديمقراطية، ويعتقد هيريرا أنه حصل لبس وخلط لدى زعيم الحزب الشعبي ماريانو لراخوي، وأكد أن الحقوق لا تسطر في العقود بل لها ارتباط بإنسانية الفرد، واتهم راخوي باعتبار المهاجرين مجرد بد عاملة فقط. من جانبه اعتبر كارلوس كامبوزانو (حزب "التقارب والوحدة" الكاتالاني- قومي) أن مقترحات الحزب الشعبي في مجال الهجرة تفتقد للمصداقية خصوصا بعد تجربته الحكومية خلال الولاية السابقة. أما المسؤول عن الهجرة في "الحزب القومي الباسكي"، إيميليو أولاباريا، فاعتبر أن هكذا سياسة "انفعالية" تجد أسسها في منطق "الوقاية" و"الخوف"، كما يجعل التدابير المتخذة في مجال الهجرة تكتسي بعد "السياسة الإجرامية أو النظام العام" وليس بعد "الإدماج أو معايير التضامن". في الصورة ماريانو راخوي (زعيم الحزب الشعبي الإسباني) العديد من الجمعيات غير الحكومية أبرزت من خلال ردودها على راخوي أن حقوق والتزامات المهاجرين والأجانب لا يمكن أن تخضع لأي عقد إداري، وأن مقترح الحزب الشعبي الرامي إلى إحداث عقد الاندماج بالنسبة للمهاجرين ليست له أية شرعية وغير قابل للتطبيق. واعتبرت هيئات المجتمع المدني مبادرة الحزب اليميني بأنها مجرد مناورة "انتخابية". وفي هذا الإطار أوضح الناطق باسم "الهيئة الإسبانية لمساعدة اللاجئين"، ماوريسيو فاليينتي، أن القانون الإسباني ينص على أن المهاجرين يتمتعون بنفس الحقوق والحريات مثلهم مثل باقي المواطنين الإسبان، وأبرز أيضا أن عملية إدماج المهاجرين تحتاج بذل مجهود متبادل من قبل المهاجرين ومن قبل الإسبان، كما حذر من أن أي ضغط ما يمكن أن يولد تصادما بدل التعايش المنشود بين الجانبين. وهاجم ممثل الحزب الاشتراكي الإسباني في البرلمان الأوروبي، خافيير مورينو، رئيس الحزب الشعبي اليميني مشبها مقترحاته المتعلقة بمجال الهجرة بأنها مشابهة لتلك التي ينادي بها جون ماري لوبان زعيم اليمين المتطرف في فرنسا، وتابع متهكما: أية تقاليد يقصد؟ هل يتعين على المهاجرين الذهاب لمشاهدة مصارعة الثيران، ونوم القيلولة وأكل العجة؟ من سيراقبهم ومن سيقرر أن ذلك يحترم أم لا؟ وأبرز مورينو أن القوانين يتعين على الجميع احترامها بغض النظر عن الجنسية أو اللون أو المعتقد، وأن هكذا مقترحات ستفرز لنا مواطنين من الدرجة الأولى ومواطنين من الدرجة الثانية. مرة أخرى موضوع الحجاب ... !! وفيما يتعلق بموضوع الحجاب أعلن المكلف بقطاع "الحريات العامة والعدل والأمن" في الحزب الشعبي، إغناسيو أستارلوا، أنه في حالة فوز الحزب في الانتخابات التشريعية القادمة سيقوم بتطبيق قانون حول ارتداء الحجاب الإسلامي لمحاربة التمييز ضد النساء وحتى لا يصبح عنصرا يخل بالمساواة بين الجنسين. ويأتي هذا المقترح في سياق الأفكار اليمينية للحزب الشعبي التي أطلقها في الأيام الأخيرة والتي تحث على تشجيع الكراهية ضد الأجانب، وتعكس هذه الحملة المسعورة توجه الحزب نحو خيارات اليمين المتطرف وابتعاده عن مواقف ومواقع مؤيدة للحوار والتعايش بين الثقافات والحضارات. هذا الموقف من الحجاب الذي عبرت عنه العديد من قيادات الحزب الشعبي في مناسبات متعددة لا يخرج عن أحد احتمالين: إما أنه يوظف كورقة تستعمل في الانتخابات أو هو جهل بثقافة الآخر أي بموقف الدين الإسلامي من الحجاب كونه يعتبر فريضة مثل باقي الفرائض. وفي هذا الصدد قال يوسف فيرنادييث الناطق الرسمي للهيئة الإسلامية في إسبانيا ومدير موقع "ويب-إسلام" المتميز (www.webislam.com) ما لا يعلمه التيار الداعي إلى الإسلاموفوبيا هو أن الحجاب نظرا لكونه رمزا دينيا للمرأة المسلمة وتعبيرا عن هويتها لا يمثل أي تمييز ضد المرأة أو خضوع للرجل كما يشيعه المغرضون. فالمرأة المسلمة حين ترتدي الحجاب تمارس حقها في التعبير عن معتقداتها وهو ما يعتبر من الحريات الدينية الأساسية المسطرة في المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان، وهي بهذا السلوك تختار لنفسها الصورة والزي الذي تراه مناسبا وملائما لها مثل النساء الأخريات المقتنعات بثقافة العري. "إن تصريح أستارلوا هو استفزاز لمشاعر الجالية المسلمة في إسبانيا ويسعى إلى استغلال أصحاب المعنويات المهزومة والجهل والأحكام السابقة السائدة داخل المجتمع لربح أصوات هنا وهناك لعله يفوز بالاستحقاقات القادمة". وأضاف فيرنانديث أن أستارلوا لم يطرح موضوع الحجاب من وجهة نظر دينية لأنه لو تأمل في عواقب ما يمكن أن تؤول إليه أقواله فإن قادة الحزب الشعبي والأساقفة سيكونهم أكبر المتضررين في حالة فتح نقاش حول الرموز الدينية نظرا لتواجد عدد كبير لا يستهان به من القساوسة والراهبات المحجبات داخل الجامعات والمدرجات الإسبانية، ولهذا يجب على أستارلوا اللجوء إلى مبررات أخرى للتهجم على الحجاب الإسلامي وانتقاد الجالية المسلمة، وشدد على أنه إذا كان الحجاب رمزا تمييزيا ضد المرأة فكذلك الأمر بالنسبة للتنورة النسوية أو ربطة العنق أو السرابيل والبذل السوداء التي يرتديها الكهان والقساوسة. ويتساءل فيرنانديث أيضا هل يتناسى هؤلاء ويغفلون عما جرته معاداة السامية على أوروبا خلال القرن الماضي من آفات وويلات ودمار؟ وهل يمكن أن نعطي ثقتنا لفائدة سياسيين كل همهم هو التخويف والتهويل من شأن الأقلية المسلمة في إسبانيا والاعتداء على الحقوق الدستورية الأساسية والحريات الفردية؟ وفي إطار التفاعلات التي صاحبت طرح هذا الموضوع، قال محمد علي رئيس "الاتحاد الديمقراطي في سبتة" المحتلة (شمال المغرب) إن الحجاب الإسلامي لا يمثل أي شكل من أشكال التمييز ضد المرأة ولا يتصادم مع ما تنص عليه فصول الدستور الإسباني وطالب الحزب الشعبي بعدم خلق مشاكل من العدم. وفي منطقة مورسية (شرق إسبانيا) أعلنت الجالية المسلمة عن تذمرها وسخطها من مقترح الحزب الشعبي بخصوص الحجاب، حيث صرح مبارك دموش، رئيس الفيدرالية الإسلامية لمنطقة مورسية، أن هذا المقترح لا دستوري ويعد انتهاكا للحرية الدينية. وأوضح المرصد من أجل الحريات الدينية (هيئة مدنية إسبانية) أنه يجب احترام النساء اللاتي اخترن ارتداء الحجاب الإسلامي وأبدى دعمه الكامل للمساواة وحرية المرأة داخل المجتمع ، وأبرز في بلاغ صحفي أنه يدافع عن حرية ارتداء مختلف الرموز الدينية ما دامت لا تحرض على الكراهية والعنف. يتبين من كل هذا أن الحزب الشعبي اليميني يريد أن يسير ضد التيار ويعيش خارج أحداث التاريخ، فلو تتبع زعماؤه ومنظروه الأحداث التي تشهدها الساحة الأوروبية لعلموا أنه في بحر نفس الأسبوع صادق البرلمان التركي على قرار يقضي بحق المحجبات في ولوج الجامعات التركية لمتابعة دراستهن العليا بعد عقود من الحكم التسلطي الذي كان يمنع كل من ترتدي الحجاب من دخول الجامعة أو ولوج المؤسسات الرسمية للدولة. هذا القرار الذي صادق عليه البرلمان التركي نتيجة للتوافق بين حكومة رئيس الوزراء طيب أردوغان والمعارضة الجمهورية، إذ يعتبر انتصارا للحريات الفردية والدينية ومحطة بارزة في مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعرفه تركيا. بقلم: أحمد المراغي رئيس منظمة الرسالة لحقوق الإنسان المغرب