بمجرد ما انطلقت الحملة الانتخابية الإسبانية حتى بدأت صور ثباتيرو وراخوي تزاحم صور الإعلانات والحفلات وعروض الإيجار، لكن يومين من الحملة لم يكونا كافيين لتحريك مشاعر كل الإسبان الذين مازالوا يخصصون القسط المهم من وقتهم للحديث عن همومهم العادية، دون الخوض في حمى الانتخابات التي باتت تلتهم جل مواضيع نشرات الأخبار في مختلف القنوات الإسبانية. سيطرت المواجهة التلفزيونية التي دارت رحاها بين ماريانو راخوي، زعيم المعارضة اليمينية، ورودريغيث ثباتيرو، زعيم الحزب الاشتراكي الإسباني، والتي تابعها 13 مليون مشاهد، على الحملة الانتخابية الإسبانية، فالجميع توقف عندها باعتبارها محطة مهمة يمكن أن تحدد منذ الآن ملامح توجهات الرأي العام الانتخابي، إذ إن التحليلات التي جاءت بها مختلف وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين تبدو متناقضة، فمراكز استطلاع الرأي المقربة من اليسار تعطي فوزا طفيفا لثباتيرو وسط موجة من الانتقادات للطريقة التي ظهر بها الزعيم الاشتراكي في التلفزيون، بل انتقدته حتى بعض الأصوات من داخل الحزب الاشتراكي العمالي على ظهوره الذي اعتبرته «باهتا» بسبب ارتكابه عدة أخطاء في الاتصال، رغم المجهودات التي قام بها مستشاروه في فن الاتصال، فقد بدا فعلا رئيس الوزراء الإسباني عصبيا وكان يقاطع راخوي عدة مرات خلال الحصة التي كانت مخصصة له لتقديم حججه، في حين تفادى راخوي السقوط في هذا الخطأ الذي يضعفه. لكن يبدو أنه بعيدا عن المزايدات السياسوية، فالزعيمان خرجا شبه متعادلين. والواقع أن الحزبين باتا قريبين جدا من بعضهما البعض، مما يجعل فوز أي حزب منهما أمرا محتملا جدا، وهو ما يعيه جيدا ماريانو راخوي الذي صرح أن من يربح خلال الانتخابات مقعدا أضافيا في البرلمان يمكنه أن يعتبر فائزا ويشكل الحكومة، مما سيعطي خارطة سياسية في إسبانيا أعقد من تلك التي حكم بها ثباتيرو خلال الأربع سنوات الماضية، حيث اضطر للتحالف مع اليسار الموحد من أجل تشكيل الحكومة بعدما لم يحصل على الغالبية المطلقة، وفي هذه الحالة، فإنه في حالة فوز راخوي سيحكم اليمين ويسود اليسار الذي سيشكل معارضة قوية للحكومة «اليمينية» المحتملة، في حالة تصويت الإسبان عليها بطبيعة الحال. وأشار رودريغيت ثباتيرو بشكل مقتضب إلى المواجهة التي جمعته براخوي خلال تجمع انتخابي له في مدريد بعد المواجهة، هاجم خلاله اليمين الذي اتهمه بعدم التوفر على أية سياسة اجتماعية تراعي حقوق المواطنين الإسبان، بينما قالت نائبته ماريا تيريزا دي لافيغا إن المؤشر النهائي يعطي فوزا لثباتيرو خلال المقابلة بمعدل يتراوح بين 3 و8 نقط، وذلك دون أن يسقط رئيس الوزراء في شتم أحد أو ينقص من قيمة أي مكون من مكونات المشهد السياسي، مضيفة أن كل ما فعله راخوي طيلة 90 دقيقة، هو تكرار ما قاله طيلة فترة الحكومة الاشتراكية، أي الحديث عن الإرهاب والتطرق إلى موضوع الهجرة باعتباره تهديدا حقيقيا. وسار العديد من الوزراء الإسبان الحاليين في نفس اتجاه دي لافيغا، عندما أكدوا فوز ثباتيرو في المواجهة التلفزيونية، مثل وزير الدفاع خوسي أنطونيو بونو الذي صرح بأن ثباتيرو خرج منتصرا من هذه الجولة. وبالمقابل، اعتبر أنخيل أثيبيس، مسؤول الحزب الشعبي في برشلونة أن راخوي هو الفائز خلال المواجهة التلفزيونية بشكل غير قابل للنقاش، مثلما عبر عن نفس الرأي خوان كوستا، منسق البرامج الانتخابية للحزب الشعبي، ومنسق الحملة الانتخابية غارثيا اسكودرو، اللذان عبرا عن عدم شكهما في الاكتساح الذي سيحققه زعيم اليمينيين الإسبان. ومن الانتقادات التي وجهت إلى ثباتيرو من طرف اليمين، أنه لم يأت بأي خطاب يختلف عن ذلك الذي قدمه خلال الأربع سنوات الماضية، إذ إنه مازال يتحدث عن لقاء الآثور الذي جمع بين جورج بوش وأثنار وطوني بلير تحضيرا للحرب على العراق، وكذلك عن تفجيرات 11 مارس، مما جعل قناة كادينا كوبي الناطقة باسم الكنيسة الإسبانية تعلق على تصريحات ثباتيرو بالقول «إنه مازال يريد من الإسبان أن يصوتوا عليه من أجل أحداث 11 مارس، بعدما كذب وقال إن هناك ثلاثة انتحاريين شاركوا فيها، لقد خسر ثباتيرو آلاف الأصوات بعد المواجهة التلفزيونية». وبات يسود تخوف في صفوف المهاجرين من إمكانية فوز راخوي، بعد المواجهة التلفزيونية، بحكم أنه أظهر تشددا في ما يخص قضايا الهجرة، وصلت إلى درجة العنصرية، كما أن عقد الإدماج الذي جاء به سيكون كارثيا على أوضاع المهاجرين الذين يعتبرون أنفسهم دعامة للاقتصاد الإسباني، لكن الحاصل أن عمر الحملة الانتخابية لم ينته بعد، مما يفتحها على جميع الاحتمالات.