بمجرد ما انطلقت الحملة الانتخابية الإسبانية قبل ثلاثة أيام حتى بدأت صور ثباتيرو وراخوي تزاحم صور الإعلانات والحفلات وعروض الإيجار، لكن يومين من الحملة لم يكونا كافيين لتحريك مشاعر كل الإسبان الذين مازالوا يخصصون القسط المهم من وقتهم للحديث عن همومهم العادية، دون الخوض في حمى الانتخابات التي باتت تلتهم جل مواضيع نشرات الأخبار في مختلف القنوات الإسبانية. سيشاهد الإسبان، مساء اليوم الاثنين، أول مواجهة تلفزيونية بين رودريغيث ثباتيرو، رئيس الوزراء الحالي وزعيم الحزب الاشتراكي الإسباني، وماريانو راخوي زعيم المعارضة اليمينية، بعدما صارت جميع التوابل السياسية جاهزة حتى يكون اللقاء التاريخي أشبه بمصارعة لثيران السياسة التي يراودها حلم امتلاك مفاتيح المونكلوا خلال الأربع سنوات المقبلة، فراخوي جرب جميع الكلمات السامة في فمه، مثلما أن ثباتيرو شحذ لسانه وجميع أسلحته الديبلوماسية استعدادا لبرنامج تلفزيوني مباشر سيجعل الملايين من الإسبان العاشقين للخروج ليلا يمكثون بمنازلهم هذه ليقرروا أي الزعماء أكثر أهلية للتصويت عليه، فثباتيرو خصص ظهيرة يومي السبت والأحد الماضيين من أجل الاجتماع بمستشاريه في الاتصال لإعداد السهام التي سيخرجها خلال المقابلة التلفزيونية التاريخية، مثلما أن مستشاري راخوي يقولون إن الرجل بات جاهزا تماما للنزال الانتخابي مع غريمه ثباتيرو من أجل الحديث عن المشاكل الحقيقية للإسبان بطريقة واضحة، خصوصا أنه اختار عبارة «الأفكار الواضحة، ممكنة مع راخوي» شعارا لحملته، كما أن مستشاريه في الاتصال يقولون أيضا إنه يستطيع الإجابة عن أي سؤال متعلق بالحرب على العراق وهجمات 11مارس بمدريد. أول جولة تلفزيونية كانت أول مواجهة يشاهدها الإسبان خلال الحملة الانتخابية هي تلك التي جمعت بين الثري مانويل بيثارو، الرقم الثاني للحزب الشعبي في مدريد، ونائب رئيس الوزراء بيدرو سولبيس، في برنامج تلفزيوني كان أشبه بحلبة للملاكمة يحسب فيها توقيت كل جولة، وكذا عدد اللكمات التي سددها كل طرف للآخر، واستطاع الاشتراكي سولبيس أن يكون أكثر إقناعا من غريمه اليميني في التحليل الذي قام به للاقتصاد الإسباني، وبدا الارتباك واضحا على بيثارو الذي جاء إلى عالم السياسة من بوابة المال، فقد اعتبر سولبيس أن هناك فعلا نوعا من الفرملة يعرفها الاقتصاد الاسباني بحكم نهاية مرحلة «الانفجار» التي عاشت على إيقاعها إسبانيا والمرتبطة بعمليات البناء والتشييد، وعمقت هذه الأزمة عوامل مرتبطة بالاقتصاد العالمي، خصوصا منها ارتفاع أسعار البترول، وهو التحليل الذي بدا منطقيا أمام تحليلات بيثارو التي أرجعت كل أسباب الأزمة الاقتصادية إلى عجز الحكومة عن تسيير شؤون الإسبان. وقدم السياسيان خلال البرنامج التلفزيوني الخطط الاقتصادية الإستراتيجية لكل حزب، فالحزب الاشتراكي سيعتمد في حال نجاحه سياسة تشجيع الاستثمار في مجالات البنية التحتية والاستمرار في السياسات الاجتماعية المتبعة ومواجهة ارتفاع محتمل للبطالة، أما بيثارو فدعا إلى تشجيع المبادرات الخاصة من أجل خلق فرص جديدة للشغل وتصحيح معدلات الناتج الخام الداخلي. إيتا تقلب المواجع منحت منظمة إيتا الباسكية هدية انتخابية لليمين خلال الحملة بعد قيامها بتفجير خادع مساء السبت في مدينة بيلباو، شمال إسبانيا، فقد وجه صقور اليمين انتقاداتهم مجددا لثباتيرو بفتح باب التفاوض مع إيتا الذي يتأكد كل يوم أنه لم يكن اختيارا صائبا منذ البداية، ووقع التفجير بينما كان ثباتيرو في حلبة الثيران في مدينة فلنسية ضمن لقاء مع المتعاطفين مع الحزب الاشتراكي الذي كان حاشدا إلى درجة جعلت ثباتيرو يصرخ علانية، بسترته البنية وقميصه الأبيض المخطط وسروال الجينز، أمام الملأ بأنه يشعر بأن لقاء فلنسية أحسن لقاء عقده في تاريخه النضالي، ولم يكن ذلك حكما اعتباطيا على اعتبار أن فلنسية تعد إحدى القلاع الحصينة لليمين الإسباني التي يحاول ثباتيرو جاهدا أن يربح فيها أصواتا إضافية. تخفيض ثمن القهوة يتذكر بعضنا المطب الذي وقع فيه ثباتيرو عندما طرح عليه أحد الجالسين في منصة الجمهور في برنامج تلفزيوني مباشر سؤالا عن ثمن القهوة، فكان جواب ثباتيرو مثيرا للشفقة، عندما قال إن فنجان القهوة ثمنه ثمانون سنتيما، أقل من أورو واحد، فقد سخر منه عدد من السياسيين واتهمه خصومه بجهل الواقع، أحد المتعاطفين مع ثباتيرو قرر أن يجعل كلام الزعيم الاشتراكي أمرا واقعا، فقد علق أمام باب المقهى الذي يمتلكه يافطة كتب عليها: «ثمن القهوة، ثمانون سنتيما إلى حدود 9 مارس المقبل». فصاحب المقهى لم يجد طريقة أخرى يتعاطف بها مع ثباتيرو ويصلح بها زلات لسان رجل يحبه غير تحمل خسارة اقتصادية بابتسامة عريضة.