بمجرد ما انطلقت الحملة الانتخابية الإسبانية حتى بدأت صور ثباتيرو وراخوي تزاحم صور الإعلانات والحفلات وعروض الإيجار، لكن يومين من الحملة لم يكونا كافيين لتحريك مشاعر كل الإسبان الذين مازالوا يخصصون القسط المهم من وقتهم للحديث عن همومهم العادية، دون الخوض في حمى الانتخابات التي باتت تلتهم جل مواضيع نشرات الأخبار في مختلف القنوات الإسبانية. تدخل الحملة الانتخابية الإسبانية أسبوعها الثاني في ظل التعادل الواضح بين الحزب الاشتراكي الإسباني والحزب الشعبي اليميني، وسيتواجه زعيما الحزبين مساء اليوم، الاثنين، للمرة الثانية على شاشة التلفزيون من أجل تقديم حججه أمام الناخب الاسباني، وتبقى نفس المواضيع الثلاثة، المتمثلة في الهجرة والوضع الاقتصادي والإرهاب، هي المسيطرة على الحملة الانتخابية، إضافة إلى النقاشات السياسية الجانبية التي تندلع بين المرشحين أو الحزبين إما بانتقاد بعضهما بحجج موضوعية أو توظيف السخرية للنيل من مقترحات الخصم وتقزيمها في أعين الناخبين. وعاد لويس رودريغيث ثباتيرو إلى موضوع الهجرة خلال تجمعه الأخير بلاس بالماس، بأرخبيل الخالدات، من خلال اتهامه للحزب الشعبي بالعنصرية، ووضع نفسه في الصف المعادي لكل أولئك الذين يعلنون خطابا عنصريا ومتشددا في هذا الإطار، مطالبا بمعاملة كريمة للمهاجرين بعيدا عن الخطاب المتشدد لليمين، فالمهاجر قبل كل شيء هو إنسان له مجموعة من الحقوق، لذلك وجبت معاملته بشكل لائق، منتقدا غريمه راخوي عندما يصور المهاجر مثل بضاعة عندما يتحدث عن استيراد المهاجرين من الخارج وينظر إليهم أيضا باعتبارهم منحرفين يريد أن يفرض عليهم التوقيع على التزام، مضيفا أنه يدافع عن الهجرة الشرعية، أما المهاجرون غير الشرعيين فإنه يدافع على ضرورة ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية بطريقة تحفظ كرامتهم. طفلة راخوي تثير السخرية أثارت الطفلة التي وظفها راخوي بشكل مجازي في نهاية المواجهة التلفزيونية الأولى للحديث عن أحلام جيلها الانتخابية سخرية عدد من الكتاب والمثقفين والصحافيين ذوي الأقلام حادة الرؤوس، الذين لم يفوتوا اية فرصة للنيل من الزعيم اليميني الذي أثار شفقتهم بحديثه عن رغبته في أن تجد أية طفلة تولد تحت سماء مملكة قشتالة حياة كريمة وتعليما جيدا، ولم يفوت ثباتيرو بدوره خلال اجتماعه في لاس بالماس فرصة التهكم على ما بات يشتهر ب«طفلة راخوي»، وقال مخاطبا الحشود: «هل تعرفون أين هم الآن أثيبس وثابلانا، قياديا الحزب الشعبي، إنهما يهتمان بطفلة راخوي»، مضيفا أن الحزب الشعبي اضطر خلال هذه الانتخابات إلى إخفاء العديد من قياديه الذين يختلف معهم عن الأنظار على عكس الحزب الاشتراكي الذي لا يختفي قياديوه عن الأنظار أبدا، وأكبر مثال على ذلك هو فيليبي غونزاليث الذي يدعو الإسبان إلى مزيد من العمل. ويخشى ثباتيرو الأصوات السلبية التي وصفها بالأصوات الحزينة، والتي لا يمكن التكهن بعددها بيد أنها تعد ورقة حاسمة في هذه الانتخابات، وأثارت هذه الأصوات نزاعا كلاميا بين الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي خصوصا بعد التصريحات التي ادلى بها أحد قياديي الحزب الشعبي، لصحيفة «الفيننشال تايم» البريطانية والتي كشف فيها أن استراتيجية حزبه تقوم على استقطاب الناخبين غير الحاسمين في مواقفهم، وذلك عبر التشكيك في الاقتصاد والهجرة والقضايا القومية، وهي القضايا التي ستحرك مشاعر هذا الصنف من الناخبين الذين ربما لن يمكثوا ببيوتهم يوم الاقتراع. ورد ثباتيرو على هذه التصريحات بأنها لم تخلق لديه أية مفاجأة، بحكم أن الحزب الشعبي اعتمد دائما على استراتيجية زرع الخوف في نفوس الإسبان، وتحدث عنهم بغير قليل من الشفقة عندما وصفهم بأنهم لا يعرفون إسبانيا جيدا. مواجهة الحسم ينتظر الإسبان بشغف كبير المواجهة التلفزيونية الثانية والأخيرة بين راخوي وثباتيرو التي ستبثها جميع وسائل الإعلام الاسبانية مباشرة، خصوصا أن الجولة الأولى لم تتضمن أي انتصار واضح لأحد الزعيمين على الآخر بشكل يجعله يربح أصوات الناخبين المترددين. ويبدو أن النقاشات التي تثيرها المواجهات التلفزيونية كانت العنصر الأكثر تأثيرا خلال هذه الحملة، فقد استمرت التعليقات على المواجهة الأولى طيلة الأسبوع الماضي عبر التعليقات الصحافية والنقاشات في الشوارع والمقاهي الإسبانية التي كثيرا ما تتخذ طابعا هزليا في مناقشة بعض الأفكار التي جاء بها مرشحا الحزبين، مثلما يتوقع أن تكون المواجهة التلفزيونية الثانية حاسمة في ربح أحد الطرفين لأصوات إضافية. وأثيرت في الشارع الإسباني نقاشات حول انحياز أكاديمية التلفزيون الاسبانية لثباتيرو من خلال عدد وطبيعة اللقطات التي تم بثها في المواجهة التلفزيونية الأولى، إذ إنها كانت تركز على الزعيم الاشتراكي وتمنحه حيزا بصريا أكبر من غريمه، مما جعل بعض المتعاطفين مع الحزب اليميني يعلقون على هذا الموضوع: «لقد تمت المواجهة الأولى بكاميرات اشتراكية». أما راخوي فإنه بدا هذه المرة أقرب إلى المنجمين عندما صرح بأنه يعلم المفاجأة التي يحضرها له ثباتيرو خلال المواجهة التلفزيونية، مضيفا أن غريمه سيحصل على جواب معقد لسؤاله المرتقب، وهو ما يدل على أن أعصاب الزعيم اليميني باتت مشدودة عن آخرها، لأنه يوم الأحد المقبل سيقول الإسبان كلمتهم التي ستحسم كل شيء.