إنني لا أقول لسيادتكم إن أول القصيدة كفر.لكنني أستطيع أن أقول :إن أول القصيدة خيبة أمل كبيرة ومريرة. ذلك أني لا يشغلني ضجيج الاصوات المتفائلة بأن "الاسلاميين" يقودون الحكومة والدولة، وأن غدا هو الربيع المنتشر، والهناء العميم، أنا لا أصدق ذلك وحكومتكم تسحب من ورائها بعض من خرب وبدد. وقبل الإفاضة والإطالة في ذلك لا بأس أن نذكركم بماضينا معكم.. ونحن الذين صحبناكم بخواطرنا ومشاعرنا وأنتم أشتات ومِزع تَتَخَفَّون بالدعوة، وتستترون في الغرف الضيقة "بالتزامكم"وتخافون البطش الذي عانيتم منه قبلا، وتتوجسون خيفة في كل غريب مريب !! تابعنا ما تنشرون، وتلقفنا مجلاتكم وصحفكم _ألا تذكرون جريدة الصحوة.والراية.ومجلة الفرقان"وانغمسنا بقلوبنا وبما نستطيع فيما انغمستم. وعادينا من عاديتم ونعرف أسماءكم ونحفظ صوركم ,ونضع أيدينا على قلوبنا خوفا عليكم، وعلى دعوتكم وحياتكم.. رأيناكم وأنتم في حال الضعف والذل والهوان، وتابعنا خطواتكم نحو "التوحيد" وحين كنتم تدلفون الى السياسة والحضور في المشهد العام. ورأينا صمودكم ومثابرتكم وأساءنا بشدة ما حاق بكم من الأذى وفحش القول,وما لحقكم من التشويه أثناء الحملة المسعورة المنافقة بعد أحداث ماي الاجرامية. وغفرنا لكم قبولكم الأدوار الثانوية، وتفهمنا موافقتكم على الانحناء للعاصفة والتكيف مع المتغيرات ، ومراعاة التوازنات. نعم لأننا نثق في حصافتكم وحدسكم وبعد نظركم.. ما انقلبنا مدبرين عنكم ونحن نرى معالم الدعوة تنكمش، وشارات التربية تتفاءل في أحوال السياسة المتلونة، والانغماس الكلي في يومياتها المعيشية، وغبارها المتزايد، واستمعنا معكم إلى صرخة العالم الجليل فريد الانصاري رحمه الله الذي كان قلب الحركة وبلبلها الشاجع، وهو يرى ما رأينا، وكيف تهالك على الفتات المتهالكون. نعم إنكم _أيها السادة الجدد_كنتم تمشون على أكبادنا يوم كنتم مجموعة من المنبوذين الذين تبرأ منهم العالم كله كأنهم داء واجب الاستئصال، في ذلك الوقت كان أحد وزرائكم آلان يزورني في مسجد قصي صغير منعزل، ويتعشى عندي في ليلة باردة مظلمة على فراش رث بسيط ، فنتبادل أطراف الحديث ونتطرق لشجون الدعوة وأعبائها...ومخاطر ذلك الطريق.. وكم فرحت أننا على الطريق ذاته نربي الناس على التوجه إلى خالقهم، والتعرف على دينهم، وتحول الدين _هذه الطاقة النورانية الهائلة_ إلى منهج يهيمن على شؤون العباد، وبرنامج يقودهم إلى الفلاح والاستقرار والعدل والاطمئنان. وجرت سنة الله، وتبدلت الأدوار، وأصبحتم اليوم وزراء ومسؤولين وأصبحت أنا وغيري من خيرة الأئمة عاطلين عن العمل ، ضائعين في وسط هذا الهمل ...والسؤال الآن لكم: أيها السادة الجدد :هل ستكرسون الهوان الذي لحق المساجد والأئمة؟ وهل ستشاركون في خنق صوتها وتحقير أهلها وحرمانهم من حقوقهم، والصمم عن شكواهم؟ وهل يظل الموقوفون في بطالتهم وضياعهم؟ وهل ينصف كل ذي حق سواهم؟ وهل سيتم تخليصهم من قبضة سعادة الوزير التي تعصرهم حتى آخر نفس؟ أيها السادة : أنا غير متفائل، لأن الأدوات التي خنقت المساجد وضيقت عليها، واستعملت مع أئمتها إرهابا فكريا ونفسيا، وتحكما لا حدود له، وتلاعبا بمكانة الأئمة هي الادوات ذاتها التي اجتلبتهم في حكومتكم طيلة عشر سنوات مضت _وتحت ذريعة دروشة المساجد, وعدم تمكين الاسلامين من الحكم_قادت الأدوات ذاتها حملة عشواء في تفريغ المساجد من الأئمة المعتبرين، والتمكين للمعلمين والموظفين، وسنوا سياسة بعيدة المدى لتحويل المساجد إلى زوايا الدروشة والانعزال خالية من حرارة الموعظة وبلاغة الكلمة، وحرمان المنبر من المشاركة في تشكيل الوعي، وتنوير القلوب، والنهوض بالأمة. ناهيك عما حصل من تبديد الاموال الطائلة على مشاريع وهمية تافهة لم تفد أحدا,ولم تحقق غاية.وما توخوه جمعا ارتد عليهم بفعل "الربيع العربي"الذي كنتم من جملة صنائعه. المهم إن ما شهدته أسرة المساجد من أذى وهوان هو ما دفع الائمة وهم أكثر الناس هدوءا أو مسالمة .إلى الخروج إلى الشوارع صارخين محتجين: وقالوا :قد جننت فقلت كلا *** وربي ما جننت ولا انتشيت ولكني ظلمت فكدت أبكي *** من الظلم المبيت بل بكيت نعم_يا صاحبي_ إنهم فئة مهضومة الحقوق ,مهدرة الكرامة.حيل بينهم وبين أرزاقهم من الاوقاف,ووضعوا معلقين بين مطارق الادارة ,وسندان العامة,وأوقف عدد منهم عن وظائفه ورسالته,وطوح بالآخرن في الغربة والمجهول ,وديست مكانتهم وكرامتهم ,ورأوا أهوالا من الحيف والاجحاف والتجاهل والغبن في مجزرة لم يحدث مثلها في التاريخ لحملة كتاب الله وحفظته. أيها السادة الجدد :بعد كل هذا الأذى الممتد والمُمِض تعيدون رسم الصورة بأجزائها الممقوتة، وتكرسون ذلك الواقع البغيض وترسخون ذلك المسار المهين. لهذا اسمحوا لي أن أعزل هواي عن هواكم .وأمرن نفسي منذ الان عن الانفصال بمشاعري عنكم ,وأضبط نبضات قلب على غيركم,حتى أرى هل أعدتم للمسجد دوره وحرمته,وقلصتم سلطات الوزير المتوغلة؟وأرى مدى صيانتكم لحقوق الائمة والتجاوب مع مطالبهم المشروعة؟وحتى أرى كرامة كل فقيه مصونة , ومكانته محفوظة دون أن تكون مداسا للمدير والمندوب و الوزير. ودون تحقيق ذلك وتقنينه وتخليصة من زبانية الأوقاف الذين لا يرحمون سأنشد قول الشاعر العربي: أرادت عرارا بالهوان ومن يرد *** عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم والسلام علكيم ورحمة الله وبركاته