على وقْعِ نقاشٍ ترافُعي "محموم" بشأنِ إصلاحِ مدونة الأسرة المغربية، انطلقت اليوم الجمعة بمراكش أشغالُ الندوة العلمية حول "مدونة الأسرة على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية"، التي تنظّمها الوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، وذلكَ بمناسبة انعقاد المنتدى الثالث للمحامين المغاربة المقيمين بالخارج. الندوة العلمية التي التأمَ حولها أصحاب "البذلة السوداء" من مغاربة العالم تأتي في إطار تنزيل إستراتيجية الوزارة الرامية إلى حماية حقوق ومصالح مغاربة العالم داخل وخارج أرض الوطن، وتعبئة كفاءاتها بالخارج وإشراكهم في الدينامية التي يشهدها بلدهم الأصل، وذلكَ بشراكة مع وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة. وهيْمنَ مطلبُ "تعديل مدونة الأسرة"، الذي يستأثرُ خلال هذه الأيام بحيز مهم في النقاش الوطني، على أشغال الندوة التي حضرتها شخصيات سياسية وقانونية رفيعة، يترأسها عبد الكريم بنعتيق، الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، ومحمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، بالإضافة إلى عشرات المحامين والقضاة والمسؤولين في وزارة العدل. عبد الكريم بنعتيق، الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج وشؤون الهجرة، قال في كلمة ألقاها بالمناسبة: "نلْتقي اليوم، في هذه النسخة الثالثة لمنتدى المحامين المغاربة المقيمين في الخارج، لمناقشة إحدى أهم القضايا المرتبطة بالتحولات المختلفة التي تنظم بقواعد قانونية، وإحدى أهم مرتكزات المجتمع، وهي الأسرة"، مشيراً إلى أن "هذه الدورة الجديدة تأتي بعد دورات سابقة نتجت عنها خلاصات مهمة تهمُّ مغاربة العالم، سواء في بلدان الانتقال أو في علاقتها بالمنظومة القانونية في البلد الأصلي". وأضافَ المسؤول الحكومي في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أنّ "الملك محمدا السادس يولي أهمية خاصة لمغاربة العالم، الذين يقدر عددهم بحوالي 5 ملايين، ويتواجدون بالأساس في أوربا، ويشكلون 13% من ساكنة المغرب، ولهم ثقل مهم، سواء لارتباطهم بوطنهم الأم أو من خلال الدور الذي يلعبونه في دول الاستقبال"، مقدماً شكره لوزير العدل، محمد أوجار، الذي قال عنه: "وضعَ رهن إشارتنا قضاة أكفاء من العيار الثقيل، ساعدونا على تنظيم هذا الملتقى". وبعدما أكد أن الوزارة التي يترأسها أخذت على عاتقها مسألة مغاربة العالم ومشاكلهم، زادَ بنعتيق أن "تعبئة هذه الكفاءات معناها تقوية الجسور معها وتحسيسها بأن المغرب يتطور ويجتهدُ في مجموعة من القطاعات، وأنّ هذا التطور رهين بمشاركة الجميع في النقاش والمقترحات والتدابير"، مبرزاً أنه "كلما تقدمَ مغاربة العالم في الزمن كلما تطورت هذه المجتمعات بتعقيداتها التي تتطلب الآنَ تدخلاً". وأشار الوزير المغربي إلى أنَّ "طرح وتناول قضايا مثل "مدونة الأسرة" تستوجبُ اجتهاداً وتجنب الخوف من الإجابة عن الأسئلة الصعبة أو التعامل معها بثقافة محافظة مبالغ فيها"، معتبراً أن "مغاربة العالم يشكلون نواة صلبة واندماجهم في مجتمعات الاستقبال سلس لأنهم مرتبطون بمرجعية تلقوها من آبائهم، وهي مرجعية دينية معتدلة". وعاد الوزير إلى التأكيد على أن "مقاربة المغرب في مجال الهجرة "إنسانية"، إذ إنه وبفضل توجيهات الملك محمد السادس تبنى سنة 2013 سياسة جديدة للهجرة ترتكز على حقوق الإنسان، وقام بتسوية وضعية 50 ألف مهاجر أجنبي يعيشون في المملكة ويستفيدون من التطبيب والتعليم". من جانبهِ، قالَ عمر ودرا، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، إنّ "موضوع مدونة الأسرة أصبحت له راهنية كبيرة اليوم في المجتمع، خاصة بعد مضي 15 سنة على اعتمادها"، مشيراً إلى أنها مدة كافية للخروج بعدد من الملاحظات، ومقراً بأنَّ "مدونة الأسرة المغربية متقدمة، لكن تطور المجتمع والعمل القضائي بينا نوعا من العيوب والنواقص التي تشوبُها". وأوضح ودرا، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هناكَ أصواتا حقوقية تنادي بتعديل المدونة، خاصة في ما يتعلق بالتعدد وتزويج القاصرات وصياغة مفهوم جديد للإرث الذي خمد النقاش حوله مؤخراً"، مبرزاً أن "هذا النقاش سيفرزُ خارطة طريق جديدة، خاصة بعد الرسالة التي وجهها الملك محمّد السادس إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة بتاريخ 21 فبراير 2018، كمنطلق أساسي للتفكير في مداخل هذا الإصلاح". إلى ذلكَ، اعتبر هلال تاركو الحليمي، رئيس جمعية المحامين المغاربة ومن أصول مغربية الممارسين في الخارج، أنّ النقاش حول مدونة الأسرة "صحي" للمجتمع، لأنه سيدفعُ إلى إنتاج آليات جديدة ونهج سياسة أكثر انفتاحا من أجل التعامل مع الظروف المستجدة، بالشكل الذي يراعي الإكراهات، ويسهم في ضمان استمرار الوضعيات القانونية بشكل انسيابي، ودون عراقيل. وقال الحليمي إن "الجالية المغربية بالخارج تعاني من إكراهات قانونية عديدة، وهو ما يتطلب جهوداً على المستوى القانوني والتشريعي من أجل خلق قوانين جيدة تلائم التطور الذي تشهدهُ بلادنا".