تحمل عودة نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة السابق، إلى قيادة حزبه التقدم والاشتراكية لولاية ثالثة، دلالات ورسائل عدة في مختلف الاتجاهات. ويرى مراقبون أن انتخاب بنعبد الله على رأس حزبه "التقدمي" لولاية ثالثة بفارق كبير عن منافسه سعيد الفكاك، مؤشر على أن مسألة الزعامات الحزبية بالمشهد الحزبي المغربي ما تزال مستمرة بالرغم من ترويج مصطلحات "الديمقراطية الحزبية" و"تشبيب النخب". ويرى رشيد لزرق، باحث في شؤون الأحزاب، أن التثليث لبنعبد الله على رأس حزب "الكتاب" يطرح إشكال كون الديمقراطية كثقافة لم تتكرس، قائلا: "ما زلنا نعيش في ظل الديمقراطية الإجرائية التي تفرز تعلقا عاطفيا بشخصيات قيادية تحت مبرر انتصار الزعيم الذي أقيل نتيجة تقصير في مهمته الوزارية، لأن القيم التقدمية كممارسة تتعارض مع ثقافة الزعيم". واعتبر لزرق، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مبدأ تعاقب النخب داخل المنظومة الحزبية "يعاني من أعطاب بفعل واقع سياسي شديد التعقيد، من تجلياته بروز العديد من الظواهر، بعضها طارئ على الفعل السياسي، والبعض الآخر معتاد عليه؛ الشيء الذي جعل المنظومة الحزبية تعاني من عطب مكَّن بعض القيادات رغم انتهائها من أن تعود مجددا". وأوضح المتحدث نفسه أن عودة بنعبد الله وفوزه بولاية ثالثة على رأس الحزب، تعبير عن "حاجة الفعل السياسي إلى فهم حقيقي لما تعانيه المنظومة الحزبية من انتكاسات على مستويات عدة، ومحاولة الوصول إلى حلول فعلية للمشكلات التي تواجهها الأدوات الحزبية التي تدفع باتجاه رجوع بعض القيادات وهيمنتها على التنظيم، وهو ما يجعلها تجدد قياداتها". وأردف لزرق أن ذلك يجعل المؤسسة الحزبية "تبتعد عن دورها الطبيعي، وهو الدفاع عن مشاريع مجتمعية بما لا يسمح، من ناحية، بتطور هذه المؤسسة بصورة طبيعية، ويؤدي، من ناحية أخرى، إلى إساءة استخدام هذه القيادات للأداة الحزبية، وهو ما ينذر بمزيد من المسخ السياسي، وبتهديد خطير للاختيار الديمقراطي". وتطرح عودة الوزير تساؤلات حول العلاقة التي تربط بين حزبه وحليفه حزب العدالة والتنمية، وهي العلاقة التي يرى الباحث نفسه أنها "من الفروض أن تكون علاقة مؤسساتية وليست علاقة بين أشخاص". وأضاف أن عودة بنعبد الله تؤكد "عودة جناح بنكيران والإبقاء على التحالف بين البيجيدي والتقدم والاشتراكية على اعتبار أن البيجيدي هو قوة انتخابية والتقدم والاشتراكية هو ورقة سياسية يعطي من خلاله تحالف الطرفين صورة بكون العدالة والتنمية منفتح، بينما يقدمه بنعبد الله دليلا على بعد رؤيته". كريم تاج، القيادي بالحزب، يرى بالمقابل أن عملية الانتخاب تمت "بشكل ديمقراطي، عبر تصويت سري في الفروع الإقليمية وبعده المصادقة على المقررات، وكان تقدير عدد من المؤتمرين أن يكون نبيل بنعبد الله أمينا عاما". وقال تاج ضمن تصريحه لهسبريس: "ليس من الضروري افتعال التجديد من أجل التجديد، على الرغم من أن المعطيات تشير إلى شيء آخر"، مضيفا أن "الحزب قام بأقصى قواعد الديمقراطية الداخلية، ونحن حزب يشتغل في سياق وطني له مواقف وإنجازات واخفاقات، وتفاعل مع أمور وقعت بالبلد". ونفى المتحدث نفسه أن يكون نبيل بنعبد الله من الناحية القانونية قد انتخب لولاية ثالثة على رأس الحزب، موضحا أن "القانون الأساسي تم تعديله وتحديد الولايات خلال المؤتمر الاستثنائي الأخير، بعدما كان الأمر مفتوحا". وبخصوص الرأي الذي يعتبر عودة بنعبد الله انتصارا لإخوان بنكيران، قال تاج:"هذا غير دقيق، لأن الرهان الذي كان هو رهان الحزب وليس رهان العدالة والتنمية، بمعنى أن المواقف السياسية والتحالف مع الحزب المذكور وطريقة تدبيره كانت تحاليلنا بخصوصها صحيحة، والمواقف التي اتخذت من طرف اللجنة المركزية كانت صحيحة، ولم يكن هناك طرف ضد التحالف مع البيجيدي". ومعلوم أن نبيل بنعبد الله أعيد انتخابه أمينا عاما لولاية ثالثة على رأس "PPS"، بعد حصوله على 371 صوتا من أصوات أعضاء اللجنة المركزية للحزب، مقابل 92 صوتا لمنافسه سعيد الفكاك، بعد إجراء عملية التصويت طبقا للقانون الأساسي للحزب. وهنأ بنعبد الله بهذه المناسبة "مناضلات ومناضلي حزب التقدم الاشتراكية على نجاح المؤتمر والثقة التي وضعوها في شخصه مجددا"، مشددا على أن الحزب سيواصل مساره لمواجهة العراقيل والمطبات بمزيد من الإنجازات والتلاحم والقوة.