بعد خمس سنوات من "سوء الفهم الكبير" الذي وَسم علاقة جُلِّ النقابات العمالية في المغرب مع حكومة عبد الإله بنكيران، المنتهية ولايُتها، ينتظر النقابيون من سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الجديد، أنْ يبدّدَ الخلافات التي كانت قائمة بين النقابات وبين سلَفه، والاشتغال على القضايا الكبرى الموضوعة على طاولة الحوار الاجتماعي. علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، قال، في تصريح لهسبريس، إنَّ من بين الأوراش التي ينبغي على رئيس الحكومة الجديد أن يشتغل عليها إعادة الاعتبار إلى مؤسسة الحوار الاجتماعي، مُشدّدا على أنَّ أيّ حوار تدعو إليه الحكومة "يجبُ أن يكون حوارا جدّيا، وأن يُفضي إلى نتائجَ إيجابية ملموسة، وليس لقاءاتٍ بدون نتائج". وكانت المفاوضات بين النقابات وبين الحكومة قدْ عرفت، خلال الولاية الحكومية السابقة، ما يشبه "البلوكاج"؛ فلم تنعقد سوى لقاءات قليلة بينهما، لمْ تُسفر عن أيِّ اتفاقات حوْل القضايا الرئيسية الموضوعة على طاولة الحوار الاجتماعي، وعلى رأسها مشروع إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد الذي عارضته النقابات العمالية بشدّة، ومرّرتْه الحكومة في البرلمان بالرغم من هذه المعارضة. وتنتظر النقابات العمالية المغربية من الحكومة الجديدة أن تنكبَّ على القضايا الكبرى التي ترافع عنها، "بعد أن عرفت أوضاع الطبقة العمالية تدهورا خطيرا خلال الولاية الحكومية السابقة، بسبب رفْع أسعار المواد الأساسية، من جهة، وتراجع القدرة الشرائية للطبقة العاملة، وتجميد الأجور، من جهة أخرى"، حسب علي لطفي. وفيما عاشتْ حكومة بنكيران، خاصة في أيامها الأخيرة، ما يشبه القطيعة مع النقابات العمالية، لا يبْدو زعماء هذه النقابات متفائلين كثيرا بإمكانية عودة المياه إلى مجاريها بين الطرفيْن سريعا، إذ يرى علي لطفي أنَّ الحكومة الجديدة قد لا تكون مختلفة كثيرا عن سابقتها؛ وذلك بالنظر إلى "أنَّ الوزراء الذين كانوا سببا في العجز المقلق وتفشي البطالة وقلّة فرص الشغل، عادوا إلى احتلال مناصب في الحكومة الجديدة"، حسب تعبيره. بالنبرة المتشائمة نفسها، ينظر عبد الرحمان العزوزي، الكاتب العام لنقابة الفيدرالية الديمقراطية للشغل، إلى مستقبل علاقة النقابات العمالية بالحكومة الجديدة. وقال العزوزي، في تصريح لهسبريس، إن "ما عشناه خلال التجربة الحكومة السابقة يجعلنا لا نتطلع إلى مستقبل أفضل؛ لأنَّ مَنْ تحمّل المسؤولية خلال الولاية الحكومية السابقة هم من سيقود الحكومة الجديدة"، في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية. وبالرغم من أنَّ حكومة سعد الدين العثماني تعزّزت بحزبين جديدين، هما الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اللذين كانا معارضين لقرارات حكومة بنكيران في الولاية السابقة، فإنَّ العزوزي لا يرى في دخول هذين الحزبين "سوى رتوشات ربّما سيكون لها وقع أكثر سلبية على الحكومة"، مضيفا: "لم أعُدْ أميّز بيْن أفراد الكوكبة"، في إشارة إلى تشابُه الأحزاب السياسية المغربية. وإذا كانت شخصية سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الحالي، مختلفة عن شخصية سلَفه عبد الإله بنكيران، وهُو ما يرى فيه متابعون أنّه سيُدير الحكومة بأسلوب مختلف، قال العزوزي إنَّ مسؤولية سوء الفهم الذي طبع علاقة النقابات العمالية مع الحكومة السابقة لا تتعلق بشخص بنكيران في حدّ ذاته ولا يتحمّل مسؤوليته وحده؛ بلْ تتحمّلها جميع الأحزاب المشاركة في حكومته، وهي الأحزاب نفسها التي تشكّل أضلاع الحكومة الجديدة، بعد أن أضيفَ إليها حزبان جديدان.