يبدو أن الحوار الاجتماعي الذي التزم بإطلاق أولى جولاته رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، مباشرة بعد تمرير القانون المالي لهذه السنة، يواجه "سنة بيضاء" بسبب انشغال أغلب قطاعات الحكومة ب"حراك الريف" المندلع بإقليم الحسيمة والنواحي منذ أزيد من ثمانية أشهر، ما يؤشر على استمرار تعطل هذا الحوار بين المركزيات النقابية والحكومة منذ الأشهر الأخيرة للولاية الحكومية السابقة. علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، قال إن الحوار الاجتماعي تعثر قبل أن ينطلق، وكشف أن اللقاء الذي أعلن عقده رئيس الحكومة مع المركزيات النقابية مباشرة بعد التصويت على مشروع قانون المالية لم يتم إلى حد الآن، وليست هناك بوادر لانعقاده في القريب العاجل. ونبه المتحدث، في تصريح لهسبريس، إلى أن الحكومة "انكبت على الأزمة القائمة بمنطقة الريف وتناست باقي القضايا الكبرى"، وعلى رأسها تنفيذ الإستراتيجيات وفتح حوار اجتماعي يهم كافة القضايا الاجتماعية العالقة منذ الولاية الحكومية السابقة. ووجه المسؤول النقابي سهام نقده إلى الحكومة الحالية بهذا الخصوص، منتقدا مقاربتها الحالية لهذا الملف، وتابع بالقول: "هذه المقاربة أفرغت الأحزاب والنقابات من حمولتها، وجعلت الحكومة في مواجهة مباشرة مع الشارع كما يحدث حاليا بإقليم الحسيمة، بدل دور الوساطة والتأطير الذي دأبت على لعبه في محطات مماثلة". المؤشر المقلق، حسب المتحدث ذاته، هو استمرار "البلوكاج" على مستوى الحوار الاجتماعي على الرغم من اقتراب الدخول السياسي المقبل، مسجلا أن "الحكومة الحالية مستمرة في نهج سابقتها على هذا المستوى مع النقابات وأرباب العمل، ما يعني أنها عاجزة على مستويين؛ الأول مرتبط باستمرار جمود الحوار، والثاني يخص فشلها في احتواء الأزمة متعددة الأبعاد التي أصبحت تخرج المواطنين للاحتجاج بعدد من المدن"، وفق تعبيره. وفي وقت سبق أن أكد العثماني على إجراء لقاءات أولية بين المركزيات النقابية ورئاسة الحكومة عقب محطة قانون المالية، وكذا عيد العمال الموافق لفاتح ماي من كل سنة، أفاد مصدر مقرب من رئيس الحكومة، في تصريح لهسبريس، بأنه لا جديد على هذا المستوى، مبرزا في المقابل أن الحوار على المستوى القطاعي مستمر بين الحكومة والمركزيات النقابية، وهو ما اعتبره أكثر من مصدر نقابي غير مرتبط ب"الحوار الاجتماعي" الذي شدد العثماني على ضرورة مأسسته وتحوله إلى موعد دوري. مصدرنا قال إن العثماني راسل وزراء الحكومة لحثهم على مباشرة الحوار القطاعي في مرحلة أولى، قبل أن تنطلق أولى جولات الحوار الاجتماعي مع رئاسة الحكومة، مبرزا أن برنامج رئيس الحكومة لا يتوفر في الوقت الراهن على أي برنامج لقاءات مرتقبة مع المركزيات النقابية. جدير بالذكر أن الحوار الاجتماعي تعطل طيلة الأشهر الأخيرة من ولاية رئيس الحكومة السابقة عبد الإله بنكيران، الذي شهدت علاقته بالمركزيات النقابية توترا غير مسبوق، متهمة إياه ب"طي صفحة الحوار واتخاذ أهم القرارات التي تعني الطبقة العاملة بعيدا عن طاولة التفاوض"، مقابل اتهام بنكيران لزعماء المركزيات النقابية ب"التمسك بمطالب تعجيزية، والبحث عن المصلحة الخاصة". رئيس الحكومة الحالي حاول في بداية ولايته فتح صفحة جديدة مع ممثلي العمال وأرباب العمل (باطرونا) حينما شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي، وانفتاح حكومته على المركزيات النقابية في القرارات الكبرى التي تهم الطبقة العاملة، وعلى رأسها قوانين التقاعد وقانون الإضراب.