واصلت الحركة الوطنية مشوار المقاومة لكن بأسلوب سياسي؛ إذ بعدما استطاعت القوات الاستعمارية من خلال جيوشها وآلياتها الإدارية والضبطية إخضاع البلاد لسلطتها، بعدما تم القضاء على المقاومة المسلحة للقبائل وهزم رموزها النضالية (الشيخ أحمد الهيبة، القائد موحى وحمو الزياني، عبد الكريم الخطابي...)، انتقلت المقاومة إلى المدن والحواضر (كفاس ومراكش والدار البيضاء، والرباط، سلا) التي تكونت فيها نخب سياسية أدركت أن مواجهة المستعمر تستلزم بالأساس بلورة فكر وطني يوحد حوله كل مكونات المجتمع المغربي. ولترسيخ هذا الفكر الوطني كان من الضروري خلق مجموعة من المفاهيم الحديثة التي تتجاوز المفاهيم التقليدية التي تقوم على الرابطة الدينية إلى مفاهيم أخرى تتمحور حول الانتماء السياسي. وهكذا أصبح الفضاء السياسي بالمغرب بعيد الحماية يشهد تداول مجموعة من المصطلحات والمفاهيم السياسية الجديدة ككلمة الشعب، والقومية، والوطنية...ولعل ما كرس تداول هذه المصطلحات، التي ساهمت في ترسيخ الوعي الوطني بين الأوساط الشعبية، هو لجوء زعماء الحركة الوطنية وباقي مكونات النخب السياسية إلى الأناشيد الوطنية متأثرين في ذلك بتأثيرات ثقافية وسياسية مشرقية وغربية. وفي هذا السياق، أكد الأكاديمي الأديب إبراهيم السولامي أن المغرب قد "عرف النشيد... في العقد الثاني من القرن 20 ... فالنظام السياسي المستحدث في العقد الرابع هو الذي مكن من أن ينتشر انتشارا واسعا بين الناس لسهولة ألفاظه والتصاق موضوعاته بالقطاع الاجتماعي الخاص المتمثل في الجمعية والخلية والمنظمة أو القطاع العام للأمة بأكملها". وقد صنف هذا الباحث العوامل التي كانت وراء هذا الانتشار في المؤثرات المشرقية التي تمثلت في "نقل جملة من الأناشيد المشرقية الجاهزة بهدف توظيفها في القضايا الوطنية لانسجامها مع طبيعة المواقف المعبرة عن مناهضة المستعمر، كنشيد الجامعة من كلمات أحمد رامي في سنة 1936 وتلحين رياض السنباطي وغناء أم كلثوم، أو نشيد أرض الأجداد للشاعر اللبناني حليم دموس، ونشيد سيد درويش (بلادي)، بالإضافة إلى مساهمة البعثات الطلابية المغربية الموفدة للدراسة في بعض الجامعات العربية كالأزهر، ودمشق، ونابلس... في نقل بعض الأناشيد الوطنية المشهورة آنذاك، كنشيد الشاعر السوري عبد الرحيم محمود وفخري البارودي. كما ساهم بعض المفكرين والشعراء ورجال التعليم الذين كانوا يدرسون في بعض معاهد شمال المغرب (كمعهدي مولاي الحسن ومولاي المهدي) في تأليف بعض الأناشيد خدمة منهم للقضية الوطنية بالمغرب. أما في ما يخص المؤتمرات الغربية التي ساهمت بدورها في انتشار الأناشيد الوطنية، فترجع بالأساس إلى نقل المستعمر الفرنسي من خلال احتلاله للمغرب جزءا من ثقافته وفكره وأدبه ذي الأبعاد الليبرالية التي تدعو إلى الحرية والمساواة والعدل. وقد كان للنظام التعليمي الذي زرعته السلطات الاستعمارية بالمغرب لخدمة أغراضها ومصالحها في تكوين وخلق نخب وسيطة من أبناء الأعيان وأبناء الأقليات، الدور الأساسي في انتشار الأناشيد الوطنية. فالمدرسون الفرنسيون "وهم يلقنون اللغة والأدب الفرنسيين كانوا يعمدون إلى الأناشيد الفرنسية أداة تربوية للتلقين والاستمالة. وبعضهم كانوا من أحرار فرنسا ليبراليين واشتراكيين أو شيوعيين مناهضين للاستعمار. فيعلمون تلاميذهم نصوص فيكتور هيجو مثلا تحريضا لهم على الانتفاض وعلى الثورة من أجل الاستقلال والحرية والتحرر والنهضة". ونظرا لهذا الاحتكاك الثقافي، فقد بدأت النخب الوطنية تستخدم هذه الأناشيد من خلال محاكاتها وتأصيلها من خلال تعريبها، مما زاد من انتشار الأناشيد الوطنية في مستهل عشرينيات القرن 20. و"هكذا شهد المغرب الحديث، ومنذ بداية العشرينيات على الأقل، ومن خلال مدارسه وجمعياته الثقافية ونواديه (الكشفية خاصة) وأحزابه ونقاباته وصحفه ومجلاته... نهضة استثنائية على هذا الصعيد. أناشيد بدأت أولا في شكل ترجمات بالعربية لأصول فرنسية (أو إسبانية في الشمال) على إيقاع النشيد الأصلي بلغته الأجنبية مما يضطرهم إلى تكييف اللغة العربية والتعابير بما يلائم أنغام اللحن الأجنبي وإيقاعاته. ثم بعد ذلك تعلموا كيف يكيفون اللحن لملاءمته مع النص العربي للنشيد. ثم استقلوا بأنفسهم نصا ولحنا". وفي هذا السياق، تم توظيف النشيد الوطني كآلية لترسيخ الروح الوطنية وكأداة لتأجيجها. النشيد الوطني كأداة لترسيخ الروح الوطنية عمدت نخب الحركة الوطنية في مواجهتها للمشروع الاستعماري، بشقيه السياسي والثقافي، إلى إنشاء وتأسيس ما سمي بالمدارس الحرة. وقد شكلت هذه المدارس ليس فقط مشتلا للحفاظ على الهوية الوطنية، بل أيضا قناة لمحاربة المستعمر ومواجهة سياسته بمختلف الوسائل، بما فيها الأناشيد الوطنية. وفي هذا السياق كتب الباحث عبد العزيز بن عبد الجليل: "فأما المدارس الحرة فقد كانت بحق معقلا من معاقل الحركة الوطنية، وكانت بحكم اضطلاعها برسالة التربية والتهذيب المصنع الأمثل والحقل الخصب للأناشيد الوطنية، توافرت فيها كل عوامل الخلق والإبداع بفضل أساتذتها ومعلميها، وتهيأت لها في ذات الوقت عوامل الترويج والنشر بفضل تلامذتها الذين كانوا يقبلون على حفظ الأناشيد بشوق منقطع النظير ولا ينقطعون عن ترجيعها، سواء في جنبات المدارس أو خارجها". كما أكد الباحث الأمريكي جون جيمس ديمس على هذا المعطى من خلال إشارته إلى أن "حركة المدارس الحرة بالمغرب...كانت فيها الأناشيد تشكل ركيزة المنهاج الدراسي وتجسد علة وجود هذه المدارس". وبالتالي، فقد حرص زعماء الحركة الوطنية على أن تشكل هذه المدارس الأرضية التي يتم فيها تلقين أجيال التلاميذ والشباب، خاصة أولئك المنحدرين من الفئات المتوسطة والشعبية، المبادئ الأساسية في حب الوطن والتغني بالهوية المغربية. ومن ثمة، فقد "كانت رحاب المدارس تتميز بتخصيص حصص أسبوعية قارة لتعليم الأناشيد وتشكل بذلك المركز المنتظم لتلقينها". وقد أدى تلقين هذه الأناشيد وترديدها من طرف التلاميذ والشباب في الأماكن العمومية وداخل الأسر إلى نشر الوعي الوطني وإشاعته؛ بحيث أصبحت هذه الأناشيد تردد حتى في المناسبات العائلية والأسرية. وفي هذا السياق كتب الأستاذ بن عبد الجليل ما يلي: "نتيجة الانتشار الواسع الذي حققته هذه الأناشيد في عهد الحماية، فقد أصبحت تغشى المحافل العائلية في الأعراس وفي غيرها من المناسبات؛ حيث تنشد في مواكبها وهي تتضمن في تلويج كلما ما تنطوي عليه الوطنية، وتتمخض في أحشائها الملتهبة حتى ولو كانت في مظهرها خالية من كل شائبة تعكر صفوها". وبالإضافة إلى هذه المدارس، شكلت الجمعيات الثقافية والشبابية والفنية قنوات أخرى لتلقين الأناشيد الوطنية. "فإلى جانب المدارس الحرة، أسهمت الجمعيات الكشفية ومنظمات الشباب في إغناء رصيدنا من الأناشيد الوطنية، وذلك بما كان رجالها وقادتها يؤلفونه في أنديتهم أو خلال رحلاتهم أو مزاولتهم لأنشطتهم... ومما كان يساعد على انتشار هذه الأناشيد توفر هذه الجمعيات على جوقات نحاسية، شكلت في الكثير من الأحيان عاملا من عوامل إذكاء حماس الجماهير الشعبية وحثها على ترديد مقاطع الأناشيد في الشوارع على وقع دقات الطبول وخطى الفيالق والأسراب". كما شكلت الجرائد التي تم تأسيسها من طرف رواد الحركة الوطنية قناة رئيسية في انتشار العديد من هذه الأناشيد الوطنية. فقد "كانت جرائد مثل جريدة عمل الشعب، وجريدة التقدم، وجريدة النبوغ، ورسالة المغرب، وجريدة العلم، وجريدة الرأي العام... وجريدة النهار، وجريدة الاتحاد، وجريدة الوحدة تنشر بشكل منتظم الأناشيد الوطنية". وقد كان نشر هذه الأناشيد الوطنية يحظى باهتمام جموع القراء والمتعلمين، ليس فقط لأنه يكرس مبادئ الوطنية، بل لأنه في الغالب كانت هذه الأناشيد من تأليف زعماء الأحزاب الوطنية، أمثال علال الفاسي الذي ألف، بالإضافة إلى كتبه التنظيرية ومقالاته السياسية، عدة أناشيد وطنية كانت تحفظ عن ظهر قلب لتردد في المظاهرات والتجمعات السياسية. وهكذا نظم علال الفاسي نشيدا وطنيا بعنوان (وطننا المغربي) يقول فيه: مغربي، مغربي حبه مذهبي أنا من فضله عشت في ظله... كما نظم نشيدا آخر بعنوان (وليحيى أبناء الوطن) يتغنى بأمجاد الوطن وجمال طبيعته ويشيد بأبنائه؛ حيث أنشد ما يلي: المغرب الأقصى لنا وطن يجلل بالثنا فيه نعمنا أزمنا يا حبذا ذاك الوطن والأطلس الجبار لا ينفك يشهد بالعلا ويرى الشموخ على الملا رمز السمو لذا الوطن... كما أنشد المكي الناصري، أحد رواد الحركة الوطنية بشمال المغرب، نشيدا يتغنى فيه بمفهوم الوطن وروح الفداء والوطنية بعنوان (وطني المغرب) يقول فيه: يا بني المغرب قوموا لا تناموا أقسموا ألا تهانوا أو تضاموا هذه نار الضحايا اقتحموها إنها برد عليكم وسلام إن جبنا من شباب لحرام فليعش حرا عزيزا وطني. في حين نظم العلامة عبد الله كنون نشيد (يا مناط الأمل) يحث فيه الشباب المغربي على حب الوطن والدفاع عن حياضه؛ وذلك من خلال المقاطع التالية: في سبيل النجاح وبلوغ المرام لا نمل الكفاح أو نذوق الحمام كلنا للوطن إن دعانا الفدا ليس يلقى الوهن إن رأنا اهتدى نحن نسل الكماة ليس فينا بليد لا نعد الحياة غير عز وطيد إنما المغرب كعرين الأسود شعبنا نعليه يا مناط الأمل يا رجال الغد انهضوا للعمل بيد في يد قد أتى دوركم فلتجافوا الوسن إنما فخركم برقى الوطن هو ذا المغرب يقتضينا العهود شعبنا نعليه النشيد الوطني كأداة لتأجيج الروح الوطنية شكل النشيد الوطني أداة فعالة للنضال السياسي تبنته الحركة الوطنية في مواجهة المخططات الاستعمارية والسياسية التي انتهجتها سلطات الحماية لتكريس الاحتلال بالمغرب. فقد "جاء النشيد الوطني... ليرتبط منذ أول ظهوره بالكفاح الوطني، يحكي مواقفه البطولية، ويجسم أهدافه الرامية إلى الانعتاق من الظلم، ويلعب دوره في إذكاء الحماس الوطني وتأجيج الروح الوطنية". ولعل مما ساعد على إكسابه هذه الفعالية هو الطبيعة الأدبية التي يتميز بها والغنى الإيقاعي والموسيقي الذي يتسم به. فعلى غرار الشعار السياسي الذي عادة ما يتم استخدامه في الممارسة السياسية الجماعية، من احتجاجات شعبية وتجمعات نضالية بما يتميز به من تكثيف إيديولوجي وبساطة لغوية، شكل النشيد الوطني أداة نضالية فعالة نظرا للتطوير اللغوي الكبير الذي أخضع له الشعر الوطني والتغيير العميق الذي تعرضت له بناه الإيقاعية وأوزانه الموسيقية. ونظرا لمختلف هذه الخصائص الشعرية والإيقاعية، وظف زعماء الحركة الوطنية النشيد الوطني لتعبئة الجماهير وتأجيج روح الوطنية والمقاومة فيها، خاصة إبان المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي كانت تخرج إلى الشوارع للتنديد بالسياسة الاستعمارية وبعض القرارات السياسية التي كانت تروم تقسيم البلا،د سواء على الصعيد الديني أو الاثني أو الثقافي. ففي مواجهة القرار الصادر عن سلطات الحماية في 16 مارس 1930 بشأن ما سمي بالظهير البربري، حرك زعماء الحركة الوطنية الجماهير ودفعوها إلى التظاهر ضد إصدار هذا الظهير؛ حيث وظفت الأناشيد في التعبئة والتحريض. وبهذا الصدد، ألّف علال الفاسي نشيدا كانت تردده ألسن المتظاهرين في الشوارع والأزقة بعنوان (صوت ينادي المغربي) يقول فيه: صوت ينادي المغربي من مازغ ويعرب يحذو الشباب المغربي للذود عن حوض الوطن لبيك يا صوت الجدود إنا لشعبنا جنود كل يرى حفظ العهود للموت عن دود الوطن لا نرتضي بالتفرقة ولو علونا المشنقه ولو غدت ممزقة أشلاؤنا فدى الوطن فليغضب الخصم العنيد وليرهب الصوت الشديد لسنا نخاف أو نحيد إنا خلقنا للوطن كما خرجت حشود غاضبة في مختلف مدن البلاد، ترفع شعارات منددة بالاستعمار، وتردد أناشيد وطنية تندد بسياسة التقسيم والتفرقة التي كان يحاول الظهير البربري زرعها بالبلاد. وفي هذا السياق، يقول الأمير شكيب أرسلان، وقد كان شاهد عيان على هيجان الشباب المغربي في وجه قرار فرنسا بفرض الظهير البربري، إنه حضر بطنجة احتفال الناس بسابع المولد النبوي... فجاءت ألوف مؤلفة وسارت المواكب في الشوارع على يومين حاملة الأعلام الإسلامية وهي تنشد أناشيد حماسية وتهتف فليحيى الإسلام. ومن جملة ما كانوا ينشدون بصوت واحد: يا شبابا سر أماما لتوافي كل غيه كلما استسهلت صعبا نلت ألقابا عليه بالإضافة إلى ذلك، وظفت الأناشيد الوطنية لإحياء المناسبات الوطنية، وبالأخص الاحتفال بعيد العرش الذي بلوره الوطنيون كمكون أساسي من مكونات المشروع الوطني، وكجبهة أخرى من جبهات الصراع السياسي مع السلطات الاستعمارية. وهكذا فكر الوطنيون في خلق مناسبة وطنية يتم فيها الاحتفال بذكرى جلوس الملك محمد بن يوسف، كرمز للوحدة السياسية للبلاد. ومن أجل هذا الغرض، اتخذ الوطنيون عدة ترتيبات لإحياء هذه المناسبة التي حدد تاريخ أول احتفال وطني بها في 18 نونبر 1933. ومن بين هذه الترتيبات، تم الحرص على وضع عدة أناشيد تكرس الولاء السياسي لملك البلاد والتشبث بالعرش العلوي. وفي هذا السياق، كتب الأستاذ بن عبد الجليل ما يلي: "لا ينبغي إغفال الدور الذي اضطلعت به الاحتفالات الوطنية في صنع الأناشيد الوطنية وانتشارها في ربوع المغرب، وفي مقدمتها مناسبة إحياء عيد العرش الذي انبثقت فكرته عن المؤتمر الثالث لطلبة شمال إفريقيا المنعقد سنة 1933 تخليدا لذكرى جلوس الملك سيدي محمد بن يوسف على العرش. فقد كانت هذه الذكرى–منذ انطلاقتها الأولى يوم 18 نونبر 1933، من أخصب المناسبات التي شجعت رجال الحركة الوطنية على وضع الأناشيد، يحيّون فيها ملك البلاد باعتباره رمزا لعظمة الأمة ووحدتها، ويستنهضون همم الشباب للوقوف صفا واحدا في وجه المستعمر الغاشم وإقناعه بأن يوم 14 يوليوز ليس هو العيد الوطني للمغرب". وهكذا، نظم علال الفاسي نشيدا (كلنا من بدوي) بتلحين الحاج محمد بنونة يقول فيه: كلنا من عربي خالص أو بربري قد تعلقنا بعرش علوي واعتصمنا بلوائه كلنا في سره أو جهره هاتف يحيا من عطفه نرجو رفعة المغرب من أجل ذا ندعو أيها السلطان عش عش أيها الملك وليحيى المغرب بكم وليحيى الإسلام به أشرف المغرب طرا يوم أصبحت الملك إذ رأى فيك أميرا هاشميا ورأى منك الذي يبغي فيك له رمز للوحدة الكبرى كلنا من عربي خالص أو بربري قد تعلقنا بعرش علوي واعتصمنا بلوائه عرش إسماعيل يسمو بك مذ صار إليك فأدمه اطلسيا مسخرا في سما المجد والفخر وادمنا مستلين بظله فبه نرقى فيه لنا ذكرى من مجدنا السامي فيه لنا كنز أيها السلطان عش كلنا من عربي خالص أو بربري قد تعلقنا بعرش علوي واعتصمنا بلوائه. ومن خلال ما سبق، يلاحظ أن الأناشيد الوطنية قد شكلت أداة سياسية في يد الحركة الوطنية لترسيخ مبادئ الفكر الوطني في الأوساط الشعبية، ونشرها بين صفوف الجماهير. كما جسدت في الوقت نفسه أداة نضالية في مواجهة المستعمر. فقد "انطبعت بالحيوية المتجسدة في وظيفتها التحريضية الداعية إلى استنهاض الهمم وشحذ العزائم، وأخذ العدة لمواجهة المستعمر... كما أصبحت تعبيرا عن الاحتجاج وتمهيدا للانتفاضة، كما أصبحت رمزا من رموز الكفاح تمجد أبطال الوطنية وتشيد بأعمالهم وتنديد بالخونة والمنشقين". ولعل هذا ما جعل سلطات الحماية تستشعر خطر هذه الأناشيد، فعمدت إلى فرض رقابتها عليها، سواء في الاحتفالات الوطنية أو خلال الأنشطة الثقافية والفنية، مما كان يجبر الحركة الوطنية على استغلال مختلف المناسبات، الفردية والعائلية، لنشر مثل هذه الأناشيد والتغني بها.