يتميز المغاربة على العموم بسلوك سياسي مثير للانتباه والاستغراب، فبقدر ما يشاهد المغربي متشبثا بوطنيته إلى حد التعصب، وعاشقا لبلده خاصة عندما يكون خارج البلد، ومعبرا بحماس عن حبه لوطنه في التظاهرات الشعبية، سواء كانت رياضية أو احتفالية، بقدر ما تصدر عن الشخص نفسه سلوكات تتناقض تماما مع هذا الحب للوطن الذي هو قبل كل شيء مجال مشترك للمعيش اليومي والتحرك المتواصل، من خلال تخريب المنشآت العامة من شوارع وأزقة عمومية، أو حدائق ومتنزهات عمومية، أو تلويث المجال العمومي بالضوضاء والصخب، أو احتلال المجال العمومي، أو البصق ورمي النفايات... أو عدم احترام الصف، سواء في المحلات التجارية أو المرافق العمومية، أو معاكسة الفتيات أو النساء في الشارع العام أو التحرش بهن، أو التحدث بصوت مرتفع في الهواتف الشخصية، أو عدم احترام إشارات المرور وقانون الأسبقية، أو القيام بالكتابة على الجدران، أو إشاعة الفوضى في المركبات الرياضية وتكسير الممتلكات العمومية والخصوصية، إلى غير ذلك من السلوكات التي تعكس إلى حد بعيد هذا التناقض الصارخ بين الشعور الوطني وافتقاد مريع لروح المواطنة. 1- تكريس الشعور الوطني لقد وعت النخب الوطنية في مواجهتها للمستعمر الفرنسي والإسباني ونجاح هذا الأخير في السيطرة العسكرية على البلاد، لم يكن فقط بقوة سلاحه، بل بقوة عقيدته الإيديولوجية والسياسية التي تقوم على الرابطة الوطنية. فهذا المستعمر كان يتغلغل في البلاد كقوة موحدة في الوقت التي كان فيه المغاربة يواجهونه كقوى متفرقة بشعور قبلي ومحلي وإقليمي، مما سهل على الجيوش الفرنسية وكذا الإسبانية الانتصار في مختلف المعارك التي خاضتها، وذلك منذ حرب إيسلي إلى معركة بصاغرو. وبالتالي، فقد عمدت نخب الحركة الوطنية في مواجهتها للمشروع الاستعماري، بشقيه السياسي والثقافي، إلى الاهتمام ببلورة شعور وطني لدى المغاربة وخلق الوعي بهويتهم السياسية كمغاربة في مواجهة الفرنسيس والاسبانيول، وليس كمسلمين مغاربة في مواجهة النصارى. وهكذا شرعت هذه النخب في إنشاء وتأسيس ما سمي بالمدارس الحرة؛ حيث شكلت هذه المدارس ليس فقط مشتلا للحفاظ على الهوية الوطنية، بل أيضا قناة لمحاربة المستعمر ومواجهة سياسته بمختلف الوسائل بما فيها الأناشيد الوطنية. وفي هذا السياق كتب الباحث عبد العزيز بن عبد الجليل: "فأما المدارس الحرة فقد كانت بحق معقلا من معاقل الحركة الوطنية، وكانت بحكم اضطلاعها برسالة التربية والتهذيب المصنع الأمثل والحقل الخصب للأناشيد الوطنية، توافرت فيها كل عوامل الخلق والإبداع بفضل أساتذتها ومعلميها، وتهيأت لها في ذات الوقت عوامل الترويج والنشر بفضل تلامذتها الذين كانوا يقبلون على حفظ الأناشيد بشوق منقطع النظير ولا ينقطعون عن ترجيعها سواء في جنبات المدارس أو خارجها". كما أكد الباحث الأمريكي جون جيمس ديمس على هذا المعطى من خلال إشارته إلى أن "حركة المدارس الحرة بالمغرب (...) كانت فيها الأناشيد تشكل ركيزة المنهاج الدراسي وتجسد علة وجود هذه المدارس". وبالتالي، فقد حرص زعماء الحركة الوطنية على أن تشكل هذه المدارس الأرضية التي يتم فيها تلقين أجيال التلاميذ والشباب، خاصة المنحدرون من الفئات المتوسطة والشعبية، المبادئ الأساسية في حب الوطن والتغني بالهوية المغربية. ومن ثمة، فقد "كانت رحاب هذه المدارس تتميز بتخصيص حصص أسبوعية قارة لتعليم الأناشيد، وتشكل بذلك المركز المنتظم لتلقينها". وقد أدى تلقين هذه الأناشيد وترديدها من طرف التلاميذ والشباب في الأماكن العمومية وداخل الأسر إلى نشر الوعي الوطني وإشاعته؛ بحيث أصبحت تردد حتى في المناسبات العائلية والأسرية. وفي هذا السياق كتب الأستاذ بن عبد الجليل ما يلي: "نتيجة الانتشار الواسع الذي حققته هذه الأناشيد في عهد الحماية، فقد أصبحت تغشى المحافل العائلية في الأعراس وفي غيرها من المناسبات؛ حيث تنشد في مواكبها وهي تتضمن في تلويج كلما ما تنطوي عليه الوطنية، وتتمخض في أحشائها الملتهبة حتى ولو كانت في مظهرها خالية من كل شائبة تعكر صفوها". وبالإضافة إلى هذه المدارس، شكلت الجمعيات الثقافية والشبابية والفنية قنوات أخرى لتلقين الأناشيد الوطنية. "فإلى جانب المدارس الحرة، أسهمت الجمعيات الكشفية ومنظمات الشباب في إغناء رصيدنا من الأناشيد الوطنية، وذلك بما كان رجالها وقادتها يؤلفونه في أنديتهم أو خلال رحلاتهم أو مزاولتهم لأنشطتهم (...) ومما كان يساعد على انتشار هذه الأناشيد توفر هذه الجمعيات على جوقات نحاسية، شكلت في الكثير من الأحيان عاملا من عوامل إذكاء حماس الجماهير الشعبية وحثها على ترديد مقاطع الأناشيد في الشوارع على وقع دقات الطبول وخطى الفيالق والأسراب". وقد ساهم رؤساء بعض هذه الجمعيات في وضع عدة أناشيد وطنية، مثل الأستاذ محمود العلمي، الرئيس المؤسس لمنظمة الكشافة المغربية الإسلامية، كالنشيد الرسمي للجمعية في أبريل 1947، ومصطفى الخمال، رئيس جمعية الكشافة الإسلامية بطنجة. كما شكلت الجرائد التي تم تأسيسها من طرف رواد الحركة الوطنية قناة رئيسية لانتشار الوعي الوطني وإذكاء الروح الوطنية، وذلك من خلال نشر القيم الوطنية، كالتضحية في سبيل الوطن، والدفاع عن البلاد، والتشبث بالهوية المغربية؛ حيث كان يتم اللجوء إلى تبسيط هذه المفاهيم والقيم الوطنية إلى الأناشيد الوطنية، و"كانت جرائد مثل جريدة عمل الشعب، وجريدة التقدم، وجريدة النبوغ، ورسالة المغرب، وجريدة العلم، وجريدة الرأي العام، وجريدة النهار، وجريدة الاتحاد، وجريدة الوحدة تنشر بشكل منتظم الأناشيد الوطنية". وقد كان نشر هذه الأناشيد الوطنية يحظى باهتمام جموع القراء والمتعلمين، ليس فقط لأنه يكرس مبادئ الوطنية، بل لأنه في الغالب كانت هذه الأناشيد من تأليف زعماء الأحزاب الوطنية، أمثال علال الفاسي الذي ألف، بالإضافة إلى كتبه التنظيرية ومقالاته السياسية، عدة أناشيد وطنية (وطننا المغرب، صوت ينادي المغربي، كانت تحفظ عن ظهر قلب لتردد في المظاهرات والتجمعات السياسية). بالإضافة إلى ذلك، وظفت الأناشيد الوطنية لإحياء المناسبات الوطنية، وبالأخص الاحتفال بعيد العرش الذي بلوره الوطنيون كمكون أساسي من مكونات المشروع الوطني، وكجبهة أخرى من جبهات الصراع السياسي مع السلطات الاستعمارية. وهكذا فكر الوطنيون في خلق مناسبة وطنية يتم فيها الاحتفال بذكرى جلوس الملك محمد بن يوسف، كرمز للوحدة السياسية للبلاد. ومن أجل هذا الغرض، اتخذ الوطنيون عدة ترتيبات لإحياء هذه المناسبة التي حدد تاريخ أول احتفال وطني بها في 18 نونبر 1933. ومن بين هذه الترتيبات، تم الحرص على وضع عدة أناشيد تكرس الولاء السياسي لملك البلاد والتشبث بالعرش العلوي. 2- إجهاض روح المواطنة إذا كان رجوع الملك محمد الخامس من منفاه قد جسد إلى حد بعيد إحدى مطالب بعض مكونات الحركة الوطنية المتمثلة في الاستقلال السياسي للبلاد، فقد أدى بالمقابل إلى توقف في إنضاج الشعور الوطني لدى المغاربة، وبلبلة هذا الشعور بدخول الفرقاء السياسيين الذين واجهوا سلطات الحماية في صراع حاد ودموي على السلطة دام لأكثر من ثلاثة عقود، تحول فيها هذا الشعور إلى مزايدة سياسية بين مختلف هؤلاء الفرقاء؛ حيث أصبحت الوطنية سلاحا في يد البعض لمواجهة البعض الآخر. وفي أتون هذا الصراع السياسي المرير، تم إجهاض عملية خلق روح المواطنة لدى المغاربة من خلال تخريب المؤسسة التعليمية، وترييف المدن، ونسف مقومات دولة الحق والقانون. - تخريب المؤسسة التعليمية ولدت أحداث الدارالبيضاء ل23 مارس 1965، التي تزعمها التلاميذ والطلبة بتحريض من الأساتذة، تخوفا سياسيا عميقا لدى نظام الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان في مرحلة تشكله. فقد أحس بأن معقل معارضته السياسية يتجمع في المؤسسة التعليمية، وبأن أهم معارضيه هم من الأساتذة الذين شبههم في إحدى خطبه لهذه الفترة بأشباه المثقفين، ومن الأفضل أن يبقوا جهلة. ومن ثمة، استندت إستراتيجية الحكم على ضرب مقومات هذه المؤسسة التي تعتبر من أهم القنوات لتلقين روح المواطنة. وهكذا عمد النظام إلى تقسيم وزارة التربية والتعليم إلى ثلاث وزارات كلفت كل واحدة بمستوى دراسي وتكويني معين، في حين تم العمل على إلغاء كل المواد التي تشجع على روح النقد والتفكير الحر من فلسفة وسوسيولوجيا، وتعويضها بمواد الفكر الإسلامي العتيق من خلال تشجيع إنشاء الكتاتيب القرآنية، وإفراغ مادة التربية الوطنية من كل محتوى ملموس يقوي روح المواطنة، وتعويض ذلك بمادة التربية الإسلامية التي تم حصرها في مسائل العبادات (ككيفية الوضوء، والصلاة، وتكفين الميت ...)، بدل التركيز على استلهام أسس هذه التربية (كاحترام الجار، ورفع الأذية من الطريق، وأحب لأخيك ما تحبه لنفسك ...) لتقوية الشعور بالمواطنة. بالإضافة إلى ذلك، تم إشغال رجال التعليم، خاصة بعد أحداث الدارالبيضاء ل20 يونيو 1981 وتفاقم العواقب السلبية للتقويم الهيكلي على مستواهم المعيشي، بروح الكسب واللهاث على الساعات الإضافية ليتراجعوا عن مهامهم التربوية في تلقين روح المواطنة؛ إذ لم يعد المعلم أو الأستاذ يعتني بخلق روح الانضباط داخل القسم، أو الاهتمام بالتربية على العمل الجماعي، سواء بتنظيم أيام لتنظيف القسم أو ساحة المدرسة، أو المشاركة في الأعمال التنشيطية الموازية. أيضا، شجع النظام على تقوية قطاع تعليمي خاص يقوم على منطلق مركنتيلي يختلف عن منطق المدارس الحرة التي أسسها الوطنيون قبيل الاستقلال، ويستند إلى روح انتهازية تقوم على استغلال بعض أوضاع التعليم العمومي السلبية لاستقطاب أبناء الفئات المتوسطة، واستغلال أطره التعليمية في التلقين والتدريس، وذلك على حساب تلاميذ مؤسسات قطاع التعليم العمومي. - ترييف المدن لم يكن الاستعمار الفرنسي- الإسباني للمغرب ظاهرة عسكرية وسياسية واقتصادية وإدارية فقط، بل اكتسى أيضا طابعا حضريا. فقد لعبت سلطات الحماية دورا أساسيا في وضع أسس المدينة الأوربية العصرية في مقابل مدن الأهالي. وهكذا عمل الماريشال ليوطي على تشييد المدينة العصرية في جل المدن بمعالمها المعمارية، ومرافقها الإدارية والثقافية والترفيهية العصرية لتشكل نسيجا حضريا خاضعا لضوابط خاصة تحفظه من أي اكتساح بدوي أو قروي غير متحكم فيه؛ إذ كانت سلطات الحماية تحرص على منح تراخيص للتنقل لكل المهاجرين القرويين إلى المدن، خاصة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كما كانت تحرص قبل دخولهم إلى إخضاعهم لرقابة إدارية وصحية. لكن هذا لم يمنع من توافد أعداد متزايدة من القرويين نظرا لحاجة المصانع والمعامل الفرنسية إلى اليد العاملة الرخيصة. وقد تفاقمت هذه الهجرة بعيد الاستقلال دون أن يشكل ذلك اكتساحا قرويا لهذه المدن. غير أن انتفاضات المدن الكبرى، في ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، قد شكلت هاجسا سياسيا مقلقا لنظام الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يرى أنها تشكل أحد معاقل المعارضة السياسية لنظامه نظرا لما كانت تختزنه من شرائح حضرية تتميز بوعي سياسي وما كانت تولده من أسباب السخط والتذمر كانت تستغله المعارضة في مواجهتها لقمع النظام، في الوقت التي كانت فيه البوادي مصدرا من مصادر شرعية النظام وحامية لعرشه. وبالتالي، فقد استغل النظام فترة الجفاف في بداية الثمانينيات لفسح المجال أمام اكتساح قروي وبدوي غير مسبوق تم فيه تطويق المدن بأحزمة من مدن الصفيح التي تم بناؤها بمباركة من السلطة، واختراق المدن العتيقة واحتلال دورها من طرف هؤلاء الوافدين الجدد الذين زكت إقامتهم من طرف السلطات المحلية، سواء كانت إدارية أو منتخبة، ليشكلوا خزانا انتخابيا وسياسيا وظفته السلطة في احتواء كل أشكال المعارضة الحضرية والحد من تهديد سياسي لاستقراره. وهكذا، فإذا كان النظام قد وظف الأعيان في القرى لضبط المجال القروي وتحييده، فقد تم توظيف الترييف في المدن لشل قدرتها على المعارضة والتمرد من خلال ضرب انسجام تركيبتها البشرية والاجتماعية والثقافية. - نسف أسس دولة القانون كرست سلطات الحماية، لأول مرة في التاريخ السياسي للمغرب، الأسس القانونية للدولة بعدما كانت تستند إلى الشرع والعرف. فقد عمل ليوطي على وضع ترسانة قانونية وضعية لتسيير البلاد، سواء على الصعيد الإداري أو الاقتصادي أو المدني؛ حيث تم إصدار قوانين تتعلق بقانون الالتزامات والعقود الذي ما زال ساريا إلى حد الآن، والقانون العقاري، وقانون الحالة المدنية، والقانون الجنائي ... وعلى الرغم من أن هذه القوانين كانت تستند إلى ثنائية سياسية (معمرون/أهالي)، فقد كانت تقوم على أساس القاعدة القانونية المجردة في التعامل مع السكان. لكن بعيد الاستقلال، وفي أتون الصراع السياسي على السلطة الذي تجسد في الإعلان عن حالة الاستثناء، تم التلاعب بهذه الترسانة القانونية بعد مغربتها لتصبح أداة لقمع المعارضة السياسية، وخرق أبسط حقوق السكان. فقد أصبح تطبيق القانون يتم وفق اعتبارات خاصة، في حين شكلت الرشوة أحد مظاهر نسف أسس دولة القانون التي تعتبر إحدى مقومات تكريس روح المواطنة. 3- تكريس روح المواطنة يقتضي تكريس روح المواطنة في المغرب إعادة صنع المواطن المغربي وتحويله من كائن رعوي إلى كائن سياسي مستقل، مما يتطلب بالأساس توافقا سياسيا شاملا تلعب فيه كل المكونات الدور المنوط بها. وهكذا، ينبغي على السلطة بعد أن تتخلص من نظرتها السياسية إلى المحكومين على أنهم ليسوا رعايا بل مواطنون، وإلغاء كل مظاهر الثقافة المخزنية بكل مكوناتها الفكرية والسياسية والبروتوكولية، إلى تعبئة مختلف مؤسساتها لصنع هذا المواطن، سواء من خلال التحسيس، أو التكوين، أو الزجر. - ففيما يتعلق بالتحسيس والتوعية، ينبغي أن تتحول شبكة المساجد إلى قناة لبناء المواطن المغربي من خلال توظيف كل الموروث والمأثور الديني الذي يقوم على الاستقلال الفكري، والمسؤولية الشخصية، واحترام حقوق الآخر كيفما كان، والمساهمة في الخير المشترك ... في خطب الجمعة، ومجالس الوعظ والإرشاد ... كما أن الإعلام الديني، وخاصة قناة محمد السادس التي تعتبر الأكثر استماعا، ينبغي أن تركز على تكريس روح العيش المشترك والاحترام المتبادل، والحرية الفكرية والشخصية لدى المواطنين. في حين ينبغي أن تشمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة برامج تقوم على تربية المواطن على احترام المجال العمومي والتحرك داخله، وتوظيف بعض البرامج كبرنامج الكاميرا الخفية في فضح السلوكات السلبية للمواطنين كعدم احترام إشارات المرور على سبيل المثال؛ حيث يتم نشر صور المخالفين على الملأ كنوع من العقاب والتشهير، بينما يتم تخصيص جائزة كل سنة للمواطن المثالي في مختلف المجالات (جائزة للسائق المثالي، جائزة لعامل النظافة المثالي، جائزة للموظف المثالي، جائزة للمربية المثالية، جائزة للشرطي المثالي، جائزة للممرض أو الممرضة المثالية ...). - أما فيما يخص التكوين، فقد آن الأوان للدولة بالمغرب أن تعيد النظر في دورها التربوي من خلال تحديد مهمات جديدة للمؤسسة التعليمية والمؤسسة العسكرية وباقي المؤسسات الأخرى التابعة لها حتى تقوم بدورها الأساسي في خلق المواطن المغربي العصري بتكوينه وأخلاقه وشعوره الوطني. فالشعور الوطني يكتسب ويلقن من خلال التربية والتكوين وليس فقط من خلال توزيع الوثائق الرسمية والبطاقة الوطنية. وفي هذا السياق، ينبغي أن يعاد النظر في نظام الخدمة العسكرية من خلال تعميمه على مختلف شرائح الشباب المغربي، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، مع إبرام اتفاقيات شراكة بين هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية ووزارة التربية الوطنية لإخضاع الطلبة والتلاميذ لتداريب عسكرية تزرع فيهم، من جهة، حب الوطن، و تعودهم، من جهة أخرى، على روح الانضباط، وتدربهم على التحرك في المجال العمومي بشكل منظم. - ويمكن أن تسن الدولة، في إطار تربية مواطنيها، مجموعة من العقوبات لزجر السلوكات التي تمس بروح المواطنة، كفرض غرامات مالية على من قام بتخريب ممتلكات عامة أو قام بإزعاج أو ضوضاء في الشارع العام ...، بينما تفرض على من قام برمي نفايات في الشارع العام وما شابه ذلك أشغال ذات النفع العام، كتنظيف بعض الشوارع أو الأزقة. وإلى جانب الدولة، يمكن للأسر وجمعيات الأحياء وباقي جمعيات المجتمع المدني أن تساهم بدورها في تربية المواطن على احترام نفسه واحترام الآخر؛ حيث تعلمه كيف يتحرك في المجالات العمومية، سواء كانت ساحات عمومية أو حدائق أو مرافق أو وسائل نقل وغيرها. فروح المواطنة تكتسب وتلقن، والمواطن لا ينزل من السماء، بل يربى، ويكوّن ويخضع لتنشئة واضحة المعالم ومتجذرة الأسس. كما أن المواطنة هي ممارسة يومية وسلوك دائم لا يقتصر فقط على التغني بالوطن والتلويح برايته وتقبيلها، بل بترجمة هذا الحب إلى واقع ملموس يتمثل في الحفاظ على مكوناته البشرية والبيئية والمجالية، ويتجسد في الانضباط، والاحترام المتبادل، وعدم خرق القانون.