{ محمد دالي: إصلاح المنظومة يتطلب إعادة النظر في التأطير التربوي { محمد مجعيط : التركيز على التعليم الأولي باعتباره مدخلا رئيسيا لتعميم التمدرس وتحسين الجودة { الخمار العلمي : الرهان الحقيقي هو أن يكون المجتمع من أجل المدرسة { إدريس اليوبي: إصلاح المنظومة التربوية يتطلب إرادة مجتمعية جماعية حقيقية وكاملة وجريئة { محمد بن كيران: مقاربة سيميائية في إصلاح صورة المنظومة التعليمية لا أحد يجادل بأن ما وصل إليه قطاع التربية والتكوين اليوم من إخفاقات واختلالات هو حصيلة تراكم متعددة أوصلت المدرسة المغربية العمومية لعزلة فريدة ووضعية غير محمودة من حيث عدم مواكبتها للثورة المعرفية والمعلوماتية التي يعرفها العالم، وبُعدها عن الانخراط في قضايا المجتمع والتفاعل مع ظواهره الجديدة، وعقم المناهج والبرامج المفروض فيها تحفيز القدرات الذاتية للمتعلمين، وارتباط أغلبها بالحفظ والتلقين والانجذاب للماضي دون مراعاة المستجدات الهائلة التي يوفرها التقدم العلمي والتقني والمعلوماتي... وبقدر ما كان رهان المغاربة قويا أن تشهد وزارة التربية الوطنية»ثورة تربوية» تفتح أوراشا كبرى لإنقاذ التعليم وتلميع صورته بإعادة الثقة للمدرسة العمومية في أوساط الأسر المغربية، انطلاقا من تقويم شامل، صريح وجريء، يضع في الاعتبار أن قضية التعليم هي قضية مصيرية بالنسبة للبلاد، هو ما دفع المكتب الجهوي لجريدة »الاتحاد الاشتراكي« ولبيراسيون بفاس إلى تنظيم ندوة في موضوع المدرسة العمومية : أية آفاق إصلاحية بمشاركة عدد من المختصين والمهتمين والمشتغلين على قضايا الحقل التربوي والتعليمي، في إطار حوار تفاعلي، مساء يوم الجمعة 25 أكتوبر 2013 بقاعة غرفة التجارة والصناعة والخدمات بفاس، أطرها الزميل عبد الرحمان العمراني، مدير المكتب الجهوي والأستاذ الجامعي إلى مجموعة من المتدخلين المعنيين بالشأن التربوي بجهة فاس وبعض الفعاليات النقابية والجمعوية والحقوقية التي تهتم بالمدرسة العمومية. وانطلاقا من المحاور الأربعة التي تناولتها الورقة التقديمية وأرضية الندوة، التي همت تشخيص واقع المدرسة العمومية ضمن النسيج التربوي الوطني اليوم : الإمكانات، الخصاصات، التحولات، عوائق التطور.. ومشاريع إصلاح المنظومة التعليمية وآثارها على المدرسة العمومية، وتقييم الفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني لآداء المدرسة العمومية المدرسة العمومية: الآفاق والبدائل الممكنة، ذكر الزميل عزيز باكوش، عن اللجنة المنظمة وباسم مكتب الجريدة بفاس، أن المدرسة العمومية شكلت على امتداد عقود متلاحقة، في المتخيل السياسي والاجتماعي والثقافي الوطني، بمختلف روافده، رمزا وتجسيدا لأهداف ترتبط بالتقدم والتطور والنهوض المجتمعي الشامل، وبسبب ذلك وفي ارتباط مع هذه الأهداف التي استبطنها الوعي الجماعي المغربي بشكل مبكر، فقد علقت كل مكونات الأمة، بمختلف طبقاتها ومكوناتها السوسيومهنية منذ البداية، أكبر الآمال على المدرسة العمومية كمؤسسة تعليمية تربوية وطنية تجسد وتترجم في المقام الأول، وقبل غيرها من المؤسسات، نموذج المرفق العام المفتوح أمام جميع المواطنين بصرف النظر عن الموقع الاجتماعي أو الاقتصادي أو أية تحديدات أخرى، مشيرا إلى الأدوار الطلائعية الحاسمة في التنشئة الاجتماعية وفي خلق وتطوير آليات مسلسلات التعليم، والتمرين المجدي الفاعل والمنتج، على قيم التسامح والتعاون والتنافس الشريف والمساواة والاستحقاق، مشيرا أن المدرسة العمومية تمكنت من تكوين جل الوجوه السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية والكفاءات العلمية التي أطرت دينامية التطور العام لمجتمعنا خلال مراحل مفصلية من تاريخه الحديث، وضحا، أن موضوع المدرسة العمومية هو أكبر وأشمل وأخطر من أن يختزل في موضوعات أو إشكالات تقنية تنتمي بصفة حصرية لمنطقة اختصاص الخبراء والتقنيين، وهو ما يؤشر على عمق الارتباط والتعالق بين موضوع المدرسة العمومية ومسألة الاختيارات السياسية والاجتماعية والثقافية الكبرى في أبعادها ودلالتها وتشابكاتها المتعددة، حيث يصعب بالطبع أن نحدد بدقة البداية الزمنية لمسلسل اهتزاز الثقة في المدرسة العمومية وقدرتها على الاستجابة بصورة مرضية للطلبات والانتظارات الجديدة، بسبب ما تم استشعاره وتمثله كتراجع في وظيفتها التوجيهية والتأطيرية وانحسار كبير في الوسائل والإمكانيات المتاحة لها، لكن من الملاحظ أن مسلسل هجران المدرسة العمومية والإقبال المتزايد على التعليم الخصوصي، الذي بدأ على مستوى الأسر المنتمية للطبقات الوسطى في منصتف الثمانينيات، تصاعد بشكل كبير مع منتصف التسعينيات ليصبح واقعا قارا يغير بصفة تدريجية القيم والمفاهيم والتمثلات التي كانت قد انطبعت في الذاكرة الجماعية لفترات طويلة في تاريخنا المعاصر بخصوص موقع المدرسة العمومية ووظيفتها المجتمعية التحديثية، مؤكدا أن ما أثارته مبادرة وزارة التربية الوطنية بخصوص موضوع الساعات الإضافية في بداية الموسم الدراسي الماضي من ردات الفعل على مستوى مختلف فرقاء العملية التربوية، والطابع العاطفي أحيانا، والمتشنج أحيانا أخرى و السجالي في معظم الحالات للنقاش الذي ارتبط بالموضوع. لم يكن سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج العائم، أي لم يكن في الواقع سوى أحد المستويات التي تتمظهر من خلالها المشاكل والمعضلات البنيوية للمدرسة العمومية والتعليم العمومي في بلادنا اليوم، والتي تفرض استئناف التفكير وتجديد النظر وتطور أساليب التشخيص ومقترحات الحلول بخصوص أوضاعها من طرف كل الفاعلين والمعنيين بقضايا التعليم والتربية والتكوين، بصورة تشاركية وبما يضمن تحقيق هدف مزدوج، مشددا على أن التشبث بقيم التكافؤ والمساواة كقيم مرجعية يتعين أن تؤطر كل تفكير أو تخطيط لآفاق تطور العملية التربوية في بلادنا، بما يقتضيه ذلك من دعم متجدد لمؤسسة المدرسة العمومية وإبعاد المقاربات الإصلاحية لأوضاعها عن أي منطق مركانتيلي ضيق. وقد أكد الدكتور محمد دالي، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية الوطنية والتكوين المهني بجهة فاس بولمان، أن التعليم أضحى أولوية وطنية لا جدال حولها باعتبار النقاش المفتوح حول التعليم وقضاياه من لدن كل مكونات المجتمع، إيمانا بأن التعليم الجيد هو الشرط الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة والولوج إلى عصر المعرفة فهو استثمار ضروري للأمة وليس عبئا عليها، وانطلاق بأن قضايا المدرسة هي قضايا لا تهم وزارة التربية الوطنية لوحدها بل هي قضية مجتمعية تهم جميع مكونات المجتمع، مشيرا انه أصبح من الضروري اعتماد مقاربة شمولية ومندمجة لا تخضع للصراعات السياسية أو السياسوية، لتناول قضايا التعليم لأنها قضايا متداخلة الأبعاد تهم عموديا وأفقيا كل القطاعات ولا يمكن معالجتها من منظور قطاعي أو تقني أو مالي صرف، موضحا، بأن إصلاح التعليم يقتضي طرح أسئلة جديدة تراعي مقتضيات ومتطبات وحاجات الاقتصاد وطنيا وجهويا ومحليا، بالإضافة إلى مراعاة القيم الضرورية للمواطنة وترسيخ مجتمع الحداثة والمعرفة، وهذا، يقول مدير الأكاديمية، يقتضي تعاقد جديد بين المدرسة والمجتمع ضمانا لتكافؤ الفرص، واعتماد المقاربة التشاركية الصحيحة في مختلف القضايا مع مراعاة مصلحة المجتمع والتلميذ والمصلحة العليا للبلاد قبل كل شيء، على أساس التركيز على (أي مدرسة، أي تلميذ لأي مجتمع). وخلال عرضه، أكد محمد دالي أن إصلاح المنظومة يقتضي، وضع إستراتيجية وطنية تنطلق من الميثاق الوطني ومن التراكمات على مدى 20 سنة أو أكثر، تتطلب حكامة جيدة في مجال التدبير والتنظيم على كل المستويات، تسعى على دعم اللامركزية واللاتمركز مع تفعيل القانون 07.00 المنظم للأكاديميات في إطار الجهوية مع مراعاة خصوصية الجهة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع الحسم في إشكالية اللغة (لغة التدريس- اللغات المدرسة)، ثم إعادة النظر في البرامج والمناهج مواكبة للتطورات البيداغوجية والديداكتيكية والمعرفية ومتطلبات التلميذ والمجتمع (مما يتطلب من تجديد وتحيين البرامج والكتب المدرسية وأساليب وطرق التدريس مع الحسم في الاختيار أو الاختيارات البيداغوجية، مع ضرورة الارتقاء بالتعليم الأولي وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة (توفير الأطر اللازمة، والبنيات والوسائل)، بالإضافة إلى دعم التكوين الأساسي والمستمر لكل الفئات عبر دعم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين حتى تلعب دورها في هذا المجال «المهنية»، كما أكد المتدخل على وضع ميثاق أخلاقي بين كل الفاعلين في المنظومة (الشركاء الاجتماعيين، الجمعيات...) ينظم العلاقة ويأخذ بعين الاعتبار مصلحة التلميذ فوق كل الاعتبارات دون المساس بحقوق الأستاذ وكل الفئات الأخرى، والتركيز على المؤسسات التعليمية وجعلها في صلب اهتماماتنا مع منحها «استقلالية» بالتدريج ومواكبة ذلك بدعم لقدرات المديرين، دون إغفال العمل تطوير ودعم التعليم الخصوصي. كما ركز مدير الأكاديمية أن إصلاح المنظومة يتطلب إعادة النظر في التأطير التربوي (إعادة النظر في تكوين المفتشين بناء على المستجدات)، مع الحسم في الاختصاصات، وإعادة النظر في نظام الباكالوريا (المراقبة المستمرة)، إلى جانب توفير الموارد البشرية المؤهلة والمكونة بناء على حاجيات الجهات مع التدبير المحكم لها مركزيا وجهويا وإقليميا والقطع مع بعض الممارسات. وبخصوص موضوع البنيات التحتية، تحدث المدير عن ضرورة اعتماد دراسة تأخذ بعين الاعتبار التطور الديموغرافي للأقاليم والجهات، والعمل على التقليص من الفوارق بين العالم القروي والحضري عبر»الدعم الاجتماعي» الذي حققت فيه الوزارة أشواطا مهمة، مع ربط التربية والتكوين بالتكوين المهني، والعمل على التعبئة والتواصل حول قضايا المدرسة، وإحداث هيئة وطنية «للقويم» تسهر على تقييم أداء المنظومة التربوية، تشجيع ثقافة «التقييم والمحاسبة». من جانبه، أثار الأستاذ محمد مجعيط، النائب الإقليمي بنيابة إقليم مولاي يعقوب، أن طرح بعض قضايا ورهانات المدرسة المغربية لنقاش يطمح استحضار الأسئلة الجوهرية التي تعرفها المنظومة التربوية بمختلف مكوناتها لمن شأنه تعميق وتوسيع المعرفة بالمدرسة المغربية وآفاق تطويرها، وبلورة مساهمة فكرية نوعية في النقاش الدائر حولها. وبما أن المدرسة المغربية مؤسسة لها تاريخها الخاص، فإن باب ذاكرة المدرسة المغربية مخصص لمساءلة هذا التاريخ والكشف عن أرشيفه وإعادة قراءته على ضوء رهانات الحاضر ومشاريع المستقبل، مذكرا، بأربع محطات أساسية، الأولى امتدت بين 1956 و1964، يشير من خلالها المتحدث، أن على إثر النتائج المحدودة للتعليم خلال فترة الحماية، سواء من حيث المردودية أو المنافذ، فقد كان من الضروري والمستعجل فتح ورش إصلاح التعليم وتكييفه مع معطيات ومتطلبات الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بداية الاستقلال، حيث تم تبني خطة إصلاحية واكبت المخطط الخماسي 1960- 1964، وتتلخص هذه الخطة في المبادئ الأربعة؛ التوحيد والتعريب والتعميم والمغربة. بينما المحطة الثانية، فقد عرفت بفرض تقليص لوتيرة التمدرس ونقص في التأطير والتجهيز نتيجة الحد من النفقات، بالرغم من المجهودات المبذولة خلال هذه الفترة، حيث يضيف النائب الإقليمي، أنه في بداية الثمانينيات، طرحت مشاريع لإصلاح شامل للتعليم على بساط النقاش، إلا أنها لم تعرف طريقها إلى التحقيق إلا جزئيا في إطار المخطط الخماسي 1981- 1985، لكن ذلك كله لا ينفي التطور الذي حصل في نظام التعليم العام والتكوين المهني، فضلا عن التقدم الذي عرفته المغربة والتعريب الشامل للتعليمين الابتدائي والثانوي بسلكيه، ويمكن إجمال جوانب النقص خلال هذه المرحلة في ضعف المردودية الداخلية ومشكل التمويل في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي دخلها المغرب نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. تلتها محطة مهمة ثالثة بين 1988 و2000، يقول الأستاذ مجعيط، والتي عُرفت بفترة دعم توسيع التعليم الأساسي، خاصة في الوسط القروي تحقيقا لدمقرطة الولوج وتجديد الوسائل وعقلنة التوجيه المدرسي والمهني والربط بين التعليم والتشغيل، في إطار إرساء المسار الإصلاحي من خلال مخطط ? المسار 1988- 1992، معلقا، أنه وبالرغم من النقلة التي سيعرفها التعليم الجامعي على مستوى المسالك والمؤسسات، وقف المهتمون على مجموعة من الاختلالات التي ستلازم المنظومة التربوية في انتقالها إلى القرن الواحد والعشرين، ومن بين هذه الاختلالات أساسا، ضعف الفعالية الداخلية والخارجية للنظام، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع نسب الهدر وتضخم أعداد بطالة الخريجين، مضيفا، أنه انطلاقا من التقارير المنجزة سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، تم إحداث اللجنة الخاصة للتربية والتكوين، والتي ضمت ممثلين لجميع الحساسيات السياسية والثقافية والعلمية والدينية، واشتغلت وفق منهجية تم التوافق حولها من أجل وضع تصور ملائم من شأنه أن يمكن المغرب من بناء نظام تربوي وطني جديد جدير برفع تحديات القرن الواحد والعشرين، حيث تم إعداد وثيقة : الميثاق الوطني للتربية والتكوين، التي شكلت إطارا مرجعيا لإصلاح المنظومة التربوية. أما المحطة الرابعة الرابطة بين سنتي 2000 و2009، ذكر محمد مجعيط بحصيلة هذه الفترة التي انكب من خلالها الفاعلون التربويون بإشراف من الوزارة الوصية على تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين وأجرأته، حيث صدرت مجموعة من القوانين؛ وأخص بالذكر القانون 07.00 المحدث للأكاديميات والقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، وخلال هذه الفترة صيغ الكتاب الأبيض، كما تم إحداث هندسة بيداغوجية جديدة وتمت مراجعة البرامج والمناهج، ولا زالت الكتب المدرسية الحاملة لهذه المناهج سارية المفعول. وقد تم اعتماد مبدإ تعددية الكتاب المدرسي، كما تم انطلاق الإصلاح البيداغوجي في التعليم العالي سنة 2003. كما وقف النائب الإقليمي عند التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم حول حالة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين وآفاقها سنة 2008، الذي شكل منعطفا مهما، حيث أقر بمجموعة من الإيجابيات وأبرز مجموعة من الاختلالات أجملها في خمسة محددات، حددها في الحكامة على مختلف المستويات، وفي الخصاص المتزايد في التكوين والتأطير، ثم في الظروف الصعبة لمزاولة مهنة التدريس مع ضعف إمكانية التحفيز، إلى جانب النموذج البيداغوجي الذي يواجه صعوبة الملاءمة والتطبيق ( صعوبة جودة التعلمات )، وضعف التحكم في اللغات، وكذلك في جانب الموارد المالية وإشكالية توزيعها، وفي التعبئة والثقة الجماعية في المدرسة، مذكرا الحضور بالمحطة الخامسة الممتدة ما بين 2009 و 2013، والتي جاءت لبلورة مخطط استعجالي، تم إعداد البرنامج الاستعجالي بأهداف وتدابير محددة من أجل تحقيق الإصلاح العميق للمدرسة وتسريع وتيرته، تضمن أربع مجالات، همت التحقيق الفعلي لإلزامية التمدرس إلى غاية 15 سنة، وحفز روح المبادرة والتفوق في المؤسسة الثانوية وفي الجامعة، إلى جانب مواجهة الإشكالات الأفقية للمنظومة التربوية، مع توفير وسائل النجاح، حيث تم اعتماد منهجية جديدة وأساليب التدبير الحديثة من قبيل إرساء ثقافة التدبير المرتكز على النتائج والتعاقد والمحاسبة من خلال إرساء 26 مشروعا، كما تم اعتماد مؤشرات ولوحة قيادة للتتبع، يذكر الأستاذ محمد مجعيط. وفي سياق متصل، أبرز النائب الإقليمي بنيابة إقليم مولاي يعقوب، أن مختلف المنظومات التربوية تتأسس على نواة صلبة من الغايات التي تسعى إلى بلوغها، وهي تعكس مختلف الجوانب المتعلقة بالهوية والتراث والمجتمع والمعرفة الثقافية إلى جانب القيم الإنسانية، لكن عندما يحصل خلل ما في المنظومة بحكم فشل السياسات التعليمية في بعض جوانبها، حينذاك يستدعي الأمر مقاربة معمقة في البحث والتفكير وإعادة النظر مجددا في مكوناتها بهدف ضبطها أو تعديلها ويبدو أن هناك حلقة مفقودة بين ما يقترح على مستوى محطات الإصلاح المختلفة وبين ما يتم إنجازه فعليا على مستوى الواقع، متسائلا، عن كيفية تطور الطلب الاجتماعي على المدرسة ومدى انسجام مضامين برامجها وتماسكها في ضوء مواصفات المواطن المنشود ؟ ألا يجدر بنا التساؤل كذلك عن زمن التربية، وهل هو فعلا الزمن العادي، وبعبارة أخرى أي مدرس لأية مدرسة، وأي متمدرس ؟ وقد أوضح خلال عرضه، أن المحطات الإصلاحية التي تم التذكير بها، جاءت بالعديد من الإيجابيات وأدت بعض وظائفها، غير أن الانتظارات بالمقارنة مع الإمكانات التي تم توفيرها والمجهودات المبذولة كانت أكبر، فلا أحد يختلف في كون مؤشرات التمدرس تحسنت بشكل كبير، ولا أحد يمكن له أن ينكر المجهودات المبذولة في مجالات العرض التربوي والشق البيداغوجي والتكوين الأساسي والمستمر، بالإضافة إلى برامج التربية غير النظامية ومحو الأمية، لكن مجموعة من الاختلالات لا زالت قائمة وقد أكد عليها جلالة الملك في خطابه بمناسبة ذكرى 20 غشت لسنة 2013، مقترحا مواصلة توسيع العرض التربوي من خلال توفير التجهيزات الأساسية من بنايات وماء وكهرباء ومرافق صحية وداخليات ومطاعم بالنسبة للوسط القروي، وتوفير العقارات المحتضنة لهذه التجهيزات على أساس تحديد العدد الأقصى للمؤسسات في طاقة استيعابية مناسبة تسهل عملية التأطير، ومواصلة إحداث المدارس الجماعاتية مع تدقيق الدراسات بشأنها وإصدار النصوص التشريعية الخاصة بها وكذا توفير الموارد البشرية بهدف التقليص من الأقسام المشتركة وتحسين نسب الهدر المدرسي وترشيد الموارد البشرية، مشددا على التركيز على التعليم الأولي باعتباره مدخلا رئيسيا لتعميم التمدرس وتحسين الجودة، مع ربط المؤسسات التعليمية بمراكز التكوين المهني لإتاحة الفرصة للتلاميذ من أجل اكتساب معارف حول عالم الشغل، إلى جانب العمل على الإدماج التدريجي للتعليم الأولي في المدرسة العمومية من حيث الإشراف والتتبع، مع إدماج تخصصات التكوين المهني ضمن فرص التوجيه بالنسبة للتعليم الثانوي التأهيلي وإعادة النظر في الشعب الموجودة بالتعليم العمومي، بالإضافة إلى دعم التعليم التقني بجميع مكوناته وكذا الأقسام التحضيرية وشهادة التقني العالي (بناء على حاجيات يتم ضبطها مع الفرقاء المعنيين جهويا ووطنيا)، وإعادة النظر في أساليب التقويم ضمانا لتكافؤ الفرص وتثمينا للكفاءات مع إمكانية فتح التسجيل بالمعاهد والجامعات على أساس الملف التراكمي للتلميذ، إضافة إلى تعزيز مجال الاستشارة والتوجيه ومد هذا المجال بالمعطيات المرتبطة بسوق الشغل وبالاختيارات الوطنية، وإحداث وكالة وطنية للتقويم مع ضرورة إلزامها بتقديم تقرير سنوي للسلطات المعنية، وتتولى الإشراف على عملية التقويم من السلك الابتدائي إلى البكالوريا. كما اقترح المتحدث بخصوص جودة التربية والتكوين العمل على التحيين الدوري للبرامج والمناهج في أفق التخفيف منها ومن الأغلفة الزمنية المرتبطة بها مع إدخال المستجدات وبالخصوص مبادئ عامة للتدبير المقاولاتي، مع اعتماد البرامج الجهوية، وإدماج التدريجي للإعلاميات بالوسط المدرسي وفق مقاربة متكاملة ومندمجة، وبإعادة النظر في تدريس اللغات بشكل يضمن الانسجام والانفتاح، مع تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص وتشجيع التفوق بإحداث مؤسسات نموذجية. وارتباطا بموضوع الحكامة، يرى محمد مجعيط ضرورة تعزيز اللامركزية بدعم أدوار البنيات الجهوية والإقليمية والمؤسسات التعليمية وتوسيع صلاحياتها وكذا المجالس الإدارية الخاصة بالأكاديميات مع إحداث مجالس إدارية بالنيابات، وكل ذلك في مقاربة نسقية وشمولية، بالإضافة إلى تعزيز المراقبة والحرص على ديمومتها، حيث أشار في ختام كلمته، إلى إن المنظومة التربوية في حاجة ماسة إلى التقويم والتجديد باستمرار مما سيمكن من اتخاذ إجراءات التعديل والتصويب لمواكبة المستجدات والتحولات التي يعرفها العالم في مختلف الحقول المعرفية ومما يقتضي أيضا اعتبار الشأن التربوي شأن الجميع وبالتالي تضافر الجهود وتعبئة الكفاءات. الدكتور الخمار العلمي، أستاذ التعليم العالي في مادة سوسيولوجيا التربية، استشهد في مداخلته بمقولة المفكر جاستون باشلار›› إن الرهان الحقيقي هو أن يكون المجتمع من أجل المدرسة لا أن تكون المدرسة من أجل المجتمع››، معلقا، أن إشكالية إصلاح منظومة التربية والتكوين في المغرب، كما هو الحال في مختلف بلدان العالم، تظل أعقد إشكالية لأنها تحيل على مختلف عناصر المجتمع الحاسمة في النمو والتنمية من اقتصاد واجتماع وسياسة وعلوم وغير ذلك، مما له تأثير مباشر أو غير مباشر على استراتيجيات هذا الإصلاح، موضحا، أنه ولذلك يثير عادة إصلاح هذه المنظومة جدلا واسعا لدى كل الأطراف المتدخلة في هذا الموضوع، وينتج عن هذا التدخل الكثيف غموض ولبس يكادان أحيانا، وخاصة عندما يلبس لباسا سياسويا او ايدولوجيا، أن يضفيان عليه طابع الأزمة الدائمة التي تخفي كل الاختلالات التي تعرفها حقول التنمية والسياسة العمومية. لهذه الاعتبارات، يشير السوسيولوجي، أنه ينبغي على الباحث في هذا الحقل أن يحترس من الوقوع في ما يعممه بادئ الرأي من كون هذه المنظومة تعيش أزمة خانقة، مقترحا لتجنب هذا المسار من التفكير والفهم والتفسير علي المعنيين أن يطرحوا أسئلة جوهرية تهم إصلاح منظومة التربية والتكوين، من خلال قلب المعادلة وطرح السؤال عن كيفية التفكير في مشروع مجتمعي أساسه التربية؟ وبعده يأتي سؤال المشروع التربوي للمجتمع، بدل السؤال عن ما المشروع التربوي للمجتمع المغربي؟، أي أن المشروع التربوي للمجتمع المغربي يستمد من سياق المشروع المجتمعي للمغرب المعاصر ومن غاياته، مشيرا، أن غياب مشروع مجتمعي قابل للتحقق وفق مقاصد الدولة العصرية: الحداثية والديمقراطية يؤثر بشكل سلبي على تصور غايات التربية والتكوين، مبرزا، أن الجميع في حاجة ضرورية إلى تحليل عميق ونزيه لحقل التربية والتكوين والتأهيل يتجاوز، من جهة، النظرة الضيقة والمتسرعة المرتبطة بتحقيق مصالح ومنافع آنية عادة ما تحقق انتصارات عاجلة لكنها تظل أنانية ومتسرعة يصعب الحكم على نجاعتها وفق مبادئ التقويم العقلاني الذي يربط النتائج بالأهداف والاستراتيجيات، ويتجاوز من جهة ثانية ما يصدر عن بادئ الرأي في هذا المجال الذي يحتاج إلى التأني والحكمة والتشاور وتحليل المعطيات، مقترحا تجنب أربعة مزالق، همت الحكم بإطلاق أن التعليم في أزمة دائمة، موضحا بذلك أن المدرسة المغربية والجامعة المغربية حققت مطالب مجتمعية في غاية الأهمية على مستوى تعميم التعليم، بحيث يلزم اليوم أن استثمار هذا المعطى الكمي في تحقيق الكيف أي جودة التربية والتكوين، وعلى مستوى السعي إلى تحقيق تكافؤ الفرص وتكوين الأطر الضرورية لأجهزة الدولة ومؤسساتها ودعم المقاولة بالأطر ذات الكفاءة العالية، مشيرا، أنه لا ينبغي ربط التربية والتكوين بقطاع الشغل وتحميله مسؤولية بطالة الخريجين لوحده وتبرئة قطاعي الشغل والمالية، تجنبا لأية مجازفة غير محمودة النتائج، ذلك أن التعليم يرتبط ارتباطا عضويا من جهة مع الاقتصاد الوطني ومن جهة ثانية مع المقاولة والقطاع الخاص، فهذا الأخير يتحمل مسؤوليته في افتقاره لاستراتيجيات ربط نمو المقاولة بالحاجة إلى تكوينات تلائمه. وبخصوص مسألة الفصل بين التكوين المهني والتربية والتعليم، أوضح المحاضر، أنه رغم أن الميثاق قد ربط بين الحقلين ربطا استراتيجيا إلا أن الحاصل هو الفصل، مشيرا، أن هذا الفصل يجعل قطاع التربية والتكوين قطاعا نظريا أكثر مما هو قطاع يجمع بين النظري والتطبيقي- التأهيلي، فضلا عن استفادة التكوين المهني من نتائج التربية والتعليم فالتلميذ قد يقضي ما يعادل عشر سنوات في المدرسة أو أكثر إذا ولج الجامعة أو أي مؤسسة أو معهد جامعي دون أن تظهر نتائج تحصيله أو تملكه للكفايات المسطرة في برامج ومناهج التكوين، لكنها تتحقق في ظرف سنة أو سنتين حين يلج مؤسسة للتكوين المهني أو الحرفي ويحسب نجاحه لها، مما يبخس المدرسة قيمتها وجودة التعلم والتكوين، إذ يتناسى الكثير أن اكتساب المهارات والمعارف وتملكها ونمو الكفايات سيرورة مستمرة وطويلة الأمد لا تبرز إلا في الاستعمال الاجتماعي للمعرفة والمهارات والقدرات، أي خارج المدرسة ولذلك لا تحسب لصالحها بل لصالح مؤسسات التكوين الأخرى، مستخلصا، أن الربط بين التربية والتكوين سيجنب هذه الأحكام وسيقوي جودة التعلمات والتكوينات، مضيفا، أن مسألة التوجيه التربوي والتقني، تعتبر مسألة مركزية في مشروع الميثاق إذ حث على التوجيه وجعله مكونا أساسيا من مكونات الاختيارات والتوجهات التربوية الاستراتيجية، حيث تبنت المراجعة الجديدة للمناهج التربوية -وفق براديغمات جديدة- ثلاث مداخل أساسية لهذا البناء هي مدخل الكفايات ومدخل القيم ومدخل التربية على الاختيار، الذي ظل رهينا بمدى قدرة كل مؤسسة على الطاقة الاستيعابية، أي أن الخريطة المدرسية بقيت بكل اكراهاتها هي المهيمنة على التوجيه التربوي والمهني والتقني، وجميع المهتمين بالشأن التربوي يعلمون أن جودة التكوين رهينة بجودة التوجيه، موضحا، أن التوجيه نحو التعليم التقني بكل فروعه لا يتعدى إلى الآن نسبة 4.8%، ولعله سبب من أسباب صعوبة استجابة المنظومة لحاجات الشغل إذ في غياب توجيه يستجيب لمنظومة المهن الجديدة ولحاجات المقاولة إلى تكوينات معينة يسير قطار التربية في وجهة غير آمنة: البطالة، يوضح المتحدث، الذي ركز على مسألة لغات التدريس وتدريس اللغات باعتبارها المسالة العويصة التي تحتاج إلى قرارات سياسية شجاعة ومدروسة، مشيرا أنه من الصعب بكل نزاهة تقويم المستوى اللغوي للتلاميذ أو مدى ملاءمة تعلمهم للعلوم بين الثانوي بسلكيه والعالي، موضحا، أن تقويم الصعوبات أو الاختلالات في التكوين بلغة من لغات التدريس يستدعي تعميمها على الأسلاك كلها، أي أن يدرس المتمدرس بالعربية أو بلغة أجنبية ولتكن الفرنسية راهنا لتوفر الكفاءات في هذا الباب كي نستطيع تقويم التعلم والتكوين.، مشيرا، أنه في غياب هذا النوع التجريب وحدها إرادة سياسية متوافق عليها المخرج الممكن للخروج من النفق، أما تدريس اللغات، يضيف قائلا، فأمر في غاية الصعوبة يتطلب لأولا تدخل أهل الاختصاص من لغويين ولسانيين وسيكولوجيين وأنتروبولوجيين وسوسيولوجيين وعلماء العلوم العصبية لأنهم الأقدر على فهم تعقيدات منزل الوجود بلغة هيدجر، ويتطلب تبني آليات فعالة للتقويم ملائمة لتقويم اكتساب اللغة وطرق تعلمها، معلقا، أنه هكذا تعكس المدرسة مرايا المجتمع، ومن ثم تعكس أزماته في مجالات الاقتصاد والسياسة والاختيارات اللغوية والرهانات التنموية، ولهذا ينبغي أن لا تختزل أولويات المدرسة في مجرد إصلاحات تقنية تمجد داروينية جديدة يكون فيها البقاء لما يخدم مصالح سياسوية عابرة، مضيفا، أن زمن المدرسة طويل الأمد ونتائج الإصلاح مستقبلية بينما حاجات السياسوي آنية، وبين الموقفين برزخ يكاد لا يعبر. وأبرز الأستاذ الخمار العلمي، أن إصلاحا عقلانيا وشاملا لمنظومة التربية والتكوين يتطلب الجواب الموضوعي والمتوافق عليه من طرف الفاعلين الأساسيين في هذا الحقل، وهذا يتطلب تقويما علميا دقيقا لما أنجز من الميثاق وما لم ينجز وللاختلالات التي صاحبت هذا الانجاز وأسبابها وظروفها وتقديم بدائل جديدة تناسب التحولات السريعة التي يعرفها المجتمع ويحتاجها شباب اليوم، من الرجال والنساء الذين سيتحملون مسؤولية الغد، مشيرا، أنه حين يكون للمجتمع مشروع عقلاني وقابل للتحقق يمتلك مشروعه التربوي باعتباره أداة لتحقيق هذا المشروع فيتداخل المشروعان، موضحا، أنه لا تكون التربية في قلب مشروع تقدم المجتمع إلا حين يسيران معا في طريق واحد هو طريق النماء والتقدم الإنساني والتحرر من كل قيود التخلف واحترام الذكاء المغربي. إنه المدخل الضروري لإصلاح التربية والتكوين وتحقيق الغايات الأساسية للمدرسة. وتتمثل الغايات الضرورية للمدرسة ورسائلها الأساسية في ما يسمى الضروري للإصلاح ، حسب الأستاذ المتحدث، في تعليم الأطفال والشباب التجارب الإنسانية والخبرات البشرية وتحصيل المعارف الضرورية العلمية والأدبية والفنية والتكنولوجية باعتبارها معارف ذاتية مكتسبة ومتملكة بغاية استثمارها في حل المشكلات التعلمية والوضعيات الإدماجية والاجتماعية الكفيلة بنماء الكفاية، وعلى تربية الذكاء في مختلف أشكاله التحليلية (المجردة) والاستنتاجية (إنتاج خاص)، والإبداعية والتركيبية ( القدرة على التركيب)، والعملية والاجتماعية، وكذلك على التشبع بالقيم المبنية على العقل وممارستها كي تصبح قيما ذاتية مثل تحمل المسؤولية والاختيار والاحترام المتبادل وبذل الجهد وتقدير الذات والآخر وحب الوطن والمعرفة وتذوق الآداب والفنون وغير ذلك من القيم التي تساعد على تفتح الشخصية وتكونها ونضجها واستقامتها، إلى جانب تكوين وتأهيل الكفاءات ذات المهارات والقدرات الضرورية للانخراط في سيرورة التحول الذي تعرفه المهن ومواكبة الجديد منها، وفي حركية المجتمع وتجدد حاجاته وتنوعها، إنها وضعية تحدي مستمر واستثمار في الموارد البشرية باعتبارها ذوات ذكية ومتضامنة. وحول موضوع «المنظومة التربوية: منطلقات للإصلاح» شبه الأستاذ إدريس اليوبي الجمعية الوطنية لمديرات ومديري الثانويات العمومية بالمغرب فرع فاس، المنظومة التعليمية كالبيت العتيق أبدعت فيه يد الصانع التقليدي الماهر وتجلت فيه مختلف مظاهر الحضارة الإنسانية، وحينما أصيب بما أصيب به من تبالٍ وتلاشٍ أدخلت عليه إصلاحات من هنا وهناك، وهي إصلاحات جزئية وسطحية اعتمدت على ما هو مستورد، فتشوهت معالم هذا البيت وضاعت مواطن جماليته لأنها لم تكن إصلاحات في إطار عام وشامل ومتكامل ومتناغم ومنسجم، مشيرا، أن الوقت لم يعد يسمح لتأجيل النظر في قضية التربية والتعليم لأهمية هذا القطاع من جهة، ولخطورته من جهة أخرى، باعتبار أنها قضية معقدة ومركبة، ومهنة التدريس ليست ككل المهن لأن المادة الخام فيها هي الإنسان، فقد يهون خسارة الأموال ولكن يعز علينا ضياع الأجيال، انطلاقا من أنها قضية الجميع، وجودة التعليم والارتقاء بالمنظومة التربوية مسؤولية كل الفاعلين سواء من داخل المدرسة أو من خارجها، فالكل محاسب ومسؤول، على أساس أن المدرسة فضاء تربوي لترسيخ القيم والأخلاق المجتمعية، وتصحيح السلوكات المرفوضة، وفضاء تربوي يحافظ على الثوابت ويساير التطورات والمستجدات والمتغيرات، لذلك كان لابد من اعتماد برامج دراسية ومقررات مدرسية متجددة، وفضاء للإنتاج والإبداع يتيح الفرصة لصناعة الإنسان وتكوينه حتى يصبح إنسانا إيجابيا قادرا على الاندماج في الحياة اليومية، فهي قلب المجتمع، وينبغي أن تكون في قلب المجتمع، تحظى باحترام الجميع، وبعناية الجميع، وبتدخل الجميع، فهي فضاء لتكريس الائتلاف وترك الخلاف، مشيرا الأستاذ إدريس اليوبي، أن التعلم حق والتعليم واجب، لذا ينبغي ضمان حق المتعلم بأداء الواجب من طرف المعلم. وباعتبار أن هذه الخصوصيات هي مجموعة من المنطلقات لأجل البحث عن آفاق الإصلاح، فمن اللازم ، يقول الأستاذ اليوبي، التفكير في الوسائل المناسبة والأدوات الملائمة سواء على مستوى البنية التحتية للمؤسسات التعليمية أو التجهيزات المادية أو الموارد البشرية أو البرامج والمناهج الدراسية، وتأتي الإدارة التربوية بكل عناصرها ومكوناتها في مقدمة ما ينبغي أن يشمله الإصلاح خاصة بعدما أثقل كاهل مديرات ومديري المؤسسات التعليمية بكثرة المسؤوليات وتعدد الأدوار وتنوع المهام، مشيرا، أن إصلاح المنظومة التربوية يتطلب إرادة مجتمعية جماعية حقيقية وكاملة وجريئة، ثم إنه لا إصلاح ولا تقدم للمنظومة التعليمية دون أن يشمل هذا الإصلاح باقي المنظومات المجتمعية الأخرى وفق القيم الأخلاقية ومبادئ الديمقراطية الشاملة والمواطنة الحقة. من الزاوية النقابية، أبرز عبد الملك الزعيم عضو المجلس الوطني للنقابة الوطنية للتعليم ( ف د ش)، حول المحور الرابع في موضوع « المدرسة العمومية: الآفاق والبدائل الممكنة»، أن النتائج والتجليات السلبية للسياسة التعليمية المتبعة تجاوزت كل تقدير، موضحا، أن أزمة التعليم ترتبط بالاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من أربعة عقود، فالتعليم، يوضح الزعيم، هو جزء من البنية المجتمعية العامة يؤثر في الواقع، ويتأثر به، والسياسة التعليمية انعكاس لسياسة الدولة المطبقة في القطاعات الأخرى، لذلك يقول المتحدث،» فالنقابة الوطنية للتعليم ترفض اختزال قضايا التعليم في قلة الموارد المالية، أو الجوانب البيداغوجية أو التسييرية أو التقنية .... ونعتقد أن النظرة الشمولية تفرض علينا البحث عن جذور الأزمة التعليمية في اختيارات الدولة، وسياستها العامة التي أنتجت الأزمة الحالية»، مستحضرا، بعض المحطات التاريخية للمنظومة التعليمية بالمغرب، مؤكدا أن التشخيص الدقيق للنظام التربوي بأكمله يقضي الوقوف على مختلف مكونات هذا النظام انطلاقا من وضعية المؤسسات التعليمية، ومن الهيكلة الحالية لمؤسسات تدبير شؤون الحياة المدرسية، والتطرق لعناصر المنهاج التعليمي، والتخطيط والتوجيه التربوي، وتحليل وضعية تدبير الموارد البشرية والشؤون الإدارية والمالية، والبناءات والتجهيزات، حيث تحدث عن اختلالات بنيوية التي برزت نتيجة إهمال النظام التعليمي، والتي همت التوزيع غير العادل لما هو متوفر من تربية وتعليم وتكوين، على غرار التوزيع غير العادل للثروات الاقتصادية، مما ساهم في تعميق الفوارق بين مراكز المدن وهوامشها والبوادي، وبين الإناث والذكور، وبين الشرائح الاجتماعية المكونة للمجتمع المغربي، وعدم ملاءمة المنظومة التربوية الحالية للحاجات الآنية والمستقبلية للبلاد، إلى جانب تذبذب الاختيارات وعدم توفير الإمكانات في مجال تدعيم اللغة العربية والاستفادة من اللهجات والثقافات المحلية والتفتح على اللغات الأكثر حضورا في العالم، والإهمال المفرط للتعليم العمومي، والتشجيع المبالغ فيه لبعض أشكال التعليم الخاص، مما يشكل عرقلة إضافية أمام تكافؤ الفرص بين جميع أبناء الأمة، بالإضافة إلى إهمال الطاقات البشرية المكونة لأسرة التربية والتعليم والتكوين، وسوء تدبير شؤونها، وعدم تقدير دورها وتضحياتها، والمس بحرمة المؤسسات، وعدم إشراك نساء ورجال التعليم في التقويم والإصلاح وإعداد المشاريع، وغيرها... ولتعزيز دور المدرسة العمومية، ترى النقابة الوطنية للتعليم ( ف د ش)، العمل على تحقيق الدمقرطة الحقيقية للنظام التعليمي بانخراط المشروع التعليمي في مشروع تنموي شامل من جهة، ومن جهة أخرى بتعميم التمدرس وتحقيق تكافؤ الفرص أمام الجميع، مع الإسراع بإنشاء الوكالة الوطنية للتقويم وفق آليات شفافة في اختيار أطرها، مشددا على تقسيم السنة الدراسية إلى دورتين، واعتماد الامتحان الموحد في السنوات الإشهادية وإلغاء نقط المراقبة المستمرة، مع تحديد أساليب التقويم والدعم، مع إقرار لا مركزية فعلية لتجاوز السلبية والانتظارية في التعامل مع المبادرات الجادة في مجال التسيير والبحث التربوي، وليس مجرد تنفيذ القرارات المركزية وتبليغ الأوامر للمدرسين، وإشراك جميع الفعاليات العلمية والتربوية والنقابية وطنيا وجهويا وإقليميا في التداول والتقرير في شؤون التعليم باعتباره قضية وطنية، واعتبار التمدرس ضرورة من ضرورة العصر، وشرطا أساسيا من شروط التنمية، مع اعتماد نظام التحفيز للرفع من المردودية الداخلية لنظام التربوي، وإعادة الاعتبار لمهنة التدريس، والاهتمام بأبناء الجالية المغربية في الخارج على مستوى البرامج والمناهج والإعلام. من جانبها، أكدت الجامعة الحرة للتعليم التابعة لاتحاد العام الشغالين بالمغرب، انه آن الأوان لفسح المجال للنقابات والأحزاب والمجتمع المدني وجمعيات الآباء والأمهات، إلى جانب نساء ورجال التعليم للمساهمة في وضع إستراتيجية محددة الأهداف للنهوض بالمنظومة التعليمية حتى تساهم في وضع منتوجها التنموي القابل للاستهلاك إقليميا وطنيا ومحليا، من خلال مقاربة شمولية مندمجة يشارك فيها الجميع، قصد الارتقاء إلى مجتمع المعرفة وتحقيق سلطة اقتصاد المعرفة التي تخول للمغرب الانخراط في نماء المعرفة، والتربية، والتعليم، إلى جانب فسح المجال للعنصر البشري الذي لا يقف طموحه عند البحث عن الشغل والوظيفة العمومية فقط، بل يكون قوة اقتراحية وإبداعية تساهم في خلق منتوج مغربي متميز يفرض حضوره في سوق الاستهلاك، موضحا عبد الرحمان نداء، عن هذه المؤسسة النقابية، أن هذا يقتضي الاهتمام بالقيم لدى المتعلم من تضحية ووفاء وروح المواطنة والمبادرة....في سلوكه اليومي ومعاملته وعمله، مشددا على ان المنظومة التعليمية تقتضي إصلاحاتها الاهتمام بالأمن الفكري، والروحي، والبيئي، والثقافي، والجمالي، والأمن التربوي الأخلاقي لمواجهة الانحراف في السلوك لدى التلميذ، الذي يجب أن تتحول علاقته بالأستاذ إلى علاقة تشاركية للمساهمة في بناء وإنجاح المشروع المجتمعي التنموي المنشود. وقد ساهمت جمعيات الآباء في إغناء النقاش خلال هذه الندوة، وذلك من خلال محمد لطفي عن رابطة الآباء بالجهة، الذي شدد على اعتماد المؤسسات على التدبير التشاركي من خلال توجه عام لعقد شراكات تأهيل المؤسسة وتطوير أدائها، وخلق شبكات التكوين والتأطير في مجالات التدبير التعاقدي ومجالات لتدبير المالي لجمعية دعم مدرسة النجاح داخل الفضاءات المدارسية. ومن موقعه التخصصي في الفن التشكيلي وارتباطي المهني بالمنظومة التعليمية، وجه محمد بن كيران، مفتش التعليم الثانوي بجهة فاس بولمان، دعوة لتجريب مقاربة سيميائية تغامر في الإصلاح عن طريق الفن عبر اقتباس منطق الصورة، علنا نجد فيه مخرجا من النفق المظلم الذي أدى إلى فشل كل التجارب المتعاقبة، باعتبار الصورة شيء ملموس لها القدرة على جعل كل ما هو مجرد مقدور على فهمه، بالإضافة أن الصورة لا تخضع لسلطة الزمان والمكان والحدود، وما تتميز به الصورة من خصائص يمكن اعتمادها كمخطط استراتيجي وطريقة في التفكير والتحري والتنظيم، موضحا، أنه في هذا العصر الذي تشغله عوالم بصرية، وتشكل فيه الإيقونات معبر استيعاب المعلومات، يمكن للصورة أن تشكل وسيطا منهجيا لاقتباس معالجة الأشياء بواسطة المقاربات والمفاهيم التي تحلل مكوناتها وتعيد تركيبها، انطلاقا من ثلاث أسئلة مطبوعة بهذا التوجه، تهم السؤال الأول حول ماهية الصورة الحالية للمنظومة التعليمية ؟، حيث يقول أنه بحسب المكتوب والمقروء والمسموع، الذي يربط الحديث عن التعليم بالأزمة، ويحلل الموانع التي حالت وتحول دون مراجعة الاختلال المتكرر في المنظومة، فهي صورة صادمة أو قاتمة أو ضبابي، الثاني مرتبط بمعرفة إمكانية تفكيك عناصر هذه الصورة وإعادة تركيبها حسب قواعد الفن في صورة منتجة (فتح التاء) يستحضر بواسطتها كل المعارف السالفة التي نتذكرها ؟، بينما الثالث متعلق بمدى تجاوز تركيب الصورة المنتجة التي استحضرنا فيها ما سبق من معارف إلى صورة توقعية تستند إلى الخيال المبدع وتحتوي على وقائع لم يسبق رؤيتها أو إدراكها من قبل؟، مبرزا أن الدرس السيميائي الأول يحيل على ثلاثة عناصر أساسية لإدراك الصورة (الصورة الحالية للمنظومة) الانتباه، الإحساس والتبات والتركيز على جميع المكونات والعناصر التي تشكل الصورة بغرض تعميق الفهم والاستيعاب، بينما الدرس السيميائي الثاني يقدم عنصران أساسيان في التعامل مع الصورة، أولا، الرغبة في إنتاج صورة تلبي الرغبة وتشبع الرغبة (الرغبة الأولى مرتبطة بصناعة الصورة والرغبة الثانية والثالثة تحيل إلى معنى التطلعات )، لأن للصورة معنى يدعو إليها، وثانيا، الحافز وهو إتقان اللعب وإعادة أطرح اللعب بعناصر الصورة للبناء المتجدد للصورة لكي نصبح من صناعها ومستهلكيها ومصدريها، ثم الدرس السميائي الثالث، الذي يقترح ثلاث عناصر في تنظيم الصورة، تهم الخضوع لنسق معين لبلوغ توضيح صورة المتلقي، ومراعاة وجهة التلقي أي مطابقة الصورة للأصل الذي هو المحيط السوسيو- اقتصادي، ومراعاة خبرة المتلقي حتى لا يستعص استيعاب الصورة، في حين الدرس السيميائي يمنح طول النفس في سير أغوار المنظومة التعليمية إذا اتسمت صورتها ببساطة التركيب، وغنى العناصر،والخلو من التشويش ، والتنزه عن التحريف، لنقترب من الهدف الحقيقي المتمثل في ما تقدمه من أدوار، مستخلصا، أن بساطة ووضوح الصورة التعليمية رهين بالعناية بصورة المواطن، ودمج لغة الصورة في صلب الإصلاح لتكتمل الصورة، واقتباس منطق التدبير من ثقافة الصورة بأبعادها الثنائية والثلاثية والرباعية، تعكس صورة المجتمع المغربي بوضوح وترقى بها لصورة يستشهد بها في أرقى المتاحف نظرا لجودة حمولتها الفكرية والتاريخية والفنية. باقي المدخلات صبت كلها حول ضرورة إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب، نظرا لكون جل المقاربات التي اعتمدت في بناء المدرسة المغربية، تأسست إما على منطق رياضي يضع حل المعادلات والتدبير بالأرقام والمعطيات الإحصائية مدخلا للمعالجة، أو المنطق الأدبي النظري الذي يؤثث المشهد بتوجهات فلسفية وتدبير يخضع لقرارات مطبوعة بالاستعجال، حيث السقوط في متوالية إصلاحية تغرق في إصلاح الإصلاح وتظهر في صورة انتكاسات، مشددين على ضرورة فتح أوراشا كبرى حقيقية لإنقاذ التعليم وتلميع صورته بإعادة الثقة للمدرسة العمومية في أوساط الأسر المغربية.