تظل قضايا التربية والتكوين، مفتوحة على التفكير المستمر، لارتباطها بالتنشئة، والتنمية، والحداثة، والحديث عن المستقبل. وفيها لا يمكن للتربية، المساهمة في التوجيه المنتج للتنشئة الاجتماعية، إلا بجعل جهود الفاعلين، تتنوع في صناعة المعرفة، وتتقوى بالإبداع فيها. وعلى الإنصات التربوي للمجتمع، وتحديد حاجياته وتحولاته أيضا، المرور عبر التقاعد المؤسساتي للحياة المدرسية مع مختلف المرافق والقطاعات الحكومية وغيرها من المنظمات المهتمة، والدولة أيضا. ومع أن "الإقرار بالجزم" ناذرا ما يعتمد في مناهج البحث وأدوات التحليل والقياس، فإن المؤشرات التنموية تربويا، تدفعنا إلى التنصيص "وبإطلاقية"، على عدم جعل أنشطة التعليم والتعلم غاية في ذاتها، وبالتالي تحميلها إخفاق نتائج التطور والتحديث التي تحتكم إليها المجتمعات في سلم التنمية. ويساهم في تكوين هذه المحصلة الرؤيوية، ارتكاز منظومة التربية والتكوين على القرار السياسي، المحتاج إلى تنميته أيضا. يتعذر تحقيق النجاعة الإنتاجية تعليميا، في غياب الاحترام المجتمعي للتعاقدات الناظمة لطموحات السياسة التعليمية، والانخراط الحيوي فيها أيضا. ويؤدي ذلك إلى التنافر بين فلسفة الإصلاح في المنطلق، وأهدافه المتدرجة في مساراته، لأن "كل قطيعة تحدث في الانسجام بين المرامي والفعل أو التقويم، تعمل على هد البناء البيداغوجي وتحرمه من علة وجوده". "كما قال "دولاند شهير". ويرفع ذلك من حدة التعقيدات في التلاؤم بسياق النظام التربوي بالنظر لكثافة التيمات المكونة لخطابه تعليميا وسياسيا. ويساهم ما سبق في جعل طموحات العرض التربوي، تصطدم مع "مقاومة" القوى الحريصة على تبخيس مكتسبات الإصلاح الحاملة لبصمات التدبير السياسي وبصيرته. إن غياب مواصفات "الملاءمة، والدقة، قابلية التحقيق، والانسجام المنطقي، القابلية للملاحظة والقابلية للقياس" حسب ج ج غليبرت، لا يجعل اجتهاد الفعل التربوي، يثمر في إطار في التخطيط والدقة والعقلنة. وحيث أن الإصلاح، تتقاطع فيه تقنياته، بعلومه، وهندسته، وتخطيطه لبلورة تمظهرات التنمية، فإن انحسار الحياة المدرسية، قبل انطلاق التناوب السياسي، داخل أسوار المؤسسة التعليمية، جعل غالبية المسؤولين على رأس قطاع التربية والتكوين، محكومين بأدوات تقنية في ملامسة التطور بالمنظومة التربوية، علما أن ذات القطاع له امتداداته وآثاره المجتمعية. وأصبح لزاما التوجه إلى المجتمع لإشراكه في الانتقاد، والتقييم، وإعادة التأمل وصولا إلى إقرار الإصلاح في أبعاده الشمولية، ماليا، مؤسساتيا، تشريعيا وبشريا. وقبل ان تستوطن الأوراش التربوية، الذاكرة المجتمعية واهتماماتها، ضاعت عقود من عمرنا المجتمعي، والسياسي، والتربوي، والتنموي، بفعل الاختيارات الخاضعة لاشتراطات التمويل الدولي. في أزمنة الإصلاح للمنظومة التربوية الوطنية. جاء مصطلح التربية نتيجة عدة تحولات، عرفها مسار الفكر التربوي. وواكبه ظهور عدة رواد، وعلماء، ومتخصصين، اختلفت مرجعياتهم عالميا في مقاربة عوالم التربية وعلومها وفئاتها المستهدفة. وذلك جعل مسار المنظومة التربوية، الوطنية والذي لم يتجاوز النصف قرن من الزمن، تناولته أيضا، مرجعيات إصلاحية تتوزع على ثلاث تصنيفات: 1. تصنيف المكي المروني، وقد ميزه بين خمس محطات أساسية: الوضع التعليمي قبل الاستقلال، بناء نظام وطني للتعليم (1956 1963)، محاولات للمراجعة وإعادة الهيكلة (1966 1972)، الإصلاح المفقود (1973 1983)، الإصلاح المرغم (1983 1994). 2. تصنيف الخمار العلمي؛ وقد ميز ضمنه بين مرحلتين أساسيتين هما: مرحلة المدرسة الكولونيالية والمدرسة الوطنية المرحلة المرتبطة بالمدرسة الأساسية. 3. هناك تصنيف ثالث يتضمن محطتين أساسيتين هما: مرحلة التأسيس والبناء للمنظومة التعليمية المغربية مرحلة الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وجاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين، نتيجة الجهود الوطنية في اهتمامات الدولة والطبقة السياسية، والخبراء، والفاعلين خاصة في عقد التسعينات. وساهم دعم التصويت الإيجابي على الدستور سنة 1996، من طرف القوى الديموقراطية؛ في التسلح بالجرأة الكافية في مساءلة المنظومة التربوية؛ في إطار مؤشرات الانفراج السياسي الذي قاد إلى ميلاد حكومة التناوب سنة 1998. وتميز ذات الزمن السياسي، بتأسيس الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1994 "للجنة المختصة بقضايا التعليم"، التي لم تتوفق في أشغالها مما اقتضى تشكيل لجنة أخرى سنة 1999، وهي "اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين"، أثمرت جهودها عن ميلاد "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" كتعاقد توافقي توثيقي منذ الاستقلال، باعتماده المقاربة التشاركية لجميع الفرقاء بالمجتمع. وتميزت أوراش الانفراج السياسي، ديموقراطيا، وبالحريات العامة؛ وتقدم وثيرة النقاش بشأنهما، تحت العنوان العريض "للإصلاحات السياسية والدستورية"، بظهور عهد جديد للسلطة مع بداية فترة الملك محمد السادس، الذي أولى اهتماما بالغ الأهمية لجميع مناحي حياتنا العامة. وساهمت هذه المعطيات في استفادة قضايا التربية والتكوين، من "مساءلة آليات تطبيق الإصلاح" وصولا لبلورة رؤية حقيقية ومستقرة في تنفيذ الاختيارات الوطنية بالمنظومة التربوية. وبتزامن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مع فترة التناوب السياسي، نشير أن الوزير الأول آنذاك، المجاهد الوطني عبد الرحمان اليوسفي، ربط قطاع التربية والتعليم، بمختلف المرافق العمومية للدولة، حكوميا، وبتمظهرات حياتنا العامة مجتمعيا. وشكلت تسوية تراكم الترقيات آنذاك، والتي شملت ما يفوق 64 ألف من الفاعلين التربويين، فضلا عن إحداث تشريعات إدارية مستجدة ذات الصلة، حدثا وطنيا هاما؛ يعكس قوة الإرادة السياسية، "للاتحاد الاشتراكي" كمكون حكومي في إطار التوافق السياسي لتدبير الشأن العام وأيضا وهذا هو الأهم انسجام القيادة السياسية "للاتحاد الاشتراكي"؛ في ربط مفاتيح التنمية والتطور، بالديموقراطية وبإخضاع رهانات الإصلاح، إلى تحليل البنيات الاجتماعية وتدرجها تاريخيا؛ وما واكب ذلك من تضحيات جسام، ونضال مستمر، في الفكرة الاتحادية وذاكرتها؛ وفي تاريخنا الوطني. وعلى امتداد مسؤولية الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي؛ استشعرنا أنه "لا شيء يدوم سوى التغيير" بتعبير هيراقليطس. ولابد من التنويه، والإشادة، والاعتزاز، بالحدث الوطني الهام، أثناء إحداث "مؤسسة محمد السادس للتربية والتكوين للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين"، بما لذلك من أثار اجتماعية واعتبارية، واقتصادية، في صفوف الأسرة التربوية. ويزيد من فرادة هذا الحدث وقوته، الاهتمام الملكي السامي، بقضايا التربية والتكوين؛ وأوضاع الفاعلين فيه؛ مما جعل المنظومة التربوية الوطنية، تعتبر ثاني الأولويات السياسية والتنموية بعد قضية وحدتنا الترابية، مع التأكيد على أهمية الحكم الذاتي الذي اقترحه جلالة الملك كمبادرة حكيمة، وما واكب ذلك من تثمين دولي، والتفاف وطني بشأنها. وبالتأكيد على التوجه نحو الجهوية الواسعة، إقرارا للامركزية واللاتركيز إداري؛ برهاناتها التنموية والاقتصادية والاجتماعية، فإن منظومة التربية والتكوين، محتاجة إلى تقويتها سياسيا؛ وبالتشريعات اللازمة لخلق "وحدة التناغم" بين التقاطع الأفقي، والعمودي، للأكاديميات الجهوية، بالإدارة المركزية خاصة، "لملامسة" مؤشرات التنمية التربوية المرتبطة أساسا بالتعليم العمومي وتقوية "المدرسة الوطنية العمومية". المسألة التعليمية بين "فعالية" الفاعل السياسي... والإشراف التكنوقراطي...؟! وفي سياق المقارنة بين "فعالية" الفاعل السياسي لتدبير قضايا التربية والتكوين، وبين "الإشراف التكنوقراطي"، نتوقف عند فترة تدبير الدكتور حبيب المالكي بين 2002/2007 رؤية، ومرجعية، وقناعات، وأيضا ما بعد 7 شتنبر 2007، في إطار من الواقعية التحليلية، والسياسية، للآثار التربوية وثقافة التدبير. سياقيا، ابتعدت تقييمات الطبقة السياسية، والفرقاء الاجتماعيين "تحديدا" لملف التعليم بالصحافة الوطنية، إبان الاستحقاقات التشريعية ليوم 7 شتنبر 2007، عن الموضوعية اللازمة. وبرفضنا لما تم تداوله في التقييمات نفسها، تبرره بعد نتائج 7 شتنبر 2007، وتشكيل حكومة عباس الفاسي جهود ستظل مضيئة ووازنة في التدبير النوعي والمعياري للدكتور حبيب المالكي لملف التعليم؛ بمراهنته والتزامه أثناء تحمله للمسؤولية، بتطبيق السياسة الإصلاحية المنبثقة عن الاجتهاد الوطني بالميثاق الوطني للتربية والتكوين؛ وأيضا عن خبرته المنتجة كتربوي وأكاديمي، وخبير اقتصادي وسوسيولوجي، وفاعل سياسي، مجدد لمعارفه ولمصادرها. وبمزاوجته للمحصلة السياسية في حمولة الميثاق الوطني للتربية والتكوين كاجتهاد توافقي"، مع المرجعية الاشتراكية، والديموقراطية، في التنمية المجتمعية؛ يكون الدكتور حبيب المالكي قد سلك مسالك صعبة باقتدار، لا ينخرط فيها إلا الفاعل السياسي الذي يطبع فترات تدبيره، "بإرادة سياسية" يستمدها من حاجيات المجتمع، لإعداد المجتمع لخدمة نفسه بنفسه؛ وهي أحد المميزات الثقافية والعلمية والسياسية للدكتور حبيب المالكي، التي تبتعد عن اتخاذ "المواقف المتسرعة". وبإقراره أن "أي حركية إصلاحية لابد أن تفرز مشاكل جديدة" يكون الدكتور حبيب المالكي، قد أرسى تدبيريا، ومفاهيميا، قاعدة مفادها أن "العملية التربوية، نشاط مبدع للمفاهيم" كما قال "جيل دولوز" أيضا. وللتأكيد على كون البعد الاجتماعي، ركيزة هامة في أدوات التحليل السياسي، والتدبيري معا، يؤكد الأستاذ حبيب المالكي أن "إصلاح المدرسة المغربية يتطلب الاهتمام بالبعد الاجتماعي للتلميذ والمدرس، والعاملين بالمؤسسة" وتتبلور هذه الرؤية في حجم قناعة راسخة تدفع بالفاعل السياسي إلى ضرورة امتلاكه للمفاتيح، والمدخلات اللازمة، للإقامة في عمق المجتمع، وانشغالاته، وهواجسه وقلقه. وقد جسد الأستاذ حبيب المالكي ذلك باقتدار ونوعية، بجعل التربويين والمجتمع بعد تشكيل حكومة عباس الفاسي ينظرون إلى فترة تدبيره لملف التعليم، بما تقتضيه المحصلات؛ والنزاهة الفكرية من الاعتراف الإيجابي بمجهوده. وهي تقييمات مختلفة سياسيا، استقيناها من أكثر من جهة جغرافية. عندما يربط الدكتور حبيب المالكي، "دعم الأسر الفقيرة لضمان مسار مدرسي متواصل للأطفال وبعدم الخضوع لليأس"؛ فإنما للتأكيد على المعاناة الاقتصادية لنسيجنا الاجتماعي، وأنه يتطلب قوة هائلة من الاجتهاد اليومي في تقديم البدائل، حتى لا تتحكم وطأة الصعوبات في دورات عملية والإصلاح، وحتى لا يتحول "خطاب الأزمة إلى أزمة الخطاب حول التعليم". لقد تميزت فترة تدبيره أيضا، بإتقانه "لعقيدة التواصل"، وتقنياتها، مع جميع المكونات شركاء، إعلام، وخواص، مستثمرين، ومكاتب للدراسات، وشرائح اجتماعية، مختلفة وخاصة داخل الفضاءات التربوية "وهو ما نفتقده الآن". وبفاعليته التواصلية، والإنتاجية تربويا، يكون الدكتور حبيب المالكي؛ قد قدم "نموذج الفاعل السياسي" الذي "يتصدى بالمعرفة والعلم" لقضايا الحياة والمستقبل الفعلية، حتى لا تصبح فرصة نموها وتنميتها محدودة، ما دامت المعرفة مفاهيميا سيطرة على الوقائع، وتعامل يومي عقلاني مع مشكلاته. إن انفتاحه وبمناقشته لمشكلات المنظومة التربوية في أكثر من سياق، يؤكد أن الفاعل السياسي، الذي لا يناقش، هو ذهنية مغلقة، ومرجعية خارج ذاتها، وفي حالة من انسداد أفق أي مبادرات معرفية. وباعتباره دائم الانشغال بقضايا المجتمع،. نلمس ايجابيا في المنهجية التدبيرية للدكتور حبيب المالكي حرصه على إجراء تحولات جذرية، في نوعية استهلاك المعرفة وإنتاجها حتى لا توضع المعرفة نفسها في وضعية مأزقية. إن ما عرفته فترة الدكتور حبيب المالكي، من إقامة يومية في اهتمامات وطموح المجتمع، تؤكد حقيقة أن النتائج المتوصل إليها؛ ارتكزت على فهم حداثي للانتظارات الاجتماعية؛ وأيضا على حوار متعدد الأبعاد والجهات؛ وأيضا عن حوار داخلي للمواطنة، ما يجعل فعاليات الحوارتنتج وتتحقق استجابة لصورة تواصلية تقدمها أسئلة المجتمع. لقد ظلت الإصلاحات التي عرفتها المنظومة التربوية قبل حكومة التناوب، تقنية واختزالية، في الممارسة التكنوقراطية التي لا تتعدى حدود "الإشراف". وكان من الطبيعي أن يعرف الإصلاح المتزامن مع فترة تفعيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، عدة عوارض وإكراهات. وكان من التعقل ومن لوازمه أيضا، عدم اعتبار مخلفات المشاكل التعليمية على امتداد أربعة عقود بعد الاستقلال، مبررا لتقويض الإصلاح وضربه. وتندرج إشكالية تمويل قطاع التربية والتكوين، باعتباره أسبقية وطنية كبرى، في سياق التوفيق بين طموحات المورد البشري، والبنية التحتية للفضاءات التربوية وتجهيزاتها التي تتفاعل فيها عمليات التعليم والتعلم، ستظل الآثار التدبيرية والثقافية الهامة للمسألة التعليمية للدكتور حبيب المالكي، علامة فارقة في ذاكرتنا التربوية والعامة، متفاعله داخل منظومة القيم باقتدار معرفي متين وبتقديمه في السيرورة كما في المحصلة، استثناء للفاعل السياسي الشغوف بالتحصيل العلمي والمعرفي وبتوظيفه لذلك في فاعليته التدبيرية. لقد أثبت أيضا، أنه من الصعب التفكير في الارتقاء المجتمعي تربويا، دون إرساء فلسفة إصلاح التعليم على قواعد المعرفة، التي يتغير واقعها دائما، في إشارة للقلق والسؤال الأكاديمي. فالمعرفة الحقة كما لمسنا في كثير من آراءه هي "توليف يشكل منظورات كلية، تتنظم المعلومات الجزئية ضمنها، وتأخذ دلالتها ووظيفتها ضمن هذا الكل". وتعتبر هذه الرؤية إحدى تمثلات "علم التعقيد" المعني بتداخل الظواهر بعضها ببعض، (السياسي بالاقتصادي/التربوي بالثقافي/الاجتماعي بالنفسي/الزمان وبالمكان)، تماما كتداخل مكونات المنظومة التربوية نفسها. وبمنتديات الإصلاح، كما في الدراسات التي تناولت بالنقد، والتحليل، التطور الذي شهده قطاع التربية والتكوين، بين 2002-2007 ظل التأكيد، أن المعرفة تساهم في نظام توقعات اجتماعي، يفرض على الجميع حسن الإعداد، والاستعداد، وصولا إلى جودة الأداء والإنتاج، كعلاقة قوية في طرائق تفكير الدكتور حبيب المالكي العميقة، للفعل التربوي وموارده. وباعتبار التعليم بيداغوجيا كما قال "طارديف" "مجموعة من الاستراتيجيات يتم وضعها لتسهيل صنوف التعليم"، فذلك يعني أن تقويم التعليم، والبحث في الوسائل المادية واللوجيستيكية، لدعم الإصلاح تحتاج لحذر شديد لأن عملية التقويم ذاتها غالبا ما تتجه إلى انزلاقات من النوع إلى الشكل. وأيضا لأن البيداغوجية تمثل حقل ممارسة والتربية حقل تأمل نظري في تلك الممارسة. وبتوظيفه للاقتصاد والعلوم، والتحليل السوسيو ثقافي، فضلا عن مرجعيته السياسية، الاشتراكية، الديموقراطية، في أبعادها السياسية والتنموية الوطنية، يكون الدكتور حبيب المالكي؛ قد رسخ القاعدة التي تدعو إلى ضرورة خلق علاقة تماثلية لمختلف العلوم الإنسانية منها والتقنية، والإحصائية، مع التربية كمفهوم عام يستوعب الحاجيات البيداغوجية للفعل التربوي والتحولات المتسارعة لسوق الشغل، ما جعل منظومة الإصلاح تماما كشعاع يتمركز محوريا في التنوع العلمي والمعرفي. وذلك ما سارت عليه التربية في مسار الفكر التربوي كما قال "جون ديوي" "تسمى البيداغوجيا علما لأنها تستلزم طرائق تفكير في البحث؛ تماثل العلوم الأخرى وبالتالي تضع نظاما من المبادئ الموجهة المستقاة من العلوم الأخرى والتي تمت بصلة إلى التربية". حرص الدكتور حبيب المالكي على إخضاع علاقات التعليم الخصوصي بالعمومي، في إطار رهان التنمية التربوية والمجتمعية، "للتنافسية في إطار تشاركي بين الدولة القطاع الخاص، ليصبح القطاع الخاص شريكا في الإصلاح". سياسيا، يعتبر هذا الإطار الذي ثم وضعه في سنة 2007، إقرارا للبنية الثقافية والتدبيرية للاستثمار في قطاع التعليم، والذي اكتسى قبل 1998 دلالات الاستثمار التجاري والاقتصادي، المؤسساتي "الضيق" والذي عملت ذهنياته على "تقويض" فلسفة الإصلاحات السابقة وبالتالي، تراجع الدور الوظيفي للمدرسة الوطنية وصورتها مجتمعيا. ويعكس الإطار نفسه، رؤية استشرافية للدكتور حبيب المالكي، بجعل الخبرات الوطنية في مجال الممارسة البيداغوجية للفعل التربوي، تضع مصالح الوطن عالية، بالابتعاد عن "مجال المضاربة في قضايا التربية والتكوين". ظل رهان تحويل المخزون المعرفي؛ كما تنص على ذلك التنظيرات المستجدة في مجالات علوم التربية، إلى أوراش بيداغوجية للإبداع، والتنافسية، والبناء الذاتي، وصولا إلى الجودة الإنتاجية التربوية، في مسار التعلمات وأصول مواردها المعرفية، وأزمنتها المدرسية... ظل كل ذلك، في إشعاع التدبير، ومحصلاته النوعية للدكتور حبيب المالكي يتوزعه في اعتقادنا رافدان للمواطنة الحقة: 1. إعادة الاعتبار المدرسة العمومية الوطنية، ودورها في التكوين، والتأهيل، والجاذبية، والترغيب، وتطوير المعارف، وبناء مواطن منتج، بمواطنة مندمجة في شمولية الرهان التنموي الوطني بامتداداته الجهوية والدولية. 2. دعم، بالاجتهاد، وبالموارد المالية اللازمتين، لكثير من مكونات المنظومة التربوية السياسية، والاجتماعية، والتربوية، لجعل أطوار التعليم والتعلم، قادرة على مواكبة ظرفية دولية تتميز بتقلبات متسارعة؛ للتأقلم مع متغيرات السوق في نوعية، التكوين والتشغيل. وتمثل ذلك في "عدم التراجع عن المجانية، بدعم الأسر المعوزة في الحواضر والبوادي، ليكون الدعم سندا للتحفيز المشروط بضمان متابعة الأطفال لمسارهم التعليمي بمختلف الأسلاك"؛ مع ما يستوجب من تغيير جماليات الفضاءات وتحسين خدمات مرافقها. وأيضا دعم السياسة اللغوية، من خلال تنصيص الميثاق الوطني للتربية والتكوين، على أهمية اللغة العربية كلغة أساسية، مع أن هذا لا يلغي الانفتاح على باقي اللغات، كالأمازيغية خاصة في إطار التعددية التي تميز المغرب، والتي يجب أخذها بعين الاعتبار؛ وكذا واللغات الأجنبية، شريطة "إعادة الاعتبار للغة العربية وعدم بقائها جامدة أو تراجعها". ولأن مسالك التكوين تطبعها فوارق بين اللغات المعتمدة؛ فإن الدعوة إلى توسيع أفق الاطلاع على باقي اللغات، وإتقانها، وتدريسها، حظي بقدر كبير من الأهمية. وذلك ما ورد أيضا في تقرير المجلس الأعلى للتعليم. تميزت الرؤية الإصلاحية من 2002-2007، بموقعة حقيقية للمجتمع التربوي في عمق الإصلاح. وأكدت منتديات الإصلاح كفضاءات لعرك الفهم، والتحليل، والاجتهاد؛ فضلا عن التسوية الاجتماعية لملفات المدرسين، إشراكا حقيقيا للمجتمع التربوي في بنيات الإصلاح، ومفاتيحه، وأدواته، وطبيعة، وأولياته. وهذا الحق في الرأي، والمشاركة، والإنتاج الفكري، لمختلف فئات الفاعلين التربويين الذي حرص الدكتور حبيب المالكي على الإنصات التي "ظل بدوره مغيبا لعقود خلت". لا يمكن حصر انتظارات بلادنا في مجال التربية والتكوين؛ بالنظر لما يتطلبه الاستثمار في الرأسمال البشري وتنميته من موارد للتمويل. والتحليل الاقتصادي والاجتماعي، غالبا ما يعتبر تزايد النمو الديموغرافي؛ قياسا مع تراجع موارد التمويل؛ أهم العراقيل المساهمة في اختلال التوازن. ولأن التعلم؛ مجالا حاسما في صناعة أجيال الغد، فإنه حسب الدكتور حبيب المالكي "توافق وطني واختيار سياسي في العمق، لا يهم فئة أو طبقة دون أخرى، ولا يجب الاكتفاء فقط بترديد الشعار الذي يضع التعليم من أهم الأسبقيات؛ بل العمل يوميا على إعطاء هذا إشعار محتوى ملموسا في المبادرة وفي السلوك وفي القرار"، ويعني ذلك أن الدكتور حبيب المالكي، بقدر ما يجعل المسألة التعليمية؛ قضية مجتمعية؛ بقدر ما راهن إيجابيا؛ على ضرورة الاستثمار في المورد البشري، وصولا للرفع من المردودية الداخلية للمنظومة التربوية. ويأتي تحليله الواقعي لضعف موارد التمويل؛ للإشارة إلى أهمية التفكير، بإجراء تغيرات في الأساليب المعتمدة في آليات التمويل، وترشيدها، ووضع الأولويات الموضوعية فيها، مع مراعاة خصوصيات؛ وأيضا الحاجيات الجهوية ذات الصلة. فالدولة إذن؛ مطالبة بالرفع من النفقات العادية للتربية والتعليم؛ من مجموع نفقاتها العمومية. فقطاع التعليم، يتحمل انتظارات المجتمع، والدولة، للاستجابة الملائمة لمتطلبات الجودة، والتنمية الوطنية، والتحولات المتسارعة بسوق الشغل وأنواع الكفاءات المطلوبة. إن مستويات التحليل التربوي، والاقتصادي، والهيكلي، والاستراتيجي، والإحصائي، والمعرفي، يكشف جهدا مضنيا، ورؤية عميقة لإشكالات التعليم ببلادنا؛ وهي ذات الخلاصات التي اعتمدها تقرير المجلس للتعليم في مقاربته التحليلية، بعد تنصيبه من طرف جلاله الملك يوم 14 شتنبر 2006. ويعني ذلك؛ أن الدكتور حبيب المالكي، قدم ما يكفي من الاجتهاد والعطاء المتجدد؛ برصده لمختلف الحلول الممكنة لمكونات المنظومة التربوية؛ من التعليم الأولي ومحاربة الأمية إلى مستوياتها الجامعية والوظيفية بشريا، تشريعيا ومؤسساتيا وطنيا ودوليا. وإذا كان الإصلاح يحتاج إلى فرص حقيقية لبلورته، باعتباره مستمرا في السيرورة وفي التناوب على تداولها؛ فإن المنظومة التربوية الوطنية، تظل بدورها بحاجة إلى جهود حبيب المالكي؛ كمرجعية وطنية لها صدقيتها ووثوقيتها. الإصلاح التربوي ورش مفتوح عل الاجتهاد ومشروع مجتمعي دائم التحول نموذج نيابة العرائش بين 2004/2007 . نصل إلى أن التفكير في الإصلاح التربوي يتجاوز الزمن الحكومي؛ لأنه مشروع دائم التحول؛ ويرتبط بالمجتمع وبالعالم. ويتطلب تحولات نوعية في الاجتهاد، والتخطيط، والتمويل. ولعل في تأكيد جلالة الملك في خطابه السامي أثناء تنصيبه للمجلس الأعلى للتعليم يوم 14 شتنبر 2006؛ على أن "التربية شأن يهم المغاربة جميعا"؛ دلالات قوية تفرض علينا كمجتمع وبجميع مكوناته، ومرافقة، إبداع آليات تفكير جديدة في الاجتهاد القائم على البحث العلمي والمعرفي، لتأهيل المنظومة التربوية الوطنية سواء على مستوى البرامج؛ والإصلاح البيداغوجي، وتقوية الرأسمال البشري، بالتحصيل، والتكوين المتين؛ للارتقاء بهذا القطاع الحيوي، وبالتالي الإسهام في التنمية الوطنية، لإكساب بلادنا موقعا متميزا ومتقدما في العالم. ارتباطا بنوعية تدبير قضايا التربية والتكوين حكوميا من طرف الدكتور حبيب المالكي (2007-2002)، وأيضا في عهد الأستاذ عبد الرحمان اليوسيفي منذ 1998 إلى حين تشكيل حكومة ادريس جطو، نستدل، بنفس النوعية إقليما بالعرائش وفي نفس الزمن السياسي والتربوي (2004-2007) على رأس نيابة وزارة التربية الوطنية بالعرائش في عهد الأستاذ محمد شابلي الذي قدم إليها من الصويرة متحملا نفس المهمة؛ ومستكملا مسيرته الآن في نيابة خريبكة للتربية الوطنية منذ 2007 إلى الآن. نقولها صراحة؛ لم يسبق لنيابة التعليم بالعرائش منذ إحداثها في أواخر الثمانينات إلى حدود 2007، أن شهدت تمييزا في تدبير قضايا التربية والتكوين. فالأستاذ محمد شابلي حرص بالعرائش (2004-2007)، على التموقع الجيد لقضايا التربية والتكوين، في عمق المجتمع بجميع مكوناته بدءا من الأسرة. وخضعت مكونات المنظومة التربوية (أكثر من 20 مكونا) لممارسة حقيقية وإنتاجية هادفة. ورفعا للتعميم، فارتفاع نسبة التمدرس المحققة بالعالم القروي كما في الحضري؛ قفزت بشكل لافت؛ بالنظر لانفتاحه على جميع الشرائح المجتمعية بالأسرة، ما جعله فعلا مرجعا وطنيا موثوقا حنكته تجاربه التدبيرية بجهات مختلفة من وطننا. وكان لإشراكه للمكونات المدنية، قوي الأثر في الانتقال بالمجتمع المدني من "المراقب" إلى "الفاعل بمواطنة مندمجة ومنتجة". ومكنه تنقله المكثف إلى الفضاءات التربوية قرويا وحضريا؛ من ملامسة مؤشراته التنموية التربوية بالإقليم؛ وركوب الصعاب "في إقرار ممارسة بيداغوجية صفية تخضع للجزاء والتحفيز، وحظي الحد من محاربة الأمية". ودعم التعليم الأولي؛ بعناية جريئة تعكس قدراته التربوية القائمة على التشخيص وتجميع المعطيات وتحليل المشاكل؛ والبحث عن الشركاء، وصولا إلى تخطيط واستراتيجية منظمة في الزمن لتحقيق النتائج الجيدة. وبجعله التربية مركز إشعاع للفكر والفرد، فقد تصدرت العرائش في عهد محمد شابلي المراتب المتقدمة في التنافس الإبداعي والرياضي والتحصيل الإشهادي بجميع الأسلاك التعليمية بالحياة المدرسية؛ إن العرائش كانت في عهد محمد شابلي (2004/2007) ورشا متحركا من التفكير المتواصل، مما جعل الإعلام المكتوب وطنيا وجهويا والإعلام الوطني المرئي والمسموع؛ فضلا عن الفضائيات الإعلامية العربية؛ تشيد بهذه الجهود القائمة على حب الوطن ونكران الذات والإخلاص في المسؤولية. ونؤكد بالمناسبة على أن المنظومة التربوية الوطنية بالعرائش، اتسمت بالنجاعة والاجتهاد وتدبيرها على قاعدة زمن الملفات وليس الزمن الاعتيادي، وهي شهادات تقييمية معيارية جعلت أصحاب القرار في وزارة التربية الوطنية (2002/2007) خلال منتديات الإصلاح، أو دورات المجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية، السلطات الإقليمية؛ يقرون بأن "محمد شابلي كطاقة وطنية تربوية مقتدرة تمتلك من المؤهلات ما يجعل قضايا التربية والتكوين في حاجة إليه لتدبيرها على المستوى الأكاديمي الجهوي. رسالة......... وباستحضارنا؛ لتفاعل العلاقات التدبيرية للمنظومة التربوية؛ تماما كما وردت في التصريح الحكومي للوزير الأول في حكومة التناوب 1998 عبد الرحمان اليوسفي؛ وقطاعيا بالحكومة في عهد وزير التربية الوطنية السابق الدكتور حبيب المالكي، وإقليميا على رأس نيابة العرائش في عهد محمد شابلي؛ فإنما للتأكيد على ضرورة الاستفادة من تقييمات الفاعلين بموضوعية بعد انتهاء مهامهم؛ أو اعتماد المحصلات، مؤشرات للتنمية وقياسها، لبلورة الرهانات المجتمعية، بالمخطط الاستعجالي للتربية والتكوين أيضا. (<) مهتم بقضايا التربية والتكوين