إدماج القيم الحقوقية بناء على مقاربة شمولية مندمجة تقوم على بعد قيم العقيدة وقيم الهوية والمبادئ الكونية استدعى تطور القيم الحقوقية بالمغرب إلى عقد اتفاقية شراكة بين وزارة التربية الوطنية والوزارة المكلفة بحقوق الإنسان سنة 1994، استهدفت تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والديموقراطية ضمن المناهج والبرامج التعليمية والكتب المدرسية وفق رؤية نسقية، وقد أكد الميثاق الوطني للتربية والتكوين على تمتين حقوق الإنسان أفقيا وعموديا، بما يستوعب البعد السلوكي والموقفي وبما يتلاءم ومستوى النمو النفسي والاجتماعي للتلاميذ، متخليا عن خطية وإلزامية الكتاب المدرسي الوحيد كشكل من أشكال تقوية المبادئ الحقوقية في المناهج التعليمية. وفي هذا السياق راجعت وزارة التربية الوطنية ما يربو عن 122 كتاباً مدرسياً من منظور ثقافة حقوق الإنسان في خمس مواد هي: التربية الإسلامية، اللغة العربية، الاجتماعيات، الفكر الإسلامي، الفلسفة، اللغة الفرنسية، وذلك بهدف تنقيحها من ما يكون منافيا لمبادئ وأهداف حقوق الإنسان، وتم وضع منهاج مندمج للتربية على حقوق الإنسان في المراحل الأساسية والثانوية، كما تم إعداد وحدات للتدريب والتأهيل في مجالات التربية على حقوق الإنسان... ومادامت قيم حقوق الإنسان منظومة متكاملة من الحقوق الأساسية والفرعية، فإن دعمها ونشرها لا يجب أن يقتصر على الجهات الرسمية، بل ينبغي أن تشارك فيها الجمعيات والمنظمات الحقوقية، نحو بناء منهاج تعليمية منسجمة مع التصورات الكونية لمبادئ حقوق الإنسان وموائمة للخصوصية الثقافة المجتمعية، وضمان استمرارية تتبعها في المناهج التعليمية لكونها لا تلبث أن تتنوع وتتوسع دوائرها باستمرار تبعاً لحركية التطور المجتمعي، إذ تطورت من حقوق الجيل الأول: الحقوق المدنية والسياسية، إلى حقوق الجيل الثاني: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى حقوق الجيل الثالث: الحقوق البيئية والنمائية. فبمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ترصد جريدة العلم بعيون المهتمين الحقوقيين والمختصين التربويين وضعية التربية على حقوق الإنسان في المناهج التعليمية والكتب المدرسية المغربية. فإلى أي حد يستوعب المنهاج التعليمية والكتب المدرسية للميثاق الوطني للتربية التكوين قيم حقوق الإنسان، في أفق أن تتحول المدرسة المغربية إلى مختبر مصغر للحياة الديمقراطية، هذا ما سنحاول التعرف عليه من خلال: وزارة التربية الوطنية، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية _ المغرب والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. إعداد: عبد الفتاح الفاتحي أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تندرج التربية على حقوق الإنسان ضمن استراتيجيات التطور والتغيير الاجتماعي ودينامية الإصلاح والتأهيل، للنهوض بالمشروع المجتمعي التنموي والديموقراطي الحداثي، عبر تملك قيم ثقافة حقوق الإنسان من طرف المؤسسات المكلفة بالتنشئة الاجتماعية، خاصة للناشئة، في مجالات التكوين الأساسي (المدرسي والأسري...)، وجعلها موجهة للسياسات العمومية ولكل متدخل في مجال التنشئة والتربية والتكوين. ومن هذا المنطلق تم إعداد أرضية مواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان من محاورها الهامة التربية على حقوق الإنسان، التي يتمثل هدفها الاستراتيجي في اعتماد المؤسسات ذات الوظيفة التربوية في مرجعياتها واختياراتها ومناهجها وآلياتها البيداغوجية والإدارية وفضاءاتها أرضية قيمية مستمدة من مبادئ حقوق الإنسان، ومتسمة بالانسجام وبالقدرة على إحداث أثر دائم. وتمثلت العمليات المقترحة في محور التربية فيما يلي: 1 - بلورة إطار مرجعي مؤطر للفعل التربوي من منطلق مبادئ وقيم حقوق الإنسان. 2- تطوير ملاءمة المضامين والمناهج والعلاقات التربوية مع ثقافة حقوق الإنسان. 3- تأهيل الموارد البشرية ذات الوظيفة التربوية. 4 _ إنتاج دعامات بيداغوجية للتربية على حقوق الإنسان. 5 _ تعميم مادة حقوق الإنسان في سائر أسلاك وتخصصات التعليم العالي بالجامعات المغربية ومعاهد تكوين الأطر. 6- خلق شبكة بين الفاعلين التربويين في سائر القطاعات المعنية بالأطفال والشباب. وفي هذا الإطار تأتي اتفاقية شراكة وتعاون بين المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمصالح المختصة بوزارة التربية الوطنية، وتفعيلا لهذه الاتفاقية فإن اجتماعات مشتركة تعقد في إطار آلية الإشراف والتتبع قامت بتحديد محاور الأنشطة والبرامج المقررة في هذا الصدد، والمتمثلة في مشروع إصلاح المناهج ودعم قدرات نوادي حقوق الإنسان؛ وقد تم في هذا الصدد تقديم اقتراحين حول: - مشروع تفعيل أدوار الحياة المدرسية من خلال تجربة نوادي المواطنة؛ - مشروع قراءة تشخيصية وتحليلية للمناهج والبرامج والكتب الجديدة من منظور ثقافة حقوق الإنسان؛ كما تتضمن الأرضية المواطنة للتربية على حقوق الإنسان تصورا تفصيليا بالإجراءات والتدابير لدعم التربية على حقوق الإنسان، كما أن لجنة مشتركة بين المجلس والوزارة تشتغل على بلورة ذلك وغيره من التدابير وفق جدولة زمنية، وتوجد للطرفين إرادة قوية للسير بهذا المشروع حتى بلوغ الأهداف المسطرة له ومنها أساسا النهوضَ بحقوق الإنسان في الوسط التعليمي ببعديها البيداغوجي والثقافي. وقد التزم الطرفان، بجعل حقوق الإنسان حاضرة في المدرسة بمفهومها العام: - عبر المراحل من الابتدائي إلى الجامعة، - عبر التعليم النظامي والتربية غير النظامية ومحو الأمية، - بواسطة مختلف مكونات وقنوات الفعل التربوي، - من خلال مختلف الأنشطة ذات الطابع التعليمي والتكويني والتربوي. وبطبيعة الحال لن نشتغل بمفردنا بل بشراكة منفتحة على جميع الشركاء ولاسيما جمعيات المجتمع المدني، والدعم الدولي من منظومة الأممالمتحدة وبعض الدول الصديقة. عبد القادر العلمي رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان إذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد صدر منذ 60 سنة، فإن انتشار القيم والمبادئ التي نص عليها، لم يتم بشكل تلقائي وسريع، وإنما تطلب وقتا غير يسير، سواء بالنسبة للمغرب، أو بالنسبة لغيره، وهكذا فإن المغرب إلى نهاية الثمانينات ظل تعامله مع موضوع حقوق الإنسان مشوبا بكثير من التحفظ والحيطة، وحينما تأسست العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان كأول جمعية حقوقية في المغرب لم تجد الطريق معبدا، وفي سياق التحولات التي عرفها العالم بدأ العمل الجمعوي في المجال الحقوقي يتسع وتتعدد إطاراته وإشعاعه، وساعدت التطورات الخارجية على إدخال حقوق الإنسان ضمن الأجندة الحكومية، ولم يبدأ التوجه الفعلي نحو إدماج التربية على حقوق الإنسان في مناهج التعليم إلا منذ حوالي عشر سنوات، ولذلك فإن التجربة ما زالت في بدايتها، ولو أن الإرادة السياسية أصبحت اليوم أكثر وضوحا في هذا المجال. فقد كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين سابقا للقناعة بأهمية إدماج حقوق الإنسان في المنظومة التربوية، وتقييم الميثاق أبان عن عدم تحقيقه الأهداف التي سطرت في مرحلة وضعه بصفة عامة، ولم يكن يُنتظر منه أي شيء في مجال التربية على حقوق الإنسان. واقتناعا بأن الإصلاح يجب أن يكون وطنيا تشارك فيه الهيئات وجمعيات المجتمع المدني، فإننا نقترح لمواصلة الجهود المبذولة في اتجاه دعم ثقافة التربية على حقوق الإنسان في المناهج التعليمية، العمل على تشجيع التأليف في المواضيع التي تساهم في تعميم قيم وثقافة حقوق الإنسان، بشكل مباشر أو غير مباشر، لأن تضمين هذه القيم في الكتب المدرسية رغم أهميته وضرورته، فإن ذلك لا يغني عن التثقيف الموازي الذي يجده التلميذ والطالب في الكتب المتنوعة المضامين، كما يجب إدماج ثقافة حقوق الإنسان في مختلف الأنشطة التربوية التي تمارس داخل المؤسسة التعليمية، والعنصر الأساسي الذي ينبغي الانتباه إليه وإعطائه الاهتمام الكافي، هو كيفية إعطاء المثل من خلال السلوك لإشباع التلاميذ والطلبة بحرية التعبير عن الرأي الخاص، واحترام الآخر والحق في الاختلاف، وقبول النقد، وغير ذلك مما ينبغي تجسيده من خلال السلوك، وأعتقد أن هناك احتياجا كبيرا لتكوين المربين والأساتذة الذين من المفروض أنهم لا يكتفون بإلقاء جامد للدروس المقررة، لأن طريقة التلقين وأسلوب التعامل مع المتلقين يمكن أن يساهما بشكل إيجابي في تحيق الأهداف، كما يمكن أن يؤديا إلى عكس ما هو متوخى. رشيد العمراني الإدريسي عن مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية مكلف بقطب الكتاب المدرسي والتعاون إن المناهج التعليمية والكتب الدراسية عملت على ادماج القيم ومنها القيم الحقوقية بناء على مقاربة شمولية مندمجة تقوم على بعد قيم العقيدة الإسلامية وقيم الهوية الحضارية وقيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية، وفي هذا الإطار استوعبت المناهج التعليمية والكتب المدرسية للميثاق الوطني عبر إدماج مفاهيم حقوق الإنسان والتربية على المواطنة في المناهج، بحيث تم هذا الإدماج المفاهيمي بشكل أفقي في مواد التربية الإسلامية، كما تم الإدماج بشكل فردي حيث تمت مراجعة منهاج الاجتماعيات التاريخ الجغرافيا التربية على المواطنة. ولمسايرة متطلبات التجديد والتطوير لتربية على مبادئ حقوق الإنسان قامت الوزارة بإحداث عدة آليات لترسيخ القيم الحقوقية في المنظومة التربوية، نذكر منها: إنشاء اللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة ومرصد القيم. وتبرز تلك المجهودات أيضا في شروط دفتر تحملات إعداد الكتب المدرسية، وقد حدد مواصفاتها البيداغوجية والتقنية والفنية والتنظيمية في ما يلي: - احترام الكتاب المدرسي الدين الإسلامي والمقتضيات المتضمنة في مدونة الأسرة والمبادئ والحقوق المعترف بها للأفراد والجماعات والمعاهدات والمواثيق الدولية المصادق عليها من لدن المملكة المغربية. - احترام الكتاب المدرسي المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان كالتسامح ولمساواة والكرامة كما هو متعارف ليها في فكر وثقافة حقوق الإنسان باعتبارها قيم أصيلة لا تقبل التجزيء. - التعايش ومراعاة حق الاختلاف، طبقا لمبادئ التسامح الواردة في الدين الإسلامي وطبقا لما عرف به المغاربة من انفتاح على الديانات والمذاهب والتيارات الفكرية والتعايش معها. - احترام الكتاب المدرسي مبادئ الإنصاف والمساواة ومساهمته في نبذ العنف بجميع أشكاله. وهذا يعني أن المناهج التعليمية والكتب المدرسية التي يتم إنتاجها تراعي حتما هذه المبادئ والاختيارات والتوجهات تجنبا للإقصاء وعدم المصادقة. ويبقى الهدف الرئيس للوزارة من التربية على قيم حقوق الإنسان والمواطنة هو تطوير ردود أفعال إنسانية سليمة لدى المتعلمين والمتعلمات وضخ نفس جديد قابل لجعل الفضاء المدرسي مشتلا ومستنبتا لتطوير ثقافة حقيقية للمواطنة، وتشكل تحولا عميقا في تصور وإنجاز الصرح التربوي المنشود. وتظل المواطنة أكبر من مجرد برنامج خاص أو عمل قطاعي، بل إنها قضية الجميع، قضية كل القوى والفعاليات، فهي مسؤولية مشتركة وعمل دؤوب بين جميع الشركاء وخاصة الجمعيات الحقوقية، مما يتطلب توفر الإيمان الراسخ حتى يتبلور هذا الورش في ممارسات وسلوكات تتحول معها المدرسة إلى مشتل ومختبر للحياة الديموقراطية. ثريا بوعبيد عن منظمة العفو الدولية _ المغرب مسؤولة برنامج التوعية والتربية على حقوق الإنسان أعلن المغرب انخراطه في مسلسل إصلاح السياسة التعليمية ملتزما بالعمل بما ينسجم وقيم حقوق الإنسان منذ بداية التسعينيات، وجاء هذا الإعلان في سياق تزايد الاهتمام العالمي بقضايا حقوق الإنسان، فكان بديهيا أن يتفاعل مع كل هذه المتغيرات، ويتجاوب مع أهداف عشرية التربية على حقوق الإنسان 1995_ 2004 التي أطلقتها الأممالمتحدة، غير أن التطبيق الفعلي لعملية الإصلاح لم يأخذ مداه، وانحصر في إدماج قيم حقوق الإنسان في المناهج التعليمية فيما سمي بتنقية المناهج مما تحمله من شوائب منافية لهذه القيم، وإدراج مواد جديدة ذات صلة بحقوق الإنسان وتعامل مع مواد أخرى كمواد حاملة لحقوق الإنسان، في حين أن التربية على حقوق الإنسان تتعدى أن تكون مجرد معرفة بحقوق الإنسان، فهي أولا وقبل كل شيء سلوك ومواقف ينبغي استنباتها في وجدان المتلقين، وهذا لن يتأتى إلا بإعادة النظر بشكل جدري في الأساليب والطرق الديداكتيكية من ناحية، ودمقرطة العلاقات داخل المؤسسات التعليمية. ومن جهة أخرى، تخلف المغرب عن الاستجابة لتوصيات عشرية التربية على حقوق الإنسان للأمم المتحدة، والتي كان من ضمنها إنشاء لجنة وطنية لوضع خطة للتثقيف في مجال حقوق الإنسان. هذا، دون الحديث عن أن عملية تنقية المناهج التربوية ظلت انتقائية،واستمرت الثقافة التقليدية تخترق العديد من الكتب المدرسية، وتخللتها الكثير من الصور النمطية للمرأة التي تكرس التمييز بين الجنسين، ومظاهر اللامساواة والكراهية والعنصرية وغيرها... أما بالنسبة للخصوصية الثقافية، فيمكن القول أن حقوق الإنسان بصفتها أسمى القيم المشتركة بين البشر والغايات الكبرى التي تتطلع إليها الإنسانية، فإنها بهذه الصفة تستوعب كل الخصوصيات الثقافية. ونعتقد أن إشكالية الخصوصية والكونية أصبحت محسومة من خلال المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تواضع عليها المجتمع الدولي، وانخرط فيها المغرب والتزم دستوريا بالعمل وفقها. وبالعودة إلى التقييم الأخير الذي أعده المجلس الأعلى للتعليم حول حصيلة ما يقرب من عقد من الزمن في تنفيذ خطة الميثاق، نجد أن النتائج جد متواضعة على كافة المستويات، بحيث دفع السلطات التعليمية إلى اعتماد مخطط استعجالي لسد الثغرات الكبرى وإصلاح الاختلالات. ومن المؤسف أيضا القول بشكل عام أن المغرب يعاني من اختلالات كبرى في نظامه التعليمي بحسب عديد من التقييمات الدولية، وهذا يطال أيضا قيمة الأثر الذي ينتجه التعليم على المستوى العملي بما فيه التأثير في خلق مواطنة متشبعة بحقوق الإنسان. لقد بات يتوجب على المغرب إدماج المتابعة لبرامجه المتعلقة بالتربية على حقوق الإنسان منذ البداية لضمان الاستمرارية وتحسين المستوى، مع التقييم المستمر لتأثير هذه البرامج وإعادة النظر فيها في ضوء ما يتبين من جوانب قصور وفرص جديدة. وسيكون من اللازم تقييم مستوى الأداء لتحديد مدى امتثال المكونين لمعايير حقوق الإنسان، وتأهيل المجتمع المدني ووسائل الإعلام وغيرها للانخراط جميعا في هذه العملية التربوية، ومرافقة ذلك بإصلاحات تشريعية تجعل من هذه العملية ورشا للجميع. ولا بد من العمل على إشاعة قيم حقوق الإنسان وفق نظرة شمولية، تخترق المناهج وكافة المواد والبرامج الدراسية، وتستهدف مختلف الفئات كالموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين والإعلاميين ومهنيي الصحة والهيآت المنتخبة وغيرهم. إن إصلاح وتعزيز قيم حقوق الإنسان في المناهج التعليمية تمليه متطلبات الوضع الداخلي المستند إلى القيم الإنسانية الكونية، وتسهم فيه بفعالية منظمات المجتمع المدني وضمنها منظمة العفو الدولية من وضع مقاربة مغايرة لمقاربة وزارة التربية الوطنية في إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في الوسط التعليمي، واعتمدت هذه المقاربة على بناء نماذج تربوية رائدة في العديد من مناطق تقوم على تأهيل الأطر التربوية والإدارية على استعمال تقنيات خلاقة ومبتكرة في التربية على حقوق الإنسان تستهدف تحويل المدرسة إلى فضاء لحقوق الإنسان يتفاعل مع محيطه، ويساهم في عملية التغيير الثقافي والاجتماعي للمجتمع. عبد اللطيف مستغفر الكاتب العام الجمعية المغربية لحقوق الإنسان دعا الإعلان الرسمي لهيئة الأممالمتحدة إلى تبني عشرية حقوق الإنسان وهي العشرية الأولى التي انتهت في سنة 2005، وعليه فإن الحديث عن إصلاح المناهج التعليمية والكتب المدرسية لا بد أن يستحضر التزامات الدولة المغربية في إطار تصديقها على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فالالتزام بمقتضيات هذه الآليات التعاقدية، وكذلك الالتزامات التي يطرحها المغرب سواء أثناء قبول عضويته في مجلس حقوق الإنسان أو تلك التي طرحها بمناسبة عرض التقرير الدوري الشامل كأحد آليات مجلس حقوق الإنسان كلها تقتضي التنفيذ على المستويات التشريعية والقانونية وكذا التربوية. فعلى مستوى الإصلاحات التي عرفها الحقل التربوي التعليمي يمكن جردها على الشكل التالي: - حذف مادة التربة الوطنية التي كانت ترسخ الاستبداد، وتعويضها بالتربية على المواطنة وهي إعادة الحاملة لعدد من القيم والمبادئ الحقوقية المهتمة. - تضمين عدد من المواد الدراسية لنصوص حول حقوق الإنسان، وحقوق الطفل. - إصدار عدد من المذكرات الوزارية التي تحث على تخلد أيام عالمية ووطنية حقوقية. - إصدار مذكرات تجرم العنف في الوسط المدرسي. - توقيع اتفاقيات الشراكة مع جميعات حقوقية وأخرى تدخل ضمن مكونات المجتمع المدني. هذه إذن بعض المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة، بحيث تعتبرها الحركة الحقوقية من خلال تقاريرها أنها جزئية، لم تصل إلى ما هو مأمول في إطار نشر ثقافة حقوق الإنسان على الأقل في الوسط المدرسي. فقد كشفت دراسة قامت بها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول موضوع «منظور نساء ورجال التعليم لحقوق الإنسان»، عن الفراغ الحقوقي ووجود اختلافات كبرى بخصوص التوعية الحقوقية وسط هذه الشريحة. وأوضحت دراسة ميدانية أخرى قامت بها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان حول «مبادئ حقوق الإنسان في المقررات والكتب المدرسية» بأن هذه الأخيرة بها نواقص كثيرة مرتبطة بنشر قيم ومبادئ حقوق الإنسان في المقررات المدرسية وكذا الصورة النمطية للمرأة في الكتاب المدرسي. إن العمل بما يسمى بالمدرس المتنقل فيه ضرب لاستقرار المدرسين في العمل، ولذلك فإن الوزارة التربية التعليمية معنية بإيجاد حلول لضمان استقرارهم، بما يعزز ثقافة حقوق الإنسان في العلاقات التعليمية والإدارية داخل الوسط المدرسي. لقد بات ضروريا ولتجاوز أخطاء الميثاق الوطني أن تقطع سياستنا التعليمية مع الارتجال، خصوصا بعد الإعلان عن المخطط الاستعجالي للتربية والتعليم الممتد من 2009-2012. ويقتضي الأمر اليوم اعتماد مقاربة تشاركية مندمجة، وذلك بإشراك المهتمين بالحقل الحقوقي من منظمات وجمعيات مدنية للمساهمة في استدماج جيد لقيم حقوق الإنسان في المناهج التعليمية، وتعزيز حضور هذه الجمعيات ضمن لجن التأليف للمساهمة في مراقبة مضامين الكتب المدرسية. فإن تكن المناهج التعليمية والكتب المدرسية المغربية قد حققت تطورا نوعيا مقارنة بعدد من البلدان العربية للانغلاق أنظمتها وتشدد سياساتها الحكومية، فإن إصلاحات المناهج التعليمية ينبغي أن تخضع لمزيد من نضالات الشعوب وتضافر جهود المنظمات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني والنقابات للدفع بالتربية على حقوق الإنسان في المناهج التعليمية والكتب المدرسية نحو مزيد من المكاسب. [email protected]