بتعاون بين جمعية الشعلة ووزارة التربية الوطنية في إطار اتفاقية الشراكة التي تجمع بينهما،تم تنظيم الندوة الوطنية حول موضوع « تجديد الثقة في المدرسة العمومية» أطرها باحثون تربويون وفعاليات اجتماعية ومسؤولون بالوزارة انطلاقا من التساؤلات الواردة ضمن الأرضية المقترحة للندوة حول قضايا المدرسة في المغرب. ونورد فيما يلي تلخيصا مركزا لما ورد في مداخلاتهم القيمة. خالد فارس مدير الحياة المدرسية والمناهج من أجل مدرسة مفعمة بالحياة منفتحة على محيطها المجتمعي أكد خالد فارس مدير المناهج والحياة المدرسية أن المدرسة المغربية ينبغي أن تكون مفعمة بالحياة ، منفتحة على محيطها البيئي والمجتمعي والثقافي والاقتصادي . فالمدرسة – في تحليله – هي صورة مصغرة للحياة الاجتماعية تمارس داخل فضائها أنشطة تفاعلية متنوعة تروم تحقيق تربية أساسها تعدد الأساليب والتشجيع على الحوار والمشاركة والاجتهاد وتنوع المساهمين في إطار رؤية شمولية وتوافقية بين جميع المتدخلين . وشدد على أن الأدوار الجديدة للمدرسة ينبغي أن ترتكز على نهج تربوي نشيط يتجاوز التلقي السلبي ويعتمد بدلا من ذلك على نهج التعلم الذاتي والاجتهاد الجماعي ، وطالب بعلاقات جديدة قوامها المجتمع في قلب المؤسسة . وعن خصائص و إنجازية الأنشطة المدرسية الكفيلة بالارتقاء بالمدرسة المغربية وآليات تفعيل الحياة المدرسية على مستوى المؤسسة ،أشار فارس إلى مشروع المؤسسة كآلية منهجية لتجميع كل الجهود والأفكار لإعداد مخطط قابل للتطبيق والقياس . وشدد مدير المناهج على الحكامة في تدبير المدرسة المغربية مشيرا أن الانتقال إلى المدرسة العصرية التي ينشدها الجميع يجب أن يتم تدريجيا باعتماد مؤشرات ومكونات تتجلى في التخطيط والتنظيم والإنجاز ، ثم التوجيه والحفز والتتبع والمراقبة والتقويم ، فالتشارك والإنصاف والشفافية والمساءلة ، إضافة إلى التنظيم وتوزيع المهام والمسؤوليات وتضافر الخبرات والتواصل ، وبالنسبة للمؤشرات التي يجب بلوغها لتحقيق مدرسة النجاح ،أشار مدير المناهج أن الوزارة أنزلت على أرض الواقع خلال هذه السنة 15 مؤشرا بالسلك الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي لقياس الجودة، تم تجميعها في أربع استراتيجيات أولها الرفع من نسب النجاح وثانيها الرفع من معدلات النجاح وثالثها الرفع من نسب الاحتفاظ ورابعها ترسيخ القيم . عبد القادر أزريع فاعل اجتماعي وتربوي «أزمة المدرسة» هي في الأصل أزمة مجتمع اعتبر عبد القادر أزريع أن أزمة المدرسة تأتي من تعثر انتقالها من مدرسة كلاسيكية إلى مدرسة جديدة لها قدرة على إنتاج النخب وإنتاج المعرفة ، وبالنظر إلى الأدوار التأطيرية للمدرسة والجامعة ، فقد دعا عضو المجلس الأعلى للتعليم إلى عودة النقاش السياسي حول المدرسة ، معتبرا أن من بين الأسباب التي قد تكون عطلت التعبئة حول المدرسة العمومية أحكام القيمة التي تصدر في حق المدرسة مثل «أزمة المدرسة « التي هي في الأصل أزمة مجتمع أو «أزمة اقتصاد» معربا عن قناعته الراسخة بأن المدرسة العمومية هي قاطرة التنمية شريطة أن تكون عصرية وبعيدة عن النموذج الكلاسيكي وأن تتفتح على نماذج مدارس أخرى عالمية غير النموذج الفرنكفوني . وأشار أزريع أن مدرسة الغد هي المدرسة المنتجة لمفاهيم جديدة مثل مفهوم الاقتصاد التضامني ، حيث يمكن لهذا المنتوج أن يسوق صورة إيجابية عن المدرسة عوض مفهوم الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الذي بدأ يتلاشى في بعض الدول . وشدد على أن المدرسة يجب أن تكون من أجل المجتمع وأن تستعيد المثقف ليساهم في تفعيل ورش إصلاحها وأن يتم إرساء حوار وتواصل دائم داخل المؤسسة وخارجها مع جميع الفاعلين . وعن أشكال التعبئة المطلوبة حول المدرسة دعا أزريع إلى ربط المدرسة بمحيطها المتعدد في إطار تعاقد جديد قوامه المقاربة التشاركية التي لا يمكن أن تستقيم إلا بالحوار والتواصل ، ودعا إلى تشكيل نسيج جمعوي وطني للتربية والتكوين يواكب الدينامية التربوية ببلادنا ويوسع من دائرة التعبئة حول المدرسة العمومية . محمد مكسي مفتش وباحث تربوي غياب استراتيجية تكوينية يعمق فجوات المنظومة اعتبر مكسي محور الثقة المؤطر لأشغال هذه الندوة ينطوي على عدة حمولات منها المصداقية والأمن والخوف وضمان الحقوق واحترام التعاقدات ، وأن ربط الثقة بفعل التجديد الوارد في عنوان هذه الندوة يدفع إلى التساؤل : ماذا حصل ليستمر الخوف وتتسع المخاطر التي تتهدد المدرسة ؟ ماذا وقع حتى عدنا إلى طرح السؤال حول المدرسة العمومية ؟ .الباحث في عرضه انتبه إلى الفجوات المرتبطة بتمثلات المدرسين الذين لا يملكون أي تصور عن البناء لأنهم لم يتلقوا أي تكوين مبرمج ودقيق من شأنه أن يضعهم في سياق متطلباته ، كما أن تمثلاتهم عن التعليم والتعلم تبقى حبيسة ما اعتادوا عليه قبل صدور الميثاق وتتمثل هذه الفجوة الأساسية في غياب ذلك الوسيط الشارح أو المفسر لهذا البناء وتكشف هذه الفجوة عن اتساع ضفتيها في غياب استراتيجية تكوينية تكون غايتها التنسيق بين مختلف الأطراف التي يعنيها التواصل المسبق والضروري لعملية الإصلاح . و تطرح المسالة التعليمية اليوم - من زاوية الباحث التربوي- وفي مختلف مظاهرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل سياق من التحولات غير المسبوقة.. تحديات العولمة ، تحديات المعلوماتية وتكنولوجيا الإعلام والتواصل وتحديات القيم الجديدة المتمثلة في ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل ، ويفرز هذا الطرح السياقي - يضيف مكسي- جملة من القضايا أبرزها أن التعليم سيبقى مرتبطا دائما بالمستقبل بل هو بوابة المستقبل ، واستنادا على ذلك فإن المسألة التعليمية تعني في نظر الأمم قضية وجود واستمرار أو فناء. وعدد مكسي فجوات منظومة التربية والتكوين ومنها قضايا تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وفجوة مناهج التقويم و قضية الاختيار الكمي على حساب الاختيار النوعي وقضية اختيار الأهداف اللاواقعية في مشروعات التكوين ، أما الفجوات المرتبطة بمواصفات مهنة التعليم فهي المتعلقة بالارتباط بالحوافز والتوجيه ، وأخرى لها علاقة بالتفتيش والتأطير والتتبع ، أما الفجوات المهنية ، فحصرها الباحث في مهنة الإدارة التربوية ومهنة التدريس و”مهنة التلميذ” واعتبر الفجوات الحاصلة على هذا المستوى لا تساعد على بناء المنظومة في غياب تتبع الوظائف والأفعال .. محمد عياد باحث سوسيولوجي مورفولوجيا الإصلاح اكتملت لكن الدولة لم تواكب ماليا جهود الإصلاح ! اعتبر محمد عياد أن مورفولوجيا الإصلاح قد اكتملت أثناء العشرية الأخيرة لأجرأة الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وأبرز ذلك من خلال عدة معطيات كتعميم التمدرس والإصلاح البيداغوجي للبرامج والمناهج، وإحداث آليات الإشراف والمواكبة كالهيئة الوطنية للتقويم واللجنة الداعمة للبرامج واللجنة المركزية لحقوق الإنسان وإرساء آليات التدبير اللاممركز لقضايا التربية والتكوين ، متسائلا في الآن ذاته عن الكيفية التي يمكن بواسطتها أن تؤثر هذه المورفولوجيا في واقع المدرسة المغربية ..واقترح عياد لمقاربة هذه الإشكالية أن يتم تأهيل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والجامعات والإدارة التربوية باعتماد التقويم والتكوين المصاحب ... وعن الاختلالات التي تعرفها المدرسة المغربية فقد حددها الباحث السوسيولوجي في جانب بنيوي كتدبير وانتشار الموارد البشرية والنقص الملحوظ في نتائج تدريس اللغات وتشييئ الكتاب المدرسي ، وأبرز أن المجتمع المغربي أمامه رهان كبير للإصلاح ، وهذا يستدعي تغييرات عميقة ثقافية ومهنية لمواكبة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي دشنها المغرب ، واعتبر أن التوافق حول إصلاح منظومة التربية والتكوين غير ضروري، لأن في التوافق تهميش للعنصر السياسي في الإصلاح ، داعيا الشركاء الاجتماعيين إلى إعادة النظر في تعاملهم مع الإصلاح بالتركيز على المساءلة السياسية والتربوية دون الاقتصار على المساءلة المادية فقط ،ودعا الأحزاب السياسية كذلك إلى إيلاء الإصلاح أهمية قصوى في برامجها ، لأن قضية التعليم ليست قضية تدبيرية فقط بل هي مسألة مجتمعية على الجميع أن يتحمل مسؤوليته تجاهها . عبد اللطيف اليوسفي مدير أكاديمية الغرب وعضو المجلس الأعلى للتعليم إصلاح المنظومة التربوية يتطلب بعدا زمنيا عميقا .. وصف عبد اللطيف اليوسفي البرنامج الاستعجالي ب»فرصة المجتمع « الذي ينبغي عليه أن يحتضن المدرسة العمومية اعتبارا لكون هذا البرنامج يروم تأهيل المدرسة المغربية وتأهيل العنصر البشري ، وذكر بالصراع السياسي المحتدم في المسار المغربي الذي كان يدفع المجتمع إلى الميل إلى التوافقات، واعتبر أن المسألة التعليمية كانت دوما حلقة من حلقات هذا الصراع مقدما كمثال على ذلك التحضير الذي سبق الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي عكس تموجات فكرية متباينة ، متسائلا في ذات السياق عن السبب الذي يجعل السياسة الإصلاحية تواجه بالانتكاس؟ كما أن الإصلاح عموما كان يواجه بالمقاومة في غياب مشروع مجتمعي متوافق عليه ؟ مما عمق الصراع السياسي حول المسالة التعليمية وانعكس ذلك على سائر الإصلاحات السابقة التي عرفتها المنظومة ، وتساءل اليوسفي عن موقع الإصلاح في المجتمع وكيف تعامل المجتمع معه مستعرضا الاختلالات التي عرفها النظام التربوي نتيجة الإصلاحات السابقة سواء على مستوى التمدرس أو التكوين أو المناهج . وتوقف اليوسفي عند محطة 1999 التي عرفت إقرار الميثاق الوطني للتربية والتكوين وهو أول مشروع متوافق عليه من أجل تجديد المنظومة التربوية ببلادنا ، تعزز هذا التوافق بالرفع من قيمة المسالة التعليمية كأولوية وطنية بعد الوحدة الترابية ، وذكر في ذات السياق بخصوصية هذه اللحظة التاريخية ومرتكزات الميثاق ودعاماته وغاياته الكبرى ، وكذا بالتقارير الوطنية والدولية الصادرة في شأن سيرورة المنظومة التربوية خلال عشرية الإصلاح بدءا بتقرير اللجنة الخاصة للتربية والتكوين وتقرير مغرب الخمسينية الذي وصف الإصلاحات التعليمية خلال الخمسين سنة الماضية ب» الترددات وعدم الاستقرار» انتهاء بتقرير المجلس الأعلى للتعليم الصادر سنة 2008 الذي كان محطة تأمل ومحاسبة وانطلاقة جديدة . وعن المخارج الضرورية لتسريع وتيرة الإصلاح التي بني عليها البرنامج الاستعجالي ، اعتبر اليوسفي أن رهانات إصلاح المدرسة هي رهانات سياسية بالدرجة الأولى ورهانات اجتماعية لما للمدرسة من دور في السلم الاجتماعي إضافة إلى الرهانات التربوية والتعليمية الهادفة إلى تنمية الناشئة . ونبه إلى كون إصلاح المنظومة يتطلب بعدا زمنيا عميقا المطلوب أن يتجند له الكل من حكومة وبرلمان وإدارة ترابية وعلماء ومثقفين وجمعيات المجتمع المدني ... تعقيب أحمد خشيشن وزير التربية الوطنية الحاجة إلى تقوية الموقع التفاوضي للمدرسة في إطار مقاربة مندمجة ثمن السيد وزير التربية أحمد اخشيشن في الجلسة الأولى من الندوة، التكامل في العروض المقدمة، واعتبر أن بلوغ الثقة المنشودة في المدرسة العمومية، يستدعي ضرورة التغلب على عدة مؤشرات سوسيواقتصادية للتمكن من الانتقال من المدرسة الكلاسيكية إلى المدرسة العصرية ، ودعا إلى تدبير الانتظارات المجتمعية من منظومة التربية والتكوين لتصبح في مستوى الزمن والعصر الذي نعيشه ... واستحضر وزير التربية الوطنية بعض التساؤلات المطروحة اليوم حول قضايا التربية في العالم . وتساءل عن موقع منظومتنا ضمن الأنظمة التربوية العالمية .. و جدوى امتحانات الباكلوريا التي تم حذفها في العديد من المنظومات التربوية المعاصرة ؟ وفي تعقيبه على فجوات المدرسة العمومية التي طرحت في هذه الندوة ، أشار أحمد اخشيشن أن فجوة تكافؤ الفرص في قطاع التعليم يطرح سؤال الجدوى من الفرعيات التي شرع في إحداثها منذ أمد بعيد والتي توحي بأننا أمام مدرستين الأولى في الحاضرة والثانية في البادية ، واستطرد الوزير في حديثه عن فجوة التقويم والتوجيه التي مازال النظام التربوي يعتمد بشأنها صيغة التنقيط عوض التقويم النوعي للتحصيل الدراسي ، متسائلا عن الفرق بين نقطتين تقييميتين مثل 6/10 و7/10 ، كما تساءل عن المرجعيات التي يتم اعتمادها في منظورنا للمدرسة عموما ، منبها في هذا الصدد إلى أن الأمر يتعلق بالقيم وكيفية إدماجها في المدرسة .. ودعا في ختام تعقيبه إلى تقوية الموقع التفاوضي للمدرسة العمومية من خلال تقوية صورتها ووضعها الاعتباري لدى المجتمع .