- تصدير لابد منه.. الخصوصية المغربية: تعدد الأعراق ووحدة الهوية منذ تأسيس الدولة المغربية؛ على يد إدريس الأول؛ بدأت المعالم الأولى للهوية السياسية و الاجتماعية المغربية تتشكل؛ فعلى خلاف ما روجته بعض الأقلام الاستعمارية؛ من استعمار العرب لشمال إفريقيا –و منها المغرب- يؤكد التاريخ أن الشراكة التي قامت بين العرب و الأمازيغ؛ هي التي ساهمت بشكل حاسم في تأسيس الدولة المغربية . فعندما دخل إدريس الأول إلى بلاد المغرب؛ لم تكن ترافقه جيوش جرارة؛ على شاكلة جيوش الاستعمار الفرنسي و الإسباني خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ و لم يرتكب مجازر في حق الشيوخ و الأطفال و النساء؛ و لم يستنزف خيرات البلاد و يصدرها إلى الشرق ... لقد دخل مؤسس الدولة المغربية حاملا معه رأسمالا رمزيا ثمينا؛ صقلته المعرفة و التجربة؛ و استثمره في بناء دولة مركزية قوية و ممتدة؛ حققت التوازن المفقود؛ في منطقة البحر الأبيض المتوسط؛ لقرون. و هكذا؛ تأسست الدولة المغربية؛ منذ البداية؛ في شراكة بين الأمازيغ و العرب؛ و هي شراكة ترجمتها العلاقة السياسية؛ التي جمعت زعيم قبيلة أوربة (إسحاق بن عبد الحميد الأوربي) بإدريس الأول؛ لتتجاوز بعد ذلك؛ العلاقة السياسية إلى علاقة عائلية؛ عبر زواج إدريس الأول من السيدة كنزة ابنة الزعيم الأوربي؛ لينجب منها ابنه (إدريس الثاني) الذي واصل النضال؛ من أجل بناء دولة مغربية مهابة الجانب؛ في منطقة كان الرومان يصولون و يجولون فيها بلا رقيب . لقد اختلطت الدماء العربية بالدماء الأمازيغية؛ منذ البدايات الأولى لنشأة الدولة المغربية؛ و كان زعيم الدولة الإدريسية؛ عربيا من جهة الأب و أمازيغيا من جهة الأم . و ابتداء من هذا التاريخ؛ تشكلت الشراكة العربية الامازيغية؛ على أسس قوية و متينة؛ استطاعت الصمود في وجه التحديات الدولية؛ لقرون؛ و استطاعت تأسيس إمبراطوريات؛ ساهمت بشكل حاسم في تحقيق التوازن و السلم في منطقة البحر الأبيض المتوسط. و على امتداد قرون من تعاقب الأنظمة الحاكمة؛ لم يكن الطابع العرقي أساسا للحكم أو المعارضة. فقد تقلدت أسر امازيغية؛ الحكم في فترات متعددة من التاريخ السياسي للمغرب (المرابطون؛ الموحدون؛ المرينيون؛ الوطاسيون)؛ و لا ينقل إلينا التاريخ أن هذه الدول؛ كانت تنفد سياسة بربرية؛ كتلك التي أسس لها الاستعمار الفرنسي؛ بل كانت دول تعتز بهويتها المغربية؛ التي تشكلت عبر انصهار عرقي و ثقافي و اجتماعي ديني ... جمع العرب بالأمازيغ. و في المقابل حكمت المغرب أسر عربية (الأدارسة؛ السعديون؛ العلويون)؛ و كذلك لا ينقل إلينا التاريخ أن هذه الدول؛ كانت تنفد سياسة تبعية للمشرق؛ و نحن نعلم أن السلاطين المغاربة؛ على مر تاريخ الدولة المغربية؛ دافعوا عن استقلالية المغرب و خصوصيته؛ سواء في علاقته بالخلافة العباسية؛ أو في علاقته بالخلافة العثمانية . إن ما يهمنا من عبر التاريخ؛ هي قيمتها الرمزية الغنية بالدلالات؛ و الإنسان كائن رمزي بطبعه؛ يتخيل الأشياء قبل ممارستها؛ و عبر هذه القدرة على التخيل؛ قامت حضارات و سقطت أخرى؛ و المغاربة عبر التاريخ استثمروا هذه القيم الرمزية؛ لبناء دولة متماسكة و قوية؛ لم تتسرب إليها فيروسات التشتت و البلقنة؛ على امتداد قرون طويلة. المشروع الاستعماري في المغرب : المختبر و المدفع في خدمة البلقنة و التقسيم كانت بداية اختراق التماسك السياسي و الاجتماعي للمغرب؛ مع دخوله ضمن الحسابات الاستعمارية خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ و كان أول ما استهدفه الاستعمار؛ هو تلك الوحدة و التماسك بين العرب و الأمازيغ؛ و التي تشكلت تاريخيا و حافظت على وحدة واستقلال المغرب؛ في مواجهة التحديات الدولية الكبرى . و قد كان المدخل الأساسي لبسط الهيمنة الاستعمارية على المغرب؛ هو محاولة زعزعة مقومات هذه الوحدة؛ عبر زرع بذور الشقاق بين العرب و الأمازيغ؛ و ذلك بناء على مخططات استعمارية؛ تم التركيز فيها على فهم و تحليل البنية الاجتماعية و الثقافية للمجتمع المغربي؛ اعتمادا على دراسات سوسيولوجية و اثنوغرافية؛ كان الغرض منها؛ محاولة اختراق البنية؛ لزرع فيروسات استعمارية؛ تحول الجسد المعافى و المتماسك إلى جسد عليل متهالك . و لعل ذلك هو ما جسدته السوسيولوجيا الكولونيالية؛ كتخصص ارتبط بالمخططات الاستعمارية؛ و استفاد كثيرا من الدراسات الاستشراقية؛ التي حاولت في وقت مبكر؛ فهم و تحليل بنية المجتمعات غير – الأوربية؛ باعتماد منظار المركزية الأوربية eurocentrisme . و ضمن هذه المجتمعات؛ حضر المغرب؛ الذي كان حظه وافرا من الدراسة الاثنوغرافية –بشكل خاص- و ذلك لأن المنظور الاستشراقي؛ مند البداية؛ كان يتعامل مع المجتمعات غير-الأوربية؛ و منها المغرب؛ كمجتمعات ما قبل- حداثية؛ أو بالأحرى؛ باعتبارها مجتمعات تجسد بنية الجماعات البدائية؛ التي حللها ليفي شتراوس في كتابه الشهير la pensé sauvage . (1) و هكذا؛ تم تهيئ جيش من السوسيولوجيين؛ الذين وظفوا بإتقان أطروحات السوسيولوجيا الكولونيالية؛ و خصوصا تلك الأطروحة التي تقسم المغرب؛ إلى أراضي المخزن/العرب و أراضي السيبة/البربر. و لذلك نجد هذه الدراسات تركز مجهوداتها؛ على دراسة بنية القبيلة الأمازيغية؛ من حيث طبيعة العلاقات الرابطة بين مكوناتها؛ و من حيث طبيعة تشكل الزعامات السياسية؛ و كذلك من حيث طبيعة النسق القيمي الذي يؤطرها؛ في علاقة بالمكون الديني/الإسلامي؛ بشكل خاص.... بالإضافة إلى مجموعة من القضايا السوسيولوجية الدقيقة جدا؛ و التي لها علاقة مباشرة بتسهيل مهمة السيطرة العسكرية على المجال . و لذلك؛ يمكن التأكيد أن المشروع الاستعماري في المغرب؛ ارتكز بالأساس على البحث السوسيولوجي و الإثنوغرافي؛ و كان الهدف هو تسهيل مهمة الاكتساح العسكري؛ من خلال التحكم في البنية الاجتماعية؛ و تحويلها من عامل معيق؛ إلى عامل مساعد؛ لبسط الهيمنة الاستعمارية على المجال؛ بأقل مجهود و أقل تكلفة . فحسب الباحث محمد مصباح؛ ترجع جذور المسالة الأمازيغية في المغرب؛ إلى بداية القرن الماضي؛ مع جهود الاستعمار الفرنسي عبر البعثة العلمية؛ و معهد الدراسات البربرية في باريس و الرباط؛ حيث كان يصدر أعدادا من مجلة " الأرشيف البربري" (1915-1918)؛ ثم مع مجلة "هسبريس" التي صدرت بداية من العام 1921 و التي كان يعدها ضباط فرنسيون و مستشرقون؛ بالإضافة إلى انطروبولوجيين و سوسيولوجيين فرنسيين. و يضيف الباحث أن المسألة الأمازيغيبة انطلقت فعليا مع (ميشو بلير) الذي يمكن اعتباره أول من دعا إلى توظيف ثنائية العرب/البربر؛ و التي أصبحت فيما بعد دراسة مؤطرة لجميع الدراسات الكولونيالية في المغرب. و تلقفها بعده روبير مونتاني؛ الذي كان ضابطا في المخابرات السياسية بالبحرية؛ و درس ظاهرة الزعامات عند القبائل الأمازيغية في كتابه الشهير " البربر و المخزن" . (2) و من المعلوم؛ أن السوسيولوجيا الكولونيالية؛ في المغرب؛ قد ركزت على هذه الثنائية الشهيرة؛ بربر/مخزن؛ كمدخل رئيسي لبناء نسق إيديولوجي متكامل؛ يخدم الأطروحة الاستعمارية؛ في الأخير. فإذا كان المخزن؛ حسب التصور الكولونيالي؛ قد استطاع أن يمد نفوذه وسلطته على السهول المحيطة بالمدن و العواصم؛ فهو لم يستطع تحقيق ذلك في علاقته بقبائل السيبة؛ حيث استمرت المعارك والاقتتال؛ لقرون؛ من دون أن تتحقق وحدة الدولة المغربية . و لذلك؛ تستخلص السوسيولوجيا الكولونيالية؛ بتسرع و ببساطة؛ أن المغرب لم يكن يوما؛ دولة مركزية تبسط سيادتها على كامل امتدادها الترابي؛ بل كان هناك مكونان سياسيان؛ جمع بينهما الصراع و التناحر؛ هناك بلاد المخزن و بلاد السيبة؛ بلاد السهول و بلاد الجبال؛ بتعبير آخر؛ هناك العرب و هناك البربر؛ العرب وافدون و مستعمرون؛ و البربر هم السكان الأصليون للبلاد؛ و الواجب يفرض على فرنسا؛ بلاد الحرية و الأنوار؛ أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية؛ و أن تعمل على تحرير البربر من قبضة العرب؛ و ربطهم بالمتر بول الفرنسي مباشرة؛ ليكونوا في خدمة المشروع الاستعماري؛ بعد أن كان مؤكدا أنهم سيكونون خصوما لهذا المشروع . لقد كان المدخل الرئيسي؛ لفرض الهيمنة الاستعمارية على المغرب؛ هو العمل على تقسيم البلاد إثنيا؛ استعدادا لتقسيمها ترابيا؛ لتسهيل السيطرة الشاملة عليها؛ في الأخير. و قد تداخل البحث السوسيولوجي/الإثنواغرافي بالتخطيط العسكري؛ لإنجاح هذه المهمة؛ لدرجة اختلاط الباحثين و العلماء بجنرالات العسكر؛ و هذا ما توحي به تسمية السوسيولوجيا الكولونيالية . السياسة البربرية في المغرب من خلال تجربة المدارس الفرنسية – البربرية قامت السياسة البربرية في المغرب؛ على أساس تكريس ثنائية عرب/بربر؛ مخزن/سيبة؛ باعتبارها المدخل الرئيسي؛ لتقسيم المغرب إلى مجالين منفصلين؛ على المستوى الاجتماعي و الثقافي؛ و كذلك على المستوى الترابي؛ و قد تم توظيف الانتماء العرقي؛ كعامل حاسم لتنفيذ هذه السياسة. و كي لا تنفرط خيوط اللعبة الاستعمارية؛ فقد تم تطعيم المقاربة العسكرية بروح تربوية/تعليمية؛ كقوة ناعمة soft power تساعد على إعادة إنتاج reproduction النسق الكولونيالي؛ ثقافيا و اجتماعيا ... و لذلك فقد اتخذت السياسة البربرية؛ في البداية؛ طابعا مدرسيا؛ من خلال تنفيذ مشروع المدارس الفرنسية-البربرية؛ الموجهة لتعليم الأطفال الأمازيغ؛ باعتماد المنهاج الفرنسي المطعم ببهارات استعمارية؛ و ذلك لأن الغاية؛ ليست تأسيس تجربة تربوية/تعليمية حديثة في المناطق الأمازيغية؛ بل على العكس من ذلك؛ كانت الغاية هي تنفيذ خطة الفصل بين الامازيغ و العرب؛ بادعاء الخصوصية الأمازيغية؛ و كانت المدرسة تمثل –فقط- جسر العبور. المدارس الفرنسية-البربرية.. رمزية المجال ارتبطت تجربة المدارس الفرنسية – البربرية؛ بالمناطق الأمازيغية؛ ذلك لأن هدفها الرئيسي؛ كان هو تعليم الأطفال الأمازيغ؛ ضمن مجال عرقي-كولونيالي ضيق؛ لتحقيق غرض الفصل بينهم و بين مواطنيهم المغاربة من غير الأمازيغ. و في هذا الصدد يؤكد بول مارتي؛ أن المدارس الفرنسية- البربرية؛ تم إنشاؤها في البادية المغربية و خصوصا في المناطق الجبلية؛ من طرف الجهاز العسكري؛ من ضباط و كتاب في القيادة العامة للجيش الفرنسي؛ و بإشراف المكلفين بالحرب السيكولوجية.(3) و يحاول الأستاذ الجابري تعيين مجال انتشار هذه المدارس بدقة؛ فقد كانت بداية إنشاء المدارس الفرنسية- البربرية في أكتوبر من سنة 1923 في مناطق من جبال الأطلس؛ خاصة في إيموزار؛ و عين الشكاك بناحية فاس؛ و آزرو و عين اللوح بناحية مكناس؛ و خنيفرة و القباب؛ بالإضافة إلى مدرسة هرمومو بناحية تازة . (4) و يحمل المجال الذي انتشرت فيه هذه المدارس؛ رمزية كبيرة في علاقة بالسياسة البربرية؛ التي نهجها الاستعمار؛ و التي كانت تقضي بالفصل بين العرب و الأمازيغ. و لذلك؛ كان الهدف الواضح؛ الذي تجسده طبيعة المجال (المناطق الجبلية/الأمازيغية)؛ هو العمل على خلق جيل مقطوع الصلة؛ بامتداده الحضاري و الجغرافي؛ جيل كان يتم التخطيط له؛ ليكون امتدادا للمشروع الاستعماري في المغرب؛ و ذائدا عن حياضه. فحسب الأستاذ محمد عابد الجابري؛ كان الهدف من وراء إنشاء هذه المدارس؛ إنشاء جيل مقطوع الصلة تماما بالتراث العربي الإسلامي من جهة؛ و متشبع أكثر ما يمكن؛ بالتراث الفرنسي و القيم الحضارية الغربية المسيحية؛ من جهة أخرى؛ مما يمهد الطريق لعملية واسعة النطاق؛ عملية استيعاب الشعب المغربي؛ و جعله سياسيا و حضاريا تابعا إلى الأبد لفرنسا؛ باعتباره ذيلا من ذيول الحضارة الغربية المسيحية .(5) المدارس الفرنسية-البربرية.. رمزية المحتوى التعليمي بالإضافة إلى طبيعة المجال الجغرافي؛ الذي تم التركيز عليه؛ و الذي ينسجم مع المخطط الاستعماري؛ القاضي بالفصل بين العرب و الأمازيغ؛ فإن للمحتوى التعليمي رمزيته الكبيرة كذلك؛ خصوصا إذا علمنا أن التركيز كان على محاولة اقتلاع المتعلمين –و جزءا من المجتمع المغربي عامة- من التربة المغربية الأصيلة؛ ذات الامتداد العربي الإسلامي؛ الذي تشكل على امتداد قرون . و لعل هذا؛ هو ما تؤكده طبيعة المناهج التعليمية المعتمدة؛ و التي كانت تحارب كل ما يرتبط بالعربية و الإسلام؛ و في المقابل كانت تكرس نموذجا تعليميا؛ يجمع بين الفرنسية و الأمازيغية؛ مع التركيز على الجانب القيمي المسيحي–الوثني؛ كبديل للنموذج القيمي الإسلامي. إن المدرسة الفرنسية-البربرية- حسب بول مارتي- هي مدرسة فرنسية بالمعلمين؛ بربرية بالتلاميذ؛ و ليس هناك مجال لأي وسيط أجنبي؛ إن أي شكل من أشكال تعلبم العربية؛ أو أي تدخل من جانب الفقيه؛ أو أي مظهر من المظاهر الإسلامية؛ لن يجد مكانه في هذه المدارس؛ بل سيقصى منها جميع ذلك بكل صرامة. (6) و لعل هذا التوجه التعليمي؛ هو نفسه الذي وجه السياسة الاستعمارية منذ البداية؛ في تعاملها مع المجتمع المغربي؛ من منطلق الفصل في سكانه؛ بين العرب والأمازيغ؛ مع التركيز على تشكيل البنية الاجتماعية و الثقافية لسكان الجبال؛ على المقاس الاستعماري؛ و ضد أي ارتباط بالامتداد الحضاري العربي/الإسلامي . و هذا النهج الاستعماري؛ هو الذي وجه المقيم العام الفرنسي في المغرب(الجنرال ليوطي)؛ في تعامله مع السكان الأمازيغ؛ قبل تدشين تجربة المدارس الفرنسية-البريرية. فقد أصدر دورية شهرية بتاريخ 16/6/1921 حول لغة التعليم بالمغرب، إذ يقول: "من الناحية اللغوية علينا أن نعمل مباشرة، على الانتقال من البربرية إلى الفرنسية... فليس علينا أن نعلم العربية للسكان، الذين امتنعوا دائماً عن تعلمها، إن العربية عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن، بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج نطاق الإسلام. (7) السياسة البربرية في المغرب من خلال الظهير البربري صدر الظهير البربري؛ خلال مرحلة تميزت بنضج المخططات الاستعمارية؛ التي بدأت مرتبطة بالبحث السوسيولوجي؛ و انتقلت لتتجسد في طابع مدرسي؛ وفي مرحلة ثالثة حاولت اختراق البنية الاجتماعية و الثقافية المتماسكة؛ باعتماد آليات قانونية؛ كانت تستهدف شرعنة أطروحة الفصل بين العرب و الأمازيغ. و إذا كانت الحركات العرقية الأمازيغية؛ اليوم؛ تحاول ممارسة تطهير مجاني لصالح المرحلة الاستعمارية؛ عبر التركيز على الطابع القانوني/التشريعي للظهير البربري؛ في نسختيه (1914-1930) (8) باعتباره نصا قانونيا صرفا؛ لا يحتمل أي تأويل آخر؛ فإن السياق الذي صدر فيه الظهير البربري يدحض هذا الاعتبار؛ خصوصا و أن الدعاية الاستعمارية حين صدوره؛ كانت تروج لهذه القراءة القانونية التقنية؛ بينما كانت تسعى إلى إخفاء التوجه الاستعماري؛ القاضي بفصل الأمازيغ عن العرب . و لعل هذا التوجه الاستعماري؛ هو ما فطن له الوطنيون المغاربة؛ و قاموا لمناهضته؛ و ذلك لأن الظهير البربري جاء تتويجا لمخططات استعمارية سابقة؛ كانت تسير في نفس الاتجاه. و لذلك فقد شكل صدوره أهم حدث في تاريخ المغرب الحديث؛ لأنه دشن لمرحلة جديدة من النضال الوطني ضد المخططات الاستعمارية؛ التي كانت تسعى لتقسيم المغرب عرقيا؛ لتسهيل مهمة تقسيمه ترابيا؛ و بالتالي؛ تحقيق السيطرة الكاملة على التراب و العباد . الظهير البربري.. السوسيولوجيا الكولونيالية من النظرية إلى التطبيق لا يمكن للباحث في تاريخ المغرب الحديث؛ أن يغفل تلك العلاقة القائمة بين البحث السوسيولوجي الكولونيالي و المخططات الاستعمارية؛ فقد كانت السوسيولوجيا خلال هذه المرحلة؛ المجال العلمي الخصب؛ لاختبار آليات و أدوات السيطرة على المغرب؛ دولة و مجتمعا . و لعل ذلك هو ما تؤكده البحوث السوسيولوجية و الإثنوغرافية؛ التي حاولت تحليل البنية الاجتماعية و الثقافية للمغرب؛ لتسهيل المهمة العسكرية؛ في الأخير؛ و خصوصا مع تجربة البعثة العلمية؛ لميشو بلير و روبير مونتاني . فحسب الباحث المغربي (محمد الغيلاني) كان ميشو بلير، أول من انتبه ودعا إلى توظيف الثنائية؛ العرب/البربر، وهي الثنائية التي استندت عليها الحماية لدعم تغلغلها، وتلك الأطروحة عرفت أوج تبلورها مع صدور الظهير البربري سنة 1930، كوسيلة للهيمنة الكولونيالية. و يضيف الباحث أن هذه الثنائية ذات البعد العرقي ستأخذ أبعادا أخرى في أبحاث ميشو بلير وغيره من الباحثين الكولونياليين؛ عندما بدأ الحديث عن بلاد السيبة وبلاد المخزن، والدعوة إلى المحافظة على هذه الثنائية في السياسية الكولونيالية؛ لما لها من نتائج عميقة ومؤثرة؛ في عمليات السيطرة الفرنسية على المجتمع وإضعاف الدولة وإنهاك قواها. (9) و إذا كان "ميشو بلير" قد نجح في ترسيخ تقاليد السوسيولوجيا الكولونيالية في المغرب؛ فإن"روبير مونتاني" قد تجاوز حضوره؛ مجال البحث السوسيولوجي؛ بالمعنى العلمي للكلمة؛ فهو كان أكثر من ذلك؛ منظرا استعماريا من الوزن الثقيل؛ و لذلك كانت أطروحاته تتحول إلى مخططات عسكرية. و يعد كتابه ( البربر و المخزن في الجنوب المغربي) (10) من بين الدراسات الكولونيالية؛ التي جاءت على خلفية سياسة الاحتلال الفرنسي؛ لتقسيم المغرب في إطار ما عرف باسم "الظهير البربري". و لعل ذلك هو ما يؤكده تزامن صدور الكتاب مع صدور الظهير عن سلطات الحماية؛ كما أن الكتاب جاء بأطروحة الفصل في سكان المغرب؛ بين العرب و الامازيغ؛ و بشكل مفصل للغاية؛ و هذا بالضبط؛ هو ما سعت المخططات الاستعمارية لتجسيده على أرض الواقع؛ عبر فلسفة قانونية؛ تفصل بين من يحتكم إلى الشرع (العرب) و بين من يحتكم إلى العرف (الأمازيغ)؛ و من ثم كان السعي إلى الفصل بين عالمين مختلفين؛ أحدهما تابع للاستعمار و الآخر محارب له . لقد حاول روبير مونتاني؛ من خلال أطروحته؛ العمل على بلورة استراتيجيات لاختراق الدولة و المجتمع في المغرب؛ من خلال صياغة فرضية التعارض بين البربر/السيبة و العرب/المخزن، و هذا التعارض هو ما عمل الظهير البربري؛ على صياغته كإيديولوجيا استعمارية؛ تجعل منه تعارضا اجتماعيا وعرقيا وحضاريا بين العرب والبربر؛ و ذلك بهدف إنجاح المشروع الاستعماري؛ عبر محاولة توطينه في بيئة آمنة و تابعة؛ تقتنع به و تحميه؛ في مواجهة بيئة معادية كانت تسعى إلى استئصاله . ينطلق (مونتاني) في صياغة أطروحته من فكرة محورية؛ يؤكد فيها أن القبائل البربرية (السوسية) تمتلك خصوصيتها السياسية و الاجتماعية؛ لكن سيطرة المخزن أفقدتها أصالتها. و لتوضيح هذه الفكرة قام (مونتاني) بوصف وتحليل طبيعة النظام السياسي الخاص بالقبائل البربرية السوسية، باعتباره نظاما أصبح يفقد تدريجيا أصالته مع الزمن؛ لتكتمل الصورة بشكل أوضح؛ مع مرحلة "حكم المخزن"، الذي تعتبره هذه القبائل كيانا استعماريا بالأساس. و حسب (مونتاني) فقد مر النظام السياسي للقبائل البربرية؛ بأربعة مراحل أساسية: (11) حكم جمهوري ديمقراطي و أوليغارشي. حكم "الإمغارن" أو الشيوخ. حكم القواد الكبار. حكم المخزن. و إدا كان (مونتاني) يعتبر أن المراحل الثلاثة الأولى؛ قد مثلت الأصالة السياسية البربرية؛ فإنه يعتبر أن المرحلة الرابعة المرتبطة بحكم المخزن؛ تعتبر تحطيما للديمقراطية البربرية؛ و كذلك نيلا من واقع استقلالية الشخصية القبلية لدى البربر. و لتوضيح هذه الصورة القاتمة؛ حول مرحلة حكم المخزن؛ يعرض الباحث الكولونيالي؛ و بكثير من التفصيل و التحليل؛ لأهم مكونات البناء الاجتماعي والسياسي للقبائل البربرية؛ قبل تعرضها لهذا الاكتساح المخزني. فالقبائل البربرية المدروسة؛ هي في نظره عبارة عن جمهوريات بربرية، تشبه في تشكيلتها الجمهوريات ذات الطابع الديمقراطي العسكري. و يوكل أمر البث في الشأن السياسي لهذه الجمهوريات، إلى "الجماعة" باعتبارها هيأة سياسية منتخبة بشكل ديمقراطي؛ ويعين على رأسها شيخ (أمغار). و يحاول (مونتاني) في كتابه؛ رصد أهم مكونات البناء السياسي لهذه "الجمهوريات البربرية؛ ابتداء بأصغر مكون و انتهاء بالمكون الأكبر: (12) الدوار، ويضم من 20 إلى 30 كانونا. الفخذة أو العظم، وتضم ثلاثة إلى أربعة دواوير. الفرقة أو الخمس، وتضم من ثلاثة إلى خمسة أفخاذ. وهي تمتاز بكونها وحدة سياسية. القبيلة، وتتكون من ثلاث إلى إثنى عشرة فرقة؛ وتتميز باسم خاص؛ يرتبط بجد مشترك؛ كما أنها تحتل مجالا جغرافيا خاصا، ولها عاداتها وتقاليدها ومؤسساتها السياسية، و تتوفر على أسواق ومواسم خاصة بها . اللف، وهو تحالف حربي؛ بالأساس؛ يجمع عدة قبائل، في إطار اتفاقية الدفاع المشترك. و هكذا؛ يسعى "روبير مونتاني"؛ إلى استنتاج خلاصات تاريخية بأبعاد سياسية؛ بالاعتماد على ظواهر انطروبولوجية؛ لا يخلو منها أي مجتمع؛ لكنها لا ترقى إلى صياغة خصوصيات سياسية؛ و إلا فإن جميع دول العالم؛ تتشكل من الداخل؛ من جمهوريات متعددة؛ إذا أخدنا في الاعتبار؛ التعدد الثقافي و العرقي و اللغوي . 1-2-2- ما بين السوسيولوجيا و المخططات الاستعمارية.. ضرورة الفرز رغم العدة المنهجية القوية و الرصينة؛ التي اعتمدها روبير مونتاني في بحوثه السوسيولوجية؛ فإنها ظلت بحوثا موجهة من طرف المخططات الكولونيالية؛ و لذلك فإن خلاصاته؛ قد طبعها بعض التشوه لانه؛ ليس فقط باحثا؛ و لكنه كذلك عضو في الإدارة الكولونيالية؛ كما يؤكد Maurice poncelet. و من هذا المنطلق؛ فإن الأعمال السوسيولوجية ل "روبير مونتاني" – يضيف poncelet ؛ قد رسمت صورة للمغرب؛ على شكل فسيفساء؛ مشكلة من دويلات صغيرة؛ مجمعة بشكل متناقض (بلاد المخزن- بلاد السيبة) . (13) و لعل "روبير مونتاني" ليس سوى نموذج واحد ضمن ظاهرة عامة؛ حيث تداخل البحث السوسيولوجي بالمخططات الاستعمارية؛ و أصبح الباحث يقود معركة الهيمنة من مختبره؛ و حتى حينما يخرج إلى الميدان؛ فهو يحمل معه أسلحة نظرية فتاكة؛ يعمل من خلالها على شق الطرقات أمام المدافع و الدبابات. من الصعوبة –إذن- أن نفصل الظهير البربري عن سياقة؛ و نعتبره نصا قانونيا –بالمعنى التقني للكلمة- بينما تبين الدراسة الفاحصة؛ أنه جاء خلال مرحلة؛ نجحت خلالها المخططات الاستعمارية؛ في بلورة رؤية واضحة حول مداخل السيطرة و التحكم على/في المغرب؛ و قد كان المدخل المفضل؛ هو العمل على الفصل في سكان المغرب؛ بين العرب و الأمازيغ؛ فصلا عرقيا في مرحلة أولى؛ تهييئا للفصل السياسي و الاجتماعي الذي سيؤدي؛ في الأخير؛ إلى نتيجة حتمية؛ هي تحقيق السيطرة الكاملة على المغرب؛ بعد نجاح مهمة تمزيقه و تقطيع أوصاله. وقد لعبت السوسيولوجيا الكولونيالية؛ دورا خطيرا في صياغة مشروع السياسة البربرية؛ هذا المشروع الذي سيتحكم؛ إلى أبعد الحدود؛ في ولادة الظهير البربري . عود على بدء.. السياسة البربرية و المشروع الاستعماري قد يتساءل البعض؛ من هواة دفن الرأس في الرمال؛ عن الجدوى من إثارة هذا النقاش؛ الذي لا يجيب عن أسئلة راهنة؛ ترتبط بالمقاربة الحقوقية؛ التي تدافع عن الحقوق الثقافية و اللغوية... للأفراد و الجماعات؛ و خصوصا الأقليات؛ عبر ربوع العالم. كما قد يتهمنا البعض الآخر بالانتماء إلى فكر الحركة الوطنية ؟! فكر التحرر الذي حطم المخططات الاستعمارية؛ عبر النضال الوطني المستميت؛ من اجل الكرامة و الحرية و الوحدة و الاستقلال. سنستبق الأحداث؛ سنجيب على التساؤل و سندحض الاتهام؛ و ذلك لأننا على تمام الاقتناع؛ بان الأطروحة العرقية الأمازيغية؛ اليوم؛ لا تعتمد البتة على المقاربة الحقوقية –بمعناها الحديث- و التي تعتبر ثمرة الدولة المدنية الحديثة؛ التي نطمح جميعا إلى تحقيقها؛ باعتبارها دولة لجميع مواطنيها؛ بمختلف أعراقهم و أديانهم و لغاتهم ... و لكنها أقرب –بكثير- إلى المقاربة الكولونيالية؛ لأنها تعتمد نفس لغتها و منهجها؛ خصوصا من خلال استحضار ثنائية عرب/بربر؛ التي تعتبر ماركة مسجلة خاصة بالسوسيولوجيا الكولونيالية؛ قبل أن تتجسد في شكل قانوني؛ عبر عنه الظهير البربري؛ الذي كان يهدف إلى تجسيد المشروع الاستعماري في المغرب؛ عبر تحقيق الفصل بين العرب و الأمازيغ؛ ضمن ما أطلق عليه؛ اسم السياسة البربرية. و بما أن هذا المشروع؛ لقي حتفه على يد الحركة الوطنية؛ بجناحيها السياسي و العسكري؛ و بنخبتها الفكرية و الدينية؛ فإن التهافت على إحيائه؛ اليوم؛ من طرف الحركة العرقية الأمازيغية؛ عبر تزوير الخطاب و ادعاء المقاربة الحقوقية؛ يعد خرقا سافرا لقيم النضال الوطني النبيل؛ التي رسخها رموز الحركة الوطنية؛ هؤلاء الذين يتلقون؛ اليوم؛ الطعنات من الخلف؛ على أيدي أدعياء الفكر و السياسة؛ تحت مسمى هضم حقوق الامازيغ؛ الذين لم يكونوا يوما إلا مواطنين مغاربة كاملي المواطنة؛ واجهوا الأطروحة الاستعمارية؛ من سوس العلامة المختار السوسي؛ إلى أطلس المناضل موحا أو حمو الزياني؛ إلى ريف المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي ... و كل هؤلاء مغاربة أحرار؛ آمنوا بوحدة المغرب و ناضلوا من اجل استقلاله؛ و لم يقعوا يوما ضحية المخططات الاستعمارية؛ القاضية بتمزيق المغرب و بلقنته. إن استحضار دروس النضال الوطني؛ اليوم؛ واجب يفرض نفسه على السياسي؛ كما يفرض نفسه على المثقف؛ في ظل الاكتساح الذي أصبحت تمارسه مخططات الاستعمار الجديد؛ الذي أصبح يعبر عن حنينه إلى الزمن الكولونيالي القديم؛ خصوصا و أن الظروف أصبحت مواتية؛ أكثر من أي وقت مضى؛ في ظل الفوضى الخلاقة التي تسود العالم؛ مما يفسح المجال واسعا أمام تقسيم و بلقنة الدول؛ تحت ادعاءات عرقية و لغوية و دينية ... و يبقى الرهان الوحيد أمام السياسي و المثقف الوطني؛ لمواجهة هذا الطوفان الهادر؛ هو النضال من اجل الدولة المدنية الحديثة؛ التي توفر حقوق المواطنة لجميع مواطنيها؛ باختلاف أديانهم و عرقياتهم و لغاتهم؛ ضمن مشروع وطني واضح المعالم. و لعل هذا النوع من النضال؛ هو الذي قاد مشروع الحركة الوطنية؛ الذي لم يميز يوما بين النضال ضد الاستعمار؛ و بين النضال من أجل مشروع وطني وحدوي و متضامن؛ بآفاق سياسية ذات بعد ديمقراطي واضح. الأطروحة الأمازيغية و تحديات الرهان الوطني رغم ارتباط الأطروحة الأمازيغية؛ في بداياتها الأولى؛ بالمشروع الاستعماري الفرنسي؛ فإن النخبة الوطنية ناضلت ضد هذا المشروع؛ و قد كان الظهير البربري؛ بداية للنضال الوطني المنظم؛ و في نفس الآن كان بداية نهاية المشروع الاستعماري . و قد شاركت النخبة الأمازيغية الوطنية في هذا النضال؛ من منظور وطني وحدوي؛ متشبعة بوعي عميق؛ حول ضرورة مواجهة المخططات الاستعمارية؛ القاضية بتقسيم المغرب و بلقنته؛ لتسهيل السيطرة عليه؛ بأقل مجهود و أقل تكلفة . لقد رفض الوطنيون الأمازيغ؛ من سوس إلى الأطلس إلى الريف؛ رفضوا بقوة توظيف انتمائهم العرقي؛ في نسج خيوط السياسة البربرية؛ سواء من خلال مواجهة و تفنيد أطروحة السوسيولوجية الكولونيالية؛ أو من خلال رفض تجربة المدارس البربرية؛ و لكن التعبير الحقيقي عن هذا الرفض؛ تم عبر اصطفافهم إلى جانب مواطنيهم من جميع جهات المغرب؛ لمحاربة الظهير البربري؛ الذي قرؤوه سياسيا و لم ينشغلوا بغلافه القانوني المزور . إننا حينما نربط الأطروحة العرقية الامازيغية بالمشروع الاستعماري؛ لا نضع كل السمك في سلة واحدة؛ لأننا على تمام اليقين؛ بأن المغاربة من الأمازيغ الوطنيين؛ هم أول من يواجه و يثور على هذه الأطروحة العرقية؛ التي لا تخدم الثقافة و اللغة الأمازيغية؛ بقدر ما تخندقها في مجال ضيق؛ باعتبارها قضية عرقية؛ ترتبط بطرف من المغاربة دون أطراف أخرى. بينما حقيقة الأمر؛ أن الامازيغية قضية وطنية تهم جميع المغاربة؛ مثلها في ذلك مثل العروبة و الإسلام و الانتماء الإفريقي و الانتماء المتوسطي/الأندلسي . لقد تمازجت الأعراق و الثقافات و اللغات؛ في المغرب لقرون؛ و لا يستوي –علميا- الحديث عن نقاء عرقي أو لغوي أو ثقافي؛ كما أن أطروحة النقاء هاته؛ تعتبر المدخل الرئيسي للتطرف؛ الذي لا يأخذ شكلا دينيا/مذهبيا فقط؛ و لكنه يتجاوز ذلك إلى التطرف العرقي و اللغوي و الثقافي . و إذا كان المغرب قد نجح في مواجهة التطرف السلفي/الوهابي؛ عبر استثمار المنجز الفكري المغربي؛ القائم على أساس الاجتهاد لصياغة منهج الوسطية؛ فإن الرهان اليوم؛ يفرض الاستعداد لمواجهة التطرف العرقي القادم؛ و الذي أصبح يستغل التوازنات الدولية لقلب المعادلة الثقافية و اللغوية السائدة. و نحن هنا لا نؤيد اللجوء إلى العنف المادي أو الرمزي في المواجهة؛ بقدر ما نؤمن بان منهج الوسطية؛ يجب أن يحضر في مقاربة هذا الموضوع كذلك؛ باعتبار أن الوسطية؛ منهجية في مقاربة مختلف القضايا؛ و ليست مضمونا مقتصرا على قضية بالذات. و لهذا؛ فإن الرهان المفروض اليوم؛ يرتبط بالعمل على استثمار قيمنا المشتركة؛ لمواجهة أي انحراف عرقي محتمل؛ و كذلك عبر الانتصار لقيم التعددية و الاختلاف؛ التي تضمنها الدولة المدنية/الديمقراطية الحديثة؛ التي تقوم بوظيفة ترشيد الاختلاف و التعدد؛ و تحويله إلى مصدر إثراء سياسي و اجتماعي و ثقافي. خطاب أجدير .. الامازيغة و آفاق الرهان الوطني يعتبر خطاب أجدير (17 أكتوبر 2001) البداية الحقيقية لسياسة وطنية واضحة بخصوص موضوع الأمازيغية؛ والذي ظل لسنوات متراوحا بين مقاربتين: مقاربة عرقية/إيديولوجية؛ تستثمر الامازيغية كأداة في الصراع الأيديولوجي ضد الدولة؛ و هذه المقاربة؛ كانت تستثمر بقوة؛ التراث الكولونيالي؛ بهدف تحقيق مكاسب سياسية سريعة . مقاربة مخزنية تقليدية؛ تنطلق من احتكار جميع مقومات الهوية المغربية (الإسلام؛ العروبة؛ الأمازيغية) و من ثم كانت تمنع كل مشاركة من طرف الفاعلين السياسيين و المدنيين؛ و كذلك من طرف النخب الفكرية . لقد جاء خطاب أجدير؛ محاولا تجاوز المقاربتين معا؛ فيما يخص موضوع الأمازيغية؛ فقد سعى إلى تجاوز المقاربة المخزنية التقليدية/الاحتكارية؛ و في نفس الآن سعى إلى تجاوز المقاربة العرقية الإيديولوجية/الكولونيالية؛ و من ثم كان يؤسس لمقاربة وطنية جديدة؛ تعتبر الأمازيغية مكونا أساسيا من مكونات الهوية المغربية؛ و تراثا مشتركا بين كل المغاربة؛ لا يجوز احتكاره من طرف أي جهة عرقية. و قد كان للمكان الذي ارتبط به الخطاب؛ رمزية وطنية طافحة بالدلالة؛ فمنطقة أجدير كانت على قائمة المناطق الثائرة على الاستعمار و ضد المشاريع الكولونيالية؛ كما أن المنطقة ترتبط باسم وطني أمازيغي كبير؛ هو (موحا أوحمو الزياني)؛ الذي كان في طليعة الحركة الوطنية المقاومة للاستعمار؛ عبر النضال السياسي و الثقافي العسكري. و بالعودة إلى نص خطاب أجدير؛ فإننا نجده يلخص كل هذه الأبعاد الوطنية الخالصة؛ التي اعتبرت المداخل الأساسية؛ لربط الأمازيغية بالرهان الوطني : منح الطابع المؤسساتي للأمازيغية؛ من خلال إصدار الظهير المنظم؛ للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ باعتباره مؤسسة وطنية؛ تناط بها مهمة تطوير الثقافة و اللغة الأمازيغية. ربط الأمازيغية بالمشروع الوطني؛ باعتبارها مقوما من مقومات الهوية المغربية؛ و كذلك باعتبارها ملكا لكل المغاربة بدون استثناء . الدعوة إلى القطع مع التوظيف الإيديولوجي/العرقي للامازيغية؛ و ذلك من منظور أنها قضية وطنية؛ تتجاوز الأبعاد الجهوية و العرقية؛ و لا يمكن لأي جهة أن تتخذ موضوع الأمازيغية؛ مطية لتحقيق أهداف سياسوية رخيصة؛ على حساب منطق السياسة و مصالح الوطن . إدخال الأمازيغية ضمن الرهان الديمقراطي/ الحداثي؛ الذي خطه المغرب؛ في انسجام مع التحولات الدولية؛ و من ثم؛ فإن موضوع الأمازيغية؛ اتخذ بعدا جديدا في إطار تعددي؛ يستجيب للمقاربة الأممية؛ المرتبطة بالحقوق الثقافية و اللغوية . (14) إن الواضح من خلال هذه الأبعاد الوطنية للامازيغية؛ كرهان وطني؛ هو أن الرؤية السياسية أصبحت في مستوى النضج؛ الذي سيمكن المغرب من ربح رهان التعدد الثقافي و اللغوي؛ من دون فسح المجال أمام التوظيف السياسوي/العرقي الرخيص لمكونات هويتنا الوطنية؛ التي تعتبر ملكا لجميع المغاربة؛ و من الواجب عليهم جميعا التفكير فيها؛ من منظور ديمقراطي تعددي؛ يستجيب للمصلحة الوطنية أولا؛ و في نفس الآن؛ يستجيب للمنطق الحقوقي الأممي؛ الذي يدعو إلى احترام الحقوق الثقافية و اللغوية؛ لجميع مكونات المجتمع؛ لكنه يفرض في المقابل على هذه المكونات؛ احترام سيادة الدولة التي تنتمي إليها. دستور 2011.. تكريس الرهان الوطني للأمازيغية لا غرابة أن يعتبر المتابعون؛ أن دستور 2011؛ جاء صكا للحقوق الثقافية و اللغوية –بدرجة أولى- بحيث غلبت على التعديل الدستوري الأخير؛ المقاربة الحقوقية بشكل واضح. و في هذا السياق؛ كان واضعو الدستور على تمام الوعي؛ بالتحدي الثقافي و اللغوي الذي يواجهه المغرب؛ ضمن سياق دولي نيوكولونيالي؛ يسعى إلى الاستثمار في التعددية العرقية و الثقافية واللغوية؛ للتحكم في ناصية الدول؛ عبر ممارسة الابتزاز السياسي . لكن هذا لا يعني أن التركيز على المقاربة الحقوقية؛ كان استجابة لعوامل خارجية فقط؛ بل إن المغرب قد انخرط في هذه الدينامكية قبل ذلك؛ و خصوصا منذ حكومة التناوب التوافقي؛ لتتم ترجمة ذلك خلال سنة 2001 عبر خطاب أجدير؛ الذي دشن لعهد جديد في التعامل مع الامازيغية؛ كقضية ثقافية و لغوية؛ و ذلك من منظور حقوقي واضح؛ كان الهدف منه؛ القطع مع المقاربة التقليدية الاحتكارية؛ للتعدد الثقافي و اللغوي الذي يعرفه المغرب . من هنا؛ كان التفكير جديا في متابعة مسار مأسسة الأمازيغية في المغرب؛ و الذي بدأ مع تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية؛ و استمر مع إدماج الامازيغية في التعليم؛ ليعبر عن نضجه؛ خلال التعديل الدستوري الأخير (2011) مع التنصيص على ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة ثانية؛ إلى جانب العربية كلغة رسمية أولى. و كما يبدو؛ فإن تعامل المغرب مع الأمازيغية؛ كثقافة و لغة وطنية؛ لم يرتبط بشكل مباشر؛ بأجندة خارجية أو داخلية/إيديولوجية –رغم تأثيرها طبعا- بقدر ما ارتبط بمشروع وطني واضح المعالم؛ كان يسعى منذ البداية؛ إلى ترشيد الاختلاف و التعدد كخاصية مميزة للمغرب؛ في إطار مؤسساتي؛ يستجيب للمقاربة الحقوقية الأممية . أما الحديث الذي يروج اليوم؛ حول فعالية النضال الإيديولوجي/العرقي؛ في فرض أجندة خاصة؛ فهذا ما لا يستجيب لمنطق الأحداث الجارية؛ ما عدا التطبيل المبالغ فيه؛ لجدوائية النضال الإيديولوجي/العرقي. و من هذا المنطلق؛ فإننا نختلف مع الباحث محمد مصباح(15) حينما يربط بين مسار مأسسة الأمازيغية؛ و فعالية الحركات العرقية الإيديولوجية؛ مضافا إليها ضغط بعض الشخصيات النافدة في المخزن ( محمد شفيق؛ حسن أوريد)؛ لأننا نعتبر أن هذا التأثير؛ عامل ثانوي؛ إذا ما قيس بقناعة و نضال الوطنيين المغاربة –بمختلف أعراقهم و إيديولوجياتهم- من أجل ترسيخ خيار الديمقراطية و الدولة المدنية؛ باعتباره المدخل الرئيسي؛ لتجذير المقاربة الحقوقية في التربة المغربية. و لا يمكن للباحث أن يغفل تزامن هذه المقاربة الديمقراطية/التعددية الجديدة؛ مع تأسيس الكتلة الديمقراطية كواجهة للنضال الوطني الديمقراطي أوائل التسعينيات؛ و وصول حكومة التناوب أواخر التسعينيات؛ كتتويج لمسار طويل من النضال ضد السياسة المخزنية التقليدية. و النموذج الجزائري؛ يقدم إلينا دروسا بليغة في هذا المجال؛ فرغم القوة و الانتشار الذي تتمتع بهما الحركات العرقية/الإيديولوجية في منطقة القبائل؛ فإن ملف الأمازيغية يعيش تعثرات متراكمة؛ لا يبدو أنها ستساعد على حله في الأجل القريب؛ ما عدا مؤشرات التوتر السياسي التي أصبحت تلوح في الأفق؛ مهددة بخلق نزاع عرقي؛ ستكون نتائجه كارثية على كل الأطراف المتصارعة؛ خصوصا مع دخول فرنسا على الخط. و لعل تفسير ذلك؛ يرتبط بغياب روح الديمقراطية و التعددية؛ مع هيمنة المقاربة الأمنية/العسكرية بطابعها الشمولي؛ و لذلك فإن تحقيق الاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية في الجزائر؛ يظل مهمة قريبة من الاستحالة؛ و حتى لو تحولت هذه الحركات إلى قوة عسكرية مدعومة خارجيا؛ فإن هذا الوضع سيحقق الخراب؛ لكن من دون أن يحقق الاعتراف؛ لأن ذلك يمر عبر سيادة الخيار الديمقراطي/التعددي؛ القادر لوحده على ترسيخ مقاربة حقوقية حديثة؛ تستجيب للتعددية الموجودة في المجتمع. و لعل هذا هو ما نزعم أن المغرب قد نجح فيه – نسبيا- قبل أن يتم الانتقال إلى المشاكل الحقوقية العالقة؛ سواء مع هيئة الإنصاف و المصالحة؛ أو مع الاعتراف بالحقوق الثقافية و اللغوية للأمازيغ ... 2-3-دسترة الأمازيغية كلغة رسمية ثانية للمملكة بعد خطاب تاسع مارس 2011؛ الذي جاء استجابة للمطالب الشعبية؛ بإحداث تغييرات في هرم الدولة و النظام؛ من منطلق دستوري. بعد هذا الخطاب؛ تم تدشين نقاش سياسي و حقوقي؛ كانت الغاية منه إثارة مجموعة من القضايا التي تشغل كل الفاعلين؛ من مثقفين و سياسيين و حقوقيين. و قد احتلت الأمازيغية حيزا مهما في هذا النقاش العمومي؛ و يمكن تصنيف الآراء حولها؛ على الأقل؛ إلى ثلاثة أصناف: هناك رأي إيديولوجي مثلته الحركات العرقية الأمازيغية؛ التي كانت تروج لخطاب متطرف؛ يربط وجود الأمازيغية دائما؛ بإلغاء المقوم الثقافي و اللغوي العربي. و قد مارس أصحاب هذا الموقف؛ عنفا رمزيا خطيرا على جميع التيارات الوطنية؛ التي كانت تدعو إلى تفعيل منهجية الوسطية لمقاربة قضية شائكة مثل الأمازيغة؛ لأن المغامرة بصياغة حلول ترقيعية؛ بهدف تجاوز اللحظة فقط؛ لا يمكنه أن يحل المشكلة بل سيزيد من تعقيدها . هناك رأي آخر؛ مثله التيار المحافظ داخل المخزن؛ و الذي كان يسعى؛ مند التسعينات؛ إلى المحافظة على وضعية السطاتيكو؛ التي سادت طوال مرحلة حكم الحسن الثاني. أما الرأي الثالث؛ فقد مثلته جميع التيارات الديمقراطية؛ من اليسار و اليمين؛ و كذلك جميع النخب الفكرية و الدينية. و قد ذهب أصحاب هذا الرأي؛ في اتجاه اعتبار الأمازيغية قضية وطنية؛ يجب مقاربتها من منظور وطني؛ في منأى عن النزعات العرقية؛ التي تسعى إلى استثمارها لخدمة أجندة سياسوية؛ قد تتعارض –في أحيان كثيرة- مع الأجندة الوطنية . و قد اتخذ أصحاب هذا الرأي موقفين مختلفين: موقف سار في اتجاه دعم الامازيغية كلغة وطنية؛ من منظور أن ترسيم الأمازيغية إلى جانب العربية؛ سيساهم في تكريس ظاهرة التلوث اللغوي في المغرب. و يمتلك هذا الموقف سندا علميا؛ يرتبط بالدراسات اللسانية الحديثة؛ و لذلك يجب على كل معارض لهذا الموقف؛ أن يلتزم حدود البحث اللساني الحديث؛ من دون أي غوغائية إيديولوجية. موقف آخر سار في اتجاه دعم الأمازيغية؛ كلغة رسمية ثانية إلى جانب العربية؛ مع وضع قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، و كيفيات إدماجها في مجال التعليم، و في مجالات الحياة العامة. و قد سار الدستور على هذا النهج الأخير؛ عبر التنصيص على الطابع الرسمي للأمازيغية؛ كلغة ثانية إلى جانب اللغة العربية؛ مع تقييد ذلك بقانون تنظيمي. فقد جاء في الفصل الخامس من دستور 2011 ما يلي: تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء.يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية. و قد جاء هذا الفصل منسجما مع منطوق خطاب أجدير؛ الذي أطلق الدينامية الجديدة التي تعرفها الأمازيغية؛ اليوم؛ لغة و ثقافة؛ و ذلك حينما؛ تم التأكيد على أن الأمازيغية تشكل رصيدا مشتركا لجميع المغاربة؛ بدون استثناء. و هذا يؤكد أن الامازيغية قد ربحت الرهان الوطني أخيرا؛ حينما تم تخليصها دستوريا من شحنتها العرقية؛ الأمر الذي يتطلب من الدولة؛ القيام بمهمتين مزدوجتين: المهمة الأولى؛ ترتبط بتفعيل الأمازيغية لغة و ثقافة؛ من منظورقانوني واضح؛ يحدد مراحل تفعيلها؛ و كيفيات إدماجها في الحياة العامة . المهمة الثانية؛ ترتبط بضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها؛ في ضبط الانحرافات الإيديولوجية؛ التي تسعى إلى استثمار هذا المكسب الوطني؛ لخدمة أجندة سياسوية ضيقة. فكما مارست الدولة مسؤوليتها من قبل؛ لمواجهة التطرف الديني؛ الذي يشكل خطرا على الأمن الروحي للمغاربة؛ فيجب عليها؛ اليوم؛ أن تمارس مسؤوليتها كذلك؛ لمواجهة التطرف العرقي؛ الذي يهدد الأمن اللغوي و الثقافي للمغاربة؛ خصوصا و أن الأصوات العرقية بدأت ترتفع معلنة؛ عن عهد جديد يفسح أمامها المجال؛ لتفكيك الهوية المغربية الأصيلة؛ بطابعها (العربي؛ الإسلامي؛ الأمازيغي؛ الإفريقي؛ المتوسطي)؛ لحساب أجندة خارجية؛ أصبحت تكشف عن وجهها بشكل واضح . إن المواطنة حقوق وواجبات؛ و إذا كانت الدولة قد سارت في اتجاه مقاربة حقوقية؛ عبر رد الاعتبار لمكونات الهوية المغربية؛ فإن الواجب يفرض على الجميع؛ احترام جميع هذه المكونات؛ من منظور ديمقراطي/تعددي؛ مع الالتزام بالرهان الوطني؛ في حل جميع المشاكل العالقة؛ في منأى عن استغلال الظرفية الدولية؛ لخدمة أجندة خاصة؛ تهدد مصالح الوطن و المواطنين؛ عبر الزج بالمغرب في متاهات الابتزاز الدولي؛ الذي عانينا منه عقودا؛ في علاقة بمشكلة الصحراء. على سبيل الختم في مقاربتنا لموضوع الأمازيغية في المغرب؛ استخلصنا أن الأمر لا يتعلق بأمازيغية واحدة؛ فهناك الأطروحة الكولونيالية التي استثمرت التعدد العرقي و اللغوي للمغرب؛ و عملت على تقسيمه إلى شطرين متصارعين؛ و هناك الأطروحة العرقية؛ التي حولت الأمازيغية إلى إيديولوجية في الصراع؛ ضد الدولة و كذلك ضد المشروع الوطني الذي تجسده النخب الفكرية و السياسية الوطنية؛ و هناك الأطروحة الوطنية؛ التي تتعامل مع الأمازيغية كرهان وطني؛ و كمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية؛ و باعتبارها ملكا لجميع المغاربة؛ فإن النخبة الوطنية ترفض أي احتكار لها من أي طرف بعينه. إن التوجه السياسي الجديد الذي عبرت عنه الدولة؛ في تعاملها مع الأمازيغية؛ منذ خطاب أجدير و إصدار الظهير المؤسس/المنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛ و بعد ذلك التنصيص في الدستور على الطابع الرسمي للغة الامازيغية؛ هذا التوجه السياسي الجديد؛ يؤكد عزم كل الفاعلين السياسيين و الثقافيين؛ على إعادة الاعتبار للأمازيغية؛ كمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية؛ و هذا التوجه يفرض على كل الفاعلين؛ في الشأن الأمازيغي؛ التزامات واضحة؛ في علاقتهم بالخيارات الوطنية المطروحة؛ و ذلك من خلال التعبير الصريح؛ عن رغبة حقيقية في خدمة الأجندة الوطنية؛ مع رفض كل توظيف خارجي؛ لقضايا وطنية خالصة . و لعل الرسالة هنا موجهة؛ بالدرجة الأولى؛ إلى الحركات العرقية الأمازيغية؛ التي يجب عليها أن تختار؛ بين الارتباط بالخيارات الوطنية المطروحة؛ و بين خدمة خيارات و أجندة خارجية؛ بدعوى تدويل القضية و نفيها؛ لتصبح ورقة تعتمدها قوى الاستعمار الجديد؛ لابتزاز الوطن؛ في قضايا سياسية و اقتصادية و أمنية . الهوامش: Claude Lévi Strauss – la pensé sauvage – éd : Pocket 1990. ) محمد مصباح – الامازيغية في المغرب: جدل الداخل و الخارج – المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات - سلسلة تقييم حالة - ص: 2 Paul Marty – le Maroc de demain – paris – 1925 محمد عابد الجابري – أضواء على مشكل التعليم في المغرب دار النشر المغربية – البيضاء – ط : 1 – 1973 - ص: 31 نفس المرجع – ص: 29 Paul Marty – le Maroc de demain – paris – 1925 الحسن مادي - السياسة التعليمية بالمغرب ورهانات المستقبل- منشورات مجلة علوم التربية- ص: 22 صدر الظهير البربري في نسختين؛ و خلال مرحلتين : ظهير 11 شتنبر 1914:(نشر بالجريدة الرسمية عدد 73 بتاريخ 18 شتنبر 1914): ظهير 16 ماي 1930 (نشر بالجريدة الرسمية عدد 919 بتاريخ 6 يونيو 1930) محمد الغيلاني- تجربة البعثة العلمية ميشو بلير و روبير مونتاني– جريدة المساء- 3 شتنبر 2008 Robert Montagne : « Les Berbères et le Makhzen dans le sud du Maroc- essai sur la transformation politique des Berbères sedentaires (groupe cheluh) » ; Ed Alcan, Paris 1930. Ibid –p : 159 Ibid Maurice poncelet – regard sur le Maroc. actualité de robert montagne- étude international- vol19-no 1-1988 أنظر خطاب أجدير 17 أكتوبر 2001. محمد مصباح - الامازيغية في المغرب: جدل الداخل و الخارج – مرجع سابق – ص: 7 .