تنطلق السيارة الصغيرة متجاوزة السرعة المسموح بها داخل المدار الحضري بطنجة قبل أن يضغط السائق المكابح بقوّة مفاجئة، فتصدر العجلات صريرا عاليا بينما تستدير السيارة مرّات عديدة وسط ساحة بمنطقة النجمة في استعراض لا يبدو أن أحدا يستمتع بمشاهدته، قبل أن ينطلق مبتعدا ثمّ يعود بعد دقائق قليلة، وهكذا تستمر مثل هذه العملية طيلة ساعات الليل. مشهدٌ عاشته وما زالت تعيشه عددٌ من الساحات الكبيرة بمدينة طنجة طيلة فصل الصيف، حيث يقوم عددٌ من الشباب المتهوّر بما يسمّيه الطنجاويون "التكحيط" (أو ما يُصطلح عليه ب"التفحيط")؛ فبمجرّد ما تتجاوز عقارب الساعة منتصف الليل بقليل يقصد هؤلاء الشباب عددا من ملتقيات الطرق والساحات، مستغلّين بذلك فراغ الشوارع، من أجل خلق الكثير من الفوضى والضجيج. ظاهرةٌ أرّقت الأسر الطنجاوية عموما، وخصوصا منها المقيمة في بجوار الساحات والشوارع الكبرى، حيث يختلط هدير محرّكات السيارات بصرير عجلاتها وبأزيز الدرّاجات النارية، فيتحوّل سكون الليل إلى صخبٍ يسبّبُ سخطا وأرقا لا حيلة أمامه. ترفٌ وتسهيلات باستهتار ولا مبالاة مفرطيْن، يقوم بعملية "التكحيط" شباب مترف في الغالب لا يبالي بفقدان السيارة التي يقودها؛ إما لأنه يملك غيرها أو لأنه اكتراها فقط، وهو نفس ما ينطبق على أصحاب الدراجات النارية التي أصبح كراؤها في المتناول دون أي شروط أو صعوبات، حيث توجد في معظم أحياء طنجة كراجات صغيرة لكراء جلّ أنواع الدراجات النارية وبأثمنة بخسة في متناول المراهقين والشباب. يقول محمدّ.أ، 30 سنة، أحدُ مكتري هذه الدراجات: "تختلف الأثمان من كراج إلى آخر، وحسب نوعية الدرّاجة. بالنسبة إلى الدراجات الصغيرة المعروفة ب(سكوتر)، فإننا نكتريها ب50 درهما للساعة، و250 درهما لليوم، أما الدراجات الكبيرة التي تصدر صوتا عاليا فكراؤها يصل إلى 600 درهم في اليوم". وعن الشروط ولوازم السلامة، أفاد المتحدّث بالقول "لا شيء.. لا توجد شروط سوى المال، وحتى خوذة الرأس لا يمنحها لك بدعوى أن المنطقة "مؤمّنة" مشترطا عدما تجاوز الأحياء التي يحدّدها لك؛ لأنك بعد ذلك ستتحمل المسؤولية في حالة ضبطك". جولتُنا لدى من يقومون بكراء الدراجات كشفت لنا أنّ كراء الكبيرة منها ليس بتلك السهولة، حيث يخشى أصحابها من تعرّضها للسرقة بطرق مختلفة؛ على رأسها استخراج نسخة من مفتاحها ثمّ سرقتها فيما بعد من أحد المكترين. ومن ثم، فإن هذا الإكراه يجعل أصحابها لا يثقون إلا في زبائنهم، وفي حالة كرائها للغرباء فإنهم يشترطون 5000 درهم كضمانة. مصطفى.س، المقيم ب"بولفار باريس"، أحد المتضرّرين من ضجيج هذه الدراجات، صرّح قائلا: "أعاني من الأرق منذ أيّام بسبب درّاجة نارية تقطع الشارع ذهابا وإيابا؛ بدءا من الرابعة مساءً وحتى الفجر، دون توقّف ولا لحظة، ولا أدري ما العمل؟". أمنٌ وحوادث معاناة مصطفى تتكرّر مع المئات من الطنجاويين وفي أماكن عدّة؛ وهو ما دفع أمن طنجة إلى التدخل لوضع حدّ لتلك الفوضى، مّا نتج عنه إيقاف عددٍ من المتسبّبين بها أكثر من مرّة. وكانت عناصر أمنية تابعة لولاية أمن طنجة قد أوقفت، في منتصف غشت الماضي، سائق سيارة صغيرة على مستوى محج محمد السادس. وقد أحيل الموقوف على مصلحة الديمومة بولاية الأمن لاتخاذ المتعين في حقه. وفي منتصف شتنبر الجاري، أوقفت المصالح الأمنية 6 دراجات نارية وسائق سيّارة، وجرى وضعهم رهن تدابير الحراسة النظرية بتعليمات من النيابة العامة. الحال لا يقف عند الضوضاء والضجيج؛ بل يتعداه إلى وقوع حوادث خطيرة، وهو الأمر الذي شهده شارع مولاي رشيد حين تعرّض ثلاثة أشخاص لإصابات متفاوتة الخطورة إثر حادثة سير وقعت في الثالث من شتنبر الجاري بشارع مولاي رشيد على مستوى مدار ملعب طنجة الكبير. وكانت الحادثة قد وقعت إثر محاولة سائق سيارة صغيرة القيام بعملية "التكحيط"، قبل أن يفقد السيطرة على سيارته ويصيب أوّلا دراجة نارية ثلاثية العجلات، ثم يرتطم بسيارة مرقّمة بالخارج كانت قادمة من الاتجاه المعاكس. وكان شهودٌ عيان قد أكدوا أن سائق السيارة فرّ مباشرة بعد الحادثة إلى اتجاه مجهول، تاركا وراءه مرافقيه الثلاثة الذين تعرضوا لإصابات متفاوتة الخطورة نقلوا على إثرها إلى قسم المستعجلات بمستشفى محمد الخامس.