في إحدى محطات الترام، وسط مدينة الرباط، يسحب سائحٌ أجنبي قنينة ماء من حقيبته ويشرب منها، تفعل صديقته مثله، ولا أحد من المغاربة الصائمين يبالي بهما؛ لكن، ماذا لوْ أنّ مواطنا مغربيّا أقدم على شرب الماء أمام الملأ في نهار رمضان، هل سيتعامل معه الناس باللامبالاة نفسها، أم ستختلف ردّة فعلهم؟ خضوع جماعي تكشف وقائعُ كثيرة أنَّ المغاربة لا يتسامحون مع مُفطري رمضان من أبناء جلدتهم، ورُبّما حتى مع من أفطر برُخصة شرعية، كما جرى مع مواطن بمدينة فاس بداية رمضان الحالي، حينَ انهال عليه مواطنون بالضرب إثر إقدامه على شرب الماء، رغم أنّ له عذرا شرعيا لكونه مُصابا بمرض السكري. لماذا لا يتسامح المغاربة مع مُفطري رمضان؟ هل يتعلق الأمر برغبة حقيقية في "حماية الدين" كما يزعُم من يمارس الاعتداء؟ أم بحالة سيكولوجية تجعل المغربي لا يقبل رؤية "الآخر" يفعل شيئا مخالفا ل"الإجماع العام"، وبالتالي قمْعُ كلّ من تجرّأ على خرق قواعد هذا "الإجماع" أو تجاوَزَ حدوده التي خطّها المجتمع؟ يربط الباحث في علم النفس الاجتماعي مصطفى شكدالي البحث عن جواب للسؤال أعلاه بضرورة الغوْص والبحث في العلاقة التي ينسجها المجتمع مع الدين، خاصة في ما يتعلق بصيام رمضان، ويشرح أنَّ ما يَسمُ هذه العلاقة هو سيطرة "فكرة المُماثلة" في التعامل مع رمضان كطقس جماعي يُلزَم الجميع بالخضوع له. وانطلاقا من هذه العلاقة المرتكزة على ما يمكن تسميته "الخضوع الجماعي" لطقس ديني، امتثالا لما يفرضه المجتمع، فإنّ رمضان يُصبح، على المستوى الرمزي والهوياتي، بمعزل عن دلالاته الدينية، "هُويّةً جماعية لا يمكن الخروج عنها"، يشرح الباحث في علم النفس الاجتماعي. لكنْ هل يعني هذا أنَّ معاقبة مُفطري رمضان تنطلق من نزعةِ صوْن الدّين؟.. يجيب شكدالي بأن اللجوء إلى ما يسمّى "شرع اليد" لزجْر مفطري رمضان في الشارع العام لا يجب أن يُفهم على أساس أنه حماية للدين من باب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، مضيفا: "العامل الخفيّ المُتحكم في هذا السلوك مردٌّه إلى الشعور بأن المُفطر غيرُ مماثل لنا، رغم أنه ينتمي إلينا". "وبمعزل عن موقف القانون، تطرح معاقبة مُفطري رمضان باستعمال "شرع اليد" من طرف العامّة إشكالا آخر، وهو أنَّ الدين الإسلامي، وإنْ فرض صوم رمضان، إلا أنَّه أقرّ الترخيص بالإفطار لمن تعذّر عليه الصوم لأسباب شرعية، لكنّ هذا لا يحضر في أذهان من يعتقدون أنهم يقومون بحماية الدين وهم يُقدمون على تعنيف المفطر، حتى وإن كان في حالة تسمح له بذلك"، يوضّح شكدالي. طقس ديني ذو طابع "فُرجوي" من حيث التراتُبية، يأتي الصوم في المرتبة الرابعة ضمن أركان الإسلام، بعد الشهادة والصلاة والزكاة (ثمّة روايات تقول إنّ الحجّ مُقدَّم على الصوم)، وعلى العموم، فإنّ اللافت هو أنَّ "تشدُّد" المغاربة في أداء الشعائر الدينية يقتصر فقط على فريضة الصوم، دون سواها من باقي الفرائض. وقدْ خصّص المشرّع المغربي فصلا كاملا لهذا الغرض في القانون الجنائي. وينصّ الفصل 222 من القانون الجنائي على أنّ "كلّ مَن عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عُذر شرعي، يُعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من اثني عشر إلى مائة وعشرين درهما". وبعد رفع الحد الأدنى من الغرامات الجنحية إلى 200 درهم، أصبح الحد الأدنى للغرامة في هذا الفصل أكبر من الحد الأقصى، أيْ أكبر من 120 درهما. تشدّدُ المشرّع والمجتمع معا، وعدم تسامحهما مع مفطري رمضان، في حينِ ألا أحدَ يحاسبُ الناس على التفريط في الركنيْن الثاني والثالث للإسلام (الصلاة والزكاة)، يطرحُ سؤالَ ما إذا كان رمضان "عادة اجتماعية" يُعاقَبُ كل من أخلّ بها، ما دامَ أنّها طقس ديني يلزم الجميع بالخضوع له.. في تحليله يرى مصطفى شكدالي أن هذا "التعامل الانتقائي" مع أركان الدين يؤشر على علاقة تجزيئية مع التدين، موضحا أنّ هذه العلاقة "أصبحت ذاتَ طابع فرجوي كما هو الحال خلال شهر رمضان، والذي تحول إلى نقيض ما يهدف إليه، إذ أصبح شهرَ الاستهلاك بامتياز"، حسب تعبيره. واعتبر شكدالي أنّه لا يمكن فصل الطابع الفرجوي والاستهلاكي الذي أصبح عليه رمضان بممارسة عدم التسامح مع مفطري رمضان. "بالإضافة إلى ذلك هناك انشطارية في السلوك؛ فعدم المتسامح في قضية إفطار الآخرين قد يكون هو نفسه لا يؤدي الصلاة إلا بطريقة موسمية، متشبثا بفكرة مماثلة الآخرين له"، يختم الباحث في علم النفس الاجتماعي.