"المغربي يصوم..والجزائري يحج..والموريتاني يصلي..والليبي يُزكّي..والتونسي يشهد"..هذه مقولة رائجة، وليست صائبة بالضرورة، عن التوجهات الدينية الطاغية عند الشعوب المغاربية الخمسة، غير أن لها مسوغاتها ومبرراتها التي جعلت كل ركن من أركان الإسلام الخمسة يشتهر به بلد من هذه البلدان. ولقد اشتهر المغاربة باحترامهم لصيام شهر رمضان إلى حد "التقديس"، حيث لا يستسيغ المواطن المغربي، في الغالب، أن يشاهد أو يصادف مُفطرا في نهار الشهر الفضيل، حيث إنه يقابل ذلك بكثير من الغضب وغير قليل من الاستهجان، وقد تنفلت منه أعصابه ليشتم المفطر، ويُعيِّرْه بنقص الدين وانعدام المروءة. وبالمقابل قد يلتقي المواطن ذاته، الذي أخذته الحمية على "وكال" رمضان، بشخص تارك للصلاة، فلا يُعِيرُه أدنى اهتمام، بل قد لا يستاء من تركه للصلاة، رغم أنه يعلم أنها عماد الدين، وتسبق الصيام في ترتيب أركان الإسلام، إذ تأتي إقامة الصلاة مباشرة بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. الصيام أولا..ثم الصلاة؟ الحاج بلكبور، رجل تعليم متقاعد في عقده السادس، قال بأن "أعدى" شخص لديه هو من يحتال على الله تعالى، ويحاول الأكل في نهار رمضان"، مضيفا بأن الصوم أمر مقدس عند المغاربة والمسلمين أجمعين، لأن الشرع أكد العقوبة الدنيوية والدينية التي تصيب مفطري الشهر الكريم. وحول سؤال عن عدم إيلاء نفس الأهمية والحماسة للصلاة مثل الصيام، أفاد المواطن ذاته في تصريحات لهسبريس بأن الصوم له خصوصية معينة، ذلك أن الله قال بأن الصوم هو له وهو من يجزي به فقط، لهذا فهذه العبادة لا تقتضي ها أو العبث بها، بينما الصلاة فيمكن استدراكها في أي وقت. وتلتقط أم هاني، موظفة في عقدها الرابع، الحديث من بلكبور لتقول لهسبريس إن المغاربة عندهم علاقة وطيدة مع الصيام، كما أن صوم رمضان يأتي مرة كل سنة، فإذا أفطر فيه شخص وجد معارضة شديدة لأنه مجرد شهر واحد كل سنة، بينما الصلاة فهي يومية، وإذا تركها الشخص اليوم فقد يعود إليها في الغد، أو بعد ذلك بأيام، بخلاف الصيام. وتقر زكية طليمطة، مدربة رياضية، في تصريحات لهسبريس، بأنها لا تصلي بالفعل، وأحيانا قليلة تصلي أياما ثم تترك الصلاة أسابيع، لكنها بالمقابل تواظب على الصيام كل شهر رمضان، ولم تفطر يوما، رغم علمها بمن يقول إن من لا يصلي لا حاجة له بأن يصوم". عادة ووراثة وقال الباحث في العلوم الشرعية عبد الكريم القلالي إن هذه الظاهرة واقع لا ينكر، ومردها إلى أسباب أهمها: ضعف الوازع الديني، وغياب التربية الإيمانية، التي يتربى في ظلها المسلم على الالتزام بشرع الله دون التفريق بين فريضة وفريضة، والاهتمام بواجب وإهمال آخر". وأكد القلالي، في تصريحات لهسبريس، بأن "الصيام لدى بعض المغاربة عادة أكثر مما هو عبادة، ووراثة أكثر مما هو شريعة، ومظهر أكثر مما هو جوهر"، مشيرا إلى أنه كم من صائم يعلم علم اليقين أن صيامه باطل لكونه لا يصلي أو غير ذلك من المبطلات، لكنه يصر على أن يظل بجوعه وعطشه، ولا يخشى من ردة فعل المجتمع فحسب؛ بل نفسه تمنعه من ذلك، لأنه لو كان يخشى المجتمع لأفطر حيث لا يراه ولا يطلع عليه أحد من الخلق". ويضيف الباحث "لما كان بعض المغاربة تلقوا احترام شعيرة الصيام من تاريخهم أو عاداتهم، تجد الفرد منهم لا ينكر على من يترك الصلاة، أو يمتنع عن أداء الزكاة، وهما أعظم، وينكر على من يفطر في رمضان، ولا ينكر على الزناة في الشوارع والطرقات، لكنه ينكر على المفطر؛ فلو كان هذا الإنكار نابعا من عقيدة وشريعة لأنكر على كل مخالف للشرع حسب درجات المخالفة". واسترسل القلالي بأنه "من خلال معايشته للموريتانيين في موريتانيا، لاحظ أن الإفطار في نهار رمضان جهارا وسط الشوارع أمر يكاد يكون عاديا حتى لدى من يشاهده من الصائمين أنفسهم"، مردفا بالقول " كم مرة لاحظت كؤوس الشاي تشرب وسط العاصمة الموريتانية، ولو حدث الأمر نفسه بالمغرب لقامت ضجة عارمة، ولرأيت الرمي بالحجارة". وعاد المتحدث ايؤكد بأنه "مهما تكن أسباب احترام المغاربة لفريضة الصيام، فهذا أمر محمود ينبغي تشجيعه، مع ضرورة التوعية الدينية، وذلك ليكون الأمر عبادة لا عادة، وليعمم على باقي الفرائض الدينية الأخرى". خلل اجتماعي وديني المغاربة، في عمومهم، يهتمون بصوم رمضان، ولا يطيقون فكرة الإفطار في نهار رمضان عمدا دون عذر شرعي، والدليل الاستنكار العارم الذي قوبل به دعاة الإفطار قبل سنوات قليلة إلى حدود اليوم، فالأكل في نهار رمضان يتعلق في الذهنية الجماعية بالعقوبة الدينية الصارمة التي خصصت له"، تقول ابتسام العوفير الباحثة في علم الاجتماع. وأردفت الباحثة بأن ارتباط المغاربة بالصوم أكثر من الصلاة يعزى إلى التركيبة النفسية والذاتية التي تربى عليها المواطن المغربي، خاصة في الفئات الشعبية من المجتمع، حيث يمكن للشخص أن لا يصلي تماما، بدون أن يشكل له ذلك أية مشكلة مع محيطه، غير أنه يحرص كثيرا على أن لا يخل بحرمة رمضان لأنه يدرك بأنه سيواجه الكثير من المعضلات". وخلصت إلى أن هذا الأمر يؤشر على عمق الخلل البنيوي الذي يعتري المجتمع المغربي من الداخل، فبالرغم من أن الصلاة تفوق الصيام أهمية من الناحية الشرعية، لكن الأولويات عند الكثيرين غير متوازنة تماما، فهم يحرصون على الصيام أكثر من حرصهم على الصلاة.