بسم الله الرحمن الرحيم في ليلة الثلاثاء جاءتنا الصغيرة مريم ذات الثمانية سنوات إلى البيت؛ كعادتها لما تكون بحاجة إلى مساعدة في حل تمارين مدرسية، حيث تجد بالبيت من يساعدها في القيام بذلك، ولا تتردد في الإتيان إلى البيت كلما دعت الحاجة لذلك؛ لكنها هاته المرة فاجأتني بقولها-وأنا منهمك في تأمل وتدبر صحيفة بيدي أقرؤها- إننا لن ندرس هاته الأيام، وسنقاطع الدراسة؛ فشد الأمر انتباهي، وسألتها كيف ذلك؟؟. فقالت: إن مجموعة من زملائها الصغار الذين يدرسون معها بالقسم الثالث ابتدائي ممن تتراوح أعمارهم بين سبع وعشر سنوات، يعتزمون مقاطعة الدراسة! ورأيت قسمات وجهها توحي أن حديثها جد لا هزل؛ فالأمر حقا يدعو للغرابة والعجب! فأخذت أسألها عن التفاصيل غير مصدق ما أسمع!؛ فأكدت لي أنهم سيقاطعون الدراسة وقد أبرم زملاؤها اتفاقا لتنفيذ ذلك؛ سوى ستة منهم تخلفوا عن الجماعة؛ لكن باقي التلاميذ لن يأبهوا لعدم مشاركتهم –حسب قول مريم- وسيواصلون مقاطعتهم التي لم تعرف الصغيرة مريم أن تقول: "حتى تحقيق المطالب" كما يعبر عن ذلك الكبار؛ لكنها قالت: سنقاطع ونواصل المقاطعة إلى أن تكف المعلمة عن ضربنا وشتمنا؛ فسبب الإضراب: -حسب قول الصغيرة مريم- يعود إلى الطريقة غير اللائقة التي تتصرف بها معلمتهم مع التلاميذ في القسم؛ حيث لا تكف عن الصياح والسب والشتم والضرب بلا رأفة ولا رحمة. سألت مريم عن مصدر فكرة الإضراب؛ فأشارت إلى أنها فتاة تبلغ من العمر عشر سنوات؛ وكان تخطيطيها في بداية الفكرة: أن يحضر التلاميذ الإناث دون الذكور؛ حيث يقوم الذكور بغياب جماعي إلى أن يحضر مدير المدرسة، وستتولى التلميذات مسألة إخبارهم؛ وقاطعتها للسؤال عن طريقة التواصل معهم؛ فأجابت أن كل تلميذة تخبر أخاها، ومن لا أخت له تتكلف قريبة له بإخبارها، مشيرة إلى أنهم يكونون على أتم الاستعداد يوم الإثنين؛ لكون المدير غالبا ما يحضر في هذا اليوم. وعن احتمال اكتشاف أمرهن من قبل المعلمة؛ سألت مريم عن ذلك؛ فأجابت: اتفقنا على أن لا تخبر أي واحدة منا المعلمة عن سر الغياب وأن يبقى الأمر فجأة حتى يحضر المدير فيلتف حوله الجميع؛ لتقديم الشكوى ضد المعلمة... ولم تستقر الفكرة طويلا؛ حتى أشار التلميذ حسن ذو الثماني سنوات بفكرة أخرى مفادها: أن تحضر جماعة من الذكور وتغيب جماعة أخرى؛ ليلا يثير الأمر انتباه المعلمة، وحتى الساعة ما تزال تلك الجماعة من التلاميذ مضربة عن الدراسة؛ حتى إشعار من زملائهم الذين يتابعون الدراسة؛ فيحضروا جميعا للتعبير عن عدم رضاهم عن تعامل معلمتهم معهم. وأكدت الصغيرة مريم -في حديث عفوي دون دراية منها أني أدون قصتها وظنا منها أني أكتب في الجهاز ما اعتادت تراني أكتبه- أن الاتفاق ساري المفعول وأن الجماعة ملتزمة بما تم الاتفاق عليه؛ دون علم آباء وأولياء أمور التلاميذ، ويخرجون ويعودون كل يوم لبيوتهم بانتظام؛ كسائر أيام الدراسة حتى لا يثيروا انتباه أسرهم، وتصر مريم على مواصلة المقاطعة حتى خروج المعلمة من المدرسة بصفة نهائية، وسألتها عما إذا لم تخرج المعلمة هل سيستمر الغياب؛ فأجابت: إن المعلمة ستخرج لا محالة؛ سألتها كيف ذلك؟! فقالت: بكثرة الشكوى والإصرار سيتحقق ما نريد. وأشارت في معرض حديثها إلى أن الأمر لا يقتصر على قسمها؛ فحسب؛ بل يفكر القسم الرابع أيضا في اتخاذ نفس الخطوة بسبب المشكل ذاته؛ لكون القسمين يدرسان على نفس المعلمة.... وعن احتمال توجيه هؤلاء الصغار من قبل جهة أو شخص ما؛ نفت مريم نفيا قاطعا، أن يكون لأحد صلة بما يفعلون، وأن الساكنة لا تدري شيئا عما يجري ويحدث؛ وسيحققون مبتغاهم بمجهودهم. هنا استوقفتني مريم قائلة ... وباقي التفاصيل ستأتي والقصة تكتمل شيئا فشيئا ! وسألتها عن مزيد تفاصيل: فقالت: " ايوا صافي باقي شوية شوية" [email protected]