منذُ بضْعة أشهُرٍ، نَزَلَ الخبرُ كالصّاعقة على سُكّان مدينة أكادير: "سينما السلام" بتاريخها العريق ورَمزيتها التاريخيّة وهندستها المعماريّة الفريدة من نوْعها بِيعتْ لمُنْعشٍ عقاريّ". كانَ لعمليّة البيْع هذه معنى واحد، وهوَ أنّ القاعةَ السينمائيّة التي صمدتْ في وجْهِ الزلزال الذي دكَّ مدينة أكادير ليلة 29 فبراير سنة 1960 وأتى على أغلبِ أبْنيتها، أصبحَ صُمودُها في كفّ عفريت، فبيْعُها لمنعش عقاري معناه الوحيد أنَّ الجرّافاتِ ستدكُّ القاعة وتسوّيها معَ الأرْض لينتصبَ مكانَها مشروع سكنيّ، وبالتالي يندثر جُزْءٌ بارز من تاريخ مدينة الانبعاث. منذُ عشر سنواتٍ أغلقتْ "سينما السلام" الواقعة في حيّ "البطوار" وسطَ مدينة أكاديرَ أبوابها، لتلْتحق بركْبِ عشراتِ القاعات السينمائية التي انطفأ نورُ شاشاتها الفضيّة إلى الأبَدِ في عدد من المُدنِ المغربيّة، لكنَّ "سينما السلام" تختلفُ عنْ باقي القاعات السينمائية المغربيّة، لا لتاريخها العريق فحسْبُ، بلْ أيضا لكوْنها جُزءً متميّزا من ذاكرة مدينة أكادير، فحينَ اهتزّتْ أرض المدينة وزُلْزلتْ، كان عددٌ من الناس يُتابعون شريطا سينمائيا داخلَ القاعة، وحينما خرجوا لم يجدوا في أحياء المدينة سوى الأنقاض والغبار، بيْنما ظلّت السينما صامدة في مكانها. سُكّانُ مدينة أكادير، والفاعلون المدنيّون المُهتمّون بالشأن الثقافي على الخصوص، أدْركوا منذُ الوهْلة الأولى لسماع خبرِ بيْع القاعة السينمائيّة أنَّ عليْهم أنْ يتحرّكوا، لإنقاذها منَ الهدْم، وكانتِ الوجْهة في البداية المُحافظة العقارية، "هُناكَ حصلْنا على معلومات تؤكّدُ أنّ سينما السلام بيعتْ لمُنْعش عقاري"، يقول محمد بجلات، رئيس جمعية "ملتقى إيزوران نوكادير"، وعنْدما تأكّدَ خبرُ البيْع، يضيفُ محمد بجلات، تمَّتْ مكاتبة مدير الوكالة الحضرية، ليتأكّدَ أنَّ سينما السلام أصبحتْ، فعلا، في كفّ عفريت، بعدما تأكّدَ أنَّ ما هُوَ مُخطّط له هوَ أنْ تتحوّلَ إلى مشروع عِمارةٍ. تحويلُ "سينما السلام" إلى عمارة سكنيّة جُوبهَ بالرفْض من طرف الأكاديريين، ففي شهر ماي الماضي نُظمتْ وقفة أمامَ مبنى "سينما السلام"، أطرّتها جمعية "ملتقى إيزوران نوكادير"، وطالبَ المشاركون في الوقفة من الجهات المسؤولة حماية القاعة، وموازاةً مع ذلك تمّ إنشاء صفْحة على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، عبّر فيها عدد من النشطاء عنِ رفْضهم التامّ لهدم القاعة السينمائية التاريخية. وكتبتْ خديجة معبّرة عن تذمّرها من قرار البيع: "بَدلَ أنْ يُحافظوا على سينما السلام، ويُحوّلوها إلى متحف، يسْعوْنَ إلى هدْمها. يا لَلْعار". ولمْ تكتف خديجة بالتنديد بمخطّط هدم "سينما السلام"، بلْ دعتْ شباب أكاديرَ إلى التحرّك قصْد إجهاض هذا المخطّط، وكتبتْ: "هيّا يا شباب، لا تتركوهْم يفعلوا، فهذا جُزءٌ من تراث سوس". وبالموزاة معَ التحرّكات على مستوى المواقع الاجتماعيّة، تمّت مُراسلة وزارة الثقافة، باعتبارها الجهة الوصيّة على التراث، وأوْضح محمد بجلات أنَّ الجمعية التي يرأسُها تدفعُ في اتجاه أنْ تتحوّل "سينما السلام" إلى تراثٍ مُحفّظ له قيمة تاريخيّة، وبالتّالي يُمْنعُ هدْمه، وأضافَ "أمامنا مدّة زمنية من سنتيْن لوقْف مشروع الهدم". وفي خضمّ تزايُد المخاوفِ من أنْ تأتيَ جرّافاتُ المنعش العقاري الذي بيعتْ له "سينما السلام" وتدكّها دكّا، وتحْويلها لاحقا إلى عمارة سكنيّة، يبْدو محمد بجلات متفائلا، وإنْ بحَذر، بخصوص احتمالِ ربْح معركة إنقاذ القاعة السينمائية التاريخية من الهدْم، "فالمنْعش العقاري الذي اقْتنى القاعة -يوضّحُ المتحدّث- كانَ يُدرك أنّه اشترى قاعة سينمائية، والمركز السينمائي المغربي لا يمنح تصريحا بهدْم القاعات السينمائية إلّا إذا كانَ الهدفُ هو إعادة ترميمها". ويُضيفُ محمد بجلات أنَّ الحلَّ هُوَ تعويضُ المُنعش العقاري الذي اقتنى القاعة من عند ورثة صاحبها، بوعاءٍ عقاريٍّ آخر، من طرف المجلس البلدي، لإقامة مشروعه وترْك "سينما السلام" في سلام. وسط التناقص المطّرد لعدد القاعات السينمائية في المغرب خلال السنوات الأخيرة أصبحتْ مدينة أكادير، وهي ثاني مدينة سياحية بعد مراكش، خاليَةً تقريبا منْ أيّ قاعةٍ سينمائيّة تعرض الأفلام. فعلى الرغم من أنَّ المدينة بها ثلاث قاعات (السلام، ريالطو، الصحراء)، إلّا أنّها أوْصدتْ أبْوابها جميعُها، (سينما الصحراء تفتح أبوابها بيْن فيْنة وأخرى، لكنّها شبْهُ مُغلقة)، ويُعلّق محمد باجلات على هذا الوضع قائلا: "إنّها مفارقة غريبة، فقبْل الاستقلال كانتْ في مدينة أكادير خمْسُ قاعاتٍ سينمائية، واليوم لم تعُد هناك قاعة واحدة"، أمّا وفاء، وهيَ فاعلة مدنيّة، فتُعبّر عن مخاوفها من هدْم "سينما السلام" بالقول: "غانبْقاوْ بْلا سينما بْلا تاريخ".