فاجعة وادي الشراط .. الصدمة ... التضامن وناقوس الإنذار!! منذ وقوع فاجعة وادي الشراط التي ذهب ضحيتها 11 طفل وطفلة من فلذات أكبادنا، والمغاربة يتابعون بألم وحنق على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية تطور الأحداث وتسلسلها، لتصل إلى سجن المدرب مصطفى العمراني وامكانية متابعته بتهمة القتل الخطأ. فجَّر هذا الاتهام نوعا من التضامن التلقائي مع المدرب من طرف الرأي العام المغربي: وقفات احتجاجية منددة بسجن المدرب وإطلاق صفحات في المواقع الاجتماعية متضامنة مع المدرب ورافضة للحكم عليه وتحميله المسؤولية بمفرده. الصدمة والاستنكار جاءت الواقعة كصدمة لجل المغاربة الذين لم يخرجوا بعد من آثار صدمة فاجعة طانطان التي أودت بحياة 11 طفل وطفلة حرقا وجميعنا نتذكر صورة أخيرة لهذا و نداء استغاثة لأمه عبر رسالة هاتفية من ذاك. وها هو الغرق يختطف أرواح أطفال آخرين في ظروف أخرى و النتيجة واحدة : الموت !! لا يمكن تفسير هذه النهاية الأليمة بسبب واحد ولا يمكن تحميل مسؤوليتها لشخص بعينه أو مؤسسة بالخصوص. قد يكون السبب أعمق ويلمسنا عن كثب. لنحاول التأمل في هاتين الفاجعتين و استنباط ما يمكن لفهم ما جرى. لماذا الأطفال؟ في كلا الحالتين أطفال ينتمون لمؤسسات رياضية تضم أطرا يتحملون مسؤولية تدريبهم ومرافقتهم. للطفل احتياجات خاصة، يستلزم التعامل معه كفاءات ومهارات وخبرات نفسية ،بيداغوجية وتربوية. إضافة إلى معرفة بكيفية التعامل في حالة الطوارئ مثلا إعطاء إسعافات أولية الخ ... كل هذا و غيره ليس موجودا بالفطرة و لكنه يكتسب عن طريق التعلم و التأهيل ...هل كل من يتعامل أو يشتغل عن قرب مع الأطفال له هذه الدراية والقدرة على حمايتهم وتلقينهم كيف يُحترم القانون لاجتناب الخطأ ومن ثم الخطر؟ هل من قوانين لتحديد كيفية التعامل مع الطفل و من له الحق في ذلك و على أي أسس؟ أليس على أولياء الأمور التأكد من شروط السلامة قبل السماح للأطفال بالذهاب إلى أي مكان؟ ألسنا أمام استهتار الجميع بمسألة التعامل مع الطفل لأنه الحلقة الأضعف؟ ماذا يعني أن يعيش المغرب فاجعتين ضحيتهما أطفال، الأولى حرقا والثانية غرقا؟ سوى أن المنظومة المعنية بحماية الأطفال غير جديرة بأبنائنا، هذا إن وجدت. سوى أن الخطر يمشي بيننا وطبيعي أن يستهدف ضعيفنا قبل قوينا وصغيرنا قبل كبيرنا وأطفالنا قبل بالغينا . أليس هذا إنذار بوجود ثغرة كبيرة في نظرتنا لأطفالنا واستسهال تعاملنا معهم؟ أطفالنا ضحايا البيدوفيليا والتشغيل و الهذر المدرسي الخ... هاهو الإهمال يتدخل ليفصل ويختصر المسافات إلى الموت. لماذا يدفع أطفالنا ثمن أخطائنا، لماذا يذهب مستقبلنا ضحية حاضرنا وماضينا؟ ليكبر طفل لا بد من وجود قرية بأكملها كما يقول المثل ... المدرب قاتل أم ضحية؟ حين بدأ الحديث عن المسؤولية ، أصبح النقاش أعمق. من خلال أحاديث وتعليقات مواطنين ومواطنات أثيرت مشاكل ترتبط بما هو قانوني واجتماعي وتربوي ولوجيستيكي بحيث تضاربت الآراء حول السؤال: مسؤولية من ؟ فهناك من يرى أن المدرب مصطفى العمراني الذي فقد ابنته في نفس الحادث و رغم صفاء نيته و رغبته في الترفيه عن هؤلاء الصغار و إهدائهم لحظات فرح قد اختار المكان الخطأ فكان الأجدر به عدم الزج بهؤلاء الأطفال في شاطئ غير محروس، في غياب فرق إنقاذ وعدد كاف من المؤطرين المدرَّبين على التدخل في مثل هذه الحالات ولهم دراية بأمور البحر وأخطاره. وبالتالي فهو الوحيد من يتحمل المسؤولية فيما حدث . لكن، هناك من يرى أن العمراني مصطفى نفسه ضحية، وأن ما وقع له كان من الممكن أن يقع لأي مدرب غيره أو حتى مجموعة من الشباب قصدو البحر للعلب الرياضة لعدم توفر مدينتهم على ملاعب خاصة محمية ومجهزة بطرق السلامة الرياضية. بالتالي لا يمكنه تحمل ما جرى وحده فلابد أن تتحمله الجهة الوصية على هذا الشاطئ أو الإدارة الترابية التي يدخل في نفوذها حيث كان من المفروض عليها التنبيه لهذا الخطر المحدق بالجميع.من السهل رمي عبئ المسؤولية على طرف واحد و لكن أليس من الجدير بنا ترسيخ فكرة المسؤولية المشتركة في أي حدث يقع داخل مجتمع فمن البديهي وجود أكثر من طرف؟ سخط تحول إلى تضامن ثم إلى سخط اشتعلت المواقع الاجتماعية بصفحات التضامن مع المدرب ورفض محاكمته بتهمة القتل الخطأ وتحميله المسؤولية كاملة دون غيره . توجت بتقدم عائلات الضحايا بالتنازل عن متابعته ومسامحته بل والتضامن معه في محنته لينضاف اليهم عدد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين، من بينهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي جاء موقفه مشابها للرأي العام حيث دعا إلى التضامن مع العمراني لأنه يرى أنه من غير المعقول بقاء العمراني معتقلا لأنه لم يتعمد قتل الاطفال ... وقد ذهب العديد من المتضامنين الى المقارنة بين تعامل القانون مع المتهم المدرب العمراني أمام حضور جنازة ابنته و شخص مسجون أي تبثت تهمته في قضية سرقة المال العام سمح له بحضور جنازة أمه ويتابع في حالة سراح ....هنا أصبح السؤال الذي طرح نفسه بقوة على أي أسس تتم المحاسبة وهل القانون يكيل بمكيالين؟ فنجد كلمة ″الحكرة″ من جديد تقفز على لسان عدد من الفيسبوكيين الذين يؤمنون بأنه من مقومات الاستقرار الشعور لدى المواطن بأن الكل سواسية أمام القانون. إن تكرس عكس هذا الشعور صار فتيلا لأشياء لا أحد يريد حتى التفكير فيها لوطننا الحبيب فهل سيصل صوت هذه الحملات الفيسبوكية لينصت المسؤولون لرأي الأفراد؟ ماذا بعد محاكمة المدرب؟ هل يكفي أن نحاكم مصطفى العمراني ونزجَّ به في السجن لنوقف نزيف موت الأطفال ؟ هل يكفي أن نغلق الشواطئ لنوفر الحماية لهم؟ .. أم أن الأمر يتطلب إعادة النظر في برامج وسياسات وثقافة سائدة لا مكان فيها للسلامة البدنية والنفسية لأطفالنا، ثقافة تستسهل التعامل معهم. وهل يمكن هذا دون العمل على إعادة بناء المفاهيم لدى الفرد و المؤسسة حول المواطنة، المسؤولية، الحق...؟ ختاما، نعلم جميعا أن موسم الصيف على الأبواب، الشواطئ سوف تمتلئ والمخيمات سوف تنطلق... هؤلاء الأطفال ليسوا مشروع مواطن إنهم أهم المواطنين إن أردنا البناء ووقف هذا النزيف. فكثيرا من الحذر أم من الوعي أم من المسؤولية أم من التقنين؟ لا أظن أنه يمكن الحديث عن واحد من هذه المفاهيم دون الآخر، فالقانون يخلق الوعي لتحمل المسؤولية للانتباه للخطر والحذر وضمان السلامة لطفولة بريئة لا تستحق سوى المضي في طريق الحياة بسلام.