في قاعة مزينة بصور الضحايا ومملوءة عن آخرها بالحضور، وفي أجواء خيم عليها الحزن والأسى وتبادل التعازي والمواساة والبكاء والتضامن وبحضور عائلات الضحايا، وفي مدينة مازالت تعيش تحت هول الفاجعة وواقع الصدمة، وفي غياب أم البطلة المرحومة فدوى الوردي، انطلقت مساء يوم الثلاثاء 16 يونيو الجاري بقاعة دار الشباب ببنسليمان الندوة التي نظمتها التنسيقية التضامنية مع ضحايا فاجعة واد الشراط تحت شعار:«الجمعيات في ظل فاجعة شراط»، حملت خلالها هيأة دفاع المؤطر التربوي مسؤولية الفاجعة لوزير التجهيز والنقل واللوجستيك، على اعتبار أن البحر هو مرفق عمومي وأن القطاع الوصي عليه هو وزارة التجهيز و النقل، وبالتالي فإن مسؤولية مدرب التيكواندو في هذا الجانب غير متوفرة لكون شاطئ البحر غير محروس ولا توجد به علامة تشير إلى خطورته و لا إلى ممنوع السباحة فيه. وأشارت تدخلات المحامين إلى أن قلوب المغاربة لا ينبغي أن تحرق مرتين باعتقال مصطفى العمراني الذي اهتم بالطفولة المغربية وكون أجيالا في رياضة التيكواندو حتى أصبح منهم أبطال عالميون ولا ينبغي أن يتخذ ككبش فداء لإبعاد التهمة عن المسؤولين المباشرين ألا وهي بلدية الصخيرات و الوزارة الوصية عن الملك البحري. وفي الجانب القانوني اعتبرت هيأة الدفاع أن الفصل 432 من القانون الجنائي الذي يتابع به العمراني هو فصل خطير وعملية تكييفه غير قانونية لأنه فصل لا يؤدي وظيفة حمائية وإنما وظيفة التهديد. تحولت الندوة التضامنية إلى محاكمة للقانون وللسياسة الجنائية التي أبانت هذه النازلة، تضيف تدخلات المحامين ، عن قصورها، فالمحامي يجد نفسه فيها مكبلا بسلطة الملاءمة، علما بأن هذه الأخيرة لها ضوابط مهنية لا يجب الدوس عليها. فإذا كانت النيابة العامة تنوب عن المجتمع ، تضيف كلمة هيأة الدفاع، فإن المجتمع قال كلمته من خلال تضامنه المطلق مع المؤطر التربوي و مطالبته بإطلاق سراحه، لكون مصطفى العمراني ليس بقاتل ويجب على السلطة المعنية أن تستمع لصوت المجتمع وتستجيب لطلب هيأة الدفاع المتمثل في متابعته في حالة سراح، الذي سبق لها أن طالبت به في الجلسة السابقة بعرضها لضماناتها الشخصية، وعلى أساس أن» المتهم معروف، وهو بطل رياضي، وقد قام وقت الحادث المأساوي بكل ما يستطيع من أجل إنقاذ الغرقى وكان بوده أن ينقذهم جميعا لكنه عجز أمام القدرة الإلهية»، «فاعتقاله ومتابعته غير مقبولة، تضيف مداخلات المحامين، وقد انقطع عن الطعام والنوم وهو حزين لكونه لم يستطع إنقاذ الجميع، والنيابة العامة رفضت حضور مدرب التيكواندو جنازة أبنائه الرياضيين الذين شيعتهم ساكنة مدينة بنسليمان في موكب جنائزي مهيب». «فما وقع يسمى في القانون بالحادث الفجائي، والحادث الفجائي غير متوقع، فلماذا يتابع مصطفى العمراني؟ يتساءل أحد المحامين الذي اعتبر أن هذه النازلة تدل على أن هناك تراجعا في المجال القانوني في غياب التدابير البديلة التي تحمي حقوق المتابعين، وأنه حسب الإحصائيات، 80% من المعتقلين الاحتياطيين حوكموا بالبراءة، فمن سيعوضهم عن المدة التي قضوها بالسجن؟» «فإذا كان المتهم مجرما، فمن هو شريكه في الجريمة، البحر؟ فيجب اعتقال البحرإذن!» حسب تدخل هيأة الدفاع. واختتمت هيأة الدفاع مداخلاتها بالتطرق إلى التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة في هذه القضية، حيث اعتبرت أنه لا ينبغي أن يعتقل منظم الرحلة ومن ثم يجب أن يكون التصريح مسؤولا وأن يطابق الكلام الفعل، لأن مصطفى العمراني مظلوم، لكن الشعب المغربي أنصفه من خلال التضامن معه ومطالبته بإطلاق سراحه. هذا وسبق لهيأة الدفاع في آخر جلسة أن التمست استدعاء وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والمفتش العام للوقاية المدنية وكذا رجال الدرك الذين حرروا المحاضر بالصخيرات وكتبوا عبارة« بحر غير محروس» ، علما بأنه لا توجد أية علامة تشير إلى ذلك! كما تمت الإشارة إلى «وجود العبث والعديد من الأخطاء بتلك المحاضر، ومثال على ذلك أن تاريخ ازدياد أحد المستجوبين ( أب لأحد الناجين من الغرق) في محاضر الضابطة القضائية يشير إلى سنة 1654، أي أن هذا الشخص يبلغ حاليا من العمر 361 سنة؟ من جهة أخرى ذهبت مداخلة جمعيات المجتمع المدني ومن ضمنها أندية وجمعيات التيكواندو، إلى أن العمل الجمعوي التطوعي أصبح مهددا ويقود إلى السجن و أصبح يعد جريمة في ظل ما تعرفه قضية مدرب التيكواندو الذي ضحى بماله ووقته وسهر على تكوين أبطال رياضيين حملوا راية المغرب عاليا في المحافل و الدورات الدولية، لكنه يوجد رهن الاعتقال بدون أن يرتكب أي ذنب؟ وقد هددت بعض الجمعيات بتوقيف العمل الحمعوي وحل الجمعيات إذا ما استمرت محاكمة مصطفى العمراني، لأن كل الفاعلين الجمعويين أصبحوا مهددين بمثل ما وقع لمدرب التيكواندو أو هم يوجدون في حالة سراح مؤقت! أما مداخلة محمد راضي الليلي الإعلامي السابق بالقناة التلفزية الأولى، فقد أشارت إلى أن مدينة بنسليمان حزينة منذ أيام في حدث غير متوقع وأن الكارثة الكبرى هي أنها تفقد أحد أبنائها الذي رفع راية الرياضة عاليا ويقبع داخل السجن بسبب اتخاذ المسؤولين لقرارات في رمشة عين تسببت في مآس لمدينة بكاملها. واختتم كلمته بعبارة:«لابد من أن ينال مصطفى العمراني حريته عاجلا». وتميزت الندوة التضامنية بإلقاء كلمات جد مؤثرة من طرف أفراد أسر وعائلات ضحايا فاجعة وادي الشراط أبكت الحاضرين وتأثر لها الجميع. فرغم المصاب الجلل ورغم فقدانها لفلذات أكبادها ، فقد أبت هذه الأسر المكلومة إلا أن تتنقل إلى دار الشباب ببنسليمان و تعلن تضامنها مع كل مكونات أبناء المدينة في مطالبتهم بإطلاق سراح مدرب التيكواندو، لأنه غير قاتل ولم يرتكب أي جريمة، قدمت خلالها شهادات حية عن الأعمال الجليلة التي كان يقوم بها العمراني تجاه أبنائها الذين أحبوا هذا البطل الرياضي الذي استطاع أن ينتشل مجموعة منهم من شباك الفقر والانحراف، حيث تقول أم أحد الأبناء الشهداء:« منذ أربع سنوات ومصطفى العمراني كان ينظم رحلات لأبنائنا بمختلف مناطق ومدن المغرب، وكان ابني يرافقهم وهو جد مرتاح وكان ينتظر تلك اللحظة التي يعلن فيها عن تنظيم الرحلة، لقد أحب ابني مدربه كثيرا، أناشد جلالة الملك إطلاق سراح العمراني...». أم فقدت ابنتها إثر فاجعة وادي الشراط تقول:« أدعو لابنتي ولكل الشهداء بالرحمة والمغفرة، وأنا أطالب بإطلاق سراحه لأنه لم يقتل ابنتي...». أما شقيق أحد الضحايا، فيقول:« لا ينبغي تحميل المسؤولية للعمراني، فالكل مسؤول نحن كأفراد عائلات الضحايا كنا نثق كثيرا في مدرب التيكواندو، كل الأطفال كانوا يحبونه، نطالب الحكومة بأن تطلق سراحه، لو كان الأطفال الشهداء على قيد الحياة لما رضوا بالمحنة التي يجتازها مدربهم...». أما مداخلة بوشعيب العمراني أخ المؤطرالتربوي المعتقل فاعتبرت أن القضية هي قضية رأي عام، وأن شقيقه مصطفى العمراني أصبح أخ المغاربة جميعهم، فالكل تضامن مع مصطفى وآمن بقضيته العادلة التي يحاكم فيها ظلما و أن أي عقاب يتخذ في حقه يعتبر أهون بالنسبة إليه من فقدان أبنائه في البحر، فهو حزين جدا ويرفض الأكل لأن شدة الصدمة كانت أقوى منه، أناشد جلالة الملك التدخل وإطلاق سراح أخي حتى يعود لأسرته وزوجته وابنته التي هي في حاجة ماسة إليه، يقول شقيق مدرب التيكواندو. وتخللت الندوة تدخلات الحاضرين التي أعلنت تضامنها مع المتهم وتطرقت إلى ضرورة أن تتحمل السلطات المعنية مسؤوليتها في الفاجعة، كما أشارت إلى أن مدينة بنسليمان تعج بالأبطال لكنهم غير معروفين، فالمرحومة فدوى الوردي البطلة المغربية والعالمية لم تعرف ولم تكتسب الشهرة إلا بعد غرقها في البحر بسبب التهميش الذي تعرفه المدينة في المجالات الثقافية والرياضية والفنية... الندوة التضامنية المشار إليها افتتحت بآيات بينات من الذكر الحكيم والوقوف لقراء الفاتحة ترحما على أرواح الشهداء الأطفال الرياضيين الذين لقوا حتفهم غرقا بشاطئ وادي الشراط، وتم تأطيرها من طرف أعضاء من التنسيقية وكذا من أساتذة محامين، هيأة دفاع مدرب التيكواندو مصطفى العمراني الذي يوجد رهن الاعتقال بعد أن تم تأجيل محاكمته إلى جلسة الخميس 18 يونيو، وحضرها المئات من ساكنة المدينة التي حجت إلى دار الشباب لتواسي أسر الشهداء وتتضامن مع منظم الرحلة، بالإضافة إلى حضور العديد من المنابر الصحفية والإعلامية و بعض الأخصائيين النفسانيين الذين تطوعوا لمؤزارة أسر الضحايا والأطفال الناجين من الغرق وجمعيات المجتمع المدني وخاصة ممثلي جمعيات وأندية التيكواندو الذين حلوا من خارج الإقليم من الدارالبيضاء ومن الفقيه بن صالح ومن سطات والرباط للتضامن مع مدرب التيكواندو، حيث غصت القاعة بالمئات من الحاضرين الذين ظل بعضهم واقفا أو خارج القاعة يتابع أشغال وفترات الندوة التضامنية. وعلمت «الاتحاد الاشتراكي» من داخل القاعة أن ما يزيد عن 40 محاميا تطوعوا لمؤازرة المتهم والدفاع عنه في الجلسة التي ستنعقد يومه الخميس 18 يونيو بالمحكمة الابتدائية بمدينة تمارة. قضية مصطفى العمراني أصبحت قضية رأي عام وهي قضية عادلة لكونه تطوع في إطار عمله الجمعوي والرياضي من أجل إسعاد الأطفال الرياضيين والترفيه عنهم بتنظيم رحلة إلى شاطئ البحر احتفالا بفوز بعضهم ببطولة المغرب في رياضة التيكواندو ولم يخطر بباله قط أنها ستنتهي بمأساة وفاجعة وسيكون مصيرها هو فقدان أبنائه الأطفال في البحر. فبدلا من أن نقدم له المواساة والعزاء لأنه عايش لسنين طويلة الأطفال الشهداء حتى أصبحوا مثل أبنائه وتقاسم معهم الأفراح والنجاحات والإخفاقات وفي الأخير نزج به في السجن ونغتصب حريته بدون أن يكون قد ارتكب ذنبا أو جريمة؟ فالمسؤولية هي مسؤولية وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك التي تعود لها الوصاية على الملك البحري وهي مسؤولية سلطات مدينة الصخيرات ومسؤولي بلديتها الذين لم يقوموا بواجبهم المتمثل في وضع إشارات تبين بأن الشاطئ خطير وممنوعة السباحة فيه. وللإشارة فإن مدينة بنسليمان عاشت الفاجعة يوم الأحد 7 يونيو إثر غرق 11 طفلا رياضيا بشاطئ وادي الشراط كانوا في رحلة منظمة من طرف جمعية النور لرياضة التيكواندو، لفظ البحر منهم لحد الآن 9 جثث تم دفنها بمقبرة الولي الصالح سيدي امحمد بن سليمان ومازالت جثتان (بنت وولد) مفقودتان في البحر. وقد سبق لبعض السباحين ممن يعرفون جيدا الشاطئ المذكور أن حاولوا مساعدة رجال الوقاية المدنية في البحث عن جثث الغرقى لكن هذه المبادرة تم رفضها من طرف أفراد الوقاية المدنية المتواجدين بشاطئ وادي الشراط.