ماذا يعني أن نكون إناثا؟ هل يعني ذلك انتماءنا للجنس الأساسي الذي لم يعد أساسيا منذ سقوط امبراطورية الأمهات؟ أم يعني أننا ننتمي إلى ذلك الهامش الذي يساهم في تعزيز سلطة المركز الذكوري المهيمن؟ أم أن الموضوع ليس بكل هذه الجدية بل هو مجرد خلطة خفيفة الظل يمتزج فيها الكعب العالي بأحمر الشفاه، ببعض توابل الإغراء وما تيسر من الرموش مع ما يكفي من الاستدارات ؟ ثم، كيف نعيش هذه الأنوثة يا ترى؟ وهل هناك أنوثة أقلّ و أنوثة أكثر؟ مرّت برأسي هذه الأسئلة وأنا أتابع الراقصة المغربية المتحولة جنسيا نور وأتأمّل جرعة الأنوثة الزائدة فيها... كنت أنظر إليها وأحاول أن أفهم السبب الذي يجعلها تبدو أكثر "أنوثة" منّا نحن اللواتي ولدنا إناثا. طبعا لم يغب عن بالي أنّها لا تشذ عن قاعدة المتحوّلين: تعيش "استثناءها" الجنسي بتكثيف أقوى ليس فقط كهوية بل وكقضية أيضا. لكنّها مع ذلك "تمتاز" علينا في أنّها اختارت أن تكون امرأة في الوقت الذي لم يكن أمامنا نحن الكثير من الاختيارات. ترفع نور سقف أنوثتها إلى الدرجة القصوى لإخفاء شبح الذكورة الذي يتربص بها.. . أفهم من حديثها أنّها امرأة وجدت نفسها محاصرة داخل جسد رجل ولم يكن أمامها خيار سوى تصحيح هذا الخطأ. لهذا السبب ربّما، كلما نظرت إلى أنوثتها الصارخة(ما طبيعة هذه الصرخة هل هي صرخة استغاثة؟) كنت ألمح خلفها شبح الرجل الذي كانته. "لا نولد إناثا بل نصبح كذلك" تقول سيمون دو بوفوار، مفهوم الأنوثة الذي تقصده دو بوفوار هو المفهوم الذي يرى في المرأة "كائن لطيف وهش ويشكل موضوع رغبة بالنسبة للرجل"، نموذج الأنوثة هذا قديم جدا، يعود اليوم بقوة بفضل العولمة ويدخل في إطار "حريم القياس 38" كما تسميه الباحثة السوسيولوجية فاطمة المرنيسي بمعنى إذا كانت المرأة الشرقية قد خضعت دائما لحصار الفضاء أي لحصار "الحريم" فإن المرأة الغربية اليوم خاضعة لحريم القياس 38. أنوثة العصر الحالي هي أنوثة تكنولوجيا السيلكون واقتصاد شركات الموضة، أنوثة تلغي كل "الأنوثات" التي تخالفها وربما تعد هيفاء وهبي أيقونة هذه الأنوثة عند العرب. أتذكر أوّل ظهور لها والفكرة التي راودتني وأنا أشاهدها على التلفاز تغني تحت المطر تاركة الماء يبلل ثوبها ويلتصق بمفاتنها الصارخة (يستمرّ الصراخ) التي ستصنع شهرتها فيما بعد. اعتقدت حينها أنّ هذه الفتاة "المائعة" التي لا يصلح صوتها للغناء والتي "تعتقد" أنّ حيلة الإغراء الفجّ ستنطلي على الجمهور، لن تحقق أيّ نجاح وأنّه لا يصح إلا الصحيح... لكن الانتشار الكاسح الذي ستحققه، أظهر أنني كنت واهمة وأنّ الجمهور المسكين "عايز كده". يستقبل الجمهور صورة الجسد في حالة من التعبير القصوى المتمثلة في الرقص فيختصر الرقص في الإثارة ويختصر الجسد في الرغبة الجنسية فتنشط المخيلة وتستيقظ الاستيهامات في واقع يرزح تحت وطأة الفكر الذكوري ويختنق من شدّة الكبت والحرمان... الإغراء الصارخ (الصراخ دائما) ينجح بالتأكيد ويتحوّل إلى هدف تتماهى معه الكثير من النساء ويتوق إليه الكثير من الرجال وتروّج له وسائل الاعلام ويحتل الفضاء العام في محاولة لإسكات صوت المرأة الأخرى تلك التي تعيش في انسجام مع جسدها ولا تقبل أن يختصرها العالم في بعدها الجنسي. هذه المرأة الذكية لم يستحضرها أولئك الذين صمموا الدمية باربي والدمية فلة. امرأة تتأمل أنوثة الدمى الجميلة ولا تنسى أنّ الدمية صنعت أساسا للتسلية.