﴿[إنّ الدِّين عند اللّه الإسلام؛ وما ﭐختلف الذين أُوتوا الكتاب إِلَّا من بعد ما جاءهم العلمُ بَغْيًا بينهم. ومنْ يَكفُر بآياتِ اللّه، فإنّ اللّهَ سريعُ الحساب! فإنْ حاجُّوكَ، فقُلْ: «أَسلمتُ وجهي للّه ومن ﭐتَّبعني»، وقُلْ للّذين أُوتوا الكتاب والأُميِّين: «أَأَسلمْتُمْ؟»، فإنْ أَسلمُوا، فقدِ ﭐهْتدَوْا؛ وإنْ تَوَلَّوْا، فإنّما عليكَ البلاغ؛ واللّهُ بصيرٌ بالعباد.]﴾ (آل عمران: 19) ﴿[ما كان لبَشرٍ أن يُؤْتيه اللّه الكتاب والحُكْمَ والنُّبوّة، ثُمّ يقول للنّاس: كُونوا عبادًا لي من دون اللّه!»، ولكنْ: «كُونوا ربانيِّين بِما كُنتم تعلمُون الكتاب، وبِما كُنتم تَدْرُسون!»؛ ولا يَأْمُركم أن تَتّخذوا الملائكة والنَّبيِّين أربابًا، أَيَأْمرُكم بالكُفر بعد إذْ أنتم مُسلمون؟! وإذْ أَخذ اللّهُ ميثاق النَّبيِّين لَما آتَيْتُكم من كتابٍ وحكمة، ثُمّ جاءكم رسولٌ مُصدِّقٌ لِما معكم لَتُؤمِنُنَّ به ولَتنْصُرنَّه، قال: «أَأَقْررتُم وأخذتم على ذَلِكُمْ إِصْرِي؟»، قالُوا: «أَقْرَرْنَا!»، قال: «فاشهدوا، وأنا معكم من الشّاهدين!». فمن تَوَلَّى بعد ذلك، فأُولئك هُم الفاسقون! أَفَغَيْر دين اللّه يَبْغُون، وله أَسْلَم مَنْ في السّماوات والأرض طَوْعًا وكَرْهًا، وإليه يُرْجَعون؟! قُلْ: «آمنّا باللّه، وما أُنْزِل علينا، وما أُنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أُوتيَ مُوسى وعيسى والنَّبيُّون من ربِّهم؛ لا نُفرِّقُ بين أحدٍ منهم؛ ونحن له مُسْلِمُون.». ومن يَبْتغِ غير الإسلام دينًا، فَلَنْ يُقْبَل منه؛ وهو في الآخرة من الخاسرين!]﴾ (آل عمران: 79-85)«[...]، الإسلام أن تَعْبُدَ اللّه ولا تُشْرك به شيئًا، وتُقيمَ الصّلاة، وتُؤْتيَ الزّكاة المفروضة، وتَصُومَ رمضان.» (البُخاري: الإيمان، ح 50، وأيضا ح 4777) «[...] الإسلام أن تَشْهد أنْ لا إلاهَ إِلَّا اللّه وأنّ مُحمَّدًا رسول اللّه، وتُقيم الصّلاة، وتُؤْتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتَحُجّ البيت إنْ استطعتَ إليه سبيلًا [...]» (مُسلم، كتاب الإيمان، ح 8-9-10) من آثار الوهن السّائد بين المُسلِمين أو التَّهْوين الواقع عليهم ظُهورُ توجُّهٍ يَميلُ أصحابُه إلى القول بأنّه لا شيءَ من حقيقةِ «ﭐلْإِسْلَام» يُمْكن أنْ يُنْعَت بصفةِ «إِسْلَامِيٌّ/إِسْلَاميَّةٌ» (جمعها «إِسْلَامِيُّون/إِسْلَاميَّاتٌ»)، وإنَّمَا كُلُّ ما هُنالك هو ما تَحْمِلُه صفةُ «مُسْلِمٌ/مُسلِمةٌ» (جمعُها «مُسْلِمون/مُسلِماتٌ»)؛ بل لمْ يَعُدْ بعضُ «المُبْطِلين» يَتردّدُون عن القول بأنّه لَا شيءَ في الواقع الفِعْليّ للنّاس يَصِحُّ أَن يُنْعَت بِ«الْإِسلَام»، ليس فقط لِأَنّ المبادئ التي طالما عُدّتْ مُقَوِّمةً له لم يُعْمَلْ بها قطُّ حسب ظنّهم، وإنمّا لِأَنّ العمل بها يُؤدِّي إلى «التّعدُّد» و«التّناقُض» على النّحو الذي يَجعلُنا أمام «إسْلَامَاتٍ» يَمْتنعُ أَيُّ تَمْييزٍ أو تَفْضيلٍ بينها («إِسلَامٌ سُنّيّ»، «إِسلَامٌ شِيْعيّ»، «إِسلَامٌ خوارجيّ»، «إِسلَامٌ سَلَفيّ»، «إِسلَامٌ قاديانيّ»، «إِسلَامٌ حَداثيّ»، «إِسلَامٌ عَلْمانيّ»، «إِسْلَامٌ ذُكُوريّ»، «إِسلَامٌ أُنْثَوِيّانِيّ»، إلخ.). فهل يَتحقّق جِمَاعُ ﭐلِﭑنتماء إلى «ﭐلْإِسْلَام» فقط بصفةِ «مُسْلِمٌ/مُسلِمةٌ» أَمْ أَنّ التَّعْبير عن «ﭐلْإِسْلَام» في شُموله لَا يَتِمُّ إِلَّا بصفةِ «إِسْلَامِيٌّ/إِسْلَاميَّةٌ»؟ يبدو أنّ كُلّ الذين لَا يجدون أنفُسَهم في شيءٍ مِمّا يُمثِّلُه «ﭐلْإِسْلَام» هُمْ أشدُّ النّاس مَيْلًا إلى العمل على ﭐخْتزاله وتَقْليصه في حُدودِ ما تَدُلّ عليه صفةُ «مُسْلِمٌ/مُسلِمةٌ» (بِكُلِّ ما يرتبط بها، في الواقع المَعِيش، من نَقْصٍ وعَيْبٍ!)، وذلك بقدر ما يَوَدُّ أحدُهم أَلَّا يُضْطَرّ إلى مُواجهةِ ما يُناقِض عاداتِه المأْلوفة أو ما يُسَفِّهُ مُعتقداتِه الرّاسخة والمُخالِفة لما يدعو إليه «ﭐلْإِسلَام/الدِّين». ولَا غرابة، بالتّالي، أن يكون من هؤلَاء أُناسٌ صارُوا يُنازِعون حتّى في دَلَالةِ ﭐلِﭑنتماء إلى «ﭐلْإِسلَام» بصفةِ «مُسْلِمٌ/مُسلِمةٌ»، من حيث إنّهم يُريدون حِفْظَ ظاهرِ نِفاقهم أو مُنْكَرَ إلحادهم بجعل وُجودهم يبقى – رغم كُلِّ شيء- ضمن «المُسلِمين» أو لتبرير حَمْلهم لمِثْل أسمائهم أو ﭐلِﭑنتساب إلى آباء وأجداد كانوا منهم، كأنّ في هذا سَندًا كافيًا لِإِثْباتِ دُخولهم تحت المَدْلول العامّ ل«ﭐلْإِسْلَام»! وقد يُدْرَك، دون صُعوبةٍ كُبرى، أنّ تعيينَ ﭐلِﭑنتماء إلى «ﭐلْإِسلَام/ﭐلدِّين» يَتِمُّ، عُمومًا، بصفةِ «مُسْلِمٌ/مُسلِمةٌ» (وجمعها «مُسْلِمونَ/مُسلِماتٌ»)، بحيث إنّ كُلَّ ﭐمْرِئٍ يَشْهَدُ الشّهادَتَيْن («أشهدُ أَلَّا إِلَاهَ إِلَّا اللّه» و«أشهدُ أنّ مُحمَّدًا رسولُ اللّه») ويَعْتقد ويَعْمَلُ – إِنْ جُزْءًا أو كُلًّا- بما دعا إليه «ﭐلْإِسلَام» يُعَدُّ «مُسْلِمًا/مُسلِمةً». وأَمّا ما يَخُصّ «ﭐلْإِسْلَام/ﭐلدِّين» (أيْ، بالتّحْديد، ما له خُصوصيّةٌ مُتعلِّقة ب«ﭐلْإِسْلَام» بما هو «دينُ اللّه كما أُكْمِلَ مع رسالةِ مُحمَّد الخاتمة») أو ما يَتَّصل ب«ﭐلْإِسْلَام/ﭐلْأُمّة» («أُمّة المُسلِمين» بما هي أُمّةٌ تشترك في مُعْتقداتٍ وعباداتٍ مُحدَّدة كتوحيدِ اللّه وتَنْزيهه عن كُلِّ ما سواه، والتّوجُّه في الصّلَاة نحو الكَعْبة، إلخ.) أو بِ«ﭐلْإِسْلَام/الحضارة» (مجموع المُكتسبَات الماديّة والرَّمْزيّة التي أُنْجزتْ في إطار «مُجتمعاتِ المُسلِمين»)، فَلَا يُعَيَّنُ إِلَّا بصفةِ «إسلَاميٌّ/إسلَاميَّةٌ» (كما في «زواج إسلَاميّ» و«لباس إسلَاميّ» و«تصوُّف إسلَاميّ» و«فنّ إسلَاميّ»؛ و«عقيدة إسلَاميّة» و«شريعة إسلَاميّة»، و«فلسفة إسلَاميّة»، إلخ.). لكنَّ هُناك، بالْإِضافة إلى ذلك كُلّه، نوعًا آخر من ﭐلِﭑنتساب إلى «ﭐلْإِسلَام» يَتميّز بكونه إِمّا تظاهُرًا شَكْليًّا به (وهذا هو «ﭐدِّعاء ﭐلْإِسْلَام» الذي يَصِحُّ أن يُسمّى «النِّفاق» أو «التّأَسْلُم») وإِمّا نُزُوعًا مُتطرِّفًا في تصوُّره والعمل به (وهذا ما يَنْبغي أن يُنْعَت بصفةِ «إِسْلَامانِيٌّ/إِسْلَامانيَّةٌ» بﭑعتبار أَنَّ لَاحقةَ «انِيٌّ/انِيَّةٌ» تُفيدُ، في النَّسَق الصَّرْفيّ لِلِّسان العَرَبيّ، «معنى المُبالَغة»). وإِذَا ظَهَر الفَرْقُ بين تلك المَعاني في النَّسَب أو ﭐلِﭑنتساب إلى «ﭐلْإِسلَام»، فإنّ ما يَبقى إِشْكاليًّا يَتمثّل في حفظ «الوَحْدة» بينها رغم ثُبوت «الكَثْرة/التّعدُّد» وعدم إمكان مَنْع «التّفاوُت/التّناقُض» بين «المُسلِمين» في تصوُّرهم ل«ﭐلْإِسْلَام» وَ/أَوْ العمل به. ومن أجل هذا، فإنّ كونَ «ﭐلْإِسلَام» دينًا قائمًا على «التّوْحيد» (توحيد ﭐلْإِيمان باللّه رَبًّا خالقًا وإلَاهًا معبودًا، توحيد «الصِّراط المُستقِيم» إلى اللّه بتوحيد الرِّسالة الهادِية وتوحيد «الكتاب المُنَزَّل» وَحْيًا خاتمًا، توحيد «ﭐلْأُمّة الوَسَط» شاهدةً على النّاس) يَقُود إلى التّساؤُل عمّا إِذَا لم يَكُنِ ﭐلْأَمرُ يَتعلّقُ بدِينٍ يَنْزِعُ، في جوهره، إلى مُمارَسةِ ﭐلْإِكْراه وتَحْريم «التّعدُّد» و«ﭐلِﭑخْتلَاف» بما يَجعلُه يَتعالى على شُروط «الوَضْع البَشريّ» وحُدوده فيَطْلُب، من ثَمّ، إحْراجَ ﭐلْإِنسان وتَكْليفَه ما لَا يُطيق؛ وهو ما يَعني وُجوب وَصْمه بأنّه دينُ ﭐستعبادٍ وإذْلالٍ ودعوةُ أَغْلال وإصْرٍ، مِمّا يَكْفي – لو صحَّ- لتأكيدِ ضرورةِ تجاوُزه نحو كل ما يَكْفُل «ﭐلتّنْوير» و«ﭐلتّحْرير» وَفْق «مُقتضيَات العَصْر» التي هي، في الظّنّ الشّائع، «الحَداثة» عينُها (أيْ سَيْرورة «ﭐلْإِحْداث/ﭐلْإِبْداع» في تعارُضها المُفترَض مع «ﭐلدِّين» الذي يَقُوم على «ﭐلتّقْليد/ﭐلِﭑتِّباع»). وإنّنا لَنَجِدُ أنّ مُشْكلةَ «ﭐلتّوْحيد» تَطْرَح نفسَها، ﭐبْتداءً، مع كوْن «المُسلِمين» مُختلِفين ومُتفاوتِين فِعْليًّا في تصوُّرهم ل«ﭐلْإِسلَام» وفي عملهم به. ف«ﭐلِﭑختلَاف» - بِما هو تعدُّدٌ وتفاوُتٌ يُنْتج حتمًا «التّنافُس» و«التّناُزع»- يُلَازِمُ طبيعةَ الوُجود والفعل البَشريَّيْن بما يُقيمُه كأحد المُقتضيَات ﭐلْأَساسيّة في «ﭐلِﭑبتلاء» (﴿ولو شاء ربُّك، لَجعلَ النّاسَ أُمَّةً واحدةً؛ ولَا يَزالُون مُخْتلِفين، إِلَّا من رَحِمَ ربُّك! ولذلك خَلَقهم؛ وتَمَّتْ كلمةُ ربِّك: «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم من الجِنّة وﭐلْإِنْس أجمعين!»﴾ [هُود: 118-119]). وإذَا كان «ﭐلِﭑختلافُ» نُزُوعًا طبيعيًّا ومَنَاطًا شَرْعيًّا، فإنّ حَسْمَه لَا يُطْلَبُ أَبدًا في الحياة الدُّنيا (﴿إِلى اللَّه مَرْجِعُكم جميعًا، فيُنَبِّئُكم بما كُنتُمْ فيه تختلفون.﴾ [المائدة: 48]؛ ﴿وليُبَيِّنَنَّ لكم، يوم القيامة، ما كُنتُمْ فيه تختلفون!﴾ [النَّحْل: 92])؛ وإنَّما تَظَلُّ الغايةُ المَقْصديّةُ في «ﭐلْإِسلَام/ﭐلدِّين» أَن يُخْضَع كل ﭐختلَافٍ لمُقتضياتِ «ﭐلتَّرْشيد» تَدْبيرًا تشاوُريًّا وتَبْيينًا تحاوُريًّا (﴿كان النّاسُ أُمّةً واحدةً، فبَعَث اللّهُ النَّبَيِّين مُبشِّرين ومُنْذِرين، وأَنْزَل معهم الكتاب بالحقِّ ليَحْكُم بين النّاس فيما ﭐختلفوا فيه؛ وما ﭐختلف فيه إِلَّا الذين أُوتُوه من بعد ما جاءَتْهُم البَيِّنات، بَغْيًا بينهم! فهَدَى اللّهُ الذين آمنوا لِما ﭐختلفوا فيه من الحقّ بإِذْنه؛ واللّهُ يَهْدِي من يشاء إلى صراطٍ مُستقيم.﴾ [البَقرة: 213]؛ ﴿ لم يَكُنِ الذين كفروا من أهل الكتاب والمُشْرِكين مُنْفكِّين حتّى تَأْتيهم البيِّنة، رسول من اللّه يَتْلُو صُحُفًا مُطهَّرةً؛ فيها كُتُبٌ قيِّمةٌ. وما تَفرَّق الذين أُوتوا الكتاب إِلَّا من بعد ما جاءتهم البيِّنة؛ وما أُمروا إِلَّا ليَعبُدوا اللّه مُخْلِصين له الدِّين حُنفاء، ويُقيموا الصّلَاة ويُؤْتُوا الزّكاة؛ وذلك دينُ القيِّمة.﴾ [البَيِّنة: 1-5]؛ ﴿وما ﭐختلفْتُم فيه من شيءٍ، فحُكْمُه إلى اللّه! [...]﴾ [الشُّورَى: 10]). وبِما أنَّ كُلَّ «مُسْلِمٍ» شَهِدَ الشّهادَتَيْن لَا يَسْتوفي إقامةَ وإدامةَ العمل بأَركان «ﭐلْإِسلَام» الأُخْرى (الصّلَاة والصِّيام والزّكاة والحجّ) إِلَّا بحَسَبِ ما يَستطيع، ولَا يَتحقّق بمُراعاة أَوامره (الصِّدْق، ﭐلْأَمانة، الوفاء بالعهد، العدل، إفْشاء السَّلَام، ﭐلْإِحسان، إلخ.) وﭐجتناب نَواهيه (الكذب، الغِيبَة، النَّمِيمة، السّرِقة، الخمر، المَيْسر، الرِّبا، الزِّنَى، إلخ.) إِلَّا بِﭑلِﭑجتهاد المُتدرِّج في ﭐلِﭑستقامة على «ﭐلتَّوْحيد» تَنْزيهًا وتَزَكِّيًا، فإنّ ثُبوت التّهاوُن أو التَّقْصير في العمل بواجبات الطّاعة لَا يُجيزُ البَتّةَ إخراجَ «المُسْلِم» من إطار «ﭐلْإِسلَام/ﭐلدِّين» ولا يَسمح بتَكْفيره. ولا يَخفى أنّ الوعي بذلك ﭐلْأَمر هو الذي فَرَض، منذ البدء، على أُناس ك«المُعْتزلة» أن يَضَعُوا أَصْلَهم المُسمّى ب«المَنْزلة بين المَنْزلتَيْن» حتّى تُسْتَوْعَب ضمن «ﭐلْإِسلَام/ﭐلدِّين» نفسِه فئاتٌ من «المُسلِمين العُصاة/الفاسِقين». والحال أنّ وُرُودَ السُّنّة بالنَّهْي عن ﭐلْإِسْراع إلى «التّكْفير» يُعَدّ أَساسَ ما شُرِّع، فيما بعد، حُكْمًا فِقْهيًّا وقَضائيًّا يَسْتصعبُ «تَكْفيرَ المُعَيَّن»؛ وهو ما يُرجِّح لَا فقط وُجوبَ ﭐستبعاد «التّكْفير» ما أَمْكَن، بل يُعبِّرُ أيضًا عن سَعةِ إمكانات «ﭐلتَّوْبة/ﭐلِﭑستتابة» كمَبْدَإٍ مُقوِّمٍ في «ﭐلْإِسلَام/ﭐلدِّين» الذي يَقْتضي أنّ الخُروج النِّهائيّ من مَجالِ «الرَّحْمة» في المَحْيَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بعد الدُّخول في نطاق المَمات (من ﭐللَّافت أنّ «ﭐلِﭑستغفار» مَأْمُورٌ به في كُلِّ حين حتّى بالنِّسبة إلى «المُسلِم» المُستقيم على العمل بالفُروض والطّاعات، مِمّا يُؤكِّد أنّه لَا إمكانَ لقيام «العمل الصّالح» بَشريًّا إِلَّا بِﭑعتبار التّلَازُم الضّرُوريّ بين «الخَطّائِيَّة» و«التّوَّابيَّة» في عمل ﭐلْإِنْسان!). ومن ثَمّ، فإنّ «ﭐلتّوْحيد» في «ﭐلْإِسلَام/ﭐلدِّين» يُشيرُ إلى «صَيْرورةٍ إيمانيّةٍ وعَمَليّةٍ» لَا تَقْبَلُ إطلَاقًا ذلك «ﭐلتّجْريد» الذي يَحْسِمُ المُشْكلةَ بالفَصْل المَبْدئيّ بين «إِسْلَامٍ ناجِزٍ» (يكون به المرءُ فائزًا، يَقينًا، بالفردوس ﭐلْأَعلى) و«كُفْرٍ باتٍّ» (يَصيرُ صاحبُه مُخلَّدًا، حَتْمًا، في نارِ جَهنَّم). فإِسْلَامُ الوَجْه لربِّ العالَمين شهادةً بأَنّه «لَا إِلَاهَ إِلَّا اللّهُ» دليلٌ على تَلَقِّي قَبَس «ﭐلتَّنْوير» توحيدًا لِلْأُلُوهيّة بما يَكفي للشُّرُوع في طريق «ﭐلتَّحْرير/ﭐلتّحرُّر» الذي لَا يَتأَتّى إِلَّا بإقرارِ أنّ «خَتْم النُّبوّة» مع مُحمَّدٍ (صلّى اللّهُ عليه وسلَّم) يُمثِّل الشّهادةَ بأنّ «ﭐلِﭑتِّباع» لَا يكون إِلَّا لسَيِّدِ المُرْسَلِين وأَنّ أَيَّ تَردُّدٍ في هذه الشّهادة يُدْخِلُ صاحبَه حَتْمًا في مَتاهةِ «ﭐلِﭑبْتداع» تَعْديدًا لِلْأَدِلّة وتَفْريقًا لسُبُل الخَلَاص. وأنْ يَكُون ﭐلِﭑنتماءُ إلى «ﭐلْإِسْلَام» لَا يَتحقّق فِعْليًّا إِلَّا على أساس «التّعدُّد» و«ﭐلِﭑختلَاف» تصوُّرًا وعَمَلًا، فهذا يَدْعُو إلى تأكيدِ أنّ «التّوْحيد» المطلوب شَرْعًا لَا يَنْفكّ عن «ﭐلتّعْديد» الثّابت واقعًا بسبب إِكراهات «التّفاوُت» و«التّنازُع» المُتجذِّرة موضوعيًّا بين النّاس الذين يخضعون لكُلِّ الشُّروط ﭐلِﭑجتماعيّة وﭐلِﭑقتصاديّة والثقافيّة والتاريخيّة والسِّياسيّة التي تُحدِّد، بالضّرُورة، وُجودَهم وفِعْلَهم في هذا «العالَم الدُّنْيويّ». إِنَّ ﭐلْأَمرَ في ﭐلْأَخذ بمُقتضياتِ «ﭐلْإِسْلَام/ﭐلدِّين» ليس بالبساطة التي يَتصوَّرُها المُنْبَتُّون الذين يُهْرعون إلى التّفْريق بين صَفِّ «المُؤمِنين» وصَفِّ «الكُفّار» بالحُكْم على أَدنى قولٍ أو فِعْلٍ قد يُؤْتى عَفْوًا أو كَرْهًا. إِذْ أنّ مثل هذا التَّفْريق لَا يُمكن أن يَتأَتّى في خِضمِّ مُنْقلَبَات «ﭐلِﭑبْتلَاء» التي تُحيط بالعباد، مِمّا يُفيدُ أنّ من يَغْفُل عن آياتِ اللَّه في مُلْكه ومَلَكُوته هُو وَحده من يَنْسى أنّ من مَكْرِهِ سُبحانه ببعض عباده أن يُزيِّن لهم أَعمالَهم كأَنّهم أُفْرِدوا بقسمةِ رَحمةِ اللَّه بين النّاس بما يَسْمَح لهم بالفَصْل، هُنا وﭐلْآن، بين «أصحاب الجَنّة» و«أصحاب النّار»! ومن أجل حفظ ﭐلِﭑنتماء المُتعدِّد إلى «ﭐلْإِسْلَام» وتجنُّب الوُقوع في تَكْفير «المُسلِمين» فقط لتهاوُنهم أو تَقْصيرهم، فقد ﭐسْتُحدِثَ مُبكِّرًا لفظُ «ﭐلْإِسلَاميِّين» الذي نجده مُستعمَلًا عند بعض المُتكلِّمين (كما في كتاب أبي الحسن الأشعري: «مَقالَات ﭐلْإِسْلَاميِّين») في أثناء الخِلَافات العَقَديّة والسِّياسيّة التي وَاكَبتْ وتَلَتْ «الفِتْنة الكُبرى». ف«ﭐلمُسلِمون» يَبْقَوْنَ جَميعًا - على الرّغْم من كُلِّ ما يُلَابِسُونه من أصنافِ ﭐلِﭑختلَاف والتّنازُع- في إطار «ﭐلْإِسْلَام» الذي يَتّسع لفِرَقهم المُتباينة وجماعاتهم المُتفرِّقة، على النّحو الذي يَقُود إلى تَمْييز «ﭐلْإِسْلَاميِّين» بصفتهم تلك الفِرَق والجماعات في ﭐنتسابها المُتعدِّد إلى «ﭐلْإِسْلَام». وهذا ما أَتى حديثًا «ﭐلْإِسلَاميُّون» ليُؤكِّدوه ﭐبتداءً من العُقود الأُولى من القرن العشرين، حيث شاع على أَلْسنتهم أنّ «العمل بﭑلْإِسْلَام» يُوجب النّظر إلى «ﭐلْإِسْلَام» في شُمُوله وأنّ «ﭐلمُسلِمين» جماعاتٌ مُتبايِنةٍ ظروفُها ومُتفاوِتةٍ جهودُها؛ مِمّا يَعني تجاوُزَ المعنى المُبَسَّط والجُزْئيّ الذي يَحْصُر «ﭐلْإِسلَام» في الظّاهر من ﭐعتقادات «ﭐلمُسلِمين» ومُمارَساتهم التي يَعْترِيها، بالضّرورة، كثيرٌ من التَّقْصير والخَلَل. ووَحده من كان يَطَّرِحُ ﭐلِﭑنتماء إلى «ﭐلْإِسلَام/ﭐلدِّين» أو يَرْفُض العمل به لتَبْرير حاله كمَارِقٍ مُطْمَئِنٍّ إلى نِفاقه أو كمُلْحِدٍ لَا يَجرُؤ على إِعْلَان ردِّه ل«ﭐلْأُلُوهيّة» و«ﭐلنُّبوّة» و«ﭐلبَعْث» هو من تَراه يُجادِلُ مُدَّعِيًا أَنّ «ﭐلْإِسْلَاميِّين» يُريدون ﭐحتكار «ﭐلْإِسْلَام» أو يَتعاطون «ﭐلتّكْفير» بحقِّ عامّةِ «ﭐلمُسلِمين»، بل كأنّه - لشدّةِ وعيه بحاله ذاك- لَا يَستَنْكِفُ عن النّفْي المُترتِّب على أيِّ إثباتٍ ل«ﭐلكُفْر» في جَنْبِه إِلَّا لِإِخْفاء إسلَامه الفِطْريّ بعد أنْ غَطَّتْه في نفسه ﭐلْآثارُ الشّديدة لمُكابَدةِ الوُجود والفعل ضمن أَقْدار «ﭐلِﭑبْتلَاء» المُحيطة، في الواقع، بكُلِّ العباد. إنّ «ﭐلعمل بﭑلْإِسْلَام» لَا يكون فقط برفع شعاراتٍ للمُزايَدة بﭑسمه على شاكلةِ «ﭐلْإِسْلَام هو ﭐلحلّ» أو بالمُبالَغة في إبْراز الطّابع الشَّكْليّ ل«ما هو إسلَاميّ» (فكرٌ إسلَاميٌّ، زِيٌّ إسلَاميٌّ، فنٌّ إسلَاميٌّ، إلخ.)، وإنّما يَتحقّق بﭑلِﭑستقامة على سبيل «ﭐلمُجاهَدة/ﭐلجِهاد» إِحْسانًا في العمل ومُعامَلةً بالحُسنى بالقدْر الذي يُمْكِنُ أن يَكْفُله التّدْبيرُ الموضوعيُّ لشُروط «الوَضْع البَشريّ» التي تُحدِّد، بالضّرُورة، وُجودَ ﭐلْإِنسان وفِعْلَه والتي تُعاش ضمن هذا العالَم كَدْحًا ومُكابَدةً من أجل لقاء «ربِّ العالَمين» في عالَم ﭐلْآخرة. وهكذا، فكونُ «ﭐلْإِسْلَام/ﭐلدِّين» لَا يُمْكن أن يُقارَب إِلَّا تَجْرِبةً تديُّنيَّةً بالنِّسبةِ إلى ما تُتيحُه شُروطُ «العالَم الدُّنْيويّ» من إمكاناتِ التّحقُّق البَشريّ يَجعلُ «التّديُّنَ» (مَقْصد «التَّوْحيد» تَنْزيهًا وتَزَكِّيًا) لَا يَنْفَكُّ عن «ﭐلِﭑبتلاء» (واقع «التّعدُّد/التَعْديد» تبايُنًا في التّعبُّد وتفاوُتًا في التّخلُّق). وما دام «ﭐلْإِسْلَامُ/ﭐلدِّينُ» أُصولًا مُقوِّمةً وسُنَنًا مُوجِّهةً لعملِ العباد في قيامهم بمُقتضياتِ «التّكْليف» ﭐستقامةً وﭐستخلَافًا، فَلَا شيءَ يَمْنَعُ من ﭐستلهامه في النّظر والعمل بما يَكْفِي للتّحدُّد بالنِّسبةِ إليه وَفْق ما تُعيِّنُه صفةُ «إِسْلَاميٌّ/إِسْلَاميَّةٌ» من واقع المُمارَسة التّعبُّديّة والتّخلُّقيّة في إطاره. ولهذا، يَنبغي أَلَّا يَخفى أَنّ الرِّهانَ ﭐلْأَساسيّ في «ﭐلْإِسْلَام/ﭐلدِّين» يَقُوم في ﭐلِﭑئْتمار بأَمْر اللّه وأَمْرِ نَبيّه على النّحو الذي يُفيدُ ردَّ كُلِّ ما ليس عليه ذلك ﭐلْأَمرُ ويُفسِّر، من ثَمّ، إِمْكانَ ﭐلِﭑعتراض على ما يُحَدَّد بصفةِ «إسْلَاميٌّ/إسْلَاميَّةٌ» في المدى الذي يَظَلّ عملُ ﭐلْإِنسان مُتنازَعًا بين إكراهاتِ «الدُّنيويّ» وتكاليف «ﭐلْأُخْرَويّ». وفقط مَنْ قَبِلَ الخُضوع لشُروط «العالَم الدُّنْيَوِيّ» تحت تَأْثير سَيْرُورة «ﭐلتَّدْنيَة/ﭐلتَّدْهير» يَستطيع أَلَّا يَلْتفتَ إلى كونه يَنْخرط – هو أيضًا- ضمن «ﭐلْإِسْلَام» بخُضوعه كَرْهًا لربِّ العالَمين الذي يُرادُ، بﭑسم الحَداثة العَلْمانيّة، قَطْعُ كل صِلَةٍ له بالعالَم والذي يَأْبى - سُبحانه وتعالى- إِلَّا أَنْ يَسْتدرجَ العِباد رَبًّا ماكِرًا بالكافرين وإلَاهًا رَحيمًا بالمُهْتدِين.