الجديد في كتب هذا الوقت إدامة لشيء واقع جهة الصواب ، كذب يُقرّ توافقه النّسبي مع الحقيقة المُتسكّعة ، تفاهة تتعامى عمَّا تكون ، و تحتُّل الأماكن المتقدمة من ثقافة الفَرجة ..... . الجديد صار حقيقة الزائف حين يفرض نفسه غصباً . أولا هذا تقرير عابر و ليس استفزازا ، و ليس حتى غموضا مفتعلاً . إنه تحقيق بسيط مقتضب ، يبثّ تحليله فارزا الوضع. بفعل سطوة الرقابة الذاتية، أكثر فأكثر ، الكتب اليوم باطنها زاخر بصوت الإلغاءات, الإلغاءات التي تشطب (كما هو غير معلوم) على مزيد من الأشياء الأساسية ، ملقية بها في قلب التغاضي و النسيان . في تلك العصور القديمة الرحبة كان كل متن "كتاب" يظهر إلى الوجود يحرك مسألة ما - إشكالية باصطلاحنا المعاصر- يبقى صداها طويلا ملئ العين و الأذان ، كتب هذا الوقت أو أغلبها -إن بالغنا - يقترن فيها التحنيط الفكري و الجمالي بالإقصاء الأعمى لكل شيء.
لا للخيال خاصة عندما يتذرّى إلى أقصى ما يتقمص و يتلبسه ، عوضه هُزال من التمرين التفكيري الغثيث و من المواعظ و الخزعبلات الموجهة للعامة ( هنا ما علينا إلا إلقاء نظرة على ركام النفاية الإفتائية التي تفرزها أدمغة فقهاء الظلام ) أو ما يكفي من العواطف الجميلة الجامدة و المقتّرة و فُتات من الذّكر للنقط الحرجة.
و بالرغم من هذا ، فالكتب مُحتّم عليها أن تعود كجميع الأشياء الضرورية للكائن، و سنكتشف إشكالاتها و مسائلها في الوقت الذي يصول و يجول فيه الجهل ناظرا لجهات العجز .
لأن هم الكتب الفعلي هو هذه الملهاة وهذه المأساة في صورهما الأشد قوة : توحيد الفكر باللغة و تفجير انطلاقا منهما ، أكثر المسلمات و البديهيات حضورا و عمومية .هذا التوحيد يأتي من إدراك حاد بما يتولد من قوى الحياة ومن إمكاناتها الظاهرة و الخفية التي تعمل العادات و الطبائع على تسطيحها أو التشطيب عليها بالمرة.
هل مازالت توجد تلك الكتب الغريبة القاسية ، المنفرة ؟ هل مازالت تلقي بظلها على الرؤوس الحامية ؟ . من المحتمل .
لكن دواعي إخفاءها و حرقها ، دواعي حاضرة و ماثلة كل يوم و في أي مكان و عند الأشخاص الأكثر استخفافا بها و لا مبالاة فالشكوك معروفة :
ماذا تريد أن تقول و لماذا هي هنا و كم سيرسخ حضورها و هل هناك من مخاطر ؟ و من وراءها ؟ و لماذا ظهرت في هذا الوقت بالضبط ؟ . هذيان كامل مسعور يجر أذيال الريبة القاتلة. هذه الريبة وليدة قلق مُتحجّري عصرنا ، تفترض إيمانا صلبا بغاية كل شيء في الوجود ، و تعلقا مستميتا بحكمته الخفية
لهذا لا تحتمل أن تمر الأمور أمامها ناقصة المعنى و الفائدة.
ليست الكتب هي التي تفرض الرقابة أو تستدعيها رغما عنها ،بسبب استفزاز كياني قائم أصلا فيها، بل العكس تماما : إرادة القمع و التهيب و تعقيم الذهن و الخيال كلها حاضرة تعمل على استئصال ورم الكتابة الصحي بتفاصيله و جموحه و تأثيراته الفنية الصادمة.
تبقى تلك الكتب الانقلابية الحالمة التي تحاول أن تنحو عكس التيار؛ كان المستحيل دائما مرماها الاول بعد مدة من الفتور الفكري و المعرفي.. كانت تعتقد أن طريق الثورة مفتوح لجميع المبدعين من كل الأصناف . كانت رؤية راديكالية مبالغ فيها بما فيه الكفاية .