أربعة أيام بالتمام والكمال تفصلنا عن القرار الأممي بخصوص مستقبل بعثة "مينورسو" وآليات اشتغالها بالصحراء، بعدما قامت الدنيا ولم تقعد بخصوص ماهية هذا القرار الذي ينتظره طرفا الصراع منذ أبريل الماضي وما سيستتبع ذلك من أحداث. فمنذ مصادقة مجلس الأمن في التاسع والعشرين من أبريل عام 1991 على القرار690 وتماشيا مع ما سطر في المادة السادسة منه، ظل مشكل الصحراء أولى أولويات المجلس على الصعيد الإفريقي وإن كان هناك تباين في الاهتمام منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، فقبل سنة تقريبا وبالتحديد في التاسع والعشرين من أبريل الماضي، أصدر مجلس الأمن آخر قرار له 2152 حول الأوضاع التي تعيشها منطقة النزاع، فلم يأت بذلك بأي جديد على الرغم من أن السنة التي سبقتها "2013" كادت أن تغير ما لم يستطع أحد تغييره منذ 1975 "تاريخ اندلاع الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو". فعندما طرحت الولاياتالمتحدةالأمريكية مسودة تقترح فيها توسيع صلاحيات بعثة حفظ السلام المعروفة اختصار ب"مينورسو" بشكل يسمح لها بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان بالصحراء، قرار جاء بطبيعة الحال نتيجة ضغط عدد لا بأس به من منظمات المجتمع الدولي المؤيدة لوجهة نظر الجبهة والجزائر في الحل القاضي ب"تكوين دولة صحراوية بعيدا عن السيادة المغربية على الإقليم"، مسودة وقف لها المغرب بالمرصاد رافضا تغيير طبيعة مهمة "مينورسو" باعتبارها بعثة أممية للإستفتاء ولا علاقة لحقوق الإنسان بأجنداتها. ففي وقت ظن الجميع "من مؤيدي الجبهة" أن المسودة الأمريكية في طريقها إلى أن تجسد على أرض الواقع، تدخل ما وصفه البعض بأياد خفية وتم نسفها من الوجود، ما جعل مجلس الأمن يتبنى بالإجماع القرار 2099 الذي مدد ولاية البعثة من دون توسيع صلاحياتها، الشيء الذي شكل انتصارا قويا للديبلوماسية المغربية وخيبة أمل للجبهة والجزائر وكل ما يدور في فلكهما، انتصار جعل المغرب لا يعير اهتماما كما كان لأبريل اللاحق 2014، بعدما تراجعت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن تعنتها منذ تقديم المسودة، وبالتالي التراجع عن موقفها بهذا الخصوص، ولعل ذلك راجع -دون الخوض في نقاش المبادئ- إلى الدور الذي لعبته الدولة العميقة بالمغرب وعلاقتها بصفقة التسلح التي أشرف عليها "سيرج بيرديغو" المكلف بصفقات تسلح الجيش في عمق الأزمة، والتي سبق وأن أشرت إليها في مقال سابق بعنوان "الدولة العميقة في المغرب ومشكل الصحراء". غير أن هذا كله لا يهم مادامت كل الطرق تؤدي إلى روما، فالنتيجة في آخر المطاف هي الفيصل وأما التفاصيل فهي رجز من عمل الشيطان لزم اجتنابه. في قراءة متأنية لمضامين القرار الأممي الأخير "أبريل الماضي" والذي يعتبر الثالث والأربعين منذ سنة 1991 حتى 2014، نجده لا يخلو من لغة يعتبرها المغرب قاسية في حقه وتخدم أجندة البوليساريو التي تعتبرها واقعا حياديا ذا مصداقية خصوصا عندما ينطق مجلس الأمن أو يكتب، وحتى أكون منصفا فجبهة البوليساريو -في السابق- نادرا ما كانت تعترض على قرارات مجلس الأمن أو لنقل لم تعترض أبدا عكس المغرب الذي في كل مناسبة يبدي تحفظه من قرار ما أو مسؤول أممي، وله الحق ما دام يتعارض ذلك مع المبادئ التي سطرتها المملكة في الحفاظ على الوحدة الترابية للمغرب. فلأول مرة في قرارات مجلس الأمن يذكر أن إقليم الصحراء لا يتمتع بالحكم الذاتي، وما لمح إليه بكون المغرب لا تربطه بالصحراء إلا علاقة "احتلال".. وإعادة التذكير برفضه السيادة المغربية على الصحراء، كلها مفاهيم لعبت عليها ونجحت في تسويقها الجبهة إعلاميا في الداخل وفي الخارج خصوصا عندما بدأت تحصد تأييدا بالجملة في دول أمريكا اللاتينية والدول الاسكندنافية، أمام تعطل واضح لماكينة الديبلوماسية المغربية التي يعتبرها البعض ناجحة في إبداء رفضها لمضامين بعض القرارات وإبراز تحفظها على عدد من المبعوثين الأمميين كان آخرهم "كريستوفر روس" الذي عاد لإتمام مهامه بعد قطيعة مع المغرب، وبعد تدخل الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" لتسوية الأوضاع في اتصال هاتفي مع "الملك محمد السادس" أنهى الأزمة بين الطرفين، رغم أن المغرب ظل يتهم "روس" بالموالاة للبوليساريو. فبالرغم من "قساوة" القرار الأخير2152 على الطرف المغربي، إلا أن الأخير لا يزال متشبثا بأقصى تنازلاته المتمثل في مقترح الحكم الذاتي "تسيير الصحراويين شؤونهم بأنفسهم تحت السيادة المغربية"، مقترح ترفضه جبهة البوليساريو جملة وتفصيلا، اللهم إذا ارتبط ما بعده بالالتزام بإجراء استفتاء يحدد مصير الإقليم بين البقاء مع المغرب أو الإنفصال عنه لتكوين "دولة صحراوية مستقلة". فرفض المغرب المتكرر لمقترح الاستفتاء نسفه حتى لم يعد هو الآخر ذا معنى ونتيجة في المفاوضات الجديدة التي جمعت طرفي النزاع منذ العام 2007 دون أن تقدم أو تؤخر في شيء سطحيا وأمام مرأى من الجميع، فيما تذهب بعض الأخبار إلى حدوث تقدم ملحوظ في الاجتماعات واللقاءات السرية لآل المغرب وآل الجبهة، والتي كان آخرها ما سرب منذ شهرين عن لقاء باريس وتدارس مقترح "الكونفدرالية" الذي أتى به المبعوث الأممي "روس" وتوافق الطرفين مبدئيا على الامتثال له، والله أعلم. وكالة "فرانس بريس" كتبت منذ يومين ما وصفته بتسريبات حول مضمون نص القرار الجديد الذي لا يحمل في طياته أي جديد يذكر، وذلك بتمديد ولاية بعثة "مينورسو" سنة أخرى دون أن تكلف البعثة بمراقبة حقوق الإنسان من جديد، اللهم الإشارة إلى أهمية تحسين وضع حقوق الإنسان في الصحراء وفي مخيمات تندوف، وتشجيع الأطراف على العمل مع المجتمع الدولي لوضع وتطبيق إجراءات مستقلة وموثوق بها في نفس الإطار، ولعل هذا يخدم بشكل كبير مصالح المغرب وأن الماكينة التي تحدثنا أنها تعطلت في وقت سابق عادت للإشتغال من جديد وبقوة، وكأنها تحاول تدارك ما فاته. وعندما يطالب مجلس الأمن – في نفس السياق- أطراف النزاع بمواصلة المفاوضات من دون شروط مسبقة وبحسن نية بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول يضمن لسكان الصحراء حق تقرير المصير، فهذا يدل – بما لا يدع مجالا للشك- أن المفاوضات ستطول وسننتظر سنوات طوال قادمة من أجل التوافق على حل يرضي طرفي النزاع، أو لنقل الأطراف المتدخلة في النزاع، لأن هذا الأخير وبصراحة نقولها، لا يقتصر على المغرب وجبهة البوليساريو، اللهم إذا خرق أحدهما اتفاقية وقف إطلاق النار التي تهدد بها الجبهة بين الحين والآخر. الجبهة مؤخرا أعلنت بشكل رسمي، "تموقفها" من مجلس الأمن والمسار الذي يتخذه لإيجاد حل للقضية الصحراوية التي أنهت عامها الأربعين، فقد أطل علينا أحد قيادييها البارزين "محمد خداد" من خلال وكالة "رويترز" مهددا بإعادة النظر في التعاون مع "مينورسو" إذا تخلت الأممالمتحدة عن فكرة إجراء استفتاء تقرير المصير في الصحراء، حيث أكد "أنه إذا فشل قرار هذا العام في الخروج من الطريق المسدود في المحادثات مع الطرف المغربي بشأن وضع الصحراء، فإن الجبهة ستعيد تقييم تعاونها مع "مينورسو" على هذا الأساس". من جهتها، عبرت الناشطة الحقوقية الصحراوية "منتو حيدار" رئيسة تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان المعروف اختصارا ب"كوديسا"، في حوار خاص مع جريدة "الخبر الجزائرية"، تقول من خلاله "أن مجلس الأمن والأممالمتحدة خيبا آمال الصحراويين"، في إشارة واضحة إلى مضامين القرار القادم، وكأن الجبهة ممثلة في "لبؤتها" كما يفضل أنصار البوليساريو توصيف "منتو حيدار"، تبدي اعتراضا واضحا وصريحا لما قد تسميه مستقبلا انحيازا لصالح المغرب. هذا التباين في المواقف بين المغرب وجبهة البوليساريو من حين لآخر، واتهامهما المتبادل لمجلس الأمن بالانحياز لطرف على الآخر، لم ولن يفضي لأي نتيجة تذكر، سوى المساهمة في إطالة أمد النزاع. المهم أن نهاية شهر أبريل شارفت على الإنتهاء، وأن الكل يتحرك من أجل تقوية ملفه وحمايته من الضياع، حتى مجلس الأمن يتحرك بدوره خلافا للأعوام السابقة من خلال عقد جلسة خاصة مع البلدان المساهمة في تشكيل "مينورسو" وجلسة خاصة أيضا مع الجديد الذي ستقدمه الممثلة الخاصة للأمين العام الأممي "كيم بولدولك" المقيمة بمدينة العيون كبرى حواضر الصحراء الغربية. ما نحتاجه اليوم هو فرض قرار من مجلس الأمن على طرفي النزاع يحفظ لكل منهما كرامته وأنفته دون أن يترك لأحد خارج النزاع مجالا للعب الخبيث وتصفيات الحسابات الضيقة التي كثيرا ما ترمي بأصحابها في مزبلة التاريخ، إذا ما وضعنا بعين الإعتبار أن عدم إنجاز تقدم لحل النزاع بين الطرفين قبل نهاية الشهر الجاري -وهو ما نعيشه بالفعل- سيؤدي إلى إشراك مجلس الأمن في عملية استعراض شاملة للإطار الذي حدده عام 2007 بمقتضى القرار1715 لعملية التفاوض، وهو ما يجعل القرار القادم ذا أهمية كبيرة، حتى وإن لم يحتوي توسيع صلاحيات "مينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، والإتجاه إلى استمرار مفاوضات جديدة، ومن يدر..فقد يكون هناك ما لم يضعه أحد في الحسبان..