لاشك أن قطاع الصحة يعتبر معيارا لقياس تقدم أي دولة، وبالنسبة للمغرب، يعتبر هذا القطاع نقطة سوداء مبهمة، فالدولة لا تخصص للصحة إلا 5 بالمائة من ميزانيتها العامة، مع توزيع جغرافي غير عادل للبنيات الإستشفائية، ناهيك عن خصاص فضيع في فئتي الأطباء والممرضين، بالإضافة إلى توفر أقل من سرير لكل 1000 مواطن في الوقت الذي توفر فيه تونس أكثر من سريرين للعدد نفسه من المواطنين، بينما الدول المتقدمة توفر 7 أسرة لكل مواطن. أرقام طبعا تؤكد على تأخر 'الصحة' في المغرب، والوزير الحالي لم يقدم أي سياسة ناجعة لتجاوز مشاكل القطاع، لكن ما أود التطرق إليه في الموضوع، هو عضو يعتبر ركيزة من ركائز المنظومة الصحية وهو 'الممرض'، فالتمريض يعيش تأخرا كبيرا مقارنة مع الدول المتقدمة بل حتى مع بعض الدول العربية، والشيء الأكيد، هو أن المنظومة الصحية بشكل عام لا يمكن ان تتقدم والجسم التمريضي يعيش تأخرا ملحوظا زاده قرار معادلة دبلوم الدولة بدبلوم التكوين المهني الخاص، أوجاعا على أوجاع...
ممرض كفؤ، لا ممرضا لسد الخصاص
ما يحتاجه قطاع الصحة فعليا في المغرب، هو ممرض بمعنى الكلمة، ممرض يفكر لا ممرض آلي. هذا طبعا لن يتأتى إلا بتكوين علمي أكاديمي على أعلى المستويات، وأول ما يرتكز عليه هو إعادة النظر ظروف التكوين بل وطبيعة الدروس التي يتلقاها الممرض، فحتى المهام الموكولة للطالب الممرض في 'دفتر التدريب' هي مهام لم تعد موجودة على أرض الواقع وقد تم تجاوزها، في حين يفتقر إلى مهام جديدة وتقنيات تتطلبها الممارسة العلمية الحديثة لمهنة التمريض. طبعا، إعادة النظر في نظام التدريس يشمل التنزيل الحقيقي لنظام 'إجازة ماستر دكتوراة'، فالممرض بالمغرب لا يعدو يحمل صفة 'مجاز' وبالكاد تعترف الدولة بهذه التسمية، فالمعادلة لم ترى النور بعد، هذا بالإضافة إلى تكوين السلك الثاني الذي لا تتوانى الوزارة الوصية في وصفه ب'التكوين المستمر'، مقابل ذلك، نجد أن وضعية التمريض في بلدان متقدمة مثل كندا وفرنسا، نجد فيها الممرض يحمل دكتوراة في العلوم التمريضية، ولكم أن تتصوروا القيمة المضافة التي سيقدمها الممرض الدكتور سواء للمواطن أو للقطاع عامة، مع تلك القيمة التي يقدمها الممرض المجاز الذي خرج من عنق الزجاجة.
ممارسة غير قانونية.. إلى متى؟
اعتبار مهنة التمريض فقرة محورية في العمود الفقري ل'صحة' المغرب، لا توازيه إعترافات على المستويين الإداري والقانوني، فلا شيء يحدد المهام المنوطة بالممرض قانونيا، فهو يبقى محصورا بين مطرقة إنقاذ المريض وسندان الخطأ الطبي الذي لا يتلقى الممرض أي تغطية تجاهه، ناهيك عن المشاكل المترتبة عن تداخل المهام بين مكونات الفريق المكون من أطباء وممرضين، ببساطة لغياب قانون لمزاولة المهنة يحدد المهام بالتفصيل. هذا الأخير، أصبح مطلوبا أكثر من أي وقت مضى لإعادة الاعتبار لمهنة التمريض بالمغرب التي تأخرت عن ركب التطور الذي عرفته دول الجوار على الأقل، وتونس خير مثال.
أنقذوا ممرض الغد.. !
شلل تام يعرفه الآن 'قسم التكوين' في مديرية الموارد البشرية بوزارة الصحة، أساتذة يتقاضون أجرتهم الشهرية دون تدريس، وحوالي 12 ألف طالب، بشتى تخصصاتهم، يقاطعون الدروس والتدريب (وكم هي المستشفيات في حاجة إليهم)، السبب طبعا هو إرادة وزارية في شخص الوزير الحسين الورد ترمي إلى معادلة دبلوم الدولة التي تنتمي معاهده إلى التعليم العالي، بدبلوم 'التقني المتخصص' الممنوح من طرف التكوين المهني الخاص، كما أشرت أعلاه، فالرقي بمهنة التمريض سيتأتى بالرفع من مستوى التكوين، والسيد الوزير هنا يحاول تأخير المسير بإرجاع التمريض في المغرب إلى سدرة التكوين المهني، أ إلى هذا الحد صحة المواطن رخيصة بين عينيك يا وزير؟ المثير، هو أن ممرض الغد لا زال يخرج إلى الشارع منذ شهرين، لدرجة أنه قض مضجع السلطات الأمنية، في حين أن الوزير المسؤول الأول عن القطاع يستمر في تعنته تجاه القضية، هو يعلم جيدا الحل، لكنه ينتظر استسلام الطرف الآخر، لكن يبدو أن المؤمن بقضيته وعدالتها ليس كالذي يختفي وراء شعارات لا ترتكز على أي سند، بل تبحر في سيل من الأكاذيب والتواري وراء المراسيم الغير قانونية.
أي حل ل 'لأزمة'؟
إن أمكن تسميتها ب'الأزمة'، فالأمر لا يتطلب إلا إرادة حقيقية من لدن الوزارة الوصية، فإخراج قانون لمزاولة المهنة لا يكلف أكثر من لجنة تتكون من ممرضين أكفاء، وأسطر على كلمة ممرضين، أما إن كانت النية فعلا الرقي بالمهنة، فلا بديل عن هيئة للممرضين، حيث ستكون الحائط المنيع لتحصين المهنة من أي اختلالات، وستكون حينها أفضل من يمكنه وضع 'قانون المزاولة'. الاعتراف بالإجازة للسلك الأول والماستر بالنسبة للسلك الثاني هما الآخران لا تنقصهما إلا رغبة إدارية حقيقية، بينما نظام LMD الذي يتحدث عنه الوزير لا ندري كيف سيكون سيناريو إخراجه قبل تحقيق ما سبق ذكره. المطالب بالأساس أكاديمية بعيدة كل البعد عن الطابع 'الخبزي' الذي سيكلف ميزانية الدولة الشيء الكثير. و حتما، هذا لن يعود بالنفع إلا على قيمة الخدمات المقدمة للمواطن و كذلك نفسية الممرض المغربي.