تفاجأت، كما تفاجأ الجميع، بقرار الحكومة بالمصادقة على التعديل القانوني الذي ينص على “إقحام' الممرضين المتخرجين من القطاع الخاص في الوظيفة العمومية، في سابقة من نوعها في قطاع أساسي وجوهري وهو قطاع الصحة. القرار ولد في نفسي غضبا ممزوجا بتساؤلات عدة، فبعد توجه حراك الجسم التمريضي الى المطالبة بتقنين مهنته من خلال مجموعة من المطالب الأساسية، كمعادلة الدبلوم بالاجازة، ونظام إجازة ماستر دكتوراة، وكذا إنشاء هيئة للممرضين، نتفاجئ بقرار يرجعنا الى سنوات ضوئية إلى الوراء، كيف لا والوزير ‘اللاوردي' ينسف حقوقنا بمساواة الممرض ‘المجاز' من طرف الدولة بشخص حصل على دبلومه بالمال فقط في إطار مؤسسات التكوين المهني. بهذا القرار، تتم المساواة بين شهادة من التعليم العالي بشهادة التكوين المهني، فللحصول على الاولى، لابد من النجاح في الباكالوريا بتفوق، ثم اجتياز الامتحان الكتابي، وبعد التفوق فيه ايضا مع المئات من أبناء الشعب، يمكن اجتياز الاختبار الشفوي، وبعدها تتمكن قلة قليلة من ولوج معاهد تكوين الأطر في الميدان الصحي للدراسة في نظام يمكنه تلقيبه ب ‘العسكري'، لا شيء اسمه الرأي أو الرأي الآخر، الدراسة في الصباح والتدريب في المساء لمدة ثلاث سنوات متتالية، بل يضطر الطالب للعمل في المستشفى حتى بعد إعلان نتائج نهاية السنة والتحاقه بالسنة الاخرى، في حين ينعم كل طلبة المغرب بالاستمتاع بالعطلة الصيفية. أما الحصول على الشهادة في التكوين المهني، فيكفي التوفر على شهادة الباكالوريا ولو بنقطة 10.01 لولوج أي من المؤسسات التي تقدم هذه الخدمة، والمعيار هو دفع قدر مالي شهري إلى غاية نهاية مدة التكوين، في غياب اي معايير أساسية للاطلاع على الرصيد المعرفي ‘للممرض الجديد'، فلا شيء اسمه تكرار السنة، ولا شيء اسمه الطرد، ولا شيء يدعى الالتزام والاحترام وتقدير المهنة، فالطالب الممرض في صنف التكوين المهني، يمكنه اختيار مكان التدريب وفترته ومع من شاء، بل ويمكنه أن يصرخ في وجه من يوجهه في ميدان التدريب دون رقيب او حسيب، لانه هو من يدفع أجرته. والطامة الكبرى، أن البعض لا يتوفر حتى على شهادة الباكالوريا. التكوين يختلف تماما بين الجانبين، فالتدريس في معاهد الدولة يشرف عليه أساتذة مكونون لهذا الغرض تحديدا، مع الاستعانة ببعض الدكاترة في بعض المواد، اما التدريس في المعاهد الخاصة يمكن أن يشرف عليها كل من هب ودب، يكفي الالمام البسيط بالميدان للضحك على ذقون من تمنوا ان يحملوا صفة ممرض. أعود للقرار وأقول، إنه سينسف كل المستقبل الذي رسمه كل من يعمل كممرض في هذا البلد، فكيف يمكن للاثنين أن يدرسا الماستر أو الدكتوراة والواحد منهما درس في التعليم العالي والآخر في التكوين المهني؟ كيف يمكن تغيير تسمية تقني متخصص إلى ممرض مجاز من طرف الدولة؟ ألا يجب أن يكون لكل منهما إطار يؤطر مهامه؟ الخصاص في بلدنا يهم خصوصا الممرضين المساعدين، أليس حريا بالوزارة أن تفكر في تكوين، أو إدماج هذه الفئة التي تشهد خصاصا مهولا؟ أم أن النية ليست خدمة صحة المواطن بل خدمة أجندة أصحاب النفوذ من أرباب هذه المؤسسات الخاصة؟ صحة المواطن اليوم في أيادي غير أمينة، خصوصا حين تغيب الكفاءة عمن ستكون صحتنا بأيديهم، فجميع الدول الديمقراطية والتي تحترم نفسها، بل والتي تسمي نفسها رأسمالية وتسيطر عليها الخوصصة، فإنها لا تخوصص قطاعان أساسيان، هما التعليم والصحة، فكيف يحدث هذا أجمل بلد في العالم؟ وإنني لأتنبأ بمستقبل أسود قاتم للصحة بالمغرب، والدور آت لا محالة على باقي القطاعات.