في مثل هذا اليوم بالضبط سقطت الأندلس، وبمحض الصدفة قررت أنا وزوجتي قبل يومين فتحها من جديد، وعلى عكس طارق بن زياد، أخذنا تاكسي كبير من الفنيدق بثلاثة دراهم، متوجهين رأسا إلى مدينة سبتة، فوجدنا الإسبان منشغلين بمناسبة احتفالات رأس السنة، وكانوا سكرانين يترنحون في الشوارع ويمارسون الحب ويقبلون بعضهم البعض على مرأى من المغاربة المسلمين، بقناني بيرة يحملونها في أيديهم، والغريب أن لا أحد منهم كان يكسرها على رأس صديقه، بل كانوا يضحكون ويتعانقون، وكان رجال الأمن يشربون معهم ويحمونهم، ولم ينته الأمر بأحد منهم في مخافر الشرطة، ولم يشهر أحد سكينا أو سيفا. في تلك اللحظة فكرت أن أتلفن لبنكيران ولحكومات الربيع العربي، لأخبرهم بأنها اللحظة المناسبة لاسترجاع ملك ضاع قبل 521 سنة بالتمام والكمال، فالإسبان جميعهم غائبون عن الوعي، والجيش يتعتع، والبارات مليئة عن آخرها، ولا أحد بإمكانه الدفاع عن إسبانيا، وهي فرصة سانحة كي نغزوها من جديد في ذكرى سقوطها، أو نسترجع على الأقل أراضينا السليبة، لكن هاتف رئيس الحكومة ظل يرن دون جواب، والسلفيون كانوا منشغلين بمحاربة بشار الأسد، والقضاء على العلمانيين والليبراليون لعنهم الله، الذين يرفضون الدستور الذي صوت عليه الشعب. وبعد أن يئست ولم أجد مجيبا، تحدثت إلى زوجتي بحسرة عن سقوط الأندلس، وغضضت الطرف عن فتحها من جديد، وقلت لها والألم يعتصر قلبي إنه لم يكن بإمكان هؤلاء الإسبانيات حاملات الصليب أن يخرجن إلى الشارع على مبعدة خطوات من كاستياخو وهن شبه عاريات ويسكرن دون حياء لو بقي أجدادنا في هذه البلاد، فردت علي في الحين ابك يا زوجي كما تبكي النساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال. ورغم خيبتي الشديدة، فقد لاحظت أن زوجتي كانت أكثر تفاؤلا مني، وكانت متأكدة أن ذكرى سقوط الأندلس هي الفرصة المناسبة لاستردادها من جديد، فأخذت تشتري الملاءات من محلات المسلمين المفتوحة والذين قرروا ألا يحتفلوا مع المسيحيين والكفرة برأس السنة، ولكثرة ما اشترت من الأغطية سألتها ما إذا كان المغرب سيصبح مثل ألاسكا، لكنها لم ترد علي، واستمرت في استرجاع الأندلس بالتقسيط وإفراغها من بضاعتها، وكان المغاربة الآخرون يفعلون مثلها، ويشترون الفوطات والمورتديلا والجبن والشوكولاتة والكيلوتات وعلب سمك التونة والزبدة، رغم أنها تباع في المغرب وبنفس الثمن تقريبا، وكان المغاربة يجتازون الحدود بسرعة ومتسللين كشخص سرق شيئا، رغم أنهم اشتروا ما اشتروه من مالهم الخاص ولم يمنحهم الإسبان صدقة. ورغم أن الإسبان في أزمة فقد كانوا سكرانين وفرحين ولا يشترون شيئا ولا يشعرون بالبرد ولا يتسابقون على اقتناء الملاءات مثلما نفعل نحن، ولأنني ضربت صفحا عن فكرة استرجاع الأندلس، فقد فكرت في أن أسهر معهم وأحتفل إلى الصباح وأن أستغل تواجدي في هذا المكان وفي هذه اللحظة، إلا أنني وجدت نفسي فجأة أحمل فوق ظهري وفي يدي أكياسا من الملاءات والسلع والبضائع، فخرجت من الأندلس متسللا ومنهكا ومنهزما بعد الأموال التي بددتها في شراء ما يمكن أن أشتريه من أي مكان في المغرب. وفي طريق عودتنا وبعد أن خرجنا من مدينة سبتة،استقبلنا رجال الدرك في الطريق، وأخذوا منا غنيمتنا، بعد أن شكوا في واعتبروني مهربا، فضاعت ملاءاتنا الدافئة والتي من النوع الجيد والتي أقنعتني زوجتي أنها الأفضل وأن ما يباع عندنا هنا هو من صنع صيني ويسبب الحكة، فبكيت على الأندلس التي ضاعت مني مرتين، المرة الأولى قبل 521 سنة من الآن، والمرة الثانية التي لم أسهر فيها ولم أحتفل برأس السنة مع الإسبان وانشغلت بالتبضع بدل الفرح، ثم قعدت نادما مشفقا على حالي، أكرمش قطع الشيبس التي لم ينتبه إليها رجال الدرك، وأنشد وأغني والدموع تنزل على خدي "الكمنجات تبكي على الغجر الذاهبين إلى الأندلس/ الكمنجات تبكي على العرب الخارجين من الأندلس/ الكمنجات تبكي على زمن ضائع لا يعود/ الكمنجات تبكي على وطن ضائع قد يعود"، متأكدا بما لا يدع مجالا للشك أن محمود درويش كان يعنيني أنا بالضبط وليس أحدا غيري.