الملحد هو الوجه الآخر للمؤمن. إنه يكفر بالله، لكنه يؤمن بعدم وجوده. لدى الملحد نفس يقين المؤمن، ويريد في قرارة نفسه أن يصبح الناس مثله. الناس جميعا مخطئون وهو على حق. الملحد ملحد، لكنه مؤمن. مؤمن أكثر بعدم وجود الله. لا فرق بين الاثنين، خاصة حين ينتمي الملحد إلى جماعة وإلى تنظيم. كأن الملحد وهو يكفر بالله، كأنه يصلي صلاة أخرى، ويعبد عبادة غياب الله، لكنه يعبد وهو لا يدري أنه يعبد. لا فرق أبدا بين الملحد وعكسه. وأسوأ الملحدين هم الآتون من الماركسية، لا روح في إلحادهم، جافون وماديون، ويقدسون بدل الله شخصا بشرا أو حزبا يقمعهم ويوجههم، ويمنعهم من حرية الإيمان، ويفرض عليهم الخضوع بالقوة، ويقتلهم أحيانا. إعلان الإلحاد والجهر به هو الوجه الآخر لإعلان الإيمان وعبادة الله، ويعني أنك تعرف الحقيقة، وتعرف الطريق والنجاة، ومن واجبك أن تجعل الآخرين مثلك، ولهم نفس اعتقادك. الملحد قد يقتل من شدة إيمانه بأن الله غير موجود. وإذا تحول الإلحاد إلى عقيدة سلطة ودولة فهو أبشع من أي تطرف ديني. الذي صنعه الاتحاد السوفياتي والدول الدائرة في فلكه بالكنيسة أفظع مما صنعه أي نظام ثيوقراطي، وفي نهاية المطاف مات الاتحاد السوفياتي، وظلت الكنيسة حية. ولم يمت الله ولم تمت الكنيسة ولم يمت الجامع ولم يمت الكنيس. الدين على الأقل يمنحك حلا فرديا، ويمنحك صلاة حرة، وعزلة وتسليما، وحديثا موجها إلى السماء ودعاء، بينما عقيدة الدولة الملحدة، تمنعك من أن تكون فردا، وتشق قلبك، وتحاكمك على إيمانك، وتفرض عليك أن تكون مثل الجميع، وشبيها بالجماهير، وخاضعا وسطحيا مثلها، وذائبا في الجماعة وفي طاعة الزعيم الضرورة طاعة عمياء. وأسوأ من الإلحاد الإيديولوجي إلحاد العقل والمنطق والعلم، معه يتحول الفرد إلى آلة محكمة الصنع، آلة فارغة، ومن فرط دقتها، تغيب الحب واليأس والقرف والخوف والشجاعة، بحثا عن إنسان خال من المشاعر، خال من وهم الروح، أي بحثا عن إنسان طبيعي، إنسان غير موجود. لقد ظهرت في السنوات الأخيرة شبكات للملحدين ومواقع في الأنترنت ومدونات يناقش فيها من لا يؤمنون بالله إيمانهم وأخلاقهم وشريعتهم، مثل طائفة دينية جديدة، أو أخوية، تنتظر أن تتقوى وتنتشر ويصبح لها أتباع لتتحول في ما بعد إلى دين جديد، معلن عنه ورسمي. أفضل من الملحدين الذين يشهرون إلحادهم، أولئك الذين ينافسون الدين في معجزاته، والذين يجعلونك لا تصدق أنهم بشر، الذين لهم صورة الله، والذين يعيشون بأرواحهم فقط، ولا يهمهم علم ولا مستقبل ولا تقدم ولا سياسة، والذين يخلقون كتبا تشبه الكتب السماوية. وأفضلهم الرجعيون والذين نصنفهم في خانة اليمين المتطرف أعداء المرأة أعداء السياسة أعداء الاجتماع والبشر أعداء الخير السوداويون الفاقدون للأمل الذين لا يمكن أن تجزم ما إذا كانوا مؤمنين أم كافرين الذين تشفع لهم عبقريتهم وخلقهم للعالم من جديد الذين يقول عنهم المؤمنون إنهم كفرة، والذين يقول عنهم الملحدون إنهم يؤمنون بالله الأنبياء السلبيون معتزلو الناس الذين يرفضون الكلام في التلفزيون الذين من الصعب ضبطهم أو تصنيفهم الذين نعتقد أنهم مؤمنون الذين نعتقد أنهم ملحدون الملتبسون الصوفيون من من جبران، سيوران، شوبنهاور... الشعراء مخترعو الديانات اللاهية الذين يعبدون الله كما لا يعبده الناس الذين يكفرون به كما لا يكفر به الملحدون. الذين لا ينتظرون جزاء.