"طاشرون" أوصى به قائد يفر بأموال المتضررين من زلزال الحوز    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها للملك محمد السادس    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024    الوزيرة أشهبار تستقيل من الحكومة الهولندية والمعارضة تعتبره "موقفا شجاعا"        الملاكم مايك تايسون يخسر النزال أمام صانع المحتوى بول        فريق الجيش الملكي يبلغ المربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية للسيدات    كيوسك السبت | 800 مليار سنتيم سنويا خسائر الكوارث الطبيعية بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    صانع المحتوى بول جايك يهزم أسطورة الملاكمة مايك تايسون في معركة الوزن الثقيل بين الأجيال    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على مضيفه الغابوني (5-1)    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    السكوري: الحكومة تخلق فرص الشغل    المنتخب المغربي يقلب الطاولة على الغابون ويفوز بخماسية خارج الديار    السكوري يبرز مجهودات الحكومة لخلق فرص الشغل بالعالم القروي ودعم المقاولات الصغرى    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    لقجع: في أجواء التوترات الجيوستراتيجية التي تطبع العالم مافتئ المغرب يؤكد قدرته على التعاطي مع الظروف المتقلبة    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    سانشيز يشكر المغرب على دعمه لجهود الإغاثة في فالنسيا    جثة متحللة عالقة في شباك قارب صيد بسواحل الحسيمة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة        قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حِجّية الحديث والنقاش حول البخاري
نشر في فبراير يوم 02 - 11 - 2017

« إن ضرر ما يسمى كتب الحديث أكبر بكثير من نفعها، هذا إن كان فيها نفع أصلا »
محمد شحرور
لا يتعلق الأمر في النقاش الدائر، كما يعتقد كثيرون، بمدى صحة أحاديث البخاري جميعها أو عدم صحة بعضها، فكل من أوتي قدرا من الحس السليم، سيعلم بوجود أخبار كثيرة في كتب الحديث تناقض العلم والعقل والواقع، كما تناقض القرآن نفسه، وإنما يتعلق الأمر في الحقيقة بإحدى الأسس التي قامت عليها المنظومة الفقهية التقليدية منذ قرون، والتي أصبحت تهتز أمام النظر النقدي، وهو ما يؤدي بشكل طبيعي إلى ردود أفعال عنيفة من حراس هذه المنظومة، كما حدث في كل السياقات الحضارية التي عرفت انعطافا كبيرا في مسلسل التطور الطبيعي للفكر وللواقع الإنسانيين.
أحمد عصيد
ومن الأمور التي تجعل النقاش في بعض أسس المنظومة الفقهية صعبا، أن الفقهاء عبر القرون الطويلة، قد أدى بهم الأمر إلى وضع الحديث في مقام سابق على القرآن نفسه، كما جعلوا شخصية النبي تحتل الصدارة على الذات الإلهية نفسها، ما يفسر ميلهم الشديد إلى قبول أحاديث متعارضة مع القرآن، ونظرتهم الإيجابية إلى الكثير من الأخبار السلبية الواردة في كتب الحديث، والتي نسبت إلى النبي بعد قرون طويلة من وفاته.
وقد اكتست الكثير من الأخبار المروية شفويا على مدى قرون، نوعا من القدسية، حيث تم تدوينها وتداولها على سبيل اليقين القطعي، في الوقت الذي هي أخبار ظنية لا يوجد لدى الأطراف التي تتداولها أي دليل علمي حقيقي وملموس على أن تلك الأخبار قد صدرت فعلا عن الذين نسبت إليهم، في غياب الوثائق التاريخية التي تعود إلى عصر النبي وصحابته، هذا رغم جهود « الغربلة » التي تمت بعد قرنين من بداية الإسلام، بمناهج ظهر اليوم أنها تفتقد إلى الدقة العلمية، وأنها لم تعد مقنعة على الإطلاق، إلا لمن ظل يعيش في حدود علوم الأوائل وأسلوب تفكيرهم.
لم يستطع الفكر الديني باختصاصاته « العلمية » التقليدية (القراءات، التفسير، الحديث، الفقه، أصول الفقه)، حل الإشكاليات الجديدة التي أصبحت تعترض المنظومة التقليدية بكاملها، حيث بسبب الأساليب المتبعة في التعليم التقليدي، والتي ما زال الفقهاء يعتقدون في صلاحيتها، وقع الفكر الديني في تناقضات كثيرة لم يستطع الخروج منها، ومن أبرزها ما له صلة بموضوعنا، أي المعايير التي بناء عليها يمكن اليوم معرفة الحديث القابل للاستعمال من الذي لم يعد يمكن اعتماده، لا سيما وأنّ المعايير التي وضعها القدماء ومنهم البخاري، وخاصة في « الجرح والعديل »، لم تعد مقنعة بالنسبة لعصرنا الذي شهد تطورا كبيرا في مناهج التفكير والنظر.
لقد اعتبر الحديث من « العلوم النقلية » التي تعطى فيها الأولوية للنص على العقل، ولهذا انشغل الفقهاء الأوائل بمشكلة مدى صحة نسبة الحديث إلى النبي، أكثر مما انشغلوا بمدى صحة الحديث في مضمونه ومدى مطابقته لمنطق الفكر أو للواقع، وهذا ما أدى إلى تبني أحاديث لا يقبلها عقل سليم، وأخرى مناقضة تماما لمضمون آيات قرآنية واضحة، حيث اعتبر إسنادها إلى « رجال ثقاة » إسنادا جيدا، مما جعلها تدرج ضمن الأحاديث « الصحيحة » وتكتسي عبر القرون قدسية القرآن نفسه، بل بُني عليها النظر الفقهي في تدبير شؤون المجتمع الإسلامي، وذلك مثل الحديث القائل « من بدل دينه فاقتلوه » الذي يحمل حكما لا أثر له في القرآن الذي أورد على عكس ذلك الكثير من الآيات القرآنية الدالة على حرية العقيدة والضمير، ومثل الحديث القائل « لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » والذي أدى إلى اعتبار الفقهاء شرط « الذكورة » بمثابة الشرط الأول لتولي مناصب الدولة.
ورغم أن الفقهاء ميزوا بين « خبر الآحاد » الذي اعتبروه « ظنيا »، و »خبر التواتر » الذي اعتبر « يقينيا » حيث تواتر ذكره على لسان الجماعات التي لا يمكن تواطؤها على الكذب، إلا أن الكثير من الأحكام الخطيرة والمصيرية اعتمدت فيها أخبار آحاد ظنية وترتبت عنها نتائج نعلم اليوم أنها في غاية السلبية.
وقد حفل كتاب البخاري كغيره من كتب الحديث بمثل هذه الأخبار الغريبة، حيث لم ينظر البخاري إلى مضمون الحديث بقدر ما نظر إلى إسناده، وحتى عندما نظر في متون الروايات والأخبار لم ينظر بميزان العقل والمنطق، بقدر ما كان همه إثبات نسبة الحديث إلى النبي وعدم اختلاقه من طرف غيره، مما أدى به إلى إيراد أخبار ظاهرة البطلان كمثل الحديث المنسوب إلى النبي عن متى تقوم القيامة، إذ كان جواب النبي لصحابته أنها ستقوم قبل أن يبلغ أحد الصبيان الذي كان يلعب أمامهم سنّ الشيخوخة، وقد أورد البخاري هذا الخبر في « صحيحه » مع العلم أن هذا الأخير جاء بعد وفاة الرسول بقرنين كاملين، أي أنه يتوفر بفضل الزمن الذي يفصله عن حياة النبي على الدليل القاطع على أن الحديث لا أساس له من الصحّة، ما دامت القيامة لم تقم في الفترة التي حددها النبي في الحديث المزعوم.
ومن الأمور التي وردت في كتابي البخاري ومسلم وتطرح مشكلا حقيقيا، الأحاديث التي ترسم لشخص النبي صورة سلبية كمثل الحديث القائل « لا تصحّ صلاة امرئ مرّ أمامه كلب أو حمار أو امرأة »، أو الأحاديث الداعية إلى العنف الدموي والمحرضة على القتل (« نصرت بالرعب.. »، « أمرت أن أقاتل الناس.. »، « جئتكم بالذبح.. »..) أو الأحاديث الداعية إلى الكراهية وسوء المعاملة كمثل « لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإن جاء أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه » والتي ألصقت كلها بشخص النبي، أو أحاديث الفحولة الجنسية للنبي الذي يطوف على نسائه في ليلة واحدة لأنه أوتي « قوة أربعين رجلا »، وغيرها من الأحاديث التي لا يقبلها الحسّ السليم. هذا دون الحديث عن الأحاديث التي تنافي العلم كمثل أن سبب تعاقب الصيف والشتاء هو « تنفس جهنم »، وغيره وهي كثيرة.
ورغم أن « صحيح البخاري » هو جهد بشري لصاحبه يحتمل الصدق والكذب كمثل كل الجهود البشرية، إلا أن الذين أحكموا إغلاق المنظومة الفقهية السنية بعد قرون من البخاري سرعان ما أطلقوا عليه « أصحّ كتاب بعد كتاب الله »، مما أدى إلى تقديس الكتاب ورفعه إلى درجة العصمة من الخطأ، فأدى ذلك إلى مشاكل عويصة ما زلنا نتخبط فيها إلى اليوم.
لاشك أن البخاري لم يكن ينوي قط أن يجعل من كتابه « أصحّ كتاب بعد كتاب الله »، كان بلا شك يساهم في عمل بدأه من قبله وتابعه من جاء بعده، لكننا اليوم لم نعد في زمن البخاري حتى نخوض معمعة الثأر له من أي نظر نقدي، كما يفعل الذين حولوا البخاري إلى جوهر الدين الإسلامي نفسه، فصار نقد البخاري نقدا للدين كله، وهدما للبنيان من أساسه، والحقيقة أنّ أهل التقليد قد أحكموا إغلاق الأبواب والنوافذ حتى أغلقوها على أنفسهم، فصاروا يتخيلون أن دخول نسمة هواء قد تفسد ولاء الناس لهم، بأن تنزاح غشاوة الأوهام عن أبصارهم، فيخرجون من تحت وصايتهم.
إن النقاش حول كتاب البخاري وغيره هو نقاش مشروع لا يستطيع أحد إيقافه، ومن حق كل من بذل جهدا في البحث والتقصي أن يعرض على الناس نتائج عمله ليعرف مقدار صوابها ونسبة الخطإ فيها، وعلى الناس واجب الإصغاء إليه ولهم حق مناقشته وتقويم أخطائه بالحجة والدليل، لا بالإرهاب الفكري والتهديد والتحريض، لأن تلك أساليب لم تعد مجدية أمام قوة الفكر النقدي وحيويته، وأمام ثورة الحريات وتقدمها.
إن القلق الذي يعصف بأهل التقليد عموما نابع من شعورهم العميق بوجود خلل ما، لكن تقديسهم للفكر الفقهي المتوارث وخوفهم من انهيار منظومتهم الفكرية بكاملها، يجعلهم غير قادرين على الحسم، لأنهم يخشون من الخروج عن منهجهم النقلي العتيق، وإعمال عقولهم التي ظلت في عطلة لزمن طويل، وهذا يدلّ على حاجتنا الماسة إلى إصلاح جذري عميق للفكر الديني نفسه يقوم به فقهاء تنوير أكفاء، يكون من أهدافهم إعادة النظر في معايير حجّية الحديث، وتنقية المرجعيات الفقهية من النصوص الغريبة التي تتعارض مع العلم والعقل ومعطيات الواقع التاريخي، وسيكون من النتائج المباشرة لهذا العمل الحضاري فتح آفاق التطور والنهوض أمام شعوب أنهكها التقليد والاستبداد.
أما البخاري فمن المؤكد أنه لن يصمد طويلا، ومن أراد للإسلام مستقبلا أفضل فعليه ألا يربط مصيره بمصير كتب الحديث، وبمواقف فقهاء التراث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.