«سار داخل سحابة على أحد جبال سيناء.. وتخفّى داخل الجيش الإسرائيلى.. ونقل معلومات عن أهم 3 محاور للعدو فى حرب أكتوبر73» هذه ليس روايات من نسيج الخيال، لكنها بعض الوقائع التى لا تزال تزخر بها خزينة الذكريات لانتصار أكتوبر، يرويها ل«الشروق» اللواء نصر محمد سالم، أحد رجال الاستطلاع فى حرب اكتوبر ، وقائد أحد أهم مجموعات الاستطلاع خلف خطوط الجيش الإسرائيلى أثناء ملحمة العبور. وأشار إلى أنه لم يكن هناك على الإطلاق مشكلة فى حجم توافر المعلومات عن العدو لأن عناصر الاستطلاع بدأت عملها لحرب أكتوبر منذ يوم 5 يونيو 67 وقبله، فعند صدور الأوامر بارتداد القوات أثناء النكسة كانت هناك أوامر موازية لجميع عناصر الاستطلاع بألا نفقد الاتصال بالعدو تحت أى ظرف وفى أى مكان، فتمت إعادة تجميع وتنظيم عناصر الاستطلاع على المسرح السينائى لوضع العدو تحت المراقبة المستمرة على مدار الساعة. ولفت إلى أن العمل المخابراتى يؤمن بحكمة مصرية وصينية قديمة تقول «لا بد أن تعرف كل شىء عن عدوك قبل أن تحاربه فإذا عرفت مصادر قوته فقد كسبت نصف المعركة قبل أن تبدأ، أما إذا عرفت واستعددت له فأنت كسبت 75% من المعركة». وأكد اللواء نصر أنه كان أحد قادة مجموعات الاستطلاع الإستراتيجية التى تعمل خلف خطوط العدو وكانت مهمتها معرفة أوضاع العدو وحجم نشاطه لمدة 6 أيام فقط، إلا أن المجموعة استطاعت أن تستمر فى عملها لمدة 6 أشهر بعد انتهاء الحرب، وأوضح أن المسرح السينائى لم نفقد سيطرتنا عليه من الناحية المعلوماتية، وقال «كنت أراقب محورين طوليين من عمق العدو فى اتجاه الجبهة يربط بينهما محور عرضى بالإضافة إلى منطقة تعبوية غاية فى الأهمية يوجد فيها باستمرار الاحتياطى التعبوى للعدو وأى قوات يتم تجميعها، بالإضافة إلى مراقبة أحد مطارات الجبهة الرئيسية للجبهة وتم توفير المعلومات عن اللواء المدرع الذى تم قصفه يوم 8 أكتوبر ومنعه من التدخل». يتذكر اللواء نصر موقفا طريفا حدث يوم 8 أكتوبر، حيث وصلت 4 طائرات من طراز ميج 23، وتم التعامل معها وأصيبت بنسبة خسائر عالية كما تم تدمير نحو 20 دبابة، فأصيب اللواء المدرع بالفزع، خاصة عندما شاهد طائرتين تحلقان فى السماء، حينها فوجئنا بانتشار الدبابات بسرعة كبيرة فتوقعت أن هناك طيرانا مصريا يضرب، ومع الفزع اكتشفنا أنها طائرات اسكاى هوك إسرائيلية لكن من فزع العدو ظن أنها مصرية فتكررت نفس الخسائر، وفعلا تحقق حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) نصرت بالرعب مسيرة شهر». وأضاف أنه بعد وقف إطلاق النار اكتشف العدو أن قوات الصاعقة تختبئ بالجبال فبدأ بعمل عملية تمشيط كاملة تمثل تهديدا للأماكن التى كنا نوجد فيها فكان القرار أن نختفى داخل مواقع العدو أو فى اقرب مكان لا يتوقع وجودنا فيه على الإطلاق. وواصل «من ضمن الطرائف الأخرى التى حدثت، أنى كلفت بمهمة لاستطلاع منطقة فتحركت فى اتجاهها وكانت المسافة لا تقل عن نحو 80 كيلو، ومن دراسة الخريطة اكتشفت أن العدو يحيط بلسان صخرى جبلى، وأن أفضل الطرق للوصول للهدف اختراق هذا اللسان الصخرى، وبدأت التحرك ليلا واحتسبت نحو 3 ساعات للوصول للموقع، وكان ذلك بعد وقف إطلاق النار، فتحركت فوق لسان الصخر بحيث عندما أصل لنهايته أسيطر على موقع العدو، وفى لحظة معينة وبدون أى مقدمات وجدت نفسى فى وضح النهار وكأنى فى غرفة مظلمة وتم إضاءتها مرة واحدة، فوجدت نفسى فى منتصف موقع العدو لأن اللسان الصخرى كان يخترق الموقع، وكنت ارتدى الزى العسكرى والساعة كانت الثامنة صباحا وعندما نظرت خلفى اكتشفت أنى سرت داخل سحابة فوق الجبل، وظننت أنها شبورة عادية، وبعد أن وجدت نفسى فى مواجهة العدو تأكدت أنه رآنى، واستعددت للشهادة لأن موضوع الأسر غير وارد بالمرة بالنسبة لضابط الاستخبارات، وتعلمنا أن نموت أفضل من أن يتم أسرنا لأسباب كثيرة منها الحفاظ على ما نحمله من معلومات مهمة فإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا، وقلت لنفسى على أن ابلغ ما أراه قبل أن يصل العدو، فأخرجت اللاسلكى وأبلغت قادتى بكل ما رأيته، فى غضون 5 دقائق مروا على كالدهر، ولم يأتنى أى شخص من أفراد العدو فاستحضرت قول المولى عز وجل «فأغشيناهم فهم لا يبصرون» ثم عدت سالما. وحول معرفته بساعة الصفر أشار إلى أنه كلف بمهمة ليلة 5 أكتوبر وكان يعلم أننا سنحارب، لكن ميعاد ساعة الصفر كان مجهولا، واستطرد «كنا ننفذ مهمة استطلاع منطقة فى العمق الاستراتيجى التعبوى للعدو، ونحن نسير فى الثانية ظهر السادس من أكتوبر فوجئنا بالطيران المصرى يحلق فوقنا، وهذا يدل على مدى السرية التى أحاطت بميعاد ساعة الصفر، وبعد أن وصلنا لمنطقة الهدف سجدت لله شكرا لأنى كنت فى مكان يسيل إليه لعاب أى ضابط استطلاع، حيث تجمع لواء مدرع للعدو ومطار متقدم من مطارات الجبهة ومحورين رئيسيين ومحور عرضى يربط بينهما، كلها كنت أراقبها من مكان واحد، خاصة بعد تدمير احدى مجموعات الاستطلاع لأحد هذين المحورين وتعطل جهاز اللاسلكى للمجموعة الثانية، فقمت بعملهم جميعا، لذلك عندما طلبت الانتقال لمكان آخر رفضت القيادة تماما. وحول موضوع الثغرة أكد أن أمريكا دعمت إسرائيل بطائرات بدون طيار لإحداث الثغرة فى الدفرسوار وقامت بالتشويش على رادارات قواتنا، فى إطار الحرب الالكترونية حيث تم إبطال عمل كل عناصر الاتصال فى منطقة الثغرة فضلا عن وجود مسافة نحو 4 كم بين الجيشين الثانى والثالث، لذلك قال الرئيس السادات حينها «لن أحارب أمريكا»، وفى مباحثات الكيلو 101 العدو هو الذى طالب بانسحاب قواته من الثغرة لأنها كانت محاطة بقوات مصرية وقال كيسنجر لن نسمح بتدمير الأسلحة الأمريكية. وحول مهام ضابط الاستطلاع يقول اللواء نصر إنه الشخص المسئول عن نصف قرار القائد وشريك فى إعداد النصف الآخر، فمثلما قالت الحكمة إن تشخيص المرض نصف العلاج، نجد أن الاستطلاع هو المسئول عن تجميع المعلومات عن قوة العدو، بداية من تسليحه وأنواع الأسلحة ومرورا بنقاط الضعف والقوة، وصولا إلى تقديم أفضل الطرق لاستغلال نقاط ضعفه وإفشال نقاط قوته، وبالتالى فإن هذه المعلومات يجب أن تكون متوافرة دائما. وأوضح أن كلمة مخابرات مصطلح غربى وتعنى مخابرات الميدان أو جلب المعلومات، ويقابلها مصطلح شرقى يسمى استطلاع، موضحا أن الاستطلاع يمثل مكانة العين فى الجسد، حيث يتم اختيار ضابط الاستطلاع من خلال كل قائد بمعدل 20 فردا من بين ألف، وهو ما يعكس دقة وصرامة معايير الاختيار، خاصة أن المهمة الرئيسية لضابط المخابرات كشف فيم يفكر العدو، كما أنه القادر على الإجابة عن أى سؤال يخص العدو، وأشار إلى حتمية مواكبة كل التطورات المحيطة بنا فى العالم، خاصة وأن الصاروخ المستخدم فى حرب 73 ليس هو المستخدم الآن وهكذا الدبابات والطائرات وباقى الأسلحة. وكشف أن هناك سيناريوهات لحروب محتملة، لأنه لا تصلح أى قيادة ما لم تكن لديها خطط مستقبلية لأى عدائيات محتملة، وأن يستمر العمل حتى فى وضع السلم حيث يتم عمل دراسة مستمرة للعدو، ويتم ذلك الآن وعلى مستوى جيوش العالم كلها.