حسن السيرة أمّا النيّات فأمر آخر فداء عيتاني – عن صحيفة الاخبار – عدد الاربعاء 14/7/2010 استقبل الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ محمد رشيد قباني، الذي قدم تعازيه إلى الأمين العام بغياب السيد محمد حسين فضل الله، وتحدّثا عن الفتنة وضرورة تضافر الجهود لدرء مخاطر جرّ البلد إلى التمزّق. إلا أنّ ما خرج لا يعكس تماماً ما جرى لناحية استدارة المفتي من مكان إلى آخر، ومن تابع اللقاء من داخل الحزب لا يرغب في الكلام، وخصوصاً لقناعته بأنّ كل حرف يخرج إلى الإعلام قد يضرّ بهذه العلاقة المستجدة بعد طول قصف مارسه المفتي على حزب الله وجمهوره، وشدة تحريض قام بها ضد الطوائف، وصولاً إلى تحوّله غطاءً شرعياً محلياً وإقليمياً وإسلامياً لكلّ من أراد النيل من الحزب والمقاومة. إنه الصمت المطبِق عند قيادة الحزب، وكلما سألت أحدهم أجابك بأنّ هناك من قد يمارس الضغط على المفتي بعد هذه الزيارة، ومن سبق أن كانوا مستفيدين من مواقف المفتي قد لا تسرّهم رؤيته جالساً إلى جانب نصر الله، وبالتالي، قد يستفيدون من أية كلمة للإيحاء بأنه جرى التفريط بأهمية اللقاء عبر تسريب المعلومات. إلا أنّ المعلومات إن لم تأتِ من هناك، فستصل من هنا. ومن مكان ما قرب كرسي الإفتاء الأوّل هناك من يسرّ بما تيسر للمفتي التحدث به عن هذا اللقاء، بل يرسم الخطوات الكاملة التي نقلت المفتي من موقع المهاجم للمقاومة وسلاحها وحزبها إلى الموقع إلى يسار قائد المقاومة، الذي ربما فضّل إجلاس ضيفه إلى يمين الصورة وجلس هو إلى يساره لتكريمه بحسب البروتوكول. كان المفتي، بحسب المقرّبين منه من علماء الدين، يعاني مآزق فعلية خلال الأشهر الماضية، ليس وحسب لاضطراره إلى مواجهة الهدر الذي فضحته شركتا التدقيق المالي، وإعادته بعض الأموال، ولا لضعف موقعه وكلمته وقلة اكتراث تيار المستقبل من رئيس الحكومة إلى فؤاد السنيورة له، ولما آلت إليه أوضاعه، وصولاً إلى الضغط عليه، بسحب ما يرى من حوله، عبر التجاوز المرتكب باستخدام ختم باسم قوى الأمن، بل أيضاً وربما قبل ذلك أنّ هناك من سارع من دائرته الصغرى إلى الاتصال بقيادة حزب الله، وبالمؤسسات في منطقة الضاحية. وخلال الأشهر الماضية أصبح بعض علماء الدين مألوفي الوجوه في الضاحية، حيث لم يترك بعض علماء دار الفتوى مناسبة تمر إلا برزوا فيها، وشربوا العصائر احتفالاً بافتتاح جسر في الضاحية، أو بتخريج بعض الفتيات من مدارس المبرّات، أو حرصوا على الجلوس في الصف الأول في احتفال يلقي فيه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم كلمة بالجمهور. علماء الدين هؤلاء، الذين يعملون في إدارات دار الفتوى، صاروا يبرزون صفاتهم الوظيفية للدلالة على أهمية حضورهم في الضاحية، أو في افتتاح متحف مليتا، أو غيره، ولحجز بضع لحظات على فضائية المنار، فيظهرون وعلى رؤوسهم العمامات السنيّة، وينطقون بغير ما كنا نسمعه منهم في الأعوام القليلة الماضية، حتى وفاة العلّامة السيد محمد حسين فضل الله، حينها أتى العلماء السنّة من موظفي دار الإفتاء ومن مفتيها بقضّهم وقضيضهم. كلّ المفتين أتوا، اللّهم إلّا مفتي جبل لبنان، الأشد شراسةً في مهاجمة حزب الله والشيعة والمقاومة، ولكنّ الرجل أرسل اعتذاراً بأن مرضاً ألمّ به منذ مدة، وأنه غير قادر على الحضور، وحرص الرجل على إيصال الاعتذار إلى أوسع دائرة ممّن يعنيهم الأمر في حزب الله. المفتي شخصياً كان هناك في اليوم الأول، وفي يوم الدفن، وثمة من همس في أذنه بأن يذهب وليتوكل على الله، والهمس لم يأتِ من رئيس الحكومة ولا من رئيس كتلة تيار المستقبل فؤاد السنيورة، ولا من شخصيات على هامش تيار المستقبل أو تدور في فلكه، بل أتى كأنه وحي من خارج البلاد، فذهب المفتي لا يلوي على شيء، وهناك كان يتمنّى لقاء «السيد حسن» لبثّه العزاء الحارّ من قلب إفتاء لبنان إلى قلب قائد المقاومة. حرص كل من الطرفين على أن يكون اللقاء خلوة بينهما، وحرص مفتي الجمهورية على أن تكون الصورة واضحة، ليراها من يهاجمه كل يوم في الإعلام، ويرى أنّ الأمور قد حلّت مع قائد المقاومة شخصيّاً، وإن كان قد واجه من بعدها معاملة قاسية من القيّمين على تيار المستقبل، وخصوصاً أنّ ما جرى حصل فجأةً ومن دون إذن مسبّق.