ينتظر أن يدخل حيز التنفيذ ميثاق جماعي جديد كما تم تغييره وتتميمه بالقانون رقم 17.08 مباشرة بعد تنصيب مجالس الجماعات الحضرية والقروية التي ستفرزها الانتخابات الجماعية المقرر إجراءها يوم 12 يونيو من السنة الجارية ، ويظهر من خلال المضامين المدخلة على الميثاق الجديد أن الدولة ومعها النخب السياسية البرلمانية قررت الذهاب إلى الحد الأقصى في إستراتيجيتها التنموية المفروضة من فوق ولو على حساب تقليص مجال حرية الاختيار السياسي التي تقتضيها فلسفة اللامركزية ، لدرجة يصبح ، في ظل الميثاق الجديد ، أن لا معنى لوجود أغلبية ومعارضة بحيث أن الجميع ، يفرض عليه فرضا ، نوع من التناغم مع الإستراتيجية الحكومية والانقياد لها في إطار لا مركزية مغلقة وموجهة وفق أهداف تروم ترسيم نموذج تكنوقراطي للجماعة في أفق 2015. الجماعات المحلية في النظام المغربي ليست مؤسسات دستورية بالمعنى الحقيقي للمفهوم ، فالدستور الحالي ، ذو الطبيعة الممنوحة octroyé ، يعطي لهذه المؤسسات تعريفيا اسميا ويحصرها في الجهات والجماعات الحضرية والقروية ومجالس العمالات والأقاليم لذلك فهو يترك مسألة تحديد اختصاصاتها للمشرع العادي مستلهما التقليد الفرنسي لمفهوم الاختصاص العام close général de compétence ، فبغض النظر عن العيوب النظرية لهذا التوجه الذي أبان عن تخبط كبير على صعيد تمييز الحدود والاختصاصات بين هذه المؤسسات ، فقد تحولت في التطبيق إلى كونها مختصة في كل شيء وغير مختصة في أي شيء وعاجزة عن فعل أي شيء ! تجربة الجماعات المحلية بالمغرب أبعد ما تكون عن مسايرة التطورات التي حدثت على مستوى تدبير الفعل العمومي من حيث النجاعة والجودة والفعالية وتسريع الخدمات وإشاعة الديمقراطية المحلية وأضعف ما تكون من حيث تأخرها السياسي على مواكبة احتياجات وتطلعات المواطنين ناهيك عن الاضطلاع بدور فاعل في ترسيخ الديمقراطية المحلية وتفعيل المسلسل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وتحولت في نظر الرأي العام إلى نموذج للاختلالات وسوء التسيير والفساد الإداري والمالي وأداة مغتربة عن محيطها المحلي . يحاول الإصلاح الحالي لبعض مقتضيات الميثاق الجماعي الجديد تمثل الإشكالية ، لكن خارج دائرة حل المعضلة السياسية والدستورية التي تشكل ، في تقديرنا ، الأساس الاستراتيجي للجواب على الأزمة ،التي استوت على الصعيد الملموس بطابع الخنق المتعاظم للفضاء العام للحرية والممارسة السياسية وإحكام الطوق على المجال السياسي من خلال هيمنة السلطة السياسية الحاكمة على المؤسسات اللامركزية وفي مقدمتها الجماعات الحضرية والقروية ، موضوع هذه المقالة التحليلية .والتي نتوخى، من وراء ذلك ،تسليط الضوء على دلالات ومعاني الإصلاحات المدخلة على الميثاق الجماعي ومراميها وانعكاساتها على الممارسة السياسية الجماعية وسياقاتها؟ 1- السياق السياسي للتعديلات المدخلة على الميثاق الجماعي : المقتضيات المدخلة على الميثاق الجماعي الجديد هي في الواقع تكريس لإرادة المضي إلى الحد الأقصى في تثبيت منهجية للتدبير تستلهم آليات مقاولاتية في الاشتغال ، بدأت مؤشراتها الأساسية منذ الميثاق الجماعي 78.00 الصادر سنة 2002، وكان الهدف منه إضفاء طابع الانسجام والاستقرار على الجماعات المحلية لتنصرف مباشرة إلى خدمة التنمية المحلية. وانطلق المشرع من تقييم خاص من كون التجربة الجماعية في ظل ميثاق 1976 كانت أكثر توترا .واستقر رأي الدولة على إرجاع و تشخيص أسباب هذا التوتر إلى وجود مقتضيات تنظيمية تسمح للمجالس التداولية بفرض رقابة واسعة على الجهاز التنفيذي واختزلت العملية برمتها في الفصل السابع من الميثاق المذكور الذي كان ينص على إمكانية إقالة رئيس المجلس بثلثي الأعضاء المزاولين مهامهم بعد انصرام أجل السنتين على تنصيبه أو تجديده بالكامل، واعتبر هذا المقتضى بمثابة سيف ديمقليس مسلط على رقاب الجهاز التنفيذي قلما تم استعمال هذا الحق في الاتجاه الصحيح بل اتخذه العديد من المستشارين وسيلة ضاغطة لابتزاز الرئيس . فبغض النظر عن طبيعة التقييمات لميثاق 76 لابد من الإشارة إلى أنه جاء في سياق كانت فيه المعارضة اليسارية الإصلاحية قوية وأراد النظام إعطاء بعض الإشارات للقوى السياسية االمعنية في إطار المسلسل الديمقراطي والسلم الاجتماعي والإجماع الوطني عبر تمكينها من نمط من التناوب السياسي الاختباري على صعيد الجماعات المحلية ،لكنه تناوب متحكم فيه من قبل وزارة الداخلية بوسائل متنوعة،غير أن الأمور سارت في اتجاهات أفرزت جدالات واسعة كانت تصل الأمور ، بعض الأحيان ، إلى حد ممارسة الأرض المحروقة وذلك بفضح مستويات تدخل السلطة الوصية في فرض اختياراتها ،الشيء الذي لم يرق الدوائر العليا لكون العملية كانت تتضمن إمكانية انفلات الأمور من زمام التحكم فسارعت إلى إعدام هذا التصور لفائدة الاستقرار ولو أدى ذلك إلى تجريد المجلس التداولي من أية سلطة رقابية داخلية وهذا ما حدث فعلا إبان ميثاق سنة 2002 وتمت تثبيته في الميثاق الجماعي الجديد . 2- إلغاء التناوب على صعيد الجماعات المحلية وتوطيد مفهوم تكنوقراطي للتدبير السياسي للشأن المحلي: قد يبدو للوهلة الأولى أن توطيد معادلة فرض الاستقرار في المجالس الجماعية مسألة إيجابية ولو تطلب ذلك تجريد المستشارين من أي سلطة رقابية داخلية على الجهاز التنفيذي طالما أن التجربة أبانت عن سوء استعمال هذا الحق وصل في بعض الحالات إلى ما يشبه حالة الطوارئ داخل هذه المجالس ، غير أن تفحص الأسباب الحقيقية لهذه الوضعية لا تكمن في بنية النص القانوني بل في سوء استعماله من قبل نخبة مرتشية نابعة من انتخابات غير شفافة وفاقدة للمصداقية السياسية . إن شل الدينامية على صعيد الممارسة الجماعية وصلت إلى مستوى تكريس مجالس رئاسية بسلطات مطلقة لا تحدها سوى سلطة وزارة الداخلية من خلال الوصاية القبلية والبعدية ومراقبة الملائمة فيما يظل المجلس التداولي إطار شكلي لا دور له في تقرير السياسة المحلية للجماعة ،حتى أن الرئيس ، في ظل الميثاق الجديد ، يحق له مطالبة المجلس بإقالة أحد نوابه من مهامه واستبداله بآخر . إن انبهار الدولة بهذا المفهوم التكنوقراطي لتدبير الجماعات المحلية والسياسة العمومية برمتها ينطوي على إحالات نظرية غامضة أو قل بصيغة أدق يفتقد لأي مرجعية فكرية واضحة ولا ينطوي البتة عن أي إبداع لخبراء الإدارة الترابية الذين يستنسخون مقاطع من تجارب سياسية خارجية لها سياقاتها ومميزاتها كالنموذج الكندي مثلا ، باستثناء رغبتها في إحكام الطوق على هذه المؤسسات وفرض توجهاتها عليها بكيفية ممنهجة ، والمدهش أن هناك شبه إجماع وسط النخبة السياسية البرلمانية على هذا الترتيب السياسي التكنوقراطي الهادف إلى الانقلاب على أسس اللامركزية وعلى تسفيه مصداقية العمليات الانتخابية التي تتحول إلى مواعيد للتعارك بين الأشخاص للظفر بالرئاسة والمسؤولية عبر خلق الشقاق داخل المجتمع وأفراد العائلات تصل في بعض الأحيان إلى مواجهات دامية . إن أخطر ما تنطوي عليه خلفيات هذا التوجه التكنوقراطي هو إلغاءه لمفهوم المعارضة بعد أن أصبح مطلوبا من الجميع الانسجام مع التوجهات الرسمية والحكومية ، بل ولم يعد للبرنامج الانتخابي أي معنى بعد أن قررت وزارة الداخلية خطة استباقية لتحديد الاختيارات الكبرى للجماعات المحلية في أفق 2015 !؟ 3- مخطط تنموي استراتيجي أم إملاء سياسي للتغطية على الأزمة ؟: من أصل 145 مادة تمت مراجعة 33 مقتضى ،و لعل أهم ما جاء به الميثاق الجديد هو تنصيصه في الفصل 36 على أن رئيس المجلس مطالب بإعداد مخطط تنموي متعدد السنوات وفق منهجة تشاركية تحدد مسطرته بنص تنظيمي . لا يخفى على أحد ما للتمويل الأجنبي ، ولاسيما الأمريكي منه ، في إدراج هذه المنهجية في العمل مع استحضار إجباري لمشاركة المرأة في هذه العملية لتأثيث المشهد، بصرف النظر عن هذه الحيثيات ، فإن النص يستوقفنا للإدلاء بمجموعة من الملاحظات : الملاحظة الأولى : إن التأكيد على ضرورة التقيد بمقتضيات النص التنظيمي ، الذي يتكرر عدة مرات في مجالات أخرى : شركات التنمية ، مجموعات الجماعات ، التجمعات الحضرية ..، لإصدار المخطط التنموي ينطوي على تدخل سافر في شؤون الهيئات اللامركزية بحيث تفرض عليها توجها منسجما مع التوجهات الحكومية والرسمية مما يفرغ البرامج الانتخابية للقوى السياسية من أي معنى بل تصبح عديمة الجدوى و لا تعكس اختيارات الناخبين وطموحاتهم في توجيه جماعتهم في الاتجاه الذي يرونه مناسبا ،بما فيه إمكانية التعارض مع التوجه السياسي للحكومة نفسها ،هذا إذا استحضرنا التجارب الديمقراطية المقارنة التي تضطر فيه بعض الأحزاب السياسية الحاكمة إلى الدعوة لانتخابات عامة سابقة لأوانها إذا حملت الانتخابات الجماعية مؤشرات مخالفة لتوجهاتها الرسمية . الملاحظة الثانية : هناك تعارض في التصور أو تقابل لمستويين من السلط، بين مفهومين لا يمكن تسوية الحدود بينهما مفهوم اللامركزية ومفهوم عدم التركيز ،غير أن الفصل المذكور يدمج بينهما بكيفية يجعل الهيئة المنتخبة غير قابلة ، بفعل التدخل الفوقي ، على ترجمة طابعها السيادي إلى ممارسة فعلية حيث تتحول المجالس الجماعية إلى آلية للتصويت على مخطط أنجزته جهات أخرى باسمها وبمشاركة شكلية فقط للمنتخبين ، الملاحظة الثالثة : لكي لا ينخدع البعض وكأن اكتشافا جديدا اهتدت إليه الدولة سيحقق للجماعات طفرتها النوعية أو يقودها إلى التقاط أنفاسها ، هذه مجرد أوهام مواسية تمدح الفساد السياسي المستشري في دواليب هذه المؤسسات وتحاول إيجاد ملجأ أخير لإنقاذ مشروع التنمية البشرية الذي لم يحقق ذلك الازدهار الاجتماعي السريع الذي أطلقته الدولة في إبانه. وتحاول تكرار نفس التجربة من خلال إدماج دواليب هذا المشروع في النسق التنموي للجماعات المحلية ،وهو لا يعدو أن يكون استخدام إيديولوجي ذكي لخطاب التنمية ، الأكثر شيوعا في اللحظة الراهنة ،المحالة دوما على المستقبل القريب الذي لا ينفك ينفلت ويختفي مع الزمن ليبنى وهم جديد وهكذا إلى لحظة حصول الأزمة الفعلية لكل هذا المسلسل وتعطله بالكامل ، الملاحظة الرابعة : مجمل الجماعات المحلية تعيش ضائقة مالية وتزداد نفقاتها سنة بعد أخرى في الوقت الذي تنحسر فيها مواردها الذاتية، بحيث أن مؤشرات العديد منها وصلت إلى ما يسمى بصدمة المقص وبالتالي فهي غير مؤهلة بتاتا لانجاز مخطط سنوي وأحرى مخططات متعددة السنوات بالنظر لوعائها الضريبي المستخلص بآلية مركزية تتحكم فيها دواليب الدولة بكيفية غير عادلة، مما يجعلها بالحصيلة غير قادرة على التخطيط الاستراتيجي لتنمية محيطها الاقتصادي والاجتماعي . لقد كان حريا بالدولة كلما فكرت بتحويل اختصاص جديد لهذه الجماعات أن ترفقه بتحويل الاعتماد الملازم له لكي تتمكن فعلا من ممارسته مما يجعلها تبدو كما لو أنها مختصة في كل شيء غير أنها عاجزة عن فعل أي شيء ، الملاحظة الخامسة : إن القصدية من وراء التنصيص على المخطط التنموي المتعدد السنوات بإحالاته على استدماج الجمعيات المحلية ينطوي على نوع من الرغبة في اقتحام المجال الجمعوي نفسه ، أو قل احتواءه ،لا سيما وأن الدولة تغاضت على التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه العديد منها وأرادت أن تكون في طليعة هذا التوجه خصوصا وأن هذه الجمعيات تحولت إلى أجهزة انتفاعية وبالتالي فمن السهل جدا أن تساهم مع الدولة في مخططاتها لرد دين التغاضي بمزيد من التمخزن . الملاحظة السادسة : الميثاق الجماعي الجديد يدرج المخطط التنموي في مجال غامض فهو من جهة مخطط متعدد السنوات ومن جهة أخرى مندرج ضمن ميزانية تنبني على إحدى المبادئ الأساسية ألا وهي السنوية كما أن من مرتكزاتها كذلك الوحدة والشمولية وقد ورد عليها استثنائين فقط وهما الميزانية الملحقة والحسابات الخصوصية وبالتالي يبقى السؤال مشروعا عن طبيعة الخانة التي يندرج فيها المخطط التنموي المتعدد السنوات في إطار الميزانيات الجماعية ؟ كما أن النص التنظيمي الذي يفسر طريقة ومنهجية المخطط يفرض على الجماعات اختيارات حكومية ويقيدها بشراكات مسبقة مع مديرية الجماعات المحلية التابعة لوزارة الداخلية ووكالة التنمية الاجتماعية والتنمية البشرية في حين كان المطلوب أن تكون هي المبادرة في تقرير سياسة الشراكات مع الأطراف التي تشاء دون إملاءات سياسية فوقية . إن اللحظة الحاسمة التي تجعل الجماعات المحلية ، في مختلف مراتبها ، تلتقط أنفاسها للتعبير عن خيارات المواطنين والمواطنات غير متوفرة في كيانها القانوني والمؤسساتي الحالي والبنية السوسيوثقافية للنخب السائدة، فبدون حل المعضلة الدستورية والسياسية عبر وضع دستور ديمقراطي يكرس سيادة الحكم الديمقراطي في مختلف مناحي الحياة العامة ، سيظل التخبط والفساد وهدر المال العام وتبذير الممتلكات العمومية وتكليس الموارد البشرية سمات أساسية ولازمة لأزمة تدبير الشأن المحلي ، ويساعد هذا الإطار على تكريس مزيد من تضخم الانتهازية السياسية وسط النخب المحلية وتمييع الممارسة الحزبية وتبذيلها ( من المبتذل )وشخصنتها لتسعير حرب مواقع بين الأعيان والولاءات لدرجة تكاد تختفي البرامج والتمايزات السياسية والفكرية مما يعزز الخيار الصائب لأغلبية الشعب المقاطع لهذه المهزلة السياسية . 4- إلغاء الحدود بين السلطة الحكومية والهيئات اللامركزية : من الأمور التي تستوقف المتمعن في بعض المقتضيات المدخلة على الميثاق الجديد 17.08 هو توسيع مجالات تدخل الحكومة في توجيه سير الجماعات الحضرية والقروية وفرض توجهات صارمة في اختياراتها من ذلك مثلا ما تنص عليه المادة 83-3 بتأكيدها على إمكانية الوزير الأول أن يقرر ،لأجل المنفعة العامة ،بمقتضى مرسوم معلل ، باقتراح من وزير الداخلية إحداث أو حل مجموعة التجمعات الحضرية التي أحدثها الميثاق الجديد لتشكيل أقطاب محلية لتدبير مرافق ومشاريع مشتركة بل يمكن للوزير الأول أن يرغم جماعة محلية على الدخول في المجموعة ضد على إرادتها الحرة ، ويستفاد من مغزى هذا النص أن الدولة ماضية في محو الحدود بين السلط وفرض اختياراتها السياسية الرسمية على الهيئات المنتخبة ، وسيكون لهذا التوجه تداعيات خطيرة على مستقبل تدبير الشأن المحلي، ليس أقلها انكشافا منذ الوهلة الأولى ،استمرار عوائق وأزمات الجماعات المحلية مع ما يرافق ذلك من تعميق سياسة هدر المال العام . إن الميثاق الجماعي الجديد بشقيه التنظيمي والمالي لا يحيل على مرجعية واضحة المعالم في تدبير الشأن المحلي الجماعي فضلا عن كونه لا يرقى إلى نص متكامل ومرصوص البنيان بل تخترقه العديد من الهفوات القانونية والسياسية ستنكشف لامحالة في الممارسة السياسية المقبلة . ولعل أهم ما يشغل الدوائر الرسمية هو فرض رقابة صارمة على المشهد الحزبي عبر إفراغ المجالس التداولية من أي مضمون ديمقراطي وتكريس جماعات رئاسية مطلقة . 5 – نمط اقتراع تمييزي وإقصائي ومتناقض مع نفسه !: إن المشرع المغربي لا يعلل بشكل كافي أسباب إقصاء أغلبية الجماعات الحضرية والقروية من حقها في ممارسة نمط الاقتراع اللائحي وحصره في الجماعات التي يفوق عدد سكانها 35 ألف نسمة ، وفي ذلك تمييز بين المغاربة مع ما ينطوي عليه هذا التوجه من تناقضات ذاتية مع مفهوم الاختصاص العام الذي يتبعه المغرب استنساخا للتقليد الفرنسي ،فمن جهة يسوي المشرع بين جميع الجماعات على صعيد الاختصاص والتسيير في نفس الوقت يحرم الأغلبية منها على صعيد نمط الانتخاب ويميز بينها . ولو أن المسالة غير ذي أهمية في السياق المغربي ما دام أن نمط الاقتراع لا يغير من الأمور في شيء بحيث أن المواطنين في آخر المطاف يصوتون لفائدة الأشخاص / الأعيان ولا وجود لأي اعتبار للبرنامج في هذه العملية .كما أن حصر التباري على رئاسة المجالس ،في الجماعات التي تنتخب بالاقتراع اللائحي ،في يد رؤساء اللوائح دون سواهم يتضمن نوع من المساس باستقلالية الأحزاب السياسية وسيادة المجالس المنتخبة هذا فضلا عن وجود غلط سياسي كبير يظل دون الإجابة حول اللائحة النسائية المنتخبة في الدوائر الإضافية ،ما إذا كان من حقها أن تتبارى أم لا على الرئاسة طالما أنها منتخبة على صعيد الجماعة بأكملها كوكيلة لائحة ، يبدو أن المشرع لم ينتبه لهذه المسألة بالدقة الكافية ولو أن الاعتقاد السائد أن اللائحة النسائية غير معنية بهذه العملية . من الناحية المبدئية ، يعتبر الاقتراح اللائحي بالتمثيل النسبي مع قاعدة أكبر بقية متناسب إلى حد ما مع الدول التي تعيش في مرحلة ما قبل الانتقال الديمقراطي التي يعيشها المغرب ، لكونه يساهم في إشراك الجميع في تقرير مستقبل لم يتشكل بعد ، غير أن اشتراط الحصول على عتبة 6 في المائة من الأصوات المعبر عنها للمشاركة في توزيع المقاعد ينطوي على نوع من الإقصائية الممنهجة للقوى السياسية المعارضة وحصر اللعبة في يد قوى لها نفوذ في الدولة وتتمتع بقدر من الريع السياسي والزبانية التي راكمتها على مر السنين في تجربة الموالاة للسلطة . وتساهم الدولة بكل إمكانياتها لكي لا تزدهر قوى معارضة جذرية لأن في ذلك ضمانة لاستمرار نظام الحكم الفردي الاستبدادي في الوقت الذي تسخر فيها كل إمكانياتها لقيام حزب إداري ٌأغلبيٌ من الموالاة لا يخفي طبيعته كحزب ملكي بشكل يكشف عن درجة التخطيط لهذه الاسترايتجية منذ مدة عبر السماح لموظف سام بالحزب السري من التلاميذ المخلصين لرجل الداخلية السابق الأكثر بطشا إدريس البصري ،بتأسيس حزب سياسي علني فور انسحابه من جهاز متحكم ومتضخم ومعروف درجة تأثيره على النخب السياسية الموالية ، يتشكل من بقايا الأحزاب الإدارية وبعض الوصوليين المنتسبين لليسار ومن اختراقات لأعضاء أحزاب سياسية غير مقتنعين باختياراتهم ومستعدين للترحال والتجوال بين الأحزاب أينما وجدوا مصالحهم الضيقة ومآربهم الانتهازية ، ويلوح هذا الحزب بالاكتساح الانتخابي ، أو هكذا تحاول أجهزة الدولة تقديمه للرأي العام في إطار حرب إعلامية استباقية ،وهو الذي لم يمر على تأسيسه حول واحد ، لكونه يعي أن أجهزة الدولة سترجح كفته في الانتخابات الجماعية ليونيو المقبل .هذا الحزب الكوكوتمينوتي جاء بنظرية جرثومية لإطعام بطون غير سوية مفتوحة على شهية الانتهازية سينتهي بهم المطاف المأساوي ، كأسلافهم في الأحزاب الإدارية ، إلى أن يقضموا معدتهم أو يلتهموا بعضهم بعضا ،وكان بإمكان أن نتحدث عنهم بلغة تحليلية مجردة عن الأحكام لو أن هذا الكيان جاء كإفراز طبيعي لسيرورات فعلية لإنتاج مفاهيم جديدة في الساحة السياسية والبحث عن قاعدته الاجتماعية والطبقية لتقوية مسلكه السياسي الخاص، غير أن هذا التوجه يتطلب تضحيات ومجهودات جبارة وحوارات شاقة لاتخاض في الصالونات والفنادق الفخمة الممولة بأموال الفساد !..لذلك فإن الانتخابات الجماعية المقبلة ستكون مطبوعة بتعاظم ظاهرة النفور والمقاطعة والتي تتجلى مسبقا في كون 7 ملايين من المغاربة ( استنادا لمديرية التخطيط التي تؤكد أن عدد المغاربة الذين وصلوا سن التصويت هو 20 مليون مغربي في حين أن المسجلين في اللوائح الانتخابية هو 13 مليون فأين الباقي !!! )، على الأقل ممن وصلوا سن التصويت لم يسجلوا في اللوائح الانتخابية وأحرى المشاركة في العملية الانتخابية ، ظاهرة لن يحد منها ، نسبيا ، سوى الاستعمال المفرط للمال والولاءات الزبونية والعائلية والوعود السياسية للحزب الأغلبي ،ولن تساهم هذه الظواهر الغريبة في تشجيع المواطنين والمواطنات على المشاركة السياسية اللهم من يعتقد جاهلا ،أو عن قلة دراية ، أن الآخرين بلداء . لذلك فإن الانتخابات الجماعية المقبلة لا تشكل رهانا سياسيا من أجل ترقية الوضعية الاجتماعية للساكنة وتطوير الديمقراطية المحلية نحو الأحسن ، غير أن التناقضات الاجتماعية ستزداد احتدادا بكيفية تسمح بفرز أقوى ، في الساحة السياسية خلال السنوات المقبلة ، بين القوى السياسية للمعارضة الجذرية ولا سيما اليسارية الراديكالية وبين الموالاة بمختلف أصنافهم وتلاوينهم الحزبية . علي بلمزيان