قبيل شهر من مناقشة شروط التمديد لبعثة ال «مينورسو ما فتئت قضية الصحراء تتصدر أولويات السياسة المغربية على المستويين الداخلي والخارجي، من منطلق تشبث المملكة بحقها في السيادة على أراضيها. قضية يبدو أنها اليوم، وقبيل شهر من مناقشة مجلس الأمن الدولي لشروط التمديد لبعثة المينورسو، تسير في سياق الحل السياسي الذي اقترحه المغرب، والذي يجد ترحيبا دوليا واسعا، ممّا ضيّق الحلقة والخناق أكثر على عدوي وحدته الترابية؛ البوليساريو والسلطات الجزائرية الداعمة لها. يمكن الوقوف عند عقدتين أساسيتين لازمتا قضية الصحراء المغربية، في مختلف مراحلها الأساسية، عندما كانت قضية استعمار مباشر «تحت الاستعمار الأسباني»، وعندما تحولت إلى قضية استكمال وحماية الوحدة الترابية والوطنية للشعب المغربي، أي عندما تم استرجاعها وتحولها إلى إقليم من أقاليم المملكة المغربية؛ الأولى تتعلّق بالانتماء، والثانية تتعلق بالحدود الموروثة عن الاستعمار. وقد كانت هنالك محاولات عديدة لإيجاد الحلول التي تراها الأطراف، المعنية أو المنخرطة بطريقة ما في هذه القضية، ملائمة ومنسجمة مع مصالحها السياسية والإستراتيجية، والتي ليست متماثلة بين هذه الأطراف، بل هي على درجة كبيرة من التناقض، أدت في فترات معينة إلى اصطدام الحلول المقترحة ببعضها البعض، إلى درجة تم فيها اللجوء إلى العنف والعمليات العسكرية لفرض حل من الحلول على ما عداها، وخاصة من قبل جبهة البوليساريو الانفصالية التي كانت تستهدف المصالح والمواقع المغربية في مختلف الأقاليم الصحراوية، بما في ذلك مدينة طنطان، بدعم مباشر وغير مباشر من الجزائر على جميع المستويات السياسية والعسكرية. وقد استمر هذا الوضع إلى أن تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، وبلورة خطة الأممالمتحدة لتنظيم الاستفتاء في إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب عام 1991، وتشكيل بعثة المينورسو للسهر على احترام اتفاق وقف إطلاق النار، والنظر في عملية تنظيم الاستفتاء تطبيقا لخطة الأممالمتحدة المتفق عليها. عقدتان أساسيتان العقدة الأساسية الأولى في النزاع الإقليمي حول الصحراء، هي عقدة الانتماء. ويمكن بلورتها حسب صيغة استفهامية مفادها هل تعد قضية الصحراء قضية وحدة المغرب الترابية والوطنية، كما تؤكد المملكة على ذلك منذ طرح هذه القضية على طاولة النقاشات الدولية والإقليمية، في ستينات القرن الماضي، والجهود السياسية والدبلوماسية المتنوعة التي بذلت في مختلف المحافل الإقليمية والدولية من أجل استرجاع الأقاليم المحتلة في الجنوب، من قبل الاستعمار الأسباني؛ أم أنها، على العكس من ذلك، قضية شعب «مستقل بذاته»، ولا يريد غير الاستقلال عن الاستعمار الأسباني كما لا يريد العودة إلى المغرب، في آن واحد، مثلما يروج إلى ذلك أعداء الوحدة الترابية للمملكة، شأن الجزائر عبر دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية وبعض من يدور في فلكهما السياسي؟ وفي الواقع، فإن كل التكتيكات السياسية والديناميكيات والمبادرات التي يتم إطلاقها من هذه الجهة أو تلك، وكذلك كل القضايا، التي قد تبدو فرعية أو بعيدة عن هذه العقدة الأساسية، تستهدف، في نهاية المطاف، أحد أمرين؛ إما خدمة إستراتيجية الوحدة الترابية المغربية، وتكريس استمرارية انتماء الأقاليم الجنوبية إلى المغرب في إطار دولته الموحدة، وإما طرح قضية الانفصال وتشكيل دولة قزمية جديدة في المنطقة لا تمتلك أي مقوم من مقومات الحياة، إلا إذا كانت ستخضع لرعاية مباشرة من الجزائر وفق مشروعها الهيمني المناوئ للمغرب. أمّا العقدة الثانية، فتتعلّق بالحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو الشعار الذي اعتمدته الجزائر ورفعته إلى مستوى «المبدأ المقدّس»، في تجاهل تام لمعطيات القضية الصحراوية التاريخية، ومسارها الخاص الذي لا ينطبق عليه هذا الشعار. ذلك أنه شعار يصدق على الدول والكيانات التي شكلها الاستعمار، وحدد لها مجالها الترابي ونطاقها الجغرافي وتركيبتها العرقية. أّما الدول العريقة التي كان لها مجالها الجغرافي والسياسي، قبل أن يتم إخضاعها لسلطة المستعمر، فلا يمكن لحدث عارض، حتى ولو كان بمستوى الاستعمار المباشر، أو الخضوع لنظام الحماية، أن يعيد النظر في ما هو سابقه، ناهيك بدولة عريقة ومستقلة على مدى أكثر من 12 قرنا مثل المغرب. الجزائر دائما على الخط لا شكّ أن الصحراء كانت مغربية، قبل فترتي الاستعمار الفرنسي والأسباني، على قاعدة علاقات البيعة التي كانت تربط مواطني هذه المناطق بسلاطين المغرب. وفي الواقع، فإن دعاية الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين، هي التي حاولت الإيحاء بأن الصحراء لم تكن جزءا لا يتجزأ من المغرب في أي وقت من الأوقات، لتبرير مساعيه المناهضة لاسترجاعها، وتمكينه من إقامة كيان مصطنع في المنطقة «البوليساريو»، يمارس عليه هيمنته ويفرض عليه التبعية المطلقة في مختلف المجالات، وتسخيره، أساسا، لضرب مصالح المغرب الحيوية وعزله عن عمقه الأفريقي. ومن هنا، تم اختلاق التوصيف الذي يفيد بأن قضية الصحراء هي قضية تصفية استعمار، رغم عودتها إلى وطنها الأصلي، وهي أطروحة ظلت تشكل العمود الفقري لمختلف التصورات التي دافعت عنها الجزائر خلال عقود طويلة. كثيرا ما حاولت الجزائر الدفاع عن أطروحتها الانفصالية، على مستوى آخر، من خلال ترويجها لكون المغرب قد عمد، في وقت سابق، إلى تقاسم منطقة الصحراء بينه وبين موريتانيا، الأمر الذي يدل، بالنسبة إلى القادة الجزائريين، على أن المغرب غير متأكد من مسألة انتماء الصحراء إليه، وعدم اهتمامه بوحدة ما تسميه «الشعب الصحراوي»، والحال، أن حل التقسيم، وفق اتفاقية مدريد الثلاثية، كان الحل الوحيد، الممكن في تلك الظروف، لقطع الطريق، ولو بصورة مؤقتة، أمام الخطر الوجودي الذي كان يتمثّل في إقامة دويلة قزميّة في المنطقة. لكن عندما وقع التحول السياسي على مستوى السلطة الحاكمة في موريتانيا، والتي حاولت التحرر من الضغط السياسي والعسكري الجزائري المفروض عليها بواسطة البوليساريو، وقررت التخلي عن إقليم وادي الذهب، تحرك المغرب، بصورة تلقائية، واسترجع الإقليم، وفق الآليات التاريخية المعتمدة بين ملوك المغرب وبين سكان مجمل الأقاليم، وهي آلية البيعة والاعتراف بحكم الدولة، ابتداء من الرابع عشر من غشت 1984. وبذلك تم إسدال الستار على حل التقسيم المؤقت، بعد أن أدى وظيفتين أساسيتين: *أولا، وأد مشروع الدويلة القزمية، على التراب الوطني المغربي. وتفرغ المغرب لتنمية أقاليمه الجنوبية في سياق سياسة تنموية شاملة، رغم إكراهات استمرار الجزائر على موقفها المناوئ للمغرب بالنسبة إلى هذه القضية التي تعتبرها المملكة قضية مركزية. * ثانيا، تجنب المواجهة المفتوحة مع موريتانيا التي كانت تطالب، هي أيضا، بالصحراء، والحؤول دون تحالفها مع الجزائر في عهد المختار ولد دادة، وتشكيل جبهة ثنائية ضدّ المغرب، الأمر الذي كان سيؤثر بالضرورة على تطور النزاع بما لا يخدم مصالح المغرب وحقوقه التاريخية في أقاليمه الجنوبية. ورغم ذلك لم تتراجع القيادة السياسية الجزائرية، عن موقفها الذي أعطى الأولوية للحل الوهمي. ورقة المغرب السياسية استخلاصا لعبرة تخلي الأممالمتحدة عن خطة الاستفتاء، واستجابة لدعوة مجلس الأمن الدولي للبحث عن حل سياسي توافقي، طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي، ضمن تصور خصب للجهوية المتقدمة، وفي سياق خلاصات تجربة حكم طويلة الأمد، وفي مقدمتها أن نمطا من التدبير المركزي قد تم تجاوزه، وأن اللامركزية هي التي يمكن أن تمثل محور الحل السياسي لقضية الصحراء. هذه المبادرة المغربية ما كان لها أن تحظى بقبول الجزائر التي أعمتها، على ما يبدو، الأوهام التي نسجتها حول دولة البوليساريو، فأعلنت العداء المطلق لفكرة الحكم الذاتي، مع أنّ جل القوى المؤثرة في العالم اعتبرت أنّ هذه المبادرة تحظى بالجدية والمصداقية، خاصة أن المغرب وضعها في سياق تفاوضي واعتبرها قابلة للتعديل باستثناء كل ما يتعلق بسيادته على أقاليمه الجنوبية التي يعتبرها بمثابة الخط الأحمر في تلك المبادرة. وهكذا يتبين أنّه لا مناص من حل العقدتين، آنفتي الذكر، كمدخل، ضروري، للحل السياسي للنزاع الإقليمي، حول الصحراء المغربية. ويبدو أن خطاب العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء في نونبر الماضي، قد قرر بشكل حاسم، وضع حد للدوران في الحلقة المفرغة، التي ترغب الجزائر حصر قضية الصحراء فيها، لذلك أعلن أن سنة 2015 ستكون سنة تطبيق خطة الحكم الذاتي، وتمكين سكان المنطقة من إدارة شؤونهم المحلية في ظل احترام السيادة المغربية. وقد أثار خطاب العاهل المغربي التاريخي هذا، ردود أفعال غاضبة، من قبل الجزائر، التي أوعزت إلى قيادات جبهة البوليساريو الانفصالية بتوزيع الاتهامات والتهديدات، يمينا وشمالا، بدعوى أن المجتمع الدولي لم يتعامل بشكل مسؤول مع القضية الصحراوية، وأنه خان المبادئ الحقوقية والإنسانية التي يعلن الدفاع عنها. ولم تسلم كلّ من الولاياتالمتحدة الأميركية وفرنسا وأسبانيا وعدّة دول غربية أخرى من هذه الاتهامات الواهية. *جريدة «العرب»