في مثل هذا اليوم، وقبل 39 سنة، خرج حوالي مشارك استجابة لنداء الملك الراحل الحسن الثاني من أجل استرجاع الأقاليم الصحراوية الجنوبية من أيدي الاستعمار الإسباني، في مسيرة سلمية لم يتسلح فيها المشاركون بغير الأعلام الوطنية ونسخ من القرآن الكريم. غير أنه لحد اللحظة، ورغم تأكيد المغرب على أن "الصحراء الغربية" هي مغربية، لا زال المنتظم الدولي يعتبر هذه المساحة منطقة متنازع عليها. قبل أن يعطي الحسن الثاني أوامره بخروج المسيرة، كانت منطقة الصحراء تعرف صراعاً بين أربعة أطراف، المغرب، جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر، موريتانيا، وإسبانيا. غير أن هذا الطرف الأخير كان يتأكد يوماً بعد يوم من قرب خروجه من الصحراء، خاصة بعد تدهور أوضاعه السياسية في فترة شهدت الأيام الأخيرة للدكتاتور فرانكو، لذلك كانت اسبانيا تبحث عن الخروج من الصحراء بأقل الخسائر. وصل ملف الصحراء إلى محكمة العدل الدولية التي خرجت بخلاصات فضفاضة في رأيها الاستشاري الشهير، الذي أصدرته أياماً قليلة قبل تنظيم المسيرة الخضراء، والذي أكدت فيه وجود روابط قانونية بين سلطان المغرب وبعض القبائل في الأراضي الصحراوية، كما أشارت فيه إلى وجود روابط أخرى بين موريتانيا والأقاليم ذاتها، إلا أن كل هذه الروابط، يقول الرأي، لا تمكّن من الحديث عن سيادة مغربية أو موريتانية على "الصحراء الغربية". بيدَ أن الملك الراحل، بذكائه السياسي، قام بمناورة مؤثرة، عندما أعلن عن المسيرة الخضراء، التي حتمت جلوس المحتل الإسباني على طاولة المفاوضات مع المغرب وموريتانيا في اتفاقية مدريد أياماً قليلة بعد المسيرة، وهي الاتفاقية التي كان المغرب الرابح الأكبر فيها، فزيادة على استثناء حضور جبهة البوليساريو من المفاوضات، اقتسم المغرب الصحراء لفترة قصيرة مع موريتانيا، قبل أن يضمها بشكل كامل بعد تخلّي موريتانيا عن مطالبها في الأقاليم الصحراوية. هذا الانتصار المغربي لم يرق للرئيس الجزائري الهواري بومدين الذي استعمل كل الوسائل من أجل تقوية شوكة البوليساريو، ووفر لها كل ما تحتاجه من دعم في الأموال والعتاد. وحسب ما يذكره عبد الإله السطي، في بحث له حول الموضوع، فقد احتضنت الجزائر البوليساريو في منطقة تندوف، ومكّنت ما يُعرف ب"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، من الحصول على اعتراف أزيد من سبعين دولة. إلّا أن هذا الرقم الأخير انخفض إلى 38 دولة في الفترة الحالية. ويعزى هذا الانخفاض أساساً إلى سقوط أنظمة شيوعية كانت حليفة للنظام السياسي الجزائري، وإلى مراجعة دول أخرى لمواقفها السياسية الخارجية، فضلاً عن المشاكل الداخلية المتعددة التي تعاني منها جبهة البوليساريو، والتحرّكات الدبلوماسية المغربية. ويتحدث السطي في بحثه المعنون ب"قصة قضية الصحراء المغربية الغربية من المسيرة الخضراء إلى خطة الإتفاق / الإطار"، أن التحرّك الجزائري الكبير المساند للجبهة الانفصالية أدى إلى ضغوط دولية، كان من آثارها إقرار مخطط أممي لإجراء الاستفتاء في الصحراء، وهو الاستفتاء الذي لم يحدث لحد اللحظة لعدة أسباب كمشكل تحديد الهوية، وكان من آثارها كذلك جلوس المغرب إلى طاولة المفاوضات مع البوليساريو. وفي تصريحه لهسبريس، أشار المؤرخ المعطي منجب إلى أن أكبر نقطة إيجابية حصدها المغرب من المسيرة الخضراء، هي استعادته للصحراء وجعلها جزءاً من أراضيه، وهو ما يعود أساساً إلى دهاء الحسن الثاني الذي ضرب عدة عصافير بحجر المسيرة على حد قول المؤرخ، فمن جهة أجبر المحتل الإسباني على الانسحاب، ومن جهة ثانية خلق تقارباً مع المعارضة المغربية التي كانت تواجه سياسات القصر الملكي، ومن جهة ثالثة أبعد الجيش عن السياسة، ومن جهة رابعة خلق إجماعاً وطنياً حول قرار اتخذه. إلا أن النظام السياسي المغربي، يردف منجب، استمر في توجهه اللا ديمقراطي، ولم تتوقف الأساليب "القمعية" للملك الراحل، ممّا قوى من جبهة البوليساريو، وأدى إلى قبول المغرب إجراء استفتاء بخصوص الصحراء، لم تتم مباشرته أبداً لعدم رغبة الجانبين معاً:" البوليساريو كانت تعرقله في بداية التسعينيات، والمغرب لم يعد مقتنعاً به حالياً، بعدما تأكد أن حتى حسم نتيجة الاستفتاء لصالحه، لن تمكّن من القضاء على البوليساريو الذي ينشط بقوة خارج المغرب، لذلك يؤمن المغرب بحل توافقي هو الحكم الذاتي". يقول منجب. ويتحدث الباحث في العلوم السياسية، عبد الرحيم العلام، عن مجموعة من الأخطاء التي ارتكبها المغرب، فقبل المسيرة قام بحلّ جيش التحرير وإلحاق أفراده بالجيش النظامي، ممّا فسح المجال للبوليساريو كي تقوم جهة المقاومة الوحيدة في الصحراء. وبعد المسيرة، قبل باقتسام الأرض مع موريتانيا، حيث ترك لها إقليم وادي الذهب، دون أن يراعي تأثير ذلك على دوافعه بسيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية. وأضاف العلام في تصريحات لهسبريس أن المغرب تعامل مع سكان الأراضي المسترجعة مثل "تعامل أي دولة خارجية مع شعوب تريد كسب ودها بأي وسيلة، عبر منحهم امتيازات متعددة لا تمنح لغيرهم"، فضلاً عن " التضييق على الحريات السياسية، والممارسات القمعية التي تم نهجها ضد كل الحركات التي رفعت شعارات معيشية أو شعارات سياسية". وبعد مرور قرابة أربعة عقود على تنظيم المسيرة، تُطرح الكثير من الأسئلة حول الأداء الديبلوماسي المغربي بخصوص الأقاليم الجنوبية، فإن ساهم في سحب اعتراف مجموعة من الدول بالجمهورية المزعومة، فإنه في الوقت نفسه، لم ينجح في سحب وصف "منطقة متنازع عليها" التي تُعرف بها المنطقة ذاتها في الأوساط الدولية، ولم يتمكن من فرض الحل الذي يبتغيه وهو "الحكم الذاتي"، لتستمر فصول القضية، وليستمر معها التساؤل:" متى ينتهي الصراع ويعترف العالم أن الصحراء مغربية.. وفقط؟".