اتحاد المغرب العربي بين الإحياء والتأجيل توفيق المديني دراسة تاريخية سياسية من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق - 2006 الفصل الثاني: المغرب العربي بين مأزق الصحراء وسياسة الهيمنة الإقليمية كان لحرب الصحراء الغربية التي اندلعت في عام 1975 تأثير لا خلاف فيه على السياسة الداخلية، ولا سيما على السياسة الخارجية لبلدان المغرب العربي. ومنذ ذاك الوقت أصبحت هذه القضية عنصراً جوهرياً في إضفاء طابع التوتر والاضطراب والمجابهة في العلاقات الدولية المغاربية.و في هذه المرحلة اشتد التنافس الإقليمي للهيمنة على خارطة التقسيم الكولونيالي بين الأنظمة الحاكمة، بغية الحصول على "لقمة من الصحراء". بينما بالمقابل ينتاب هذه الأنظمة الخوف الشديد والذعر المستمر من الحركة الديمقراطية المستقلة في معظم الأقطار المغاربية، التي تناضل في سبيل بناء صرح وحدة المغرب العربي، كأساس مادي للاستقلال والتطور والتقدم التاريخي. و إذا كانت التطورات السياسية والعسكرية أوصلت النزاع على الصحراء إلى طريق مسدود، وكشفت للملأ بوضوح وجلاء مأزق اللعبة السياسية والعسكرية لجميع دول المنطقة وجبهة البوليساريو، فإن الحدثين الدبلوماسيين اللذين ادخلا دينامكية جديدة مع بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، هما: اتفاق وجدة بين المغرب وليبيا، كمحاولة لتقليص المناورات الإقليمية والإفريقية للنظام الجزائري، والاعتراف بالجمهورية الصحراوية من قبل منظمة الوحدة الإفريقية في قمة أديس أبابا15 22 تشرين الثاني /نوفمبر 1984، وخروج المغرب من تلك المنظمة. لسنا بحاجة إلى التأكيد أن قضية الصحراء قضية متعددة الأبعاد والأطراف التي تؤثر أو تتحكم بتفاعلات هذه المعادلة، فهناك طرفا الصراع المباشران المغرب وجبهة البوليساريو، وهناك الفاعلون الإقليميون كالجزائر وموريتانيا، والفاعلون الدوليون كفرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكيةوإسبانيا، ثم هناك المنظمات الدولية كالأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي، وتتسم مواقف هذه الأطراف جميعاً بالتناقض. وتعتبر قضية الصحراء عقدةً للتناقضات المستعصية في سياسات الأطراف المعنية بالنزاع الصحراوي، إذ دخلت طوراً جديداً من حيث وضعية موازين القوى المحيطة والمعنية على الصعيد العسكري، التي مالت مؤخرا لمصلحة المغرب، لا سيما بعد أن تم إنجاز الجدار الكبير الذي يبلغ طوله 1400 كيلومترا، والذي يمتد من الحدود الجزائرية عند بودجور، حتى مداخل المحيط الأطلسي. وبذلك سيطرت القوات المسلحة الملكية على الميدان داخل "المثلث المفيد"، وأصبحت الهجمات العسكرية عسيرة جدا في الوضع الراهن لمقاتلي البوليساريو. إذ إن الجبهة مطالبة اليوم أن تدخل في عمق الأراضي الموريتانية لكي تصعد على الشمال نحو المنطقة التي لا يسيطر عليها الجيش المغربي، لشن هجمات مباشرة ضد القوات المغربية. و هكذا، بفضل الانتصارات العسكرية التي تحققت في أواسط الثمانينيات، عاد الملك الحسن الثاني إلى طرح قضية الاستفتاء حول تقرير المصير مجدداً، وهو على يقين تام من كسبه، على أساس أن المحافظة على الصحراء، والوقوف في وجه الهيمنة الجزائرية، قضية وطنية. ومن العسير جداً أن يقبل الجيش المغربي، التفاوض حول ما تم كسبه عسكريا، باعتباره يدخل في نطاق السيادة لوحدة التراب الوطني. من دون شك، تؤكد النتائج لسيرورة تراكم الأحداث السياسية والعسكرية والدبلوماسية طيلة السنوات الماضية دخول مشروع خلق كيان "شعب صحراوي" و"دولة جديدة" في أزمة صراع الوحدة والتجزئة في المغرب العربي، ليس على نطاق الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان فقط، والتي أعادت إحياء فكرة وحدة المغرب العربي، وإن كانت ترجمتها العملية تتجسد في خلق المحاور على أرضية التنافس والصراع الإقليمي، وإنما كذلك على صعيد المطمح الاستراتيجي للطبقات والفئات الشعبية المغاربية التي يحدوها الأمل بتحقيق الوحدة المغاربية. يقينا ً أن احتمالات إيجاد وعقد تسوية مرحلية، مازالت تصطدم بسياسات القوى الضالعة بشكل أو بآخر في النزاع، والتي اعترتها تناقضات تكتيكية واستراتيجية، تجعل من جبهة البوليساريو الطرف الضعيف، بعد أن خسرت الحليف المادي ليبيا، ورفض الشعب والقوى الوطنية المغربية تبني مشروعها. وحتى إن حصلت على شهادة ميلاد لدولة صحراوية، من دون هوية قومية، وأرض، وشعب، ومؤسسات، فإن هذا لا يغير من الأمر شيئا، إذ إن الملك الحسن الثاني بات يفرض قواعد اللعبة، على الأقل قبل وفاته. على أساس هذا الوضع، من باب المنطق والتاريخ، أن نحلل المسائل الجوهرية التي فرضت نفسها على الرؤية القومية الديمقراطية العربية، من وجهتي نظر، الجغرافيا السياسية في هذه المنطقة الغربية من العالم العربي، وكذلك أيضا حركة الصراع ضد مخططات التفتيت الأمريكية – الصهيونية بجميع أشكالها، في سبيل مصلحة التوحيد المغاربي على أسس ديمقراطية. و أول سؤال يعترضنا: هل طرحت جبهة البوليساريو القضية الصحراوية في إطارها السياسي والتاريخي الصحيحين؟ إن موضوع النزاع، هو الصحراء الغربية، التي تقع في شمال غرب إفريقيا، وتبلغ مساحتها 284 ألف كيلومتر مربع، يحدها من الشمال المغرب، ومن الشرق الجزائر، ومن الجنوب والجنوب الشرقي موريتانيا ومن الغرب المحيط الأطلسي. وتتكون من إقليمين متمايزين: الساقية الحمراء في الشمال ووادي الذهب في الجنوب. استعمرت الصحراء الغربية من جانب إسبانيا عام 1884 وحدودها الموروثة عن الحقبة الاستعمارية محددة بالاتفاقات المبرمة بين باريس ومدريد ما بين 1886 و1943. تحتوي الصحراء الغربية على ثروات طبيعية مهمة جداً. ففي عام 1974 اكتشف الجيولوجي الإسباني، مانويل الياس مدينا مناجم الفوسفات في منطقة بوكراع الواقعة جنوب شرق مدينة العيون، ويقدر احتياطي هذه المنطقة بأكثر من 10 مليارات طن من الفوسفات، ونقاوته تتراوح ما بين 70% و80%،. كما توجد فيها ثروات معدنية وباطنية مهمة: بينها النفط والذهب والفضة واليورانيوم والحديد والنحاس والقصدير، وأهم ثروة سمكية موجودة على الكرة الأرضية، إذ تمتد مساحتها لتشكل 150 الف كيلو متر مربع وتضم أكثر من 150 نوعاً بحرياً، ما بين رخويات وحيتان وقشريات الخ. قد يصعب إعطاء رقم دقيق لعدد سكان الصحراء الغربية، نتيجة التضارب في الإحصاءات المقدمة، ولكن التعداد السكاني الأقرب إلى الدقة هو ماقامت به الحكومة الإسبانية في عام 1958، بوصفها البلد المستعمر لهذا الإقليم، إذ إن عدد السكان الإجمالي هو 73497 من المقيمين في الصحراء.و لم يشكل البدو الرحل والمجموعات القبلية التي سكنت الصحراء الغربية قط دولة على مر التاريخ، وكانت تتحكم فيهم النعرات والصراعات القبلية. و في الفترة الفاصلة بين 1953 1956 أي فترة الكفاح الوطني التحرري من أجل استقلال المغرب، انخرط آلاف الصحراويين في جيش التحرير المغربي، باعتبارهم مواطنين مغاربة، وكانوا يطمحون بعد استقلال المغرب عام 1956، إلى استمرار الكفاح الوطني لتحرير المناطق الثلاث الواقعة جنوب المغرب أو التي ظلت خاضعة تحت الاستعمار الإسباني ( افني، وترفايا والصحراء الغربية ). وفي عام 1963، أدخلت اللجنة الخاصة لإزالة الاستعمار التابعة للأمم المتحدة الصحراء الغربية ضمن الأراضي الإقليمية التي يجب إجلاء الاستعمار عنها بناء على طلب المغرب. من هنا نسوق الملاحظتين التاريخيتين: الأولى: إن الإمبراطورية في المغرب كانت تحكمها سلطة مركزية، باعتبار وجود هذه السلطة السياسية ممثلة في حكم السلطان، هي الحامية لوحدتها الترابية. ومن المعروف تاريخيًا أن معظم البلدان الأوروبية كانت تتعامل مع هذا السلطان أو ذاك في المغرب، بغض النظر عن علاقة سلطة السلطان بأقاليمه، وكيفية إدارتها. غير أن التنافس الاستعماري الأوروبي على تقسيم العالم، لاسيما للقارة العذراء إفريقيا، جعل الصراع الاستعماري بين فرنساوإسبانيا يتمحور حول المغرب،و انتهى في المحطة النهائية على تقسيم الإمبراطورية إلى مناطق نفوذ فرنسية وإسبانية، كان نصيب إسبانيا منها استعمارها للصحراء الغربية، وبسط نفوذها عليها، حتى تاريخ إبرام اتفاقية مدريد الثلاثية في عام 1975. الثانية: إن ماهو ثابت في التاريخ، أن سكان الصحراء الذين تتحكم فيهم البنية القبلية، ليس ثمة مجال للشك في أصلهم وإنتمائهم إلى الإمبراطورية التي كانت تقام في المغرب، وهم موحدون تاريخيًا معها عبر مختلف المراحل التي مرت بها. وحتى هذه القبائل التي اشتهرت بقساوتها، بوصفها قبائل حربية، لم تشكل كيانًا قائمًا بذاته، خاصًا بها،الأمر الذي ينفي قطعيًا قيام أي سلطة سياسية مستقلة في هذا الإقليم. إذا كانت حدة الفعل والعنف الاستعماري الغربي، قد تركا أثراً أساسياً في تقسيم وتفتيت الكيان الموحد للمغرب، جغرافيًا وسكانيًا، فإنه يعد من باب التكيف والخضوع لواقع التقسيم الكولونيالي البغيض، أن تبحث جبهة البوليساريو ومن ورائها الجزائر عن هوية جديدة وخلق كيانية مصطنعة، ليست لها أية مقومات.. محاولة بذلك نفي التاريخ المادي السابق، كي تنطلق في البحث عن الكيانية والهوية، في تاريخ الاستعمار الغربي والفعل الإمبريالي الراهن، اللذين أفرزا تناقضات أساسية: التجزئة، والقطرية، والإقليمية، والتبعية، والتخلف، والكيان الصهيوني، والطائفية. .الخ أصبحت مستحكمة في صراع الأمة العربية مع معسكر أعدائها، لتحقيق وحدتها السياسية، واستقلالها، وتقدمها. من الملاحظ، أن وضع قضية الصحراء في نطاق تاريخي معين، تستوجبه المنهجية العلمية، وكذلك طبيعة المسألة القومية، وحركة الوحدة في عالمنا العربي. لأنه إذا كانت الصحراء تميزت ببقاء الاستعمار الإسباني في حدود حقبة تاريخية، حيث حصلت باقي بلدان المغرب العربي على "استقلالها السياسي"، لا يدفع الوضع هذا، أن تعالج قضية الصحراء من قبل جبهة البوليساريو، باعتبارها موضوع تحرير أرض عربية، بعزلة تامة، وخارج سياق الحركة القومية الديمقراطية العربية،التي تناضل في سبيل تحقيق الحقوق الخاصة للأمة العربية، في التحرير، والحرية السياسية، والوحدة، والنهضة الاقتصادية والثقافية. علينا أن نرى، في بادىء الأمر، أن نشأة جبهة البوليساريو، كانت نتيجة انصهار مجموعتين: الأولى، مجموعة الرباط، والثانية، مجموعة الزويرات، التي تشكلت في موريتانيا.و هنا يجب التمييز بين اتجاهين طبعا حركة تحرير الصحراء في مطلع السبعينيات. لقد وجد الاتجاه الأول تعبيره، فيما قام به مصطفى الوالي، من طرح قضية الصحراء، باعتبارها حرب تحرير موحدة ضد الاستعمار الإسباني، في نطاق النضال المشترك مع القوى الوطنية المغربية.ولم تكن تراوده فكرة النزعة الصحراوية الإقليمية، أو النضال الوطني الصحراوي، لأنه والحق يقال، كان اتجاهه قوامه الوعي ووضوح الرؤية، في تحديد المسائل الرئيسة في المغرب، ومنها قضية تحرير الأراضي المحتلة في الصحراء وسبتة ومليلة، الطريق الوحيد، الذي سيعمق الأزمة العامة للنظام الملكي، ويجذر الحركة الشعبية في خط النضال ضد الاستعمار الإسباني والإمبريالية الغربية والقمع الداخلي. غير أن الاتجاه الثاني، عبرت عنه مجموعة الزويرات، أي الصحراويون المقيمون في موريتانيا. وهو اتجاه صحراوي قطري، شجعته في ذلك تجربة انفصال موريتانيا عن المغرب،و تشكيلها كيانًا خاصًا بها، وتأثره بحرب التحرير الجزائرية. لكن هناك عوامل أخرى، شجعت تقوية الاتجاه الثاني هذا، ومنها، عدم إمكانية خوض حرب التحرير، انطلاقا من المغرب، بسبب طبيعة النظام القمعية، والموقف السلبي والتهميشي لقضية تحرير الصحراء من قبل القوى الوطنية المغربية، والتناقضات الإقليمية، لاسيما بين الجزائر والمغرب، إذ إن كلا من البلدين يحاول أن يلعب دوراً إقليمياً مهيمناً في منطقة المغرب العربي.و هي –أي هذه العوامل جعلت مصطفي الوالي يلتقي قسرياً مع الاتجاه الثاني، وإن كان هذا خارج نطاق إرادته وقناعاته. لا شك في أن هذا العرض التمهيدي، هو من الأهمية، في فهم طبيعة الولادة القسرية، لجبهة البوليساريو في عام 1974 من خلال مؤتمرها التأسيسي، وفي معرفة الطرح لقضية تحرير الصحراء، على أرضية " الكيانية الإقليمية " وما يسمى " حق تقرير المصير للشعب الصحراوي ". و هنا نلمس مكامن الخلل الأيديولوجي والسياسي، في ثلاث قضايا أساسية: أولا ً – من الناحية المبدئية، كان الخطأ القاتل، في عدم تبني الإلتزام بالطرح القومي، أي وضع قضية الصحراء بصورة عضوية من قضايا الثورة الوطنية الديمقراطية في المغرب الأقصى، ضمن سياق الثورة العربية. ثانيا ً – قصور في الوعي السياسي، وفي عدم فهم قضايا الاستراتيجية والتكتيك، الأمر الذي جعل جبهة البوليساريو، تعتقد في خوض حرب تحرير، بالاعتماد على القدرة الذاتية الصحراوية. وقد أدى بها هذا الوضع إلى أن تصبح طرفًا ملحقًا في معادلات الصراع السياسي الإقليمي، في منطقة المغرب العربي. ثالثا ً – ولما كانت جبهة البوليساريو تفتقد إلى مقومات ترتكز عليها، لصيانة ما يطلق عليه " القرار الصحراوي المستقل "، لم يكن أمامها غير خيار الانخراط في استراتيجية صراع المحاور، في المغرب العربي. فحددت بذلك الجزائر كحليف استراتيجي، والمغرب، كعدو رئيس. بينما طبيعة الأنظمة، وموازين القوى الداخلية والإقليمية، لن تسمح بخلق ثورة " الشعب الصحراوي "، من ردم الشروط والعوامل التي أفرزتها. في خضم هذه التناقضات، انطلقت حرب الصحراء من الجبهة وقوات النظام الملكي المغربي. وعلى الرغم من أن الملك الحسن الثاني أعطى صبغة للنزاع من وجهة نظر تكتيكية، مغربي جزائري، بعد تقسيم الصحراء، فإن الرد سرعان ما قدمته جبهة البوليساريو عبر خلق " الجمهورية الصحراوية " في عام 1976. و هكذا بدأت تخوض الصراع على مختلف الصعد العسكرية والسياسية والدبلوماسية وفي بناء تحالفات إقليمية مع ليبيا من أجل الدعم واللوجستيك العسكري، وإن كان العقيد القذافي لم يتبنَ المشروع الصحراوي بحكم قناعاته الوحدوية، في خوض معركة تمثيلية الاعتراف على الصعيد الإفريقي، داخل المنظمة الافريقية، بالدولة الصحراوية. 1 الصراع على خارطة التقسيم الكولونيالي : لا تزال النخب في العالم العربي تعمل على تأسيس وعي تاريخي إقليمي سياسي ويديولوجي ونفسي، وسكاني وجغرافي، في الأقطار التي تحكمها، منطلقة من معطيات وفعل الاستعمار الغربي، ومن هذه القاعدة المادية التي هي أساس إنتاج وإعادة نتاج شروط استمرار العلاقة مع الإمبريالية، وفي سيطرة هذه الأخيرة على المقدرات الطبيعية والبشرية والجغرافية في المنطقة العربية، تمليه في ذلك مصالحها وامتيازاتها الطبقية المحضة، وأهدافها السياسية في المحافظة على السلطة داخليا، بإثارة كل أشكال التناقضات الطائفية والإثنية، والتفتيت الاجتماعي التي تخدم في المحصلة الاستراتيجية مخطط الأعداء، في تناقض تاريخي كلي مع قضاياالأمة العربية العادلة. و هكذا، فإن مشروعية الدول العربية التي تشكلت على أرضية إرث الولايات العثمانية، قامت بخلق مؤسسات الهوية القطرية، التي ليست سوى النتيجة والتعبير الضروريين لقيامها على خارطة التقسيم الكولونيالي، نراها اليوم بوضوح تام، كيف أنها ممزقة داخليا ومهددة في أشكال الكيانات السياسية التي بنتها الطبقات والفئات الحاكمة، وفي ظروف وجودها، بسبب من حركة الاستنزاف الداخلية، والصراعات الطائفية والإقليمية وتداخل كل أشكال الصراعات فيما بينها. وهي عاجزة عن حماية أمنها الداخلي، وحدودها القطرية، وتطورها، وخاضعة لأشكال التبعية المباشرة، ومستسلمة في الوقت عينه، لشروط وأهداف المخطط الامبريالي – الصهيوني. فكيف الحال بالنسبة للدولة الصحراوية الجديدة ؟ مع العلم ان الصحراء الغربية لم تشهد لا قيام كيان سياسي على أرضها، ولا حضارة مدنية، ولا أحداث حرب، ولا لعبت في مرحلة ما أدواراً تاريخية كما هي الحالة المعروفة بالنسبة لبعض الدول كمصر والعراق ومراكش. بديهي أن موقف القادة الصحراويين في إقامة دولة جديدة، لهو موقف مبني على أعمق الانفعالات القطرية وأكثرها ألمًا ويأسًا. لأنهم تذوقوا طعم السلطة في القيادة، لذا باتوا يبحثون، عن مصالحهم الذاتية الضيقة، وامتيازات الدولة، وإغراءات السلطة، منتهجين في ذلك سياسة رسمية قطرية، لا يقابلها نتيجة تعوضها، غير السير في الطريقة نفسها التي انتهجتها معظم الأنظمة العربية وحركات التحرر الوطني. أي سياسة بناء الأقطار وإقامة شرائعها السياسية والقانونية والإيديولوجية، وتثبيت، وتحديد حدودها، معمقين بذلك واقع التجزئة السياسية والجغرافية والسكانية، بصورة واعية. و لكن العوامل الرئيسة التي شجعت وساعدت على بلورة فكرة الدولة الصحراوية، يجب بحثها في الإطار الطبيعي الذي تجسدت فيه قضية الصحراء الغربية، ونعني به جذور الخلاف والصراع على الهيمنة في منطقة المغرب العربي، وبشكل أدق بين النظامين الجزائري والمغربي، وبدرجة أقل النظام الموريتاني باعتباره الحلقة الضعيفة الملحقة في سياسة المحاور المتغيرة وموازين القوى الإقليمية التي تفرزها. على الرغم من أن موضوع الحركات الوطنية في المغرب العربي عند انطلاقتها هو التحرير الشامل والكامل لهذا الجزء الغربي من العالم العربي عن طريق الثورة المسلحة، وتوحيده كخطوة أولية نحو تحقيق الوحدة العربية، فإن النتائج التاريخية والحقائق الجديدة كانت مغايرة تماما لتيار التحرير والوحدة. فلقد انسحب الاستعمار الفرنسي، ولكن مرحلة الاستقلال خلقت دولا جديدة في تونس والمغرب، بعد الانشقاقات في الحركة الوطنية في كل من البلدين، ثم تلاها انفصال موريتانيا عن المغرب بتشكيل دولة جديدة واستقلال الجزائر بعد نجاح الثورة المسلحة فيها، ثم أخيرا ما جاءت به اتفاقية مدريد 1975 التي سلمت بموجبها إسبانيا الصحراء الغربية إلى كل من المغرب وموريتانيا وهي القضية التي شكلت أزمة في المغرب العربي، وعمقت التناقضات فيه. في سياق هذه الوضعية التاريخية المعقدة برزت ثلاثة ظواهر : الأولى: ظاهرة الخوف المتبادل بين المغرب والجزائر، يغذيه في ذلك تناقضات سياسية وايديولوجية. فالنظام الملكي في مراكش، بحكم مركز ثقل المغرب التاريخي يريد استرجاع هيمنته على كل المنطقة، مستندا إلى وحدة سياسية وبنية اجتماعية متماسكتين وماضٍ إلى حد ما استقلالي. وهو يرى في نجاح الثورة في الجزائر واتجاهها المعادي للاستعمار والإمبريالية في البداية، نقطة خطر عليه. أما الجزائر، فهي، بحكم طبيعة الثورة القطرية التي حققتها، والشعور بعقدة النقص، عملت على بناء كيانها السياسي القطري المغرق في شوفينية، خوفاً من التهديد المغربي، وفي سبيل فرض حقائق تاريخ الجزائر الحديث، أي تكريس سياسة الهيمنة، ومحاولة لعب دور قيادي في المغرب العربي. الثانية: انتهاج سياسة التطويق والمحاصرة المتبادلة، قوامها الهيمنة في سبيل حل الموضوع الجوهري، ألا وهو الخلاف على الحدود بين البلدين.فالبرجوازية البيروقراطية العسكرية وجدت نفسها مسقطة في ثروة هائلة، اقتصادية وجغرافية، وبفضل موقعها في سلطة الدولة، عملت على الدفاع عن الإرث الاستعماري. وهكذا، بفضل الحضور القوي للجزائر على المسرح الإفريقي وفي بلدان عدم الانحياز، وسياستها الهوجاء والمبطنة، ومناهضة الإمبريالية، والحديث عن ما يسمى الاشتراكية، فرضت سياسة الهيمنة في المغرب العربي، دفاعاً عن الحدود التاريخية الموروثة من الاستعمار، وتكريسا لواقع "الأمة الجزائرية"، من اجل دفن نهائي لحق المغرب المطالب باسترجاع تندوف. الثالثة: بناء المحاور الإقليمية، وخلق موازين القوى التي تسمح بذلك، للحفاظ على السلطة داخليا، وخوض الصراع حاليا على الصحراء الغربية. فكان المحور الجزائري الليبي يقابله المحور المغربي التونسي الموريتاني، في السابق.غير أن البرجوازية البيروقراطية العسكرية في الجزائر حسمت موقعها نهائيا، إلى جانب الاصطفاف السياسي مع الأنظمة العربية الموالية للغرب، وذلك منذ مجيء الشاذلي بن جديد إلى الحكم. فكان تخلي النظام الجزائري عن جبهة الصمود والتصدي، وتعميق العلاقة مع الإمبرياليتين الفرنسية والأمريكية. ولما كانت سياسة تشكيل المحاور، أساسها الهيمنة وكسب قضية الصحراء، باعتبارها القضية المركزية لكل من الجزائر والمغرب، فإننا نجدها دائما متغيرة ومتحولة.وقد افرز الوضع الجديد محورين مع وصول حرب الصحراء إلى مأزق الحل، وبداية إحياء وحدة المغرب العربي الكبير، كما يريده المخطط الأمريكي في هذه المنطقة. لذا تشكل المحور الجزائري – التونسي الموريتاني، والمحور المغربي – الليبي، في أواسط الثمانينيات، وتلك هي استراتيجية المحاصرة المتبادلة، التي أدت إلى إثارة كل أشكال الصراعات الهمجية من حرب الحدود في عام 1963 إلى حرب الصحراء الآن.و لم لا إذا استمرت تولد الحرب بين القبائل والعرب، كما تخطط له من أزمنة غابرة، الإمبريالية الفرنسية، وحاليا الإمبريالية الأمريكية، من أجل المزيد من التفتيت حتى هذه الكيانات القطرية الهزيلة! لقد جاء في البيان التأسيسي لجبهة البوليساريو عام 1973، التي أسهم قدماء جيش التحرير المغربي المناوئون لنظام الملك الحسن الثاني، والمتأثرين بتجربة الاشتراكية الجزائرية في تأسيسها، ما يلي: ". .. تتأسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، كتعبير جماهيري وحيد، متخذة من العنف الثوري والعمل المسلح وسيلة للوصول بالشعب الصحراوي العربي الأفريقي إلى الحرية الشاملة من الاستعمار (...) وهي جزء من الثورة العربية". على نقيض هذه الرؤية التي تتمسك بها جبهة البوليساريو، يعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من سيادته الاقليمية والتاريخية على ترابه الوطني، قبل أن تخضع للتقسيم من جانب الاستعمار الفرنسي والإسباني. ويعتبرالمغرب أنه استعاد تلك الأرض من إسبانيا الدولة المستعمرة، وهو بذلك قد أنهى الحقبة الاستعمارية في منطقة المغرب العربي، ويعتبر أن هذا خط أحمر لا يمكن انتهاكه. لذلك، فهو يرفض أي حل أو مقترح يؤدي إلى استقلال أو تقسيم الإقليم، لكنه يقبل بالحل السياسي الذي يرتكز على منح الصحراويين حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية.و تصطف القوى الوطنية والديمقراطية المغربية على أرضية الملك الحسن الثاني لجهة اعتبار قضية الصحراء الغربية قضية وطنية بامتياز لا يمكن للمغرب أن يساوم على سيادته عليها. أما البوليساريو الجناح العسكري للجمهورية العربية الصحراوية فتعتبر أن سيطرة المغرب على الإقليم احتلال يجب إنهاؤه، وترفض أي خيار آخر. و أمام تعارض مطلبين أحدهما يقدمه المغرب مدعيًا حقوقًا تاريخيةً عريقةً في سيادة الصحراء الغربية، والثاني " يؤكد ويدافع عن حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال "، أعلنت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري في 16 تشرين الأول 1973 وجاء فيه :" إن جميع الأدلة المادية والمعلومات المقدمة إلى المحكمة لا تثبت وجود روابط سيادة إقليمية بين ارض الصحراء الغربية من جهة، والمملكة المغربية أو المجموعة الموريتانية من جهة أخرى. وعليه فإن المحكمة لم يثبت لديها وجود روابط قانونية، من شأنها أن تؤثر على تطبيق القرار 1541 المتعلق بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، وخصوصا تطبيق مبدأ تقرير المصير من خلال التعبير الحر والحقيقي عن إرادة سكان المنطقة ". وتدعم البوليساريو ومعها الجزائر موقفهما بالقرارات الدولية العديدة التي صدرت من الأممالمتحدة، ومنها القرار 1541 الصادر في عام 1966، ثم قرار الجمعية العامة 2928 في كانون الأول / ديسمبر 1972، ثم قرارها 3473 الصادر في عام 1997، ثم قرار مجلس الأمن 504 في عام 1985، والقرار 612 في عام 1988، والقرار685 في تموز/يوليو 1990، والقرار 809 في نيسان /أبريل 1991، ثم القرار 908 في آذار/ مارس 1993، كما أصدر مجلس الأمن في عام 2002 ثلاثة قرارات هي 1349، و1406، و1492. كل هذه القرارت تؤكد حق شعب الصحراء في تقرير مصيره، ورغبة الأممالمتحدة في استمرار عملها لتسوية القضية. لم ينتظر المغرب كثيرا للرد على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية التي أقرت بوجود روابط تاريخية بين المغرب وبعض القبائل الصحراوية وليس كلها، لكن هذه لا ترجح حقوقه السيادية أو تغلب على مبدأحق تقرير المصير. فنظم الملك الحسن الثاني المسيرة الخضراء في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، التي بلغ عدد المشاركين فيها أكثر من 350 ألف مواطن مغربي. و في موازاة المسيرة الخضراء، جاء اتفاق مدريد عام 1975 ليكرس تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، حيث تخلت الأخيرة لا حقا عن مطامعها. وهكذا انطلقت حرب الصحراء الغربية القائمة منذ عام 1975 وكان أثرها المباشر في احتدام صراع المحاور الإقليمية بين المغرب والجزائر واحتلاله موقعا في استراتيجيا التطويق والمحاصرة لكل من النظامين. فقد تم الإعلان عن قيام الجمهورية الصحراوية الديمقراطية في 27 شباط/فبراير 1976. وفي 1975 دان مجلس الأمن " الاحتلال المغربي " واعترف بجبهة البوليساريو كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي ". وفي 1984 تم قبول البوليساريو في منظمة الوحدة الإفريقية، الأمر الذي قاد إلى انسحاب المغرب من تلك المنظمة. ومنذ 1975 اصطدمت المراهنات الدولية والعربية والإقليمية لإيجاد تسوية سلمية لحرب الاستنزاف في الرمال الصحراوية المتصلة باستعصاء كبير، وولدت حالة من التوتر في أجواء علاقات دول المغرب العربي. إزاء هذا الوضع قام المغرب منذ عام 1980 ببناء جدار عملاق في الصحراء الغربية، لمنع حدوث عمليات عسكرية من جانب جبهة البوليساريو وحماية مناجم الفوسفات في بوكراع، وفي الوقت عينه عمل على بناء بنية تحتية اقتصادية واجتماعية في المدن الصحراوية، حيث استثمر 8، 2 ملياري دولار في الفترة الفاصلة بين 1979 و1989. فحظيت مشاريع المياه ( الاستكشاف وتوسعة القدرة الإنتاجية لمحطة التحلية الأولى في إفريقيا ) بحصة الأسد من مجمل الاستثمارات، إذ بلغت 3 مليارات درهم. وبعدما كانت المنطقة تزود بمياه الشرب عبر الصهاريج الآتية من جزر الكناري أصبحت المياه تصل اليوم إلى جميع المنازل مجانا. أما الاستثمار الثاني من حيث الحجم، فتمركز على بناء الطرق وربطها، وبلغت المبالغ التي أنفقت في هذا المجال حتى الآن 5، 2 ملياري درهم، تم بواسطتها انجاز 5200 كيلو مترا من الطرق. و يوجد في الوقت الحاضر 100 ألف موظف مغربي يعيشون في الصحراء، وما يقارب 160 ألف جندي متمركزين هناك. وأنفق المغرب 250 مليون دولار سنويا لتحسين ظروف العيش لسكان الصحراء والدفاع عنها. وكانت القوى الداعمة له هي المملكة العربية السعودية، والولاياتالمتحدةالأمريكية، وفرنسا. وقد أدخلت الرباط الصحراء الغربية في الانتخابات البلدية والاشتراعية، وفي الاستفتاء على الدستور عام 1993، في سياق عملها المؤسسي. 2 مبادرات وحلول عدة ورغم أن جبهة البوليساريو خاضت حرباً عسكرية مع المغرب لأكثر من 16 عاما بعد أن ضمتها المغرب في عام 1975، وحتى عام 1991، فإن القتال لم يتوقف بين المغرب والبوليساريو إلا بعد أن باتت هذه الأخيرة متيقنة من أن الخيار العسكري لن يفلح في تحقيق أهدافها، لذلك دخلت في مفاوضات مع المغرب بعد أن قبلت، وركزت على خيار الاستفتاء الذي يمنح الإقليم استقلاله وفق خطة التسوية التي اقترحتها الاممالمتحدة، والتي تمت على اساسها موافقة مجلس الأمن على إرسال بعثة الأامم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية Monurso بقراره 658 بتاريخ 27 حزيران 1990. وتضم هذه البعثة أكثر من 1500 مراقب عسكري و3000 من رجال البوليس و1000 مراقب مدني للإشراف على الانتخابات واستفتاء الشعب الصحراوي حول تقرير مصيره.بيد أن جهود الأممالمتحدة التي توسطت في اتفاق لوقف إطلاق للنار عام 1991 لوضع نهاية للصراع بعد استقالة مبعوثها جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي الأسبق في حزيران (يونيو) 2003، بعد سبع سنوات من توليه المهمة. وهناك دول إفريقية ذات وزن ثقيل من بينها الجزائر الداعم الرئيس لجبهة البوليساريو ونيجيريا لها علاقات دبلوماسية مع الجمهورية الصحراوية. ويمكن القول إن عددا ً كبيرا ً من المبادرات طرحت لحل هذه القضية ولكن دون جدوى. وتنقسم هذه المبادرات والحلول بشكل أساس إلى ثلاثة حلول: الأول: الحل القانوني وهو الاستفتاء وقد جاء خيار الاستفتاء لشعب الصحراء للاختيار بين حلّين، الأول الانضمام للمغرب، والثاني تقرير الانفصال والاستقلال وتكوين دولة الصحراء الغربية المستقلة. و في 19 نيسان 1991 صادق مجلس الأمن الدولي في قراره 690 على المقترحات التي قدمها الأمين العام في تقريره ( س/21360 ) ليعلن عن تشكيل بعثة للأمم المتحدة لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية ( بعثة المينورسو ) وعن روزنامة لتطبيق المخطط يبدأ بوقف لإطلاق النار في 6 ايلول 1991 وتنتهي بإعلان نتائج الاستفتاء في أواخر كانون الثاني 1992. كما حدد النص " أن الشعب الصحراوي يختار بحرية وديمقراطية بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب، وحدد أيضاً قاعدة الناخبين المشاركين في الاستفتاء بالاستناد إلى الإحصاء السكاني الذي أجراه الاستعمار الإسباني في الصحراء عام 1974، قبيل نهاية احتلاله لها. ويبلغ تعداد السكان بموجب هذا الإحصاء نحو 73497 صحراوياً يقيم أكثر من نصفهم في ثلاث مدن رئيسة هي: العيون والداخلة وسمرا. وهذا الإحصاء لم يأخذ في الاعتبار الهجرة الصحراوية المهمة في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، والناجمة عن حال الجفاف وانعدام الأمن. واتجهت هذه الهجرة نحو ثلاث مناطق رئيسة، هي: منطقة تندوف جنوب غرب الجزائر، وموريتانيا، وجنوب المغرب حيث يعيش ما بين 40 و50 ألف صحراوياً. لكن الأممالمتحدة لم تتلق الأموال الكافية للقيام بهذه المهمة التي تكلفها مئة ألف دولار يومياً. ونتيجة لعدم احترام وقف النار من الجانبين المغربي والبوليساريو، تعطلت روزنامة التطبيق، وتأجل الاستفتاء الذي كان مقرراً في شهر كانون الثاني 1992، إلى أجل غير محدد. لكن عاملين رئيسين أديّا مبكراً إلى تعطيل سير عملية الاستفتاء، أولهما الإعتراض من جانب البوليساريو على تقرير خافيير بيريز ديكويار الأمين العام الأسبق للمم المتحدة الصادر في 19 ديسمبر 1991، والذي تضمن خمسة معايير لتحديد هوية من يحق لهم الإقتراع. وثانيهما اللائحة التي تقدم بها المغرب وتضم 130 ألف إسمًامن ثلاث قبائل، اعتبرهم المغرب مواطنين صحراويين نزحوا أثناء القتال، ويعتبرهم البوليساريو قبائل مغربية ليست لها علاقة بالصحراء. ورفضت لجنة تحديد الهوية إدراج أسمائهم على اللوائح الانتخابية، بحجة أن المعايير التي تضمنها إتفاق هيوستن لا تنطبق عليهم، وقد اعتبرت البوليساريو أن حوالي 47 ألف سخص صحراوي تنطبق عليهم فقط تلك المعايير، ونتيجة لهذه العوامل دخلت مسألة الاستفتاء مرحلة الجمود حتى الآن. و في 25 شباط 1995 دان الديبلوماسي الأميركي فرانك رودي ( النائب السابق لرئيس لجنة التنظيم والاستفتاء وعضو المينورسو ) أمام الكونغرس الخطأ الذي تم ارتكابه لجهة منح الطرفين المتنازعين صلاحية تحديد هوية الناخبين الأساسيين، بدلا ً من الأممالمتحدة. و الاعتراف بما يسمى " الجمهورية الصحراوية الديمقراطية " من جانب 72 دولة لم يخدم قيادة جبهة البوليساريو خلال المفاوضات السابقة على إعلان خطة الأممالمتحدة في 30 آب 1988، لأن موازين القوى العسكرية الحقيقية على الأرض حسمت لمصلحة الانتصار العسكري المغربي. فجبهة البوليساريو تعاني من أزمة مالية، وخصوصا ً بعد تشكيل اتحاد المغرب العربي، كما انعكست هذه الأزمة في بروز انشقاقات على صعيد كوادر الجبهة وقياداتها والتحاقهم بالمغرب وذلك تلبية لنداء الملك المغربي الداعي إلى عودة المقاتلين الصحراويين وقياداتهم السياسية والعسكرية للاندماج في إطار مؤسسات الاقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، ومنحهم الامتيازات الكاملة بهدف استيعابهم. والحال هذه تعمقت أزمة البوليساريو مع تفجر الأزمة الجزائرية في التسعينيات، حيث خف الدعم الجزائري لها بسبب أولويات الصراع الأهلي الجزائري الملحة. وثانيهما، الحل السياسي الذي سمّي بالحل الثالث.ففي 3 كانون الأول 1997 وبرعاية وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر اتفق طرفا نزاع الصحراء الغربية – المغرب وجبهة البوليساريو – في هيوستن على استئناف تطبيق مسلسل السلام الأممي – الإفريقي في الصحراء الغربية، بهدف إجراء استفتاء حر ونزيه وعادل إضافة إلى اتفاق يقرر فيه الصحراويون مصيرهم بكل حرية. هذا وقد حضر لتوقيع هذا الاتفاق كل من الجزائر وموريتانيا كبلدين مراقبين معنيين بهذا الصراع. أهم بنود الاتفاق 1 استئناف عمليات تحديد هوية الصحراويين الذين سبق وقدموا استمارات طلب تسجيل وتنطبق عليهم معايير تحديد الهوية الخمسة المتفق عليها، والتي تنص على أن كل صحراوي بلغ ثمانية عشر عاما ً أو أكثر قبل 1994 له حق التصويت بشرط : أن يكون مسجلا ً في الإحصاء الإسباني لعام 1974. أن تكون لديه وثائق إسبانية تثبت هويته إذا لم يشمله الإحصاء المذكور. أن يكون أقام في الإقليم ست سنوات متوالية قبل 1975 ولديه وثائق إسبانية تثبت ذلك. أن يكون أقام في الإقليم لمدة 12 سنة متقطعة قبل 1975 واستطاع إثبات ذلك. من اتفق شيخ القبيلة على أهليته للتصويت. 2 يمتنع الطرفان عن دفع وتحريض كل القبائل المرموز إليها بالأحرف 41 H و152 و151 و61 H بصفة مباشرة أو غير مباشرة أو تقديم الطلبات نيابة عنها. 3 تقليص عدد القوات المغربية الموجودة في الصحراء الغربية. 4 تمركز قوات الطرفين في نقاط محددة. 5 إعلان عفو شامل وإطلاق سراح المعتقلين الصحراويين لدى المغرب. 6 تبادل الأسرى. 7 نشر لائحة في الأممالمتحدة ولدى الطرفين. 8 عودة اللاجئين الصحراويين إلى مواطنهم الأصلية. 9 الاتفاق على مدونة للسلوك تحكم الفترة الانتقالية، حُدّد فيه: أن المرحلة الانتقالية تبدأ مع عودة اللاجئين الصحراويين وتنتهي بإعلان النتائج. كما حددت طريقة إدارة الإقليم من جانب الأممالمتحدة وحقوق استعمال وسائل الإعلام إبان الحملة الانتخابية. و كانت خلاصة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع في الصحراء الغربية المقدم إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ 14 نيسان 1998 تتمثل في ما يأتي: تحديد هوية المقترعين تماشيا ً مع قرار مجلس الأمن رقم 1133 استؤنفت عملية تحديد الهوية يوم 3 كانون الأول وحتى 3 نيسان حيث تم استدعاء 56703 خلال المرحلة الأولى من المسلسل (من آب 1994 إلى كانون الأول 1995 ). أي أنه تم تحديد هوية نحو مئة ألف مرشحاً حتى الآن. إلا أنه لا بد من إيجاد حل للتجمعات القبلية المختلف عليها، حيث يتعلق الأمر ب65 ألف شخصاً تم تدارس مسألتهم في إطار اتفاقات هيوستن بين الطرفين. وكان المغرب قد عبر عن استيائه من عدم اعتراف الأممالمتحدة بهوية ناخبي ثلاث قبائل مغربية. وأبدى مخاوفه من نتائج الاستفتاء على تعزيز مصير الصحراء. وفي الواقع لم تعترف بعثة الأممالمتحدة " مينورسو" سوى بنسبة 4 في المئة من الناخبين الصحراويين المرشحين للمشاركة في الاستفتاء. وكانت جبهة البوليساريو طعنت في انتماء هذه القبائل إلى الصحراء وأكدت أنها مغربية. وكشف الناطق باسم الحكومة المغربية خالد عليوة أنه من أصل 65 ألف صحراوياً ينتمون إلى ثلاث قبائل كبيرة في سجلات المؤهلين للمشاركة في الاستفتاء بالطبع، لم تقر لجنة الأممالمتحدة سوى بانتماء 2130 شخصاً منهم إلى الصحراء، ويحق لهم المشاركة في الاستفتاء، وهو ما يعادل 4 في المئة. إن الوقت يعمل لمصلحة المغرب، ويبقى على النظام المغربي، إذا فاز في هذا الاستفتاء وهو ما يؤكده المراقبون والوقائع السياسية والعسكرية أن يطرح على جبهة البوليساريو نوعاًمن المصالحة المشرفة، عبر الاعتراف بها كحركة وطنية صحراوية معادية للاستعمار الإسباني، لا للنظام المغربي، والقبول بحكم ذاتي في إطار الدولة المغربية. وبذلك تفقد البوليساريو تاريخيًا خيار الكفاح المسلح ضد النظام المغربي، بعد سقوط المراهنات الإقليمية لتوظيفه لمصلحة سياسة الهيمنة في المغرب العربي، واتجاه دول المغرب العربي نحو المصالحات الإقليمية والتخلي عن سياسة صراع المحاور، على الأقل مرحليا ً. 3 استقالة بيكر من نزاع الصحراء عُيّن السيد جيمس بيكر عين في مهمته كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة مكلف بقضية الصحراء منذ سنة1997، بهدف التوصل إلى حل لقضية الصحراء الغربية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها لإيجاد تسوية سياسية لهذه القضية التي تعود إلى مخلفات الحرب الباردة، إلا أن استقالته هذه اعتبرها المحللون واحدة من حالتين، إما أنها تعكس قناعة لدى بيكر بالإخفاق في وساطته أما م انسداد أبواب التسوية، أو أنها مقدمة لتطورات لاحقة تعمل الولاياتالمتحدةالأمريكية على بلورتها على غرار ما قامت به لفرض حل في نزاعات إقليمية ودولية أخرى مثل النزاع في جنوب السودان. ويرى المراقبون أن انسحاب جيمس بيكر من ملف الصحراء يعد انتصاراً للمغرب ومكسباً دبلوماسياً له، لأن الرباط كانت ترى في الوسيط الأممي عقبة مستعصية لتحقيق التقدم المنشود في مخطط التسوية السياسية، لأنه برأيها تجاوز صلاحياته وانتقل من موقع الوسيط إلى موقع المفاوض، كما أن بيكر لم يتوان في حشد وتعبئة عدد من الجهات واللوبيات قصد انجاح مشروعه. ما حدث أن قضية الصحراء نمت في اتجاه آخر، وعندما تسلم الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر الملف عام 1997 أقر بالصعوبات التي تكتنف التعاطي معه، مؤكداً ضرورة البحث عن حل بديل لاستفتاء تقرير المصير. وقادته جولات استكشافية مع الأطراف المعنية الى وضع صيغة "الاتفاق الإطار" ضمن ما يعرف ب"الحل السياسي" بعدما كان جرب محاولات سابقة لتفعيل خطة الاستفتاء في سياق اتفاقات "هيوستن" التي جاءت عقب محادثات عقدت في برلين وبرشلونة. لكن رفض الجزائر وجبهة "بوليساريو" صيغة الاتفاق الإطار الذي يمنح إقليم الصحراء حكماً ذاتياً موسعاً في اطار السيادة المغربية، جعله يطرح أربعة خيارات جديدة هي: العودة إلى الاستفتاء أو تكريس الحكم الذاتي أو تقسيم الإقليم أو انسحاب الأممالمتحدة من إدارة الملف. لكن اللافت أن فكرة التقسيم التي جاءت باقتراح من الرئيس الجزائري بوتفليقة عرّضت من جديد علاقات المغرب والجزائر إلى المزيد من التأزم. فقد اتهم المغرب الجزائر أن لها أطماعاً في الصحراء تغلفها بمبدأ تقرير المصير وتؤكد أنها من خلال طرح فكرة التقسيم تحاول أن تنوب عن سكان الصحراء في تقرير مصيرهم. و تكمن إشكاليات الصحراء الغربية في أن صيغة تقرير المصير تبدو مشوشة لأن الأساسي في هكذا مبدأ الاحتكام إلى نتائج الاقتراع بينما أصل الأزمة في قضية الصحراء أنه لم يحصل في أي مرة الاتفاق على الأعداد النهائية للمؤهلين للاقتراع. ولقد حددت الأممالمتحدة شروطها الخاصة بإنهاء الصراع حول قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها بين جبهة البوليساريو والمغرب. وجاء ذلك في الخطة التي وضعها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى الصحراء الغربية وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر والتي تباركها الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن المعروف أن اقتراحات المبعوث الدولي جيمس بيكر تنص على إجراء استفتاء لتقرير المصير بعد فترة انتقالية تدوم بين أربع أو خمس سنوات، في نطاق تجربة الحكم الذاتي الذي يقوم على أساس منح سكان الإقليم صلاحيات واسعة في إدارة الحكم المحلي بعد انتخابات ترعاها الأممالمتحدة ليختار الشعب بين الاستقلال عن المملكة المغربية أو الاندماج مع الاحتفاظ بحكم شبه ذاتي. وهو بديل مستحب، حسب الأممالمتحدة بين الاندماج في المغرب والاستقلال. للشعب الصحراوي.. وكان بيكر قد عهد إلى فرنسا برعاية الحل السياسي، إلى جانب الولاياتالمتحدة وفق هذا "الاتفاق الإطار". غير أن التطور السريع للعلاقات الجزائرية – الأميركية، وزيارة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى واشنطن عدة مرات، وبداية الشراكة بين الجزائر وحلف شمال الأطلسي، التي أعلنت رسميا ً عقب زيارة بوتفليقة إلى بر وكسل يوم 19 ديسمبر 2002، والتوقيع على اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، كل هذه العوامل مجتمعة تؤكد على إرادة جزائرية من التقرب من الدول الغربية الرئيسة، وتعزز فكرة خطة تقسيم الصحراء الغربية، الأمر الذي جعل المغرب يرى في مساعي الجزائر نية مبيتة غير تلك التي تعلنها من خلال دفاعها عن ما تسميه بحق تقرير المصير. و بالمقابل اعتبر الرئيس الأميركي جورج بوش، منذ العام 2002، المغرب "بلداً حليفاً للولايات المتحدة" من خارج حلف شمال الأطلسي، عشية الزيارة الرسمية التي قام بها العاهل المغربي محمد السادس إلى واشنطن في 13 حزيران 2003، لإجراء محادثات مع دبليو بوش. ويعتبر هذا القرار "إجراء رئاسياً اتخذ طبقاً لمقتضيات القانون المنظم للمساعدات المالية، وبيع المعدات العسكرية الأميركية للبلدان الأجنبية". كما أنه يرشح المغرب للمشاركة في العقود والأبحاث العسكرية وبرامج التطوير التي تشرف عليها وزارة الدفاع الأميركية. ومن المرتقب أن يقوم وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بزيارة إلى المغرب لتطوير التعاون العسكري بين البلدين المرتبطين منذ أكثر من عشرين عاماً باتفاق عسكري يسمح للقوات الأميركية بالتوقف واستخدام قواعد عسكرية مغربية، مع العلم أن الولاياتالمتحدة زادت في حجم مساعداتها العسكرية للرباط في موازنة العام الجاري. الهدف المباشر الذي تضغط باتجاهه كل الأطراف الدولية :الولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنساوإسبانيا، هو بالطبع إيجاد تسوية لقضية الصحراء الغربية التي تشلّ "الاتحاد المغاربي"، وتمنع تنقية الأجواء المغربية. هناك مساع مبذولة لعقد قمة رباعية تجمع كلاً من المغرب والجزائر وفرنساوإسبانيا، من أجل إيجاد مخرج للمعضلة الصحراوية لا يشكل بديلاً لصلاحيات الأممالمتحدة ومشاريعها، بل يستند عليها، غداة الموافقة بالإجماع على قرار تمديد ولاية "البعثة الدولية إلى الصحراء" (منيورسو). الأطراف الدولية، خصوصا ً فرنساوالولاياتالمتحدة تساند الطروحات المغربية في شأن قضية الصحراء الغربية، وهناك مجموعات أميركية تشجع مشروعا ً اقتصاديا ً لتنمية المغرب العربي بالتحالف مع المملكة العربية السعودية لمنافسة مشروع الشراكة الأورو متوسطية الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي في برشلونة عام 1995، ولكن إحراز أي تقدم لأي مشروع رهن بحل النزاع في الصحراء الغربية وإيجاد حل سياسي للنزاع الأهلي الجزائري. ليس من شك في أن قضية الصحراء الغربية تمس صدقية طرفي النزاع فيها، فإذا لم تحصل قيادةجبهة البوليساريو على الاستقلال فإنه من المؤكد أنها لن تقبل النتيجة، وسوف يحصل آنذاك انشقاق كبير في صفوفها، وتنضم أكثرتيها إلى المغرب، وفي حال عدم إثبات المغرب " مغربية " الصحراء، فإن النظام سوف يضعف كثيرا ً. ولكن المغرب سوف يستغل إلى أقصى حد الوضع الإقليمي في المغرب العربي، وضعف الجزائر بسبب أزمتها البنيوية العميقة. 4 استعصاءات التسوية في الصحراء الغربية يعد انسحاب جيمس بيكر من ملف الصحراء انتصاراً للمغرب ومكسباً دبلوماسياً له.وقد اعتمد جيمس بيكر عدة سيناريوهات لإيجاد حل لمشكلة الصحراء الغربية.. فالسيناريو الأول يقوم على البحث في تفعيل وتسريع خطة الاستفتاء وتجاوز الاستعصاء في آلية التطبيق، خصوصاً وأن الصحراويين ومعهم الجزائريين يحمّلون المغرب المسؤولية في تأزيم عملية الاستفتاء. الثاني: أن يدخل بيكر تعديلات على مضمون خطة التسوية تكون محور وفاق بين المغرب والبوليساريو. .. والسيناريو الثالث: هو وضع خطة بديلة للاستفتاء، تقبلها الأطراف المعنية، حيث يسود اعتقاد بأن الخطة الأخيرة ( البديلة للاستفتاء ) التي تعززها تحركات وسطاء عرب وأوروبيين تستند إلى قيام تفاهم مغربي – جزائري. إن الصحراء الغربية تبلور الانتظارات والإحباطات العائدة إلى العزة الوطنية والتي يسعى كل من المغرب والجزائر الاستفادة منها إلى أقصى حد. فالجزائر تفضل حلا ً إقليمياً، يعزز علاقاتها الدولية وهي الآن محور تركيز ثقل الاستراتيجية الأميركية في كل منطقة المغرب العربي، خصوصاً وأن خيارات الرئيس بوتفليقة أميركية بامتياز، لاسيما أنه يريد منح الولاياتالمتحدةالأمريكية قواعد عسكرية في الجزائر. والولاياتالمتحدة الأميركية تراهن على الجزائر، تسايرها في ما يكلفها شيئاً، أي في الصحراء، من أجل النفط والدليل: استثمارات أميركية مزدهرة خصوصاً في المجال البتروكيماوي. وكانت مصادر مطلعة في الجزائر تقول، أن الملك محمد السادس الراغب في طي ملف قضية الصحراء سريعاً، عرض على الجزائر في السابق، أن يعطيها ممراً برياً إلى المحيط الأطلسي عبر الصحراء في حال كان الاستفتاء المقرر لصالح الانضمام إلى المغرب. وهو ممر تراه الجزائر ضرورياً من أجل استثمار الامكانات المعدنية الهائلة في جنوب الصحراء الجزائرية. إلا أن القوى المتنفذة في الجزائر، خصوصاً الموالية للنفوذ الفرنسي، رفضت ذلك العرض، متذرعة أن الجزائر كدولة لا يمكنها بعد كل تلك السنين التراجع عما وصفته بالموقف " المبدئي " للجزائريين في قضية الصحراء. والرئيس بوتفليقة المتحمس لحل قضية الصحراء، يفتح الأبواب على مصراعيها أمام تحسين العلاقات مع المغرب، ويعرف جيداً أن الصحراء هي القطاع الخاص بالجنرالات المتنفذين داخل المؤسسة العسكرية، الذين رشحوه، ولا زالوا في مناصبهم. لذلك فإن مقاربة الرئيس بوتفليقة للحكم وملفاته تمر أساساً عبر العلاقة مع المؤسسة العسكرية، وهو الآن يتعامل معها ببراغماتية سياسية وواقعية عملية لاحاطته الدقيقة بتقاطعاتها وديناميتها. فالقوى والجهات الراغبة داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي ما زالت تملك النفوذ الأقوى في الأجهزة الفاعلة في السلطة، تعارض بشدة مشروعات التقارب مع الأطراف العربية، حتى في منطقة المغرب العربي، وهي الآن بصدد تطوير العلاقات مع واشنطن، والالتحاق ب " المنتدى السياسي والأمني الأطلسي ". كما أن الولاياتالمتحدة الأميركية تلعب على الحبلين الجزائري والمغربي، وتقول لكل من المغرب والجزائر ما يجب أن يسمعه، لكنها في الواقع هي مع مفاوضات بين البلدين، وبالتالي تريد حلا ً للصحراء باتفاق بينهما، يتمحور حول وضع متميز لسكان الصحراء، والذهاب إلى الاستفتاء بعد الاتفاق على نتيجته في صيغة " أقل من حكم ذاتي وأكبر من تنظيم جبهوي لاستيعاب الصحراويين في إطار سيادة المملكة المغربية ". وفي ظل غياب الانفراج بين المغرب والجزائر، الذي يسمح بإقامة علاقات بين الشعبين، وبين أصحاب الجمعيات والنقابات والأحزاب وأعضاء المجالس المنتخبة والصحافيين، وفي ظل عدم تخلي الجيش في الجزائر والقصر الملكي في المغرب، عن احتكار الوطنية وعدم القبول بنقاش علني وحر حول السياسة الخارجية داخل الهيئات الوطنية المنتخبة بصورة ديمقراطية، تستمر الحرب الباردة بين الجزائر والمغرب على إيقاع سباق المواقع والنفوذ الأميركي – الفرنسي في منطقة المغرب العربي، حيث يرى المراقبون أن الوفاق المغربي – الجزائري المؤجل حول الصحراء هو بدوره محكوم بنتائج هذا الصراع التنافسي الأميركي – الفرنسي في المنطقة واستحقاقاته الآتية. في حين تقطف "إسرائيل" الثمار بعيدا ًعن الضغوط التي تتعرض لها المنطقة. 5 تقسيم الصحراء يعيد النزاع إلى مربعه الأول بعد أن رأت جبهة البوليساريو مواقعها تتفكك مع مرور الزمن، هاهي قضية الصحراء تعود إلى المواجهة الدبلوماسية والإعلامية، بين المغرب والجزائر، عندما صدر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي يوصي بتمديد فترة بقاء بعثة الأممالمتحدة للاستفتاء في الصحراء " المينورسو " مع خيارات أربعة لحل النزاع الصحراوي، منها تطبيق مخطط التسوية أو مراجعة الاتفاق الإطار حول الحل الثالث الذي سبق وأن طرحه الوسيط الدولي، جيمس بيكر، على الأطراف المعنية، وخيار آخر يقضي بتقسيم الصحراء في حين يتمثل الأخير في إنهاء مهمة بعثة " المينورسو ". لكن طرح فكرة تقسيم الصحراء الغربية كخيار رابع في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، قد خلق أزمة راهنة بين المغرب والجزائر، إذ رفضت الحكومة المغربية " رفضا ً مطلقا َ فكرة تقسيم الأقاليم الصحراوية، ووصفتها بأنها " مؤامرة جديدة لخصوم المغرب ضد وحدته، الهدف منها إضعاف المغرب وعزله عن محيطه التاريخي والطبيعي وفصل أجزائه عن بعضها ". كما أشار بيان الحكومة المغربية إلى أن " إعراب الجزائر استعدادها للحوار حول فكرة تقسيم الصحراء، كما ورد في تقرير أنان، يكشف لنا عن نواياها الحقيقية، ويعتبر بمثابة خيانة لمبدأ تقرير المصير الذي كانت تخفي من ورائه مطامحها الجيوستراتيجية، وهي الآن باعتناقها لمشروع التقسيم تضع حداً للوجود الوهمي للشعب الصحراوي ". من جهتها أعربت الجزائر في رسالة وجهها عبد الله بعلي سفير الجزائر لدى الأممالمتحدة إلى كوفي أنان عن قبولها بالاقتراح المحتمل لتقسيم أراضي الصحراء الغربية. واستعرضت الرسالة موقف الجزائر من الخيارات الأربعة التي قدمها أنان في تقرير الأخير إلى مجلس الأمن بشأن مشكلة الصحراء الغربية. فالحكومة الجزائرية تتمسك أيضاً بالخيار الأول وهو الاستمرار في خطة التسوية التي أقرتها الأممالمتحدة في إجراء استفتاء لسكان الصحراء الغربية تحت إشراف المنظمة الدولية. وجددت الحكومة الجزائرية رفضها القاطع لاقتراح الاتفاق الإطار ( حكم محلي تحت السيادة المغربية ). فالجزائر تعارض مشروع الاتفاق الإطار هذا مهما كانت درجة الحكم الذاتي. من الناحية التاريخية والقانونية، كان منطق الحل المطروح لحل مشكلة الصحراء الغربية يكمن في الاحتكام إلى مرجعية تقرير المصير، أكان ذلك في صيغة استفتاء للتعبير عن الإرادة يقود الصحراويين إلى الاندماج في المغرب أو إلى الاستقلال عنه، أو في صيغة حكم ذاتي موسع يتوج باستفتاء. ويرى المحللون السياسيون في المغرب أن فكرة التقسيم للصحراء تنسف مبدأ تقرير المصير باعتباره حجر الزاوية في أي حل ترعاه الأممالمتحدة، وتقود إلى تقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو، الأمر الذي اعتبره المغاربة محاولة جزائرية لخلق كيان سياسي يؤمن لها منفذ اً بحرياً على المحيط الأطلسي. إن فكرة تقسيم الصحراء الغربية أعادت النزاع إلى نقطة مربعه الأول، ليس بعيداً عن مخلفات صراعات الحدود بين المغرب والجزائر. فالموقف الجزائري من مغربية الصحراء تمليه ضرورة المساومة مع المغرب إلى أقصى الحدود ودفعه للتنازل النهائي عن تندوف والإقرار بجزائريتها: مغربية الصحراء يقابلها جزائرية الصحراء الشرقية. فمنطقة تندوف الحدودية لا زالت متنازع عليها، واستغلال مناجم الحديد في تلك المنطقة يستلزم موافقة مغربية على تمريره نحو الأطلسي. ولأن الحصول على أحسن الأسعار لاستخراج الحديد وتسويقه إلى الخارج يتطلب إيصال الحديد إلى البحر عبر أسهل الطرق وأقربها، وأنسب ممر هو الذي يصل مناجم غارة جبيلات بالمحيط الأطلسي على الساحل المغربي، أي عبر خط سكة حديدية يبلغ طوله 515 كلم مقابل 1300 كلم مع أرزيو في الجزائر و1400 كلم مع نواذيبو في موريتانيا. الأزمة الجزائرية – المغربية، لها جذورها التاريخية المتعلقة بترسيم الحدود بين البلدين، لكن الملف الصحراوي المعقد والمتشعب أسهم إسهاماً كبيراً في جعل هذه الأزمة تأخذ طابعاً بنيوياً. ففي نظر المغرب، الجزائر تبحث عن منفذ على المحيط الأطلسي، فوجدت في الصحراء الغربية وسيلة مربحة. وبالنسبة للجزائر، فإن المشروع المغربي يكمن في تقوية موقعه صحراوياً والتوسع شرقاً وجنوباً ضمن إطار سياسة النفوذ والهيمنة في المغرب العربي. رغم أنه من غير الوارد تكريس خطة التقسيم للصحراء الغربية التي يرفضها المغرب، إلا أنه ما هو مؤكد هو عودة النزاع إلى مربعه الأول الذي يبرز إلى أي مدى يحول تعارض المواقف بين المغرب والجزائر دون إحراز التقدم في جهود الأممالمتحدة لحل النزاع، فضلا عن أن أزمة الصحراء الغربية تحولت إلى مأزق لا مخرج له في ظل استحالة قيام وفاق مغربي – جزائري، طالما بقي النزاع الصحراوي قائماً. الوقت الآن يعمل لغير مصلحة جبهة البوليساريو وقياداتها المتمركزة في الجزائر، لأنه خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت البلدان التي تساند قضية الصحراء الغربية في الأممالمتحدة قليلة. والعديد من هذه البلدان التي اعترفت بجبهة البوليساريو فيما مضى، أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وسحبت اعترافها ب " الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ". وعلى الرغم من أن جنوب إفريقيا اعترفت العام الماضي ب" الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية "، فإن هذا الأمر لن يغير شيئا في الوضع القائم. ومثلما وحدت قضية الصحراء المغربية السلطة والأحزاب السياسية على أرضية الخط السياسي للملك الراحل الحسن الثاني، باعتبارها قضية وطنية، كذلك الأمر عينه لقرار جنوب أفريقيا الأخير، الذي وحد المغاربة في غضبهم الشديد على حكومة جنوب إفريقيا. فهناك إجماع مغربي على أنه في الوقت الذي سحبت فيه العديد من الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية اعترافها بالجمهورية الصحراوية، لتمهيد الطريق نحو إيجاد تسوية عادلة ونهائية للنزاع الصحراء الغربية، تختار حكومة جنوب أفريقيا الانحياز المكشوف للأطروحة الجزائرية، وتقرر الاعتراف بجمهورية لا وجود لها. و يعتبر المحللون المتخصصون في الشؤون المغاربية أنه كان بالإمكان أن تتقدم جنوب إفريقيا كدولة إقليمية كبرى تتمتع بثقل سياسي واقتصادي وأخلاقي بمبادرة لتسوية النزاع في الصحراء، وتقريب وجهات النظربين الأطراف المتنازعة،أو أن تدعم جهود الأممالمتحدة في أقل تقدير. بيد أن الاعتراف بالجمهورية الصحراوية إنما يعني السعي نحو خلق وضع جديد في منطقة المغرب العربي، ومعاودة تشكيلها من الناحية الجيوستراتيجية لمصلحة الجزائر، التي تعتبر الآن القوة الإقليمية الأولى في منطقة الشمال الإفريقي، وتحظى بدعم قوي من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي متحالفة مع دولة جنوب إفريقيا. خلاصة القول أن حالة الانسداد التي آلت إليها المبادرات المختلفة لحل قضية الصحراء الغربية تعود أساسا ً إلى طبيعة التعقيدات الإقليمية والقانونية والسياسية التي تكتنف هذا النزاع المشتعل من أكثر من ثلاثة عقود، وهي التعقيدات التي أدت إلى إخفاق المحاولات الإقليمية والإفريقية والدولية لإيجاد تسوية نهائية تعطي لكل طرف من أطراف النزاع بعض وليس كل ما يطلبه. بيد أن حل قضية الصحراء الغربية بالطريقة الراديكالية يتمثل في إقامة التطبيع الكامل بين الجزائر والمغرب، وبالتالي تحقيق بناء الصرح الوحدوي المغاربي، الذي يحتاج بدوره إلى ثورة حقيقية: قوامها تحول الأنظمة المغاربية القائمة الآن إلى أنظمة ديمقراطية فعليا ً، وبالتالي تخليها عن احتكار الوطنية والقبول بنقاش حر وعلني حول القضايا التي تعوق بناء الاتحاد المغاربي هذا داخل الهيئات الوطنية المنتخبة بصورة ديموقراطية.فهل إن الجزائر والمغرب مستعدان لإقامة سلام بينهما، وحل هذا النزاع الإقليمي وفق رؤية مغاربية وحدوية شاملة؟ وبعيد كل البعد عن هذا الطرح، يعد المغرب حاليا مشروعاً "للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية" ترغب الرباط في طرحه على الأممالمتحدة، باعتباره الحل الذي يراه المغرب مناسبًا لأزمة سياسة مستعصية، كما في وضع نزاع الصحراء، والإقرار بنموذج الحكم الذي يعكس مكونات الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي المغربي المتنوع في إطار الوحدة، على الرغم من أن الصحراويين، موزعون بين الخرائط والولاءات. و كانت زيارة الملك محمد السادس التي قام بها للصحراء في شهر آذار/ مارس 2006 تندرج في سياق تأكيد الحكم الذاتي كأمر واقع ومقبول، الذي يقوم على توزيع السلطات والصلاحيات بين المركز والإقليم، في إطار سيادة الدولة المغربية الموحدة..