توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام العربي المعاصر قراءة الواقع واستشفاف المستقبل
نشر في العلم يوم 13 - 11 - 2009

في هذه المرحلة العسيرة من حياة العرب، حين تزداد المعاناة ويتعاظم القهر وتسحق الآمال وتفكك الأواصر وتسجن الحرية وتنهب الثروات ويضيع الحق ويُعتدى على الأرض ويُشتت الناس بفعل عدوّ ظالم وتضيع الحدود بين الخطأ والصواب وبين العدل والظلم وبين الكرامة والمذلة وبين السيادة والعدوان، في هذه المرحلة يقف المواطن في الوطن الكبير من مشرقه إلى مغربه متسائلا إلى أين تسير هذه الأمة؟ وما المصير؟ هل من القدر الذي لايكسر أن تبقى الأمة العربية في حالة من الضياع بين تاريخ زاهر في مرحلة من مراحل حياتها وبين حاضر مذلّ؟
هل الهيمنة الأجنبية قدر؟ وهل الاستبداد والظلم قدر لاراد له؟ وهل يستطيع العرب أمة أو شعوبا الاستمرار في قبول هذه الأوضاع السائدة التي تغلق فيها أبواب الأمل بفعل هيمنة خارجية تسلط داخلي؟
في هذه المرحلة المظلمة من تاريخنا، حين هجر الكثيرون أمتهم إلى المجهول وإلى عالم الضياع وارتضوا أن يكونوا عونا لأعدائهم على أمتهم يفرطون بالحق ويتنازلون عن الأرض ويقبلون الهيمنة الأجنبية، في هذه المرحلة يصبح من حق، بل من واجب. كل عربي أن يتساءل: متى تنتهي المحنة؟ وكيف؟«
بهذه الكلمات الجريحة الغيورة افتتح عبد الحليم خدام مقدمة كتابه »النظام العربي المعاصر، قراءة الواقع واستشفاف المستقبل« (المركز الثقافي العربي الدار البيضاء بيروت. الطبعة الأولى 2003)، وهو يحاول الإجابة عن تلك الأسئلة من منطلق دراسة وتحليل الأسباب التي أدت الى ما عاشته الأمة العربية في هذا العصر من وقائع وأحداث، واستخلاص ما يمكن أن يفيد أجيالها وهي تتلمس طريقها نحو المستقبل.
***********************
مدخل:
يقول المؤلف ممهدا لهذه الدراسة: »كان العرب، بعد أن وحدتهم رسالة التوحيد، أمة حملت مشاعل الحرية والعدل والمساواة، تنشر القيم وتعمم العلم والمعرفة وتحرر الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها، فأسست حضارة ستبقى مفخرة للعرب والمسلمين، وأسقطت عصور الظلام، وإذا بهذه الأمة العظيمة في تاريخها وتراثها وقدراتها وطاقاتها تجد نفسها مجزأة مفككة تكافح ظلمين: ظلم الأجنبي الطامع في ثرواتها ومواردها، وظلم بعض أبنائها الذين فقدوا الرؤية والإحساس بالانتماء، فكانت مصالحهم فوق مصالح الأمة. هذه الأمة التي حملت رسالة الإسلام بكل ما فيها من خير وعدل ومساواة وامتدت ثقافتها وعدالتها من حدود الصّين إلى المحيط الأطلسي، تعيش الآن في بحر من الظلم وتتعرض لعمل منهجي يهدف إلى إلغاء هويتها وترسيخ تفككها وتعميق التناقضات بين أقطارها لتبقي عاجزة عن النهوض ويصبح هذا الوطن أسير المطامع الأجنبية وفي مقدمتها المطامع الصهيونية.
وأكثر ما يؤلم ويقلق ويخيف هو العدوان الذي تتعرض له هذه الأمة من داخلها عبر التخلف والظلم والكبت والتسلط ومصادرة الإرادة مما يسهل الطريق أمام الهيمنة والمطامع الأجنبية.
إنّ الأمة التي تسلب إرادتها عبر إبعادها عن ممارسة حقها في تقرير مصيرها واختيار طريق تطوّرها ستكون عرضة للاستنزاف داخليا كما تكون ضعيفة في مواجهة أعداء الداخل والخارج.
إن استنزاف الأمة من خلال صراعاتها الداخلية، والخلل العام السائد في الوطن الكبير حالة لا يمكن أن تكون دائمة، فالألم العميق منطلق أكيد للنهوض والتمرد على الواقع بكل أبعاده« (ص 7 8).
وقبل أن نعرض بعض مواقف وأفكار ورؤى عبد الحليم خدام، نشير إلى أنّ هذا الكتاب يتألف من ثمانية فصول، هي على التوالي: الوعي القومي النظام العربي الراهن النظام العربي في مرحلة الحرب الباردة المشروع الصهيوني العرب والمشروع الصّهيوني حرب أكتوبر النظام الاقتصادي العربي المشروع القومي العربي.
الوعي القومي:
يؤكد المؤلف أن قضية الوحدة العربية ستبقى القضية الأهم في حياة العرب وفي تحديد مسار حياتهم. وما لم يحقق العرب وحدتهم فلن ينعموا بالأمن والاستقرار والحرية والعدالة والتقدم. ففي ظل حالة التفكك الرّاهنة لن يكون أيّ قطر عربي، مهما بلغت قوته أو ازدادت ثروته، بمنأى عن العواصف والأخطار، فالجزء مهما بلغت قوته يبقى عاجزاً عن حماية نفسه.
ويضيف عبد الحليم خدام أن الأوهام التي عاشها البعض حول إمكانية بناء قوة عسكرية واقتصادية ذات وزن ألحقت أضرارا كبيرة بالأمّة وأقطارها.
فالأمم المفككة تفتقد المناعة وتصبح قدرتها على مقاومة الأخطار وتوفير المتطلبات الأساسية للحياة الكريمة ضعيفة. وحالة الأمة العربية شاهد حيّ على أنّ بين الوحدة والتفكك يكمن الضعف والتردّي، وينتشر التخلف والظلم والقهر.
في ظل وحدة الأمة يتحوّل الضعف إلى قوّة والجهل إلى علم ومعرفة والظلم إلى عدل والفقر إلى غنى والتخلف إلى ازدهار...
رجع المؤلف إلى نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عندما بدأت تظهر بواكير الوعي القومي في مواجهة سياسة التتريك. وتتبع تطور هذا الوعي وتجلياته من خلال المؤتمرات: المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس سنة 1913، والمؤتمر العربي الذي عقد سنة 1931 في القدس، والذي تلاه ميثاق الجمعية العربية التي تشكلت في مصر عام 1936، وفي مطلع عقد الأربعينيات ظهرت في دمشق حركة قومية ثقافية أطلقها عدد من المثقفين السوريين عرفت بحركة الإحياء العربي تحولت في ما بعد إلى حزب البعث العربي.
و»كانت مصر دائما محط اهتمام المواطن العربي، وكان أكثر ما يقلق القوميين في الوطن العربي أن هذا القطر الأكثر سكانا وحلقة الإتصال بين مشرق الوطن ومغربه، والشريك في صياغة تاريخ العرب منذ الفتح العربي الإسلامي، بقي حتى قيام الثورة المصرية يواجه مشاكل داخلية وخارجية تركزت معظم جهود الساسة والمثقفين باتجاه مواجهتها« (ص 22).
وبعد الحديث عن مصر وتطور الوعي القومي فيها، انتقل المؤلف إلى الحديث عن سوريا ف »في مطلع عقد السبعينيات، وبعد الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد تبنت سورية سياسة قومية مبنية على قاعدتين، الأولى ربط الصراع العربي الإسرائيلي بالمصير العربي، والثانية العمل لتحقيق مناخ عربي ينمو في ظله التعاون والتضامن لبناء وضع عربي جديد..
وخلال الأشهر الأولى من عام 1971 أعادت سورية علاقاتها الطبيعية مع جميع الدول العربية وفي ذهن قيادتها أن الحرب مع إسرائيل بحاجة جوهرية إلى تضامن العرب ومساندتهم.
كان التوجه الرئيس باتجاه مصر فهي الشريك المباشر في الحرب ونجحت قيادتا البلدين في الإعداد لحرب تشرين.
وفي الوقت الذي ركزت فيه سورية جهدها نحو مصر كانت قيادتها تدرك أهمِّية كل من العراق والسعودية باعتبارهما من دول الطوق العربي حول فلسطين (ص 26).
إلا أن المؤلف يسجل تراجع بواكير الوعي القومي منذ سقوط الجمهورية العربية المتحدة في أيلول عام 1961، وتسارع هذا التراجع بعد نكسة حزيران.
وعقب على ذلك بقوله: »عندما تتعرض الأمم للنكبات والتحديات تتماسك لتواجه نكباتها وتصمد في وجه الأخطار، إلا أن العرب مارسوا عكس ذلك في النصف الثاني من القرن العشرين. وكان لسياسات معظم الأقطار العربية وممارساتها الإمعان في عزل شعوبها عن المشاركة في الحياة السياسية وفي الرقابة والقرار دور خطير في الانحدار إلى حالة الإحباط لدى الرأي العام العربي.
لم يجد المواطن العربي مبررات مقنعة للسياسات الرسمية فيما يتعلق بطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، وحالة التفكك في مواجهة إسرائيل وقوى الهيمنة الكبرى التي تهدد أمته.
ولم يعرف لماذا تعقد حكومة عربية سلاما مع إسرائيل في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل احتلالها أراض عربية أخرى وتمارس أسوأ أنواع العنف ضد الفلسطينيين وتغلق الأبواب أمام السلام؟ لماذا تبحث حكومة هذا القطر عن الخلاص في ظل الارتماء في جحيم القوى الكبرى؟
ولماذا نجحت الدول الأوروبية في إقامة الاتحاد بين أمم خاضت حروبا عديدة فيما بينها بينما لم يفلح العرب في السير خطوة نحو تطبيق اتفاقية الوحدة الاقتصادية التي وقعت قبل الاتفاقية الأوروبية بعام؟
لماذا هذا الخلل في الإدارات القطرية وفي النظام العربي العام؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير كان يطرحها المواطن في كل أصقاع الوطن دون أن يحصل على جواب مقنع.
الإحباط القومي
ساهمت مثل هذه الأسئلة التي عجزت الحكومات والأحزاب السياسية عن صياغة الردود المقنعة عليها في الإحباط القومي.
هل الحالة العربية الراهنة حالة دائمة؟ هل سيستعيد العرب وعيهم القومي فيستعيدوا احترام ذاتهم قبل أن يحترمها الآخرون؟ هل ستشهد الأمة ولادة حالة عربية أكثر وعيا لذاتها ومصالحها وحقوقها؟ أليست التحريات والأخطار التي تهددها كافية لإحداث صدمة كبرى لاستعادة الوعي..؟
إن ما يدعو إلى بعض التفاؤل هو ردود الفعل الشعبية في جميع أنحاء الوطن ضد العدوان الإسرائيلي الوحشي على الشعب الفلسطيني بعد أيلول 2000 والذي تصاعد عندما تحولت الانتفاضة إلى حركة تحرير مسلحة.
ولكن ردود الفعل هذه لم تخرج عن إطارها المؤقت والراهن كردّ فعل آني على الأحداث، ولم تتحوّل إلى فعل مؤثر في القرار العربي وفي السياسات العربية« (ص 28).
ويرى المؤلف أن مسؤولية تحويل ردّ الفعل إلى فعل مؤثر ومتواصل لا تقع على الحكومات لأن معظمها غير قادر على الفعل في ظل قرارها المسلوب لكن المسؤولية تقع بصورة رئيسية على المفكرين والأحزاب والمنظمات وعلى السياسيين الذين عليهم اختراق جدار الخوف ليصبحوا قادة حقيقيين لشعوبهم كي تستعيد حقوقها وتمارس دورها. على أن المؤلف يشير - كذلك - إلى أنه من النتائج الخطيرة لحالة الإحباط السائدة في الساحة العربية إفراز منظمات متطرفة في عدد من الأقطار العربية، وهذا الإفراز المتطرف هو رد فعل للتطرف في النظام العربي الذي لم يضع قواعد للنهوض والتقدم وتأكيد المصالح القومية المشتركة.
طبيعة النظام العربي الراهن
تناول المؤلف الأسباب الداخلية والخارجية محاولا تحديد معالم طريق عربي جديد للنهوض متطلعا إلى الأمام أملا في إنارة الطريق المظلم أمام الجيل الجديد.
»إن طبيعة النظام العربي الراهن هي أحد الأسباب الرئيسية في الحالة العربية الراهنة. وظروف تأسيسه وتطبيقاته تقدم صورة واضحة عن مواقع الخلل وتجيب عن الكثير من التساؤلات وتساعد على رسم طريق جديدة لنظام عربي جديد. والمقصود بالنظام العربي ميثاق جامعة الدول العربية وما انبثق عنه من معاهدات واتفاقات تحكم العلاقات العربية وفق ما ورد في نصوصها.
وبعد أن استعرض عبد الحليم خدام الملابسات التاريخية لقيام هذا النظام. والتيارات التي واكبتها، بيّن أن النظام العربي ولد في ظل النفوذ البريطاني الذي ساعد على هذه الولادة للأسباب التالية:
1- ضمان المصالح البريطانية شرق قناة السويس ولاسيما المصالح النفطية في العراق والخليج.
2- وراثة النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط.
3- استمرار السيطرة على قناة السويس والممرات الدولية العابرة للبلدان العربية وضبط الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة.
4- التمهيد لإقامة دولة إسرائيل.
5- إجهاض أيّ محاولة جدية لبناء وحدة عربية حقيقية وفعالة.
6- ومن العوامل الأخرى التي أثرت في سياسة بريطانيا الشرق أوسطية بروز الولايات المتحدة كقوة رئيسية في الحرب لعبت دورا رئيسيا في حسم الحرب لمصلحة الحلفاء مما يفتح الطريق أمام تنامي تطلعاتها نحو الشرق الأوسط نظرا لأهميته الاستراتيجية، مما دفع بريطانيا لترسيخ دورها التقليدي والعمل على بناء وضع يساعدها على استمرار وجودها الفعال في الشرق الأوسط.
في ظل مثل هذه الظروف والصراعات وموازين القوى الإقليمية والدولية تأسست جامعة الدول العربية وولد النظام العربي الذي مازال قائما.
ثم ذكر المؤلف مقومات هذا النظام لكن »مع ازدياد عدد الدول الأعضاء في الجامعة العربية ضعف الأمل في تحقيق تطور جذري في بنيتها وميثاقها، وذلك لازدياد عدد أصحاب المصالح في استمرار الأوضاع القائمة من جهة، وللدور المباشر والانشقاقات بين هذه الدولة وتلك من جهة أخرى.
ولعل ما ساعد على نمو الخلافات وانتشارها، نمو حجم المصالح والموارد في عدد من الأقطار العربية وافتقار الجامعة إلى آليات لحل الخلافات وتجنب تحوّلها إلى صراع مسلح في بعض الأحيان.
هناك سؤال كبير لابد من التمعن فيه وهو: لماذا توجد في حالة توتر دائم العلاقات الثنائية بين كل دولتين عربيتين متجاورتين؟(...).
إن مئات المليارات من الدولارات أنفقت على شراء أسلحة لا من أجل التصدي للعدوان الإسرائيلي وإنما من أجل مواجهة النزاعات بين هذا القطر وذاك؟
إن السبب الرئيسي لكل هذه المنازعات العربية - العربية هو عدم تأسيس النظام العربي على قواعد، وإنما على أساس تكريس المصالح القطرية، والمصالح الضيقة تشرع الأبواب أمام كل الاحتمالات!.
وقدّم المؤلف بعض الأمثلة على ذلك.
لكنه لم يغفل عن حقيقة أخرى وهي أن للدولة القطرية بحكم ظروف نشأتها ومكوناتها دورا كبيرا في إقامة النظام العربي الحالي وكذلك العجز الذي مازال يعانيه باستمرار. فقد »حققت الدولة القطرية بعد الاستقلال وجلاء الأجنبي إنجازات كبيرة كانت شبه معدومة في مرحلة الاستعمار، وتمثلت هذه الإنجازات في إقامة البنية التحتية بصورة جيدة لدى البعض ومقبولة في حدود الإمكانيات لدى البعض الآخر...
وشهدت الأقطار العربية تطورات مهمة في مجالات البناء المادّي لم تشهدها منذ قرون ورافق ذلك جهود كبيرة لنشر العلم والاهتمام بالصحة العامة وبناء الاقتصاد الوطني.
وفي الوقت الذي كانت حكومة الدولة القطرية تسعى فيه إلى تأمين أكبر قدر من الخدمات تجاهلت بعدا آخر هو الذي يعطي الدولة هويتها وهو البعد السياسي الذي يتيح للمواطنين حق المشاركة في الاختيار وتقرير مصيرهم والإسهام في تحديد أولويات النهوض والحرية في التفكير والتعبير.
وبتعبير آخر تصرفت الدولة القطرية كمقاول لتقديم أفضل خدمات لمواطني القطر في حدود الموارد في أحسن الحالات، ولكنها لم تتصرف باعتبارها تمثل الشعب الذي تقوده، وهذا ما كانت له نتائج سلبية على تطوّر البلاد، كما أسس لهوة واسعة وعميقة بين الإدارة الحكومية للدولة والناس.
ومن الأسباب التي أدت بالدولة القطرية إلى لعب هذا الدور هو أن بعضها تأسس في ظل الوجود الأجنبي وبعضها بعد خروجه، ولكنها في الحالتين بُنيت على القواعد التي قامت عليها الدولة في ظل الاحتلال.
لم تحاول القيادات التي تزعمت حركات الاستقلال وضع أسس ومرتكزات لدولة الاستقلال بل تأثرت إلى حد بعيد بالأشكال والأساليب التي كانت قائمة، وفي أغلب الأحيان سلكت هذه القيادات في إدارتها للدولة السلوك نفسه الذي مارسه المحتل الأجنبي.
ثم تحدث المؤلف عن مظاهر الخلل في بنية الدولة ونشاطاتها. وعرض - بعد ذلك - نماذج من العلاقات العربية ذات التوجه الوحدوي وإخفاقها ودور الخلفية السياسية والفكرية التي كانت قائمة آنذاك في عدم نجاح هذه التجارب وذلك بهدف تسليط الأضواء على أسباب التعثر، ليس من أجل استعادة وقائع التاريخ وإنما من أجل تصحيح الواقع الراهن وقراءة حاضر الأمة وما يحيط بها قراءة موضوعية أملا في تحديد رؤية واضحة للتعامل مع الواقع المرير والنضال من أجل مستقبل زاهر.
ومما خلص إليه قوله: »إن المشكلة الأساسية ليست في الصيغ الوحدوية وإنما بالقناعة أن العلاقات العربية يجب أن تكون شراكة حقيقية يتنازل فيها الشركاء عن قدر متساو من السيادة والمصالح القطرية لمصلحة هذه الشراكة وبصورة متدرجة للوصول إلى شراكة فاعلة تضمن مصالح الجميع وأمن الجميع« (ص 81).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.