المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش مخيم ضواحي مدينة العيون المغربية : الحكم الذاتي في الصحراء (1)
نشر في مرايا برس يوم 13 - 12 - 2010


الجزء الأول
قررنا نشر هذه الدراسة حول الحكم الذاتي كنت قد أعددتها مباشرة بعد الخطاب الملكي بمناسبة مرور ثلاثين سنة على استرجاع أقاليمنا الجنوبية ، حيث بعثت بنسخ منها إلى جريدة المساء وجريدة عبد العزيز كوكاس لكنها لم تنشر بسبب التعليمات حيث تدخل جهاز الأمن السياسي الذي يراقب هاتفي الثابت والنقال وجهاز الحاسوب الذي اشتغل عليه ، فكانت التعليمات سببا في حجب الدراسة ونشر الكذب والتعتيم ، كما تعرضنا بسبب هذا الموقف لاعتداء ظالم وسافر من قبل عالي الغمة وذيله الشرقي ضريس الذي كان يسرق أعمال الآخرين بمديرية الشؤون العامة وينسبها له عند تقديمها الى رؤسائه المبضعين ويأتي على رأسهم المجرم الأمي عبد العزيز علابوش والأمي حفيظ بن هاشم إضافة ، الى المجرم نور الدين بن إبراهيم الذي يداه ملطختان بدم العديد من الأبرياء و لم يكن يتردد في إهانة اطر مديرية مراقبة التراب الوطني بسبهم والتقليل من شانهم . ومن خلال قراءة النص ، سيتبين ان ما عالجته تلك الدراسة بتفصيل هو ما يقع الآن بالعيون وبأقاليمنا الجنوبية . فالى الرأي العام المغربي نعيد نشر الدراسة التي حجبت عن النشر بسبب التعليمات التي كان وراءها الهمة ،بن براهيم وضريس .
بمناسبة مرور ثلاثين سنة على استرجاع الأقاليم الجنوبية من المملكة الى ارض الوطن ، ألقى جلالة الملك خطابا بالمناسبة عرض فيه لأول مرة لحل بقي غامضا بين الجهة وبين الحكم الذاتي ،وربما ان سبب هذا الغموض جس نبض الشارع والشعب لمعرفة التوجهات والمسارات العامة قبل الاستقرار على رأي نهائي يحبذه الشعب بين أسلوب الجهة ، وبين الحكم الذاتي للمناطق الجنوبية من المملكة . وربما ان هذا هو سبب عدم إقدام الواقفين وراء هذا الاختيار على عدم كشف خبايا المشروع بالكامل والاقتصار فقط على الخطوط العامة عند محاولة عرض وتسويق الفكرة العامة لذا الدول التي زارها المسئولون الواقفون وراء هذا المشروع الذي يتضمن أخطارا محدقة بمستقبل الصحراء ، وبمستقبل الدولة المغربية ، ومستقبل الوحدة الترابية للمغرب . يلاحظ ان جمود الشارع وتفرج الشعب الذي يراقب مآل المشروع عن بعد ، وأمام عدم صدور ردود أفعال محتجة عن مقترح الحكم الذاتي ، شجع المسئولين في الذهاب بعيدا في مخططهم ، وذالك عندما انشئوا الكوركاس ، وعندما تجاوزوا الجهة كحل مقبول ، الى مشروع الحكم الذاتي كمخرج للنزاع الذي وجد فيه المسئولون نفسهم متورطين وبدون مخرج منذ أكثر من ثلاثين سنة خلت . وللتوضيح فان الجهة كطريقة في تسيير الأقاليم والمناطق المكونة للدولة لا تعني الحكم الذاتي الذي يعني تمتع مجموعة أقاليم داخل الدولة بالاستقلال والسيادة الداخلية عن المركز او الدولة الأم . وإذا كان الحكم المركزي بالعاصمة هو الذي يتولى تسيير الجهات المختلفة التي تتكون منها الدولة من خلال القوانين والتشريعات والمراسيم التنظيمية ، وتعيين كبار الموظفين من ولاة، عمال ، قضاة ، وضباط الأمن بمختلف الأجهزة ..لخ ، وإذا كانت الجهة تخضع لقانون الجهة المعمول به في جميع التراب الوطني ، إضافة الى خضوعها الى جميع القوانين الأساسية بالدولة ... فان منطقة الحكم الذاتي لن تكون خارج دولة الحكم الذاتي التي لا علاقة لها بقانون الجهة المعمول به في التراب الوطني . ان دولة الحكم الذاتي ستكون لها قوانينها الخاصة بها والمستقلة كامل الاستقلال في اتخاذ القرارات عن المركز في العاصمة التي ستحتفظ معها فقط بعلاقة التنبر ( الطابع البريدي ) والعلم . ان هذين الرمزين ليسا كافيان لإضفاء السيادة على دولة الحكم الذاتي التي تبقى في جميع الأحوال معرضة للانفصال ، وخاصة اذا جاءت دولة الحكم الذاتي ضمن شروط وملابسات وتراكمات تاريخية سلبية أثرت في قوى الأطراف المتنازعة ، وأثرت في طرقها المختلفة في التعاطي مع القضية الوطنية والاقتصار فقط على الارتجال والتخبط والتذبذب في المواقف .
ان منطقة الحكم الذاتي بالنسبة للمغرب ، هذا اذا افترضنا ان جبهة البوليساريو وتيارات الانفصال التي تكونت في الصحراء بسبب نهب أموال الجيش وبسبب التنمية المعطلة قد قبلت به ، ستأتي بعد ستة عشر سنة من الحرب أثرت كثيرا في المغرب ، بسبب ما خلفته من ضحايا ومفقودين ومسجونين وخسائر مادية فادحة ...لخ ، وستأتي بعد ثلاثين سنة من المواجهة السياسية والدبلوماسية في المحافل الدولية ، لم تعرف فيها ( الدبلوماسية المغربية) غير الفشل والهزيمة والانتكاسات المتوالية . ان السؤال بعد كل هذا المخاض : كم عدد الدول التي تعترف ( بالجمهورية الصحراوية الوهمية ) ، وكم عدد الدول التي تفتح تمثيليات للبوليساريو كحركة تحرير بعواصمها . تم كم عدد الدول التي تعترف بمغربية الصحراء ؟ فباستثناء السنغال والكابون لا احد . بل ان ما يسمى بالدبلوماسية المغربية عجزت عن إقناع الدول العربية خاصة الخليجية منها بتبني الأطروحة المغربية ، وعند عرض خريطة المغرب من قبل الفضائيات التابعة لتلك الدول ، دائما ترسم خريطة المغرب بخيط حرامي يفصله عن صحراءه . لذا وحتى يظهر المخطط النهائي لمقترح الحكم الذاتي ، يبقى التساؤل مشروعا : هل سيقبل المغرب بالجهة الموسعة الاختصاصات ، ام انه سيقبل بخيار الحكم الذاتي طبقا لقواعد القانون الدولي ، وهنا فان المسئولين عن المشروع ، وليس الشعب يكونون قد اقروا باختلاف المواطنين في الصحراء عن إخوانهم المغاربة في اللغة والتقاليد والعادات والتاريخ الذي لم يعد مشتركا ...لخ وهنا فان المسئولين يكونون قد سقطوا في أطروحة الشعب العربي في الصحراء التي كانت لب أطروحة اليسار الماركسي اللينيني خاصة منه منظمة الى الأمام وحركة لنخدم الشعب ، ولا تزال نفسها أطروحة البوليساريو التي تؤكد على هذه الحقيقة لتفنيد الأطروحة المغربية . وهنا نتساءل مرة أخرى : اذا كان المسئولون عن خيار الحكم الذاتي ينوون احترام المعايير الدولية ( القانون الدولي ) عند تطبيق الحكم الذاتي ، أليس من الأجدر ان يطبقوا هذا الاختيار على مناطق الريف ، سوس ، الأطلس المتوسط والأقاليم العروبية ، علما ان هذه المناطق والأقاليم وبخلاف الصحراء تتمتع بلهجات مختلفة : تشلحيت ، تعربيت ، تمازيغت وتريفيت ، كما تتمتع بتقاليد وعادات خاصة بها ، بل حتى تاريخها يختلف من سوس الى الأطلس المتوسط الى الريف الى بلاد العروبيين . ان قرار المسئولين بمنح الصحراء حكما ذاتيا دون هذه المناطق يشكك في الأطروحة المغربية حول مغربية الصحراء ، ويبين ان المسئولين ولسبب معروف ، يريدون التخلص من ورطة الصحراء ، اتقاء للمخاطر التي قد تسببها للنظام في المستقبل . ومما زاد في الغموض وعمق الشكوك ، اصطفاف جميع الأحزاب وراء هذا الاقتراح ، وتبنيها له دون إبداء اية ملاحظة او وجهة نظر في الأمر . ان السؤال الذي نطرحه هنا ،هو كيف لهذه الأحزاب ان تدعم مقترح الحكم الذاتي رغم تأثيره السلبي السياسي والجغرافي وانعكاساته على الوحدة الترابية للمملكة ، وفي غياب شعبه ومواطنيه ؟ انه أمر خطير للغاية خاصة وان الشعب يعلم ان هذه الأحزاب قد فقدت بريقها ولم تعد تمثل شيئا في الساحة ( نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة ) . ان اخطر شيء قامت به الدولة في هذا الصدد لتمرير مخطط الحكم الذاتي حين اختزلت الشعب في الأحزاب ، وهذا جعلها تصاب بعمى الألوان لطبيعة الأخطار التي سيرتبها ملف الصحراء . فهل يكفي استعمال الغربال لإخفاء أشعة الشمس اللاهبة ؟ وهل الخرجة الأخيرة كافية لإيجاد مخرج للنزاع الذي عمر لأكثر من ثلاثين سنة خلت ؟ الآن وصل ستاتيكو الى خمسة وثلاثين سنة ولا زال الواقفون وراء مقترح الحكم الذاتي يؤملون خيرا منه ، رغم ان جلالة الملك في جميع خطاباته ومنذ أكثر من ثلاث سنوات يتفادى ذكر الحكم الذاتي ويركز فقط على الجهوية الموسعة الاختصاصات التي ستعمم على جل التراب الوطني ، الأمر الذي يعتبر شرودا عن التوجيهات الملكية ، ويعتبر من جهة أخرى تعارضا مع إجماع الشعب المغربي المتمسك بمغربية الصحراء .
ان مقترح الحكم الذاتي المزمع عرضه على أنظار المجتمع الدولي سوف لن يكتب له النجاح ، لأنه ولد ميتا ، بل أجهض حتى قبل ان يخرج الى الحياة وذلك لأسباب عدة سنوضحها كالآتي .
1 ان مجلس الأمن لا يملك الصلاحيات لفرض الحكم الذاتي على الطرف الأخر الذي يرفضه ، لأنه لا يتوفر على أهلية ذلك . ان هذه الأهلية تبقى من حق البوليساريو المعنية وحدها بمناقشة الحكم الذاتي قبولا او رفضا . وعليه فان أقصى ما يمكن ان يقوم به مجلس الأمن ، اذا أضحى نزاع الصحراء يهدد الاستقرار بالمنطقة ، وفيما اذا تكررت أحداث العيون وتكرر الاعتصام الذي كاد ان يتحول الى عصيان مدني عام بالأقاليم الجنوبية ، هو اللجوء الى ميثاق الأمم المتحدة باستصدار قرار ينصص فيه المجلس على خيار الاستفتاء لتقرير المصير كحل عادل يحترم إرادة سكان الصحراء رغم ان هذا الحل يتعارض مع الحالة المغربية . اما حل الحكم الذاتي غير الموجود أصلا في ميثاق الأمم المتحدة ، فلا يمكن لمجلس الأمن اللجوء إليه إلا في حالة قبوله من الطرف المعني الذي يبقى البوليساريو وتيارات الانفصال بالداخل .
2 لا يمكن للمغرب ان يفرض الحكم الذاتي من جانب واحد ، وان فعل تكون هذه سابقة في تاريخ النزاعات الدولية ستترتب عليها نتائج خطيرة على مستقبل الوحدة الترابية للمملكة ، وعلى مستقبل الصحراء . ان تطبيق الحكم الذاتي بشروطه القانونية يبقى مرهونا بقبوله من الطرف الآخر الذي هو المعني به أي البوليساريو ، وليس الشعب المغربي والجماهير الصحراوية التي بقيت متشبثة بمغربيتها طيلة تاريخ المغرب الذي سطرته دماء الشهداء ومختلف ملحماة الهبات ضد الاستعمار الاسباني والفرنسي لبلدنا .
3 رفض البوليساريو لمقترح الحكم الذاتي جملة وتفصيلا وتمسكهم فقط بخيار الاستفتاء الذي سيكون مضرا بالحقوق المغربية التاريخية والمشروعة ، وهو ما يفسر وبالملموس ان مقترح الحكم الذاتي ولد ميتا منذ بداية انطلاقته الأولى .
فهل سيلجأ المغرب اذا رفض مجلس الأمن خياره في الحكم الذاتي ، الى تطبيق هذا الحكم من جانب واحد كما روج الى ذلك العديد من المسئولين و( زعماء ) بعض الأحزاب كالأستاذ العثماني عن حزب العدالة والتنمية ؟ اعتقد ان المغرب اذا طبق هذا الخيار من جانب واحد ، فان هذا سيكون نوعا من العبث الذي لم يشهده التاريخ من قبل . ان الصحراويين مفروض فيهم أنهم مغاربة مثل إخوانهم المغاربة الآخرين ، والدولة حين تميز بينهم في نفس الوطن ، فإنها بذلك تشكك في مغربيتهم ، وتشكك في انتماء الصحراء الى المغرب ، وليس الصحراويون هم الذين شككوا في مغربيتهم وفي انتماءهم الى المغرب . ان هذا الشيء الخطير للغاية لا يختلف من حيث الخطورة عندما أقدمت الرباط ونواكشوط على اقتسام الصحراء بموجب اتفاقية مدريد ، ثم قيام الرباط بممارسة حق الشفعة عندما أعادت ضم الإقليم ( وادي الذهب ) في سنة 1979 عند انسحاب موريتانيا منه ، وليصبح من جديد مغربيا بعد ان كان من قبل موريتانيا .
لقد ارتكب المسئولون عن ملف الصحراء عدة أخطاء خطيرة أثرت سلبا في عملية معالجة القضية الوطنية ، وشككت العديد من الأطراف الوازنة دوليا في حجج الأطروحة المغربية التي حاولت جاهدة إيجاد أرضية صلبة لحل المشكل في إطار النزاع بين دول المغرب العربي الذي كانت تغذيه الحرب الباردة بين الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي . ان قبول المسئولين بمنح الأقاليم الصحراوية من المملكة حكما ذاتيا اذا كان سيكون طبقا لقواعد القانون الدولي ، سيكون تنازلا من طرف المغرب لصالح البوليساريو والجزائر ، لان الحكم الذاتي هنا لن يخرج عن نموذج الدولة الفدرالية مثل فدرالية الأكراد والأرمن ، وهذا يعني اعتراف النظام في المغرب بخصوصية الشعب في الصحراء ، وبخصوصية المناطق الصحراوية المتنازع عليها التي أصبحت تختلف عن خصوصية مغرب ما قبل اتفاقية مدريد الثلاثية سنة 1974 . ان هذا الاعتراف الذي جاء متأخرا ، وبفعل الضغوط وليس بفعل القناعة او الاعتراف ب ( الخطأ ) ، يعني ان النظام في المغرب قد تخلى عن قسم المسيرة الخضراء ، وألغى من القاموس الخطابي شعارات ثلاثين سنة من ترديد الأقاليم الجنوبية للمملكة ، ولتصبح بالاقتراح المغربي دولة الحكم الذاتي ، وبما يحمل كل ذلك من أخطار قادمة ستضرب في الصميم وحدة الدولة ، وتختزن برميل بارود قابل للانفجار في أي اتجاه كان ، سواء بدخول المغرب الى المجهول او دخوله في المغامرات التي ستكون هذه المرة مدعومة من قبل الشارع بسبب حساسية الصحراء عند الشعب التي هي قضية حياة او موت .
ان هذا الموقف المرتجل ، والذي لا يختلف عن مواقف ارتجالية أخرى حصلت في السابق ، يدخل ضمن مجموعة مواقف متناقضة اخذ بها المغرب منذ ستينات القرن الماضي . هكذا وفي سنة 1966 اعلن المندوب المغربي أمام اللجنة الرابعة بتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة : " ... وفيما يتعلق بالمغرب مثلما هو الشأن بالنسبة لبقية البلدان الإفريقية الأخرى المستقلة حقيقة ، فان سكان الصحراء الأصليين يجب ان يكونوا قادرين على اختيار مصيرهم بكل حرية ، سواء باختيار الاستقلال او الانضمام الى أي بلد مجاور في الميادين السياسية والاقتصادية والدستورية ..." في سنة 1967 أعلن المندوب المغربي في الدورة 22 للجمعية العامة للأمم المتحدة :"... ان الحكومة المغربية لا زالت تعتقد ان الاعتراف لسكان الصحراء الاسبانية بحق تقرير المصير سيمكن من الإسراع بتصفية الاستعمار من هذا الإقليم . ان الوفد المغربي يرى ان إجراء استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة يشكل أحسن وسيلة لتحديد إرادة السكان .." . في سنة 1968 القى المندوب المغربي محمد بنهيمة في الدورة 23 للجمعية العامة للأمم المتحدة كلمة قال فيها :".. يبقى المشكل المطروح في قضية الصحراء الاسبانية التي تطالب بها موريتانيا كجزء لا يتجزأ منها .. وفي هذا الموضوع يجب التذكير ان موريتانيا نفسها كانت موضع مطالبة من المغرب باعتبارها إقليما مغربيا ، لكن بفضل تدخل الأمم المتحدة تم التوصل الى اتفاق حصلت بموجبه موريتانيا على استقلالها .. وبالنسبة للحالة الراهنة فان المغرب قبل بقرار الأمم المتحدة ، أي إجراء استفتاء حر لتقرير مستقبل الصحراء .." ان استعمال ممثل المغرب لعبارات " الصحراء الاسبانية وليس الصحراء المغربية " وتركيزه على " الاستفتاء لتقرير المصير وتحت إشراف الأمم المتحدة " جعل المنتظم الدولي يعتبر نزاع الصحراء هو قضية تصفية استعمار وليس قضية تحرير ، وبما ان المندوب المغربي لم يطالب باسترجاع الأقاليم التي تحتلها اسبانيا الى ربوع المملكة ، وتركيزه على الاستفتاء ، يعني ان قضية الصحراء مثل القضية الموريتنيا مصيرها مقرر بيد إرادة الصحراويين وبنتائج الاستفتاء لتقرير المصير ، أي ان المغرب ومثل الحالة الموريتانيا سيعترف باستقلال الصحراء اذا صبت نتيجة الاستفتاء في هذا الاتجاه . انه نفس المطلب تتمسك به الجزائر والبوليساريو الى اليوم .
عندما أحرز المغرب على استقلاله السياسي في سنة 1956 بقي جزء من ترابه تحتله اسبانيا في الشمال وبالجنوب ، وفي الشرق بقيت أراضي مغربية تحتلها فرنسا التي كانت تحتل الجزائر . في خضم هذا الوضع الظالم وجه جيش التحرير المغربي نشاطه الى الجنوب المغربي لتحرير الصحراء من يد الأسبان وإعادة ضمها الى المغرب ، لكن مؤامرة المكنسة المعروفة باكو فيون في سنة 1958، ثم ما عرف في حينه بمؤامرة الزموريين في يوليو 1957 ، أجهضت حلم جيش التحرير المغربي في مواصلة عملية التحرير ، وقد زاد من هذا الوضع المرتبك إقالة الحكومة التي ترأسها الأستاذ عبد الله إبراهيم رحمه الله ، ثم ظهور صراعات سياسية جانبية على السطح بين المخزن من جهة، وبين أحزاب برجوازية الدولة من جهة أخرى ،والجماعات اليسارية التي كانت مرتبطة بها بشكل او بآخر . كما احتدم الصراع وسط هذه الجماعات نفسها بما مكن من ظهور معادلات سياسية غير متكافئة غيرت ميزان القوى لصالح ترتيبات سياسية وتنظيمية ستحدد نوع وطبيعة التشكيلات السياسية التي انفردت بهندسة الفضاء السياسي طيلة الستينات والسبعينات وثمانينات القرن الماضي ، كما أنها سترسم نوع المعارضة السياسية ونوع الصراع الذي تعرضت له تلك القوى السياسية . ان الوضع السياسي الذي يوجد عليه مغرب اليوم هو نتيجة وإفرازا منطقيا لذلك المخاض الذي عرفه المغرب منذ 1947 والذي مهد لانفصال 1959 وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وما تفرع عنه من تنظيمات شغلت الساحة السياسية المغربية لأكثر من أربعين سنة خلت ، انتهت فيها المعركة وكالمعتاد لصالح القصر الذي طوع الجميع بما مكن من استمرار الدولة طبقا للخصوصية المغربية التي لم تعد مثار جدال او تشكيك من احد .
ان السؤال الذي يجب طرحه هنا : لماذا عملية المكنسة او ايكوفيون ضد جيش التحرير المغربي في سنة 1958 ، ولماذا مؤامرة الزموريين في سنة 1957 اذا كانت الصحراء مغربية ولم يكن احد يشكك في ذلك ؟. ما هي الأسباب الحقيقية وراء إقالة الحكومة التي ترأسها الأستاذ عبد الله إبراهيم ؟ وما علاقة دستور جمهورية الريف بجيش التحرير في الجنوب ؟ ثم كيف تزامنت أحداث الريف في سنة 1955 بعملية المكنسة التي صفي فيها جيش التحرير المغربي ؟ أسئلة محرجة جدا ، والإجابة عنها عند الرعيل الأول الذي عاصر تلك الأحداث وشهد عليها . وبعد غياب الفقيه محمد البصري ، عبد الفتاح سباطة ( الجيل الأول) ، عبد الغني بوستة السرايري ، عبدالسلام المؤذن ( الجيل الثاني )الذين عاصروا عن قرب الجيل الأول، تبقى المسؤولية ملقاة الآن على عاتق الأستاذ محمد بن سعيد ايت ايدر ( الجيل الأول ) والأستاذ الحبيب الطالب ( الجيل الثاني) على ان يبين للأجيال الحالية حقيقة تلك الفترة من التاريخ السياسي المغربي ، لكن ليس على طريقة ( شاهد على العصر) الذي بثته قناة الجزيرة .
في سنة 1963 وبسبب الترسبات الموروثة عن الحقبة الكلونيالية التي من سماتها اقتلاع الاستعمار الفرنسي لأراضي مغربية وضمها ظلما للجزائر الفرنسية ، دخل المغرب في حرب مفتوحة مع الجزائر بهدف استرجاع تلك الأراضي ، عرفت في حينها بحرب الرمال . لكن رغم مجهودات القوات المسلحة الملكية الباسلة في هذا الخضم ، ورغم الأرواح التي سقطت والعاهات المستديمة التي أصيب بها الجنود ورغم الخسائر المادية ..لخ فان تلك الحرب لم تحقق النتائج المرجوة منها ، ولم يتم تحرير الصحراء الشرقية التي بقيت خاضعة للاستعمار الجزائري الغاشم الذي اخل حتى بالاتفاقيات الثنائية التي وقعها مع المغرب بخصوص الاستغلال المشترك لثروات المنطقة المتنازع حولها .. ان هذا الوضع غير المفهوم من حرب عبثية لم تؤدي الى نتيجة لم يقف عند هذا الحد ، بل ستحصل مفاجئة جديدة غير مفهومة ، وذلك عندما وقع المغرب والجزائر اتفاقية الحدود في سنة 1969، بحيث أصبح المغرب الرسمي وليس الشعب يعترف بجزائرية الصحراء الشرقية مقابل لا شيء . ورغم هذا فان حكام الجزائر الذين لا يثقون في المغرب عدوهم الرئيسي ، ظلوا ينتظرون موافقة البرلمان المغربي على تلك الاتفاقية حتى تكون لها حجية قانونية وملزمة للدولة المغربية ، وحتى ترقى من ثم الى مرتبة المعاهدات الدولية التي ترتب آثارها القانونية على موقعيها . لذا فالجزائر لم تكن تفوت فرصة من الفرص للتذكير بأهمية الاتفاقية الحدودية الموقعة مع المغرب ، ومن ثم كانت تلح باكتمال شروطها بالمصادقة عليها من قبل البرلمان المغربي . لدا عندما طرحت قضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية ، وجدتها الجزائر المدعومة من قبل اللوبي الصهيوني المتمثل في وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السيد هنري كيسنجر ، فرصة سانحة لابتزاز المغرب قصد الحصول من حكامه على تنازل في قضية الحدود ، ومن جهة أخرى وجدتها فرصة مواتية لعرض عضلاتها لمعاكسة الحقوق التاريخية المغربية على الصحراء في المحافل الدولية . وقد ساعد الجزائر في مخططها هذا الدور الذي كانت تلعبه في منظومة حركة عدم الانحياز ، وفي القارة الإفريقية ، ثم اصطفافها طيلة الحرب الباردة إلى جانب المعسكر ( الاشتراكي ) وفي نفس الوقت الاحتفاظ بعلاقات متميزة وقوية مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية .
عندما أحس المغرب بالضغوط تشتد عليه ، من جهة الحرب المكلفة مع البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر ، ومن جهة فشل (الدبلوماسية المغربية) وانتكاستها في المحافل الدولية ، وكان من نتائج ذلك ازدياد عدد الدول التي تعترف ب ( الجمهورية العربية الصحراوية الوهم) او تعترف بالبوليساريو كحركة ( تحرير ) ، ثم انتهاج المغرب سياسة الهروب ، والمقعد الفارغ في منظمة ( الوحدة الإفريقية ) وفي العديد من المنتديات الدولية التي يتواجد بها الانفصاليون ، وتطالب أكثر بالاستفتاء لتقرير المصير بالصحراء ..لخ دفع المغرب في بداية النصف الأول من التسعينات برلمانه المزور ، بفعل الخريطة الحزبية التي كان يتحكم في هندستها وزير الداخلية السابق إدريس البصري ، إلى المصادقة عل معاهدة الحدود ( حزب الاستقلال رفض التصديق )مع الجزائر راهنا مصير شعب بمعاهدة خطيرة لا يد له فيها . وقد جاء هذا الاعتراف بعد أربعة وعشرين سنة من الانتظارية القاتلة كانت فيها الجزائر تراهن أن يعترف لها المغرب الرسمي بجزائرية الصحراء الشرقية ، مقابل ان تعترف له بمغربية الصحراء الغربية. ان هذا الاعتراف الرسمي الكارثة ، بجزائرية الصحراء الشرقية ، جاء بعد ان دخلت قضية الصحراء المغربية عنق الزجاجة ،وبعد العزلة التي منيت بها (الدبلوماسية) المغربية في المحالف الدولية . ان السؤال الوجيه والمشروع الذي يتعين على كل مغربي طرحه : لماذا الاعتراف باتفاقية الحدود في سنة 1969 ، ولماذا انتظار أكثر من عشرين سنة ليصادق عليها برلمان مزور لا تمثيلية ولا مشروعية له ؟ واذا أصبحت الدولة تعترف بمعاهدة الحدود المغربية الجزائرية ،، لماذا الدخول معها في حرب عبثية في سنة 1963 ، حيث ظلت الجزائر الاستعمارية والى الآن تحتل الصحراء الشرقية . من يتحمل المسؤولية السياسية عن هذا الارتجال الذي اضر بالحقوق التاريخية المغربية ؟
الجميع يعلم ان النظام المغربي مر طيلة الستينات والسبعينات ، وحتى منتصف بداية الثمانينات بفترات حرجة كانت تستهدف رأس الحكم واصله . فمن جهة كانت هناك معارضة يسارية شعبوية قوية يقودها ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية )، ومن جهة أخرى وجود معارضة مسلحة يقودها الجناح البلانكي الذي يؤمن بالانقلاب من فوق وسط الحزب المذكور . وقد وصلت تلك المعارضة المسلحة قمتها في الأحداث المسلحة في يوليو 1963 وفي أحداث 3 مارس 1973 المعروفة بأحداث خنيفرة مولاي بوعزة . ومن جهة ثالثة كانت هناك انقلابات عسكرية في سنة 1971 وفي سنة 1972 ، إضافة الى المحاولة الانقلابية الفاشلة للجنرال احمد الدليمي في سنة 1982 ، وهذا دون ان ننسى المشروع الإيديولوجي الضخم للحركة الماركسية اللينينية المغربية وبالأخص منها منظمة الى الإمام ومنظمة 23 مارس الذي كان يهدف الى إقامة ( جمهورية ديمقراطية شعبية ) ... ولكي يتمكن النظام من تخطي وتجاوز هذه الأزمات والأخطار المحدقة بأصل الحكم في المغرب ، طرح في سنة 1974 قضية الصحراء كعامل لتجاوز التناقض الداخلي بالتناقض الخارجي ، أي بتحويل الصراع السياسي من صراع حول مشروعية الحكم ، الى صراع حول الحكومة والبرلمان ( المسلسل الديمقراطي او الانتخابات ) الذي هندسه ادريس البصري ، ومن صراع وطني وطني الى صراع مع عدو خارجي تمثله الجزائر والبوليساريو وحلفائهم في الدول الاروبية .. لقد أدى هذا المخطط الذي تم إتقانه جيدا ونجح فيه النظام بامتياز ، ان تحولت المعارضة من معارضة أصل الحكم ، الى معارضة برلمانية متوحدة وراء العاهل المغربي الحسن الثاني رحمه الله ،والذي تحول في نظرها من عدو أساسي الى عدو ثانوي ، ومن إقطاعي مستبد الى رمز للتحرير والتحرر ، ووصل الأمر بالمعارضة الذي أصبحت برلمانية في بعض أجنحتها ، ان باركت اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وموريتنيا واسبانيا ، رغم ان تلك الاتفاقية لا تعترف للمغرب سوى بالتدبير الإداري للإقليم ، ولا تعترف له بالسيادة التي سيحسمها الاستفتاء لتقرير المصير بالمنطقة .. لقد بلغ التحالف بين القصر والمعارضة ( المنهجية الديمقراطية )في المسيرة لخضراء المظفرة ، وفي تزكية إعادة ضم الأراضي التي انسحبت منها موريتنيا في سنة 1979 ، وفي التخطيط للمسلسل الديمقراطي ...لخ . اما المعارضة الجذرية ، فظل يمثلها الفقيه محمد البصري بالخارج ، ومجموعة حركة الاختيار الثوري ، ومنظمة الى الإمام التي استمرت في رفع شعارات إستراتيجية من قبيل ، الجمهورية الصحراوية ، الشعب العربي في الصحراء ، الشعب الصحراوي ، الاستفتاء لتقرير المصير ، واعتبار الصحراء بؤرة ثورية لتحرير المغرب من ( نظام إقطاعي فيودا لي مرتبط بالصهيونية وبالامبريالية العالمية )..واذا كانت منظمة الى الإمام قد أدت ضريبة باهظة عن مواقفها العدمية تلك ، فان زعماء الأحزاب استعملوا كسفراء للملك يجوبون أقطار العالم لشرح الأطروحة المغربية من النزاع المفتعل الدائر بالمنطقة . لقد دخل لأول مرة الى البرلمان كل من الأستاذ على يعته رحمه الله عن حزب التقدم والاشتراكية ، والأستاذ محمد بنسعيد ايت ايدر عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، في حين أصبح للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فريق مهم بالبرلمان تحت رئاسة الأستاذ فتح الله ولعلو .
في سنة 1982 ارتكب النظام خطا استراتيجيا أدى الى تصدع تلك الجبهة الوطنية بسبب اعتقال ومحاكمة الأستاذ عبدا لرحيم بوعبيد رحمه الله بسبب معارضته لموقف النظام الجديد من نزاع الصحراء ، وذالك عندما اعترف المغرب في مؤتمر نيروبي الثاني لمنظمة الوحدة الإفريقية بالاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء مدفوعا في ذلك ببعض الأصدقاء ( الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران ، والعاهل السعودي ).. ان اعتراف المغرب بالاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء في سنة 1982 ، مثلما اعترف بذلك في سنة 1966 وفي سنة 1967 وفي سنة 1968،كان خطا استراتيجيا فادحا ورط المغرب في التزامات سياسية قانونية دولية ، أضرت كثيرا بملف الصحراء ، وأعادته الى الصفر ، كما أدى ذاك الموقف بالعديد من الدول الى التشكيك في مصداقية الأطروحة المغربية بخصوص الصحراء والتي أضحت مشكلة تتعلق بتصفية الاستعمار، عن طريق الاستفتاء لتقرير المصير اللذان وحدهما سيحددان الوضع النهائي للصحراء .إما مع المغرب ، وإما الانفصال وتكوين دولة مستقلة سيعترف بها المغرب الذي ربط الحل من نيروبي بالاستفتاء .
بمجرد ان اعترف المغرب بالاستفتاء في مؤتمر نيروبي ، تخلى عنه الأصدقاء الذين ورطوه في هذا الاعتراف ، التراجع الذي اضر بالقضية الوطنية ، ومن بعدها خسارة التحالف الوطني بين القصر والأحزاب لدعم الصحراء .كما بدا يظهر جليا إمكانية العودة الى التأزم السياسي الداخلي الذي بلغ مداه في مظاهرات الدار البيضاء في سنة 1981، وفي مظاهرات المدن الشمالية ومدينة مراكش في سنة 1984... تم الاعتقالات بالجملة التي شملت حزب الاتحاد الاشتراكي خاصة جناح اللجنة الإدارية الوطنية الذي سيصبح حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، ومناضلي المنظمات اليسارية الماركسية ومنظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب .. لقد ساهم هذا الوضع السياسي الجديد المتأزم في دفع الجنرال احمد الدليمي الذي كان قد بدا مشاورات مع أطراف بالخارج ، الى التفكير في ملئ الفراغ السياسي الذي خلفته تلك الأحداث .. واذا كان النظام قد نجح في إفشال مخطط الجنرال ، فان مظاهرات 1984 التي رفعت فيها صور لآية الله الخميني في الشمال ، وصور ابراهام السرفاتي في مراكش ، أدت الى تعقيد وشحن الوضع السياسي من جديد ، بين المعارضة والنظام الذي استطاع بفعل ذكاء الحسن الثاني رحمه الله ، ان يتجاوز التزاماته الدولية بالاستفتاء لتقرير المصير ، وذلك بابتكاره للاستفتاء التأكيدي غير الموجود في القانون الدولي ، وهو ما عطل الاستفتاء الذي كانت تترقبه الجزائر ومرتزقتها ومعهما الدوائر المعادية لوحدة المملكة المغربية .. هكذا بدا المغرب يبدو متماسكا ومتمسكا بالمشروعية الدولية للاستفتاء اذا لم يستثني مواطنيه الذين ينحدرون من تلك الأقاليم الجنوبية للمملكة : قال الحسن الثاني رحمه الله " ... حسنا نحن لا نتخوف من الاستفتاء وتقرير المصير ، ولا نتهرب منهما ، ولكن لنا شروط :
1 الأول تطبيق قواعد الاستفتاء الدولي
2 الثاني ان يكون المغرب موافقا على صيغة سؤال الاستفتاء ، لان سؤال الاستفتاء ، اما يجعلنا نقبل او نرفض الاستفتاء . فمثلا اذا طرح مشكل استقلال الشعب الصحراوي ، فان المغرب سيرفض تماما . ان السؤال المطروح يقتضي ان يشمل الصحراويين الموجودين في المغرب ، والصحراويين الموجودين في موريتانيا ، والصحراويين الموجودين في الجزائر .. فإذا ذكر في الاستفتاء لفظ الاستقلال سأطالب بان يطبق على الجميع " .
بعد ان رفض المغرب الاستفتاء الذي أضحى مستحيلا ، وباعتراف المراقبين الدوليين ، أعلن المغرب للمنتظم الدولي ان ملف الصحراء قد حسم نهائيا ، وانه الآن فوق أرضه محصن بشعبه وجيشه وقواته المختلفة ، ويستند على تاريخه ، وعلى قرار محكمة العدل الدولية الذي اعترف بوجود علاقة بيعة بين السلاطين العلويين وبين الصحراء ، واقترح للخروج من الأزمة تطبيق نظام الجهة الموسعة الاختصاصات لتسيير الشأن العام بالإقليم ... ان قناعة المغاربة بتطبيق نظام الجهة في الصحراء لتمكين المواطنين المغاربة في الصحراء من تدبير شؤونهم العامة بأيديهم لم تدم طويلا ، اذ حصل تراجع خطير هذه المرة لما قبل المسئولون وليس الشعب ومن جديد باتفاق الإطار الذي اقترحه جيمس بكير، والذي ينصص صراحة على الاستفتاء لتقرير المصير بعد مرور خمس سنوات من تمتيع المناطق الجنوبية من المملكة بحكم ذاتي طبقا لقواعد القانون الدولي ، وهذا يعني سياسيا إسقاط وضع تيمور الشرقية على الوضع في الصحراء ، ومن جهة أخرى وبسبب قبول المغرب باتفاق الإطار الذي ينصص على الاستفتاء بعد خمس سنوات من التطبيق ، تكون قد تولدت لذا المنتظم الدولي قناعة بان قضية الصحراء هي قضية تصفية استعمار ،وان الذي سيحدد مصيرها النهائي الاستفتاء الذي قبل به المغرب عندما قبل باتفاق الإطار .. ان هذا الارتباك والارتجال والتجريب من طرف المسئولين عن ملف الصحراء جعل المغرب يدخل بدون بوصلة في متاهات مضرة بالقضية الوطنية ، بحيث أصبح اتفاق الإطار من العوامل الرئيسية التي تهدد بالانزلاق نحو الهاوية بعد خمس سنوات من تطبيق الحكم الذاتي وبعده الاستفتاء الذي نتيجته ستصب حتما في الانفصال بنسبة تصويت كبيرة .. ومثل السابق دائما ، لما تبين للمغرب خطورة اتفاق الإطار الذي يضم خطرين محدقين بالوحدة الترابية للمملكة ، من جهة حكم ذاتي طبقا للقانون الدولي مدته خمس سنوات ، ومن جهة تنظيم استفتاء لتقرير المصير بعد مرور خمس سنوات من تطبيق الحكم الذاتي ، وبعد ان يكون هذا الحكم قد مهد الطريق لنتائج الاستفتاء المرتقب .. تراجع المسئولون عن اتفاق الإطار وبدئوا يلوحون مكانه بالحل السياسي المتوافق عليه بين جميع الأطراف ، وهنا دائما بسبب المواقف المرتبكة والمتناقضة ، الله وحده يعلم مدى طبيعة ونوعية التنازلات التي سيقدمها الماسكون بملف الصحراء للجزائر .
لقد أدى رفض الجزائر والبوليساريو للمقترح المغربي حول الحل السياسي المتفاوض عليه ، ان بقي ذاك المقترح عبارة عن صوت نشاز او صيحة في واد ، وعشية تعيين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثا جديدا له بالمنطقة ، فاجأ الماسكون بملف الصحراء الشعب المغربي والعالم بموقف خطير ودون الرجوع فيه الى الشعب الذي اختزلوه في مجموعة أحزاب ( سياسية )لاستفتائه في الموضوع الذي يعنيه مباشرة ، تمثل في استعدادهم منح الأقاليم الجنوبية من المملكة حكما ذاتيا رغم الأخطار التي يختزنها هذا الحكم على الوحدة الترابية للمغرب .. ان هذه الخرجة التي تدل على الفشل والبحث عن أية وسيلة لتجنب أخطار الصحراء دفعت المغاربة الى طرح بعض الأسئلة المشروعة من قبيل : من يملك المغرب ؟ من يقرر في مصيره الاستراتيجي بالنسبة للوحدة الترابية للدولة ، وفي غيبة شعبه الذي يراقب المسرحية عن بعد ؟ ومن هي الجهة او الزمرة التي تقف وراء هذا المخطط الخطير الذي يرمي في الأمد المتوسط الى ضرب الدولة الواحدية ، والشعب الواحد، لصالح دولة فدرالية تضعفه وتسهل تمزيقه وتفتيته ؟ ألا يدرك الواقفون وراء هذا المخطط ان الدولة الفدرالية ، او دولة الحكم الذاتي في الصحراء تتعارض بالمطلق مع دولة أمير المؤمنين ، وإمارة المؤمنين ، تعني في الإسلام الدولة القوية وليس الدولة الفدرالية التي ستكون المحطة ما قبل الأخيرة لتأسيس الدولة الصحراوية المستقلة ، خاصة اذا حصل ما من شانه ان يضعف المركز، او يخل بالتوازن بين المركز والمحيطات ، او اذا حصل ما من شانه ان يقلب الأوضاع رأسا على عقب ( ثورة من تحت ام انقلاب من فوق ) ؟. كيف يعقل ان ترتبط دولة الحكم الذاتي بعلاقة دينية مع الملك وليس مع المؤسسات والشعب .. أليس الوضع سيكون شبيها بمجموعة دول الكومنولث التي ترتبط بالتاج البريطاني وليس ببريطانيا العظمى ؟ من يضمن ألا تقوم جماعة البوليساريو وتيارات الانفصال في الداخل ، والجماهير المغربية الصحراوية التي تمسكت بمغربيتها طيلة ثلاثين سنة خلت من الصراع الجزائري المغربي ، وتخلى عنها المسئولون لصالح دولة الحكم الذاتي التي عوضت شعارات الأقاليم الجنوبية المغربية ، ليشكلوا وقودا لأي تمرد او عصيان مدني ستعرفه المنطقة مستقبلا ؟ ( هذا ما حصل مؤخرا بالعيون وبالمخيم الصحراوي وعرفته سمارة وسيمتد ليشمل كل أطراف الصحراء ، اذا بقيت المشاكل تواجه بأسلوب النعامة وبالهروب الى الإمام .) من يضمن ألا يقوم هؤلاء جميعا وينظموا استفتاء جماهيريا في الأقاليم الجنوبية التي ستتحول الى دولة الحكم الذاتي ، يطالبون فيه بالاستقلال والانفصال عن المغرب ؟ لقد جربت استراليا هذا الحل وكانت نتيجة التصويت لصالح البقاء مع التاج البريطاني ، أي ضمن مجموعة دول الكومنولث . لقد جربت هذا الحل دولة الجبل الأسود وإقليم كوسوفو الألباني وكانت نتيجة التصويت لصالح الانفصال وتكوين دول مستقلة اعترفت بها دول مجلس الأمن وعلى رأسهم فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ( مؤخرا صوت اليمين الفرنسي ضد مصالح المغرب في البرلمان الأوربي ، كما أدان البرلمان الاسباني طريقة فض اعتصام العيون ) . إذن من غرر بالعاهل المغربي وأقنعه بصيغة الحكم الذاتي الذي يشكل تهديدا على الدولة وعلى الوحدة الترابية للمملكة ؟ الم يكن أجدر ومن العدل والديمقراطية ، ان ينظم استفتاء الأمة التي سترفض حتما هذا المخرج ، وآنذاك الأمة هي التي ستتحمل النتائج التي ستترتب عن هذا الموقف ، سواء كانت الحرب ، ام كانت السلم ؟ فلو جرى استفتاء الأمة فان الملك سينصاع الى إرادة الشعب الذي سيلتف حوله للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة ، والملك سيكون كمحرر مسنودا من قبل الشعب ، وليس مسنودا من قبل زمرة الحكم الذاتي الذين ورطوه بفعلتهم وحملوه لوحده مسؤولية جميع النتائج التي سترتب مستقبلا .
لقد شملت المواقف المتناقضة للماسكين بملف الصحراء مواقف أخرى غير مفهومة ، عندما تعاملت الدولة بطرق مختلفة مع بعض الأطراف التي كانت لها مواقف متباينة من قضية الصحراء . هكذا مثلا فان الدولة أدخلت الى السجون مناضلي منظمة الى الأمام في السبعينات وفي الثمانينات لقولهم بالاستفتاء لتقرير المصير بالصحراء ، وهو نفس الخيار أخذت به الدولة في سنة 1966 وفي سنة 1967 وفي سنة 1968 وفي سنة 1982 وفي اتفاق الإطار . كما أدخلت الى السجون مناضلي منظمة 23 مارس رغم اعتراف بعضهم بمغربية الصحراء وتزكيتهم لاتفاقية مدريد الثلاثية التي تنصص على تقسيم الإدارة الترابية للصحراء بين المغرب وموريتنيا . وأدخلت الأستاذ عبدالرحيم بوعبيد رحمه الله إلى السجن لأنه رفض الاستفتاء الذي اعترف به المغرب في نيروبي في سنة 1982.. والآن وبسبب هذا التباين في رسم المواقف فربما ستلجأ الدولة من جديد الى فتح أبواب السجون في وجه المغاربة الذين يرفضون الحكم الذاتي ويرفضون الاستفتاء لتقرير المصير، ويتشبثون فقط بمغربية الصحراء ، وبالوحدة الترابية للمملكة ... وللعلم هنا فان السجون ستضيق ولن تتسع للوافدين الجدد ، لان قضية الصحراء قضية حياة او موت وليست قضية نظام او منظمات ، أي انها قضية شعب بالدرجة أولى . لقد سبق للحسن الثاني رحمه الله ان قال " ان الصحراء بالنسبة للمغرب قضية حياة او موت " ، وهذا يعني انه كلما اتجهت الصحراء نحو المغرب كان في ذلك سبب هلاك الحكم ، وكلما اتجه المغرب نحو الصحراء كان في ذلك قوة الحكم والدولة . ان العمق الأمني للمغرب كان وما يزال هو الصحراء ، وبدون الصحراء الدولة والشعب الى الهلاك .ان جميع السلالات التي حكمت المغرب جاءت من الصحراء، وسقطت كذلك من الصحراء .
ان السؤال الذي يطرح في هذا الباب : هل نسيت زمرة الحكم الذاتي الشعارات التي ترددت في السبعينات ، وكانت تعتبر الصحراء بؤرة ثورية لتحرير المغرب من نظام إقطاعي فيودا لي عميل للخارج ، ولصالح توحيد الشعبين المغربي والصحراوي في إطار جمهورية ديمقراطية شعبية ؟ ألا يعتبر خلق دولة فدرالية تتمتع بالحكم الذاتي مقدمة جنينية لخلق بؤرة ثورية نظر لها أكثر من طرف بعمامة حمراء او خضراء سوداء؟ نحن امة اقرأ التي نزلت بلغتها سورة اقرأ . لكن حين لا تقرا امة اقرأ ، وحين لا يقرا المسئولون عن امة اقرأ عندها انتظر الرداءة والساعة التي لا ريب فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.