أحمد السنوسي، حمد عصمان، بعض طرائف المسيرة كيف اهتدى الملك إلى فكرة المسيرة؟ من قام بتأطير المتطوعين؟ كيف تم التموين؟ من أين استمد الحسن الثاني قسم المسيرة الخضراء؟ محمد أقصايب لماذا اتخذ الحسن الثاني قرار المسيرة الخضراء؟ وكيف اتخذ القرار؟ ولماذا أحاطه بسمك كبير من الكتمان لمدة فاقت ثلاثة أشهر؟ ما هي التداعيات التي اتخذها قرار المسيرة وكيف تم توفير اللوجستيك لتعبئة 350 ألف متطوع وضمان مأكلهم ومشربهم وبأي صيغة وبأي ثمن؟ هذا ما تحاول «الوطن الآن» تقديمه على هامش مرور 34 سنة على ذكرى المسيرة بإعلانه عن إطلاق المسيرة الخضراء، صنع المغرب، في أكتوبر و نونبر 1975 ، حدثا سياسيا بامتياز، ليس فقط لأن تلك المسيرة قد ترجمت كفاءة لوجستيكية عالية عبر عنها البناء التنظيمي لتعبئة وإدارة 350 ألف مغربي انطلقوا من طرفاية إلى العمق الصحراوي مدججين بالراية المغربية وبكتاب الله، لكن أيضا لأن ذلك الحدث عبر عن كفاءة استراتيجية وذكاء سياسي جعلت المسيرة واحدة من عناوين الهوية المغربية، أو ما قاله أستاذ العلوم السياسية عبد الله ساعف ل «الوطن الآن» «أول ارتعاشه قومية يعيشها المغاربة بعد الاستقلال». لماذا؟ لأن المسيرة أشرت لمغرب كان في أوسط السبعينات يوازي ما بين الطموح إلى تأسيس بنائه الديمقراطي، والطموح إلى تأسيس بنائه الوحدوي عبر استكمال تحرير أراضيه المستعمرة جنوبا. وكان علينا أن ننتظر مرور أكثر من عقد، لنختبر صحة هذه الفرضية التي تجعلنا نستعيد اليوم الحدث لنؤكد نجاعته تنظيميا وسياسيا واستراتيجيا، وربما أيضا طبيعة الصراع السياسي الذي عاشه المغرب منذ استقلاله حول شرعية السلطة، وشراسة المواجهة بين مكونات الحركة الوطنية (خاصة شقها اليساري) والملكية، ثم الحركتان الانقلابيتان عامي 1971 و1972 (حادثتا الصخيرات والطائرة)، كلها عناصر جعلت البعض يقرأ بارتياب حدث المسيرة وأبعاده. الآن وبعد أن تركنا الوقت للوقت، كما قال الفرنسيون، صار بإمكاننا أن نقر بأن المغرب قد عاش، خلال شهري أكتوبر (تاريخ الإعلان عن المسيرة) ونونبر (تاريخ الإعلان عن انطلاقها)، حدثا تاريخيا تجاوب معه كل المغاربة بتلقائية لم يكن أحد يتصور زخمها وقوتها وحماسها (انظر الحوار مع المخرج اقصايب في ص: 13). ولذلك رأى فيها بعض مؤرخي حركات الشعوب ومنظري سيكولوجيا الجماعات فعلا اجتماعيا وسيكولوجيا خاصا. تعالوا لنستعيد تفاصيل الحدث من خلال النقط التالية: أولا: «التسونامي» الجماهيري الذي عرفته كل عمالات وأقاليم المغرب آنذاك، وخاصة في الأحياء الشعبية التي تدفقت كالسيل نحو مكاتب التسجيل بأمل الحصول على مكان في السفر إلى الصحراء. وهو ما يشبه الأمل أو سفرا من الأسفار المحبوبة التي يتمثلها كل مغربي، خاصة وقد صدرت عن دعوة مباشرة من الملك. ثانيا: درجة الانضباط التي تم التقيد بها من طرف المتطوعين، حيث لم تسجل أية حالة ارتباك أو تمرد أو عصيان أو خروج عن الطوق. لقد كان العالم ينظر بذهول إلى مغاربة المسيرة وهم يمشون «في نظام وانتظام» ويعرفون أنهم يخوضون «حربا سلمية»، على حد تعبير السفير المغربي أحمد السنوسي (انظر الحوار مع الدبلوماسي المغربي في ص: 8 و9) أي أن مغاربة المسيرة كانوا يخوضون «حرب السلام» دون أن يخافوا هذه الحرب، لأن التسلح بكتاب الله سلح حامليه بكل الثقة اللازمة. ومثلما كان الانضباط في الانطلاق الجماعي، وفي استرسال المسيرة كان الشيءنفسه، في إعلان توقفها والعودة إلى منطلقها في طرفاية بعد أن أدت أدوارها (انظر الحوار مع أحمد عصمان الوزير الأول السابق في ص: 10 و11) ثالثا: الدور الكبير الذي أدته أغاني المسيرة التي واكبت القضية، حيث شكلت وعيا خاصا وهوية خاصة عن الحدث. وربما تذكر جميعا كيف تجندت التلفزة المغربية لتكون دليل الحدث وصوته وصداه، حتى أن تلك الأغاني صارت جزءا من ذاكرة المغاربة الذين وجدوا أنفسهم من مختلف الحساسيات والتيارات وبغير وعي يغنون مع جيل جيلالة: «العيون عينيا والساقية الحمرا ليا والواد وادي ياسيدي». ومع تسجيل كل هذه العناصر، تبقى الإشارة ضرورية إلى أن كل هذا البناء التنظيمي واللوجستيكي للمسيرة الخضراء، وما واكبها من انجذاب عاطفي وفورة اجتماعية وتعبئة وطنية، جعل المسيرة تبدو كما لو كانت حدثا قد تأسس فقط في اللاوعي المغربي، بالشكل الذي يظهر معه أن بعض المغاربة اليوم لا يفخرون بحدث المسيرة إلا حين يكونون في بيوتهم فقط. وإلا كيف نسجل عدم انخراط المجتمع المدني الكلي في الاحتفاء بواحد من بصمات هوية المغاربة التاريخية، عبر تنظيم تظاهرات وندوات بالمناسبة؟ كيف نفسر إحجام أدبائنا عن التقاط هذا الحدث وتوثيقة في رواية أو قصيدة تخلد الذكرى وتمجد الشعب الذي صنعها من مدنيين وعسكريين بدل أن يمطروننا بقصائد حول أفغانستان وإيران وباكستان وتركمنستان ووزيرستان؟ لماذا يتقاضى السينمائيون الأموال من الخزينة العامة وعوض إنتاج أفلام متقنة سينمائيا حول المسيرة، مثلما يفعل المخرج الأمريكي مع ملاحم جنود بلاده، ومثلما يفعل المخرج الفرنسي مع إشراقات تاريخ شعبه، نرى بالمقابل العديد من السينمائيين المغاربة ينصرف لالتقاط ظواهر هامشية وتافهة في المجتمع؟ ولماذا تسافر بنا اللجنة المغربية للتاريخ العسكري إلى أمجاد غابرة منسية، بينما نراها «تضرب طماطم» على أمجاد المسيرة لتوفير الوثيقة والصورة للأجيال الحالية؟ فالخصومة مع النظام التي ذهب ضحيتها جيل الستينات والسبعينات والثمانينات، في تلك المرحلة المصطلح عليها بالمرحلة الرصاصية، لا ينبغي أن تنهض كحجة للارتياب وحجب الواقع، أي أن قوة ما في لحظة ما قد فجرت إجماعا شعبيا كبيرا جعل المغرب في 1975 يؤسس حدثا غير مسبوق في التاريخ وفي الأشكال التعبيرية لتطلعات الشعوب وآمالها. فما أحوجنا إلى عنوان اعتزاز وطني «fierte»، وما أحوجنا إلى ارتعاشة قومية ثانية. أحمد السنوسي، سفير سابق بالجزائروبالأمم المتحدة: هكذا خطط الحسن الثاني لشن حرب سلمية على إسبانيا ينقل أحمد السنوسي، السفير الأسبق بالجزائر، والممثل الدائم للمغرب في الأمم المتحدة (سابقا)، تفاصيل المعركة التي خاضها الملك الراحل الحسن الثاني مع الجنيرال فرانكو لاسترجاع الصحراء، حيث أطلق في وجه الجيش الإسباني حربا سلمية شارك فيها 350 ألف متطوع مغربي ويشرح تفاصيل إشراكه في سر تحضير المسيرة * يرى البعض أن منطلق تحرير الصحراء كان منطلقا أعرج منذ بداية الاستقلال، حيث لم يحسن المغرب المفاوضات مع الإسبان آنذاك في 1956 حتى يتحقق الاستقلال التام لكل المناطق المغربية المحتلة وليس التفاوض حول المنطقة الخليفية بالشمال والمغرب الفرنسي فقط. ما هو رأيك؟ ** لا ننسى أن فرانكو هو الذي كان يحكم إسبانيا آنذاك. ففي الوقت الذي وافق الفرنسيون على منح المغرب استقلاله، اضطر الإسبان إلى التخلي عن المنطقة الشمالية اضطرارا، وهم لم يقدموا على تلك الخطوة حبا في سواد عيون المغرب. ولما بدأ جلالة الملك التفاوض مع الإسبان حول الصحراء كان التحاور مع فرانكو مثل التحاور مع الصخر الأصم، لدرجة أنه لما كنا نرافق سيدنا إلى مدريد كان يخرج من عند فرانكو ويقول لنا «هذا (أي فرانكو) مسمار الهند». وهذا يبرز أن الصحراء كانت تمثل للجنيرال فرانكو أهمية أكبر مقارنة مع ما كان يمثله المغرب لفرنسا. فالصحراء كانت القاعدة التي اعتمد عليها فرانكو للسيطرة على الحكم بإسبانيا، فضلا عن ذلك فرجاله بالصحراء هم الذين مكنوه من مقاومة الشيوعيين، أضف إلى ذلك أن المغاربة كانوا يسيرون منطقة إشبيلية كلها وعلى رأسهم الماريشال أمزيان. وبالتالي، فموقف الإسبان لا علاقة له بموقف الفرنسيين، وهو ما جعل سيدنا يسايرهم بالتي هي أحسن، خاصة وأنه في عهد الإسبان كان هناك خليفة بالشمال، من حسن الحظ هو المرحوم الوطني مولاي الحسن بن المهدي الذي كان مغربيا حتى النخاع، ثم الوطني عبد الخالق الطريس، وغيرهما.. مما ساعد على تذليل عودة الشمال إلى المغرب. * هذا يهم المنطقة الخليفية، ولكن كيف نفسر تلكؤ المغرب في بداية الاستقلال في استرجاع الصحراء، خاصة وأن جيش التحرير لما نزل إلى الجنوب لمقاومة الإسبان والفرنسيس لم يتم التعامل معه بالشكل المطلوب؟ ** أبدا، هذا غير صحيح، إذ كانت الوضعية آنذاك من الناحية المنطقية والاستراتيجية في غير صالح المغرب، إذ لم يكن له آنذاك جيش مهيكل. فالوحدات التي كانت ترابط بالمغرب كانت معظمها وحدات فرنسية وإسبانية غداة استقلال المغرب، فضلا عن ذلك لم تكن لنا قوة موازية لمواجهة جيوش فرنسا وإسبانيا، مما كان يقتضي التعامل مع الوضع بالمنطق. ولم نبدأ كدولة نستغل الظروف إلا مع تلاشي قوة الجنيرال فرانكو. لكن رغم ذلك فلا ينبغي أن ننسى أن المغرب منذ 1956 بدأ بالمطالبة بالصحراء وشرعنا في طرح الملف في الأمم المتحدة منذ ذاك الوقت. * هل تعتبر موافقة المغرب على إدراج ملف الصحراء في اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار خطأ استراتيجيا مثلما يحلو للبعض قوله؟ ** لا، لأن العمل في الأمم المتحدة مبني على ما تملكه من وسائل وما تملكه من قوة وما تتوفر عليه من دعم. والمغرب لم يسبق له إطلاقا أن تخلى عن المطالبة بالصحراء، سواء قبل الحصول على الاستقلال في شمال البلاد أو بعد التوقيع على معاهدة الاستقلال، بدليل خطبة المغفور له محمد الخامس في محاميد الغزلان التي كانت مخصصة لضرورة استكمال وحدة المغرب وتحرير أقاليمه الجنوبية. * كيف نفسر الاتهام الموجه للمغرب الرسمي بأنه «تواطأ» مع الإسبان والفرنسيس لسحق جيش التحرير الذي كان معبأ لتحرير الصحراء في 1958 و1957؟ ** القول بهذا عار، هذا عار.. وهذه العبارة أرفضها جملة وتفصيلا. ففي 1958 كنا مستقلين، كما أن فرنسا وإسبانيا تكتلتا ضد القبائل. والمغرب كان لا يملك سوى بضع طائرات لا تؤهله لمواجهة قوة الإسبان والفرنسيين آنذاك، إذ لو خاض الحرب ضدهما فقد تقوم فرنسا ليس بالرد بل وربما بإعادة احتلال المغرب. و«حشومة» إطلاق لفظة «تواطؤ». فأنا شخصيا عشت هذه الأحداث وكنت قريبا من سيدنا الحسن الثاني ومن والده محمد الخامس الله يرحمهما، وأعطونا معا الدروس في الوطنية وفي احترام قيم المغرب والمغاربة، وآمل أن تحدث رجة فينا قوامها «الله الوطن الملك» والكف عن إطلاق الكلام على عواهنه. * المغرب استغل مرض الجنيرال فرانكو ليخوض سباقا محموما لاسترجاع الصحراء. كيف؟ ** لما بدأت قوة فرانكو تضمحل برزت قوة صاعدة تمثلت في اليسار الإسباني، مما جعل الحكومة آنذاك تبحث عن مخرج في علاقتها مع المغرب خوفا ليس من الفضيحة بل من «البهدلة» من طرف المغاربة. وارتأى سيدنا أن الوقت قد حان لإعطاء جرعة للملف، فذهبنا للأمم المتحدة ووجدنا أمامنا الإخوة الجزائريين، وقلنا لهم دعونا نذهب إلى محكمة العدل الدولية وآنذاك ستتأكدون هل نكذب أم ندافع عن قضية عادلة. * موازاة مع هذه المعركة الدبلوماسية، قرر الملك الحسن الثاني الإعلان عن المسيرة الخضراء لاسترجاع الصحراء وكنت أنت آنذاك سفيرا للمغرب بالجزائر. هل طلبت منك السلطات المغربية إخبار الرئيس الجزائري هواري بومدين بقرار المسيرة أم لا؟ ** المسيرة الخضراء كانت سرية والتحضيرات لها كانت تتم في سرية تامة، ولم يكن من المعقول إشاعة الخبر وإلا سيفسد كل شيء. إلا أن سيدنا الله يرحمه بنى استراتيجية. فالإسبان إن لم تهددهم، فلن تنتزع منهم شيئا، خاصة وأن فرانكو كان يحتضر والحكومة الإسبانية تبحث عن مخرج للمأزق. تهديد إسبانيا ليس أمرا سهلا، فهي عضو في الحلف الأطلسي والدخول معها في حرب معناه أن المغرب سيواجه الحلف الأطلسي كله بقوته وتطور سلاحه، وبالتالي كان المرحوم الحسن الثاني منشغلا بالبحث عن صيغة أخرى تحقق المراد. من هنا جاءت فكرة المسيرة الخضراء، أي خوض «حرب سلمية»، وهذا العنوان (أي «حرب سلمية») صار عنوانا لدرس يدرس الآن في الجامعات الأمريكية المختصة. * ألم يكن القرار يتضمن مغامرة، خاصة وأن إرسال 350 ألف مدني أعزل إلى صحراء مستعمرة من طرف جيش عنصري قد يؤدي إلى مجزرة؟ ** كان الحسن الثاني الله يرحمه يستحضر مختلف السيناريوهات، وكان يحيط نفسه بمستشارين من كل الحقول، وبالتالي لا يمكن أن يغامر المرء ب 350 ألف فرد بدون احتياطات. فالمتطوعون سيتوجهون بدون سلاح وفرانكو كان قاب قوسين أو أدنى من الموت ولن يتمكن الإسبان من تمديد عمره، وبالتالي كان كل شيء مرهونا بما سيجري في تلك الأيام الثلاثة أو الأربعة. * كيف كانت تتم التحضيرات للمسيرة الخضراء بالموازاة مع التفاوض مع الإسبان؟ ** كان وزير الخارجية آنذاك هو مولاي أحمد العراقي وكانت المفاوضات شاقة، والإسبان رغم علمهم بأن فرانكو يحتضر فهم لم يكونوا يرغبون في التخلي عن رغبته في بقاء الصحراء تحت مظلة الإسبان، من هنا ذكاء الحسن الثاني، فهو يعرف أنهم سيظلون متشبثين بموقف فرانكو لكنه فكر في عنصر لدفعهم لتجاوز عرقلة فكر فرانكو، فكان قراره الذي يتطلب توقيتا مدروسا وتباتا في الإرادة. * البعض يقول إن المغرب نظم المسيرة الخضراء لاسترجاع الصحراء، لكونه عاش انقلابين عسكريين (الصخيرات والطائرة) والحسن الثاني بذلك أراد إلهاء الجيش في قضية الصحراء. ما هو قولك؟ ** أبدا، وهذا كلام لا أساس له من الصحة إطلاقا ولا سند له. فعن أي عسكر تتحدث في الانقلاب؟ فهما «جوج ديال العسكر». أما الجيش فكل رجالاته ونسائه وبدون استثناء هم أكثر تشبثا بوطنيتهم وبوفائهم وبولائهم وبإخلاصهم وبحبهم لوطنهم ولملكهم. والتاريخ أظهر من قاد الانقلابات. فهما كما قلت جوج ققط (c'est tout. pas plus). أما القول ب «إلهاء العسكر» فهذا مجرد هراء. فهل سنخترع قضية تتضمن مخاطر ونأخذ 350 ألف مدني وليس 350 ألف عسكري، ويدخلون الصحراء. فهذا الجزء من الأرض مغربي ولابد من تحريره واسترجاعه ليلتحق بباقي التراب الوطني، وهي قضية مفروضة على كل مغربي وواجب على كل مواطن أن يساهم في هذا الاسترجاع والتحرير. * أنت كنت سفيرا للمغرب بالجزائر، هل تم إخبار الرئيس بومدين أم لا؟ ** تم إخباره قبيل المسيرة ببضعة أيام. * من أخبره بذلك؟ ** كان هناك وفد يترأسه الوزير الحاج أحمد باحنيني، وكان حينها وزيرا للثقافة إن لم تخنّ الذاكرة وكنت آنذاك سفيرا بالجزائر، ورافقت الحاج باحنيني ولاحظت أن الجزائريين استقبلوا القرار (أي قرار المسيرة الخضراء) ب «الزعف»، إذ «زعف» علينا الرئيس بومدين. * لماذا؟ هل امتعاض بومدين يرتبط بعدم تصديق المغرب على معاهدة ترسيم الحدود مع الجزائر شرقا والمعروفة باتفاقية إفران عام 1972؟ ** رد الفعل الجزائري كان عنيفا وتساءلوا كيف ستواجهون 350 ألف نسمة نحو الصحراء؟ وبأي طريقة؟ وما معنى ذلك؟ ققلنا لهم إن كل الترتيبات تم اتخاذها والاستراتيجية مدروسة ونحن متيقنين بأن المسيرة ستمر في أحسن الظروف. وخلاصة القول إن الجزائريين لم يكونوا فرحين لقرار المسيرة الخضراء. * لماذا اكتفت المسيرة بالطاح على الحدود مع الصحراء التي كانت مستعمرة ولم يتوجه المتطوعون إلى العيون؟ ** لم يكونوا في حاجة إلى ذلك. فالمهم هو أن المغاربة تخطوا الحدود الوهمية والمسيرة أدت دورها والجنود الإسبان لم يطلقوا النار على المدنيين. * ما السبب إذن الذي جعل مجلس الأمن الدولي يطلب من المغرب وقف المسيرة؟ ** هذه طريقة كلاسيكية عند مجلس الأمن، علما بأنه لا ينبغي أن ننسى أن حملة الجزائريين كانت جد شرسة، والمغرب وهذا هو المهم، حقق آنذاك مبتغاه من تنظيم المسيرة وخرج الإسبان وعادت الصحراء إلى وطننا وتم تعيين أحمد بنسودة أول عامل على العيون. صديقي اليهودي دفع بالملك إلى مكاشفتي بسر المسيرة * من كان يرأس الوفد المغربي بالأمم المتحدة آنذاك؟ ** كان إدريس السلاوي ومولاي أحمد العراقي وزير الخارجية، وأنا كنت مستشارا عينني جلالة الملك لدى الوفد المغربي بالأمم المتحدة. ومما أغاضني هناك أن إفريقيا كانت مشهورة بالرشوة، ورشوة العديد من الوفود الإفريقية تحتاج مني إلى مجلد لأصف لك الوضع، وكنا نذهب إلى اللجنة الرابعة، فلاحظت أن جل الأفارقة لن يساندوا مطلب المغرب ويعترفوا لنا بحقنا في الصحراء. فبدأت معنويات وفدنا تنهار، فدخلت على وجه السرعة إلى المغرب لأستشير مع سيدنا ولأخبره بمعنويات الوفد المنهارة، ففوجئت بمعنوياته المرتفعة، وبأن «الدنيا هانية» بالنسبة إليه. وفي اليوم الثاني لمقامي بالرباط التقيت بأحد أصدقائي الذين سبق أن درسوا معي بباريز وهو بيرنار ليفي، وسألني: هل تستعدون لحرب؟ فأجبته بالنفي مستغربا. ثم ما لبث أن أردف بسؤال آخر: ولكن لماذا اشتريتم 350 ألف غطاء خاص بالجيش؟ وبما أنني لم أكن على بينة من أي شيء بدأت أستهزئ من صديقي قائلا له: «باراك علينا، آش من الحرب يا ليفي، واش انت أحمق؟». ومع ذلك لم يستسلم ليفي مجيبا: «إن لم يكن المغرب سيخوض الحرب، فلماذا يشترى 350 ألف غطاء إذن؟». * متى وقعت هذه الواقعة؟ ** أظن أنها حدثت قبل الإعلان عن المسيرة الخضراء بحوالي أربعة أو ثلاثة أشهر لم أتذكر التاريخ بالتحديد. * وماذا حدث لما أخبرك صديقك اليهودي ليفي بملف 350 ألف غطاء؟ ** ذهبت عند سيدنا في الليل، لأنه سبق ودعانا للحضور عنده في العشاء (وهذه مناسبة أجدد فيها دعواتي للباري عز وجل أن يسكنه فسيح جناته) فاستأذنته قائلا: «واش آسيدنا كنوجدو شي حرب؟». فرد علي: «آش من حرب؟» فقلت له: «نعم سيدي، راه واحد صاحبي كان يقرا معي في كلية الحقوق بباريز وهو الآن تاجر كبير وقال لي راه العسكر ديالنا شراو من الدارالبيضاء 350 ألف غطاء». فأجابني رحمه الله: «آه الغطاء للي شرينا، كتعرف احنا اعتدنا شراء 50 ألف أو 60 ألف غطاء. وهذه السنة أردنا أن نوفر حوالي 15 أو 20 في المائة من الثمن، فقررنا شراء 350 ألف غطاء وسنساعد على تخفيف العبء عن الميزانية». جواب الملك اعتبرته منطقيا، وما إن غادرت القصر وعدت إلى منزلي حتى اتصلت بصديقي ليفي وقلت له: «حرام عليك كنت غادي تحشمني مع سيدنا»، فرد علي بنبرة الواثق من نفسه قائلا: «طيب إذا كان الأمر كما تقول لاقتصاد كلفة شراء الأغطية، فما قولك في قضية طبع 350 ألف قرآن بمطبعة بالمحمدية؟ فهل ستسلمون 350 ألف قرآن للعسكر كذلك؟». وبما أني لم أكن على بينة من أي شيء، خاصة وأني قادم للتو من نيويورك، فضلا عن كوني كنت من قبل في الجزائر، قلت له سأستفسر حول الموضوع. وفعلا في الغد التقيت بصاحب الجلالة وأخبرته بما دار بيني وبين صديقي. فرد علي سيدنا: «فعلا كاينة، حنا كنطبعو 350 ألف قرآن، ولكن هاذ العام قررت أن أرسل لرؤساء الدول المسلمين الأفارقة 10 آلاف أو 15 ألف قرآن لكل واحد». وكان المرحوم الحسن الثاني يحدثني ببرودة وواثقا من نفسه. في الغد صباحا، قلت لصديقي ليفي بأني كنت عرضة للضحك يوم أمس أمام صاحب الجلالة. فقال لي «قل لي علاش مشى الجنيرال الزياتي إلى تكساس في هيوستن لزيارة أكبر مستودع للقوات الأمريكية ليفتش عن صناديق بالكاوتشو يمكن أن ترميها الطائرات على علو منخفض بحجم 5 أطنان مخصصصة للماء. * ما هي الوظيفة التي كان يزاولها الضابط الزياتي آنذاك؟ ** كان مكلفا بالعتاد. * وماذا قال لك صديقك؟ ** لم يقل شيئا، بل طرح السؤال يقينا منه أنه كان يعرف شيئا ما. وفي المساء التقيت سيدنا وخفت أن أقول له شيئا فيغضب مني وربما قد أوصف بالبلادة. ومع ذلك استأذنته قائلا: «اسمح لي يا سيدي راه صاحبي عاودتاني سألني سؤالا غريبا جدا: راه الزياتي مشى للميريكان باش يشري صناديق الماء بصحبة مجموعة من الضباط؟ فقال لي سيدنا: «منين خرج هاذ صاحبك؟» أجبته: «كان يدرس معي وهو تاجر وشاف هذه المعاملات الكبرى فطرح التساؤلات». فطلب مني الملك أن ألتحق به في القصر في الساعة 9.30 ليلا. ولما ذهبت إلى القصر، وجدت في صالة الانتظار مجموعة من كبار الضباط. * من هم؟ ** وجدت الجنيرال بناني والجنيرال القادري والجنيرال الزياتي والجنيرال زرياب والجنيرال بنسليمان الذي كان هو دينامو العملية وما تطلبه من تنقل وتأمين الطرقات وغيرها. وفوجئوا حينما رأوني.. فبما أنهم أدوا القسم للحفاظ على السر، ساورتهم الشكوك حول حضوري، وبدأ بعضهم يسألني عن العائلة وعن عملي في الجزائر. ولما دخل صاحب الجلالة سلموا عليه وقال لهم سيدنا: «السنوسي راه عندو أخبار غريبة» ثم أردف «يا فلان جيب القرآن، وطلب مني سيدنا أداء القسم». ولما أديت القسم تساءلت هل فعلا المغرب سيدخل الحرب. فقال لي جلالته: «واش الحرب تتم ب 350 ألف قرآن. ف 350 ألف مغربي هازين القرآن ولفظة الله أكبر والراية المغربية سيتوجهون إلى الصحراء لصلة الرحم مع إخوانهم هناك، وهذه هي المسيرة الخضراء». * متى أديت القسم لحفظ السر؟ **أظن شهرين أو ثلاثة قبل الإعلان الرسمي عنها من طرف صاحب الجلالة. وذكرت ذلك في كتاب لي سيصدر عما قريب سميته «المغرب الصحراوي»، وهي عبارة استلهمتها من خطاب لصاحب الجلالة سيدنا محمد السادس. * وماذا حدث بعدما أديت القسم أمام الحسن الثاني؟ ** توجهت إلى الملك وقلت له، لو تسمح لي يا سيدنا باقتراح. فأجابني: «تفضل» فقلت له: «أنت ساعدت الدول العربية كلها، فلماذا لا ترسل كل دولة عربية وفدا عنها ليشارك في المسيرة الخضراء ولو بوفد يضم 10 أفراد فقط». فاستحسن الفكرة. ثم اقترحت عليه قائلا: «واش ما كتشوفش يا سيدنا حضور وفد من شبان أمريكا أيضا في المسيرة الخضراء». فأجابني: «واش أنت أحمق» فقلت له: «أنا نجيبهم يا سيدنا» فأعطاني الإذن وتوفقت في إحضار وفد من شباب عائلات أمريكية شاركوا في المسيرة الخضراء. حمد عصمان، الوزير الأول الذي تفاوض مع الإسبان حول الصحراء: غاب عنا الحسن الثاني شهرا ليفاجئنا بقرار المسيرة الخضراء هذا الحوار مع أحمد عصمان، الوزير الأول السابق، أخذناه من أطروحة الباحث هشام الحصيني لنيل ديبلوم الدراسات المعمقة بكلية الحقوق سلا، تحت عنوان: «الممارسات التفاوضية لدى الديبلوماسية المغربية المتعددة الأطراف: دراسة في مفاوضات مدريد الثلاثية لسنة 1975». الأطروحة أنجزت تحت إشراف: ذ. سعيد خالد الحسن (السنة الجامعية 2009-2008) * كيف جاء قرار المسيرة الخضراء؟ ** اتخذ الحسن الثاني قرار إجراء المسيرة لوحده، ولم يجتمع مع حكومته، وغاب عن المجلس الوزاري طيلة شهر كامل، ثم اجتمع بنا ذات يوم ليعلمنا بقراره 18 أكتوبر 1975 (18 يوم قبل المسيرة)، وقد شكر الحسن الثاني المجلس لأنه مارس صلاحياته كاملة دون الرجوع إليه برئاستي (تحمل الحكومة المسؤولية كاملة). * وهل كانت الغاية منها هي إنهاء الإحتلال الإسباني عبر الزحف. أم كانت لها غاية أخرى؟ كالضغط على إسبانيا للتفاوض مع المغرب مثلا؟ ** (مستطردا): لقد قال لنا الحسن الثاني: «من لم يكن متفقا مع قرار المسيرة فليغادره، ومن كان موافقا فليبقى». * توقفت المسيرة الخضراء بعد يومين، ما الذي استجد؟ ** تم إجراء المسيرة بتنسيق واتصال مع جهات عدة. وفي مقدمتها إسبانيا، ولا سيما كبار ضباط الجيش الإسباني، كالجنرال «دوفيليبسبين». وكذلك السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة «ارياس نافاروا»، هؤلاء كانوا مقتنعين بضرورة الاتفاق مع المغرب والجلاء عن الصحراء، باستثناء وزير الخارجية آنذاك السيد «كورتينا» والذي كان يفضل التنسيق والاتصال مع الجزائر. ومنذ انطلاق المسيرة كان لنا اتصال مع رئيس الحكومة الإسبانية. * كيف تم الإعداد للمفاوضات؟ وكيف تم اختيار الوفد المغربي؟ ** تألف الوفد المغربي للتفاوض من حوالي 5 أو 6 أفراد، ضم كل من: أحمد عصمان، الوزير الأول أحمد العراقي، وزير الخارجية السيد العربي الخطابي السيد كريم العمراني السيد عبد السلام زنيند وعندما ذهبنا للتفاوض كنا جد مرتاحين، عوملنا معاملة طيبة من طرف الإسبان وكنا نصول ونجول في المفاوضات وأينما ذهبنا. وكان المغرب قويا لدرجة أنه كان يفرض قراراته على باقي الأطراف. * لماذا تم اقحام موريتانيا واعتبارها طرفا ثالثا في مفاوضاتكم مع إسبانيا؟ ** كان الهدف الأساسي هو ضمان عدم ميلها إلى محور الجزائر، وأنه كان ثمة اتفاق مسبق مع موريتانيا حول حدود مطالبها واستراتيجية التفاوض مع موريتانيا. ولسد الأقاويل التي تصف المغرب بالأطماع التوسعية في المنطقة. وإن ظهر أن موريتانيا قد اقتسمت مع المغرب مدينة الداخلة، فإن هذا كان مؤقتا فقط. * يومان بعد انطلاق المسيرة توقفت هذه الأخيرة بعد وصول المبعوث الإسباني إلى أكادير؟ ** لقد كانت هناك اتصالات سرية مسبقة منذ أن علم الإسبان بالمسيرة للتفاوض مع الحسن الثاني حول شروط انسحاب القوات الإسبانية من الصحراء. * هل كان لكم علم بسقف سلة المفاوضات التي جاء بها المبعوث الإسباني قبل الذهاب إلى مدريد؟ ** ما جرى في 14 نونبر 1975 كان مجرد مفاوضات شكلية وبروتوكولات، لأن الأمر كان مهيئا مسبقا وتم بين الحسن الثاني من جهة ورئيس الحكومة الإسبانية وضباط الجيش الإسباني من جهة أخرى، في الواقع ذهبنا لنوقع فقط، أما المفاوضات الحقيقية فقد كانت سرية توجت بلقاء 14 نونبر 1975. غير أن الإشكال الذي كان يواجهنا هو ضمان قبول «الجماعة الصحراوية» لمطالب المغرب، وتعهدها بتأييد مغربية الصحراء. * على الصعيد الداخلي، هل كان هناك إجماع على قرار التفاوض مع إسبانيا؟ ** بالفعل كان هناك إجماع داخلي منقطع النظير حول المسيرة الخضراء وحول أي وسيلة تمكن من استرجاع أقاليمنا المغتصبة. وتجلى ذلك بوضوح في مؤتمر عدم الانحياز كولومبيا: آسيا، وما ذهاب جميع الأحزاب السياسية المغربية، ودفاعها التام عن قضيتهم الأولى إلا دليل على الإجماع. * كيف جاء اختيار الوفد المغربي؟ ** كانت هناك مشاورات بيني وبين الحسن الثاني حول الأسماء المقترحة للتفاوض مع إسبانيا. * لماذا تم اختيار مكان التفاوض في مدريد وليس في الرباط أو في مكان آخر؟ ** كان تلبية لرغبة رئيس الحكومة الإسبانية، ليظهر للرأي العام الإسباني أن الحكومة الإسبانية هي من تسير أمور الصحراء كما تشاء، وأنها هي من تتحكم في الساحة. إضافة إلى العلاقات الممتازة التي كانت بين أرياس نافروا والحسن الثاني. وعندما ذهبنا إلى إسبانيا اجتمعنا مرة واحدة في وزارة الخارجية الإسبانية، وكنا نجتمع في بيت موظفة عند وزير خارجية إسبانية السيد كورتينا بدون علم هذا الأخير. * من كان يتحدث مع الإسبان أثناء لقاءات التفاوض معهم؟ ** كنا نتكلم حسب التسلسل: الوزير الأول، فوزير الخارجية، فالآخرين. وكان اختيار الوفد المفاوض يعكس الأهمية التي أولاها صاحب الجلالة الحسن الثاني لهذا الملف. * هل كان الاتفاق على المبدأ أي الصيغة (بشكل عام)؟. أم تم التفاوض على عدة تفاصيل أفضت إلى الصيغة النهائية؟ ** كانت الصيغة النهائية مهيئة حول الأراضي الصحراوية، ولم نتناول التفاصيل والجزئيات. * ما هو مقابل انسحاب الإسبان من الأراضي الصحراوية؟ ** لم يكن هناك أي مقابل، ولم نذكر أبدا ورقة سبتة ومليلية وهذا لا يمنع من تلميح الحسن الثاني بهذه الورقة بين الفينة والأخرى. * إذا كنا قد استرجعنا فعلا الصحراء بموجب اتفاقية مدريد فلماذا ظل الموقف الإسباني غامضا (سلمنا الإدارة ولم نسلم السيادة للمغرب. وأن تصفية الاستعمار تتم بتعبير الشعب الصحراوي على تقرير مصيره)؟ ** الواقع أن إسبانيا كانت تمثل قوة حامية على الصحراء ومن ثم لا يحق لها أن تمتلك سيادتها. * هل كان لديكم أوراق اعتماد للتفاوض والتوقيع معا؟ ** كانت هناك رسالة ملكية تحمل إذنا بالتفاوض باسم المغرب وتضم لائحة بأسماء الوفد المغربي وقد ذهبنا رفقة الوفد الموريتاني. * ما هو تقييمكم لهذه المفاوضات؟ أي ما هي المكاسب والإخفاقات؟ ** كانت نتائجها إيجابية للمغرب ومهمة. (وأشار إلى تصريح الحسن الثاني). كان هناك زيارات إسبانية للمغرب بشكل مكثف قبل لقاء مدريد وذهبنا إلى مدريد للتوقيع على الصيغة النهائية. بعض طرائف المسيرة 1) امرأة عجوز قطعت 1600 كيلومتر من الراشيدية إلى طرفاية. إذ انتقلت إلى الدار البيضاء أولا (650 كلم) ثم امتطت حافلة إلى أكادير( 550 كلم) وأخيرا طاكسي نحو طرفاية (539 كلم) من أجل أن تعطي لابنها غطاءين (مانطات) وتمور. 2) رجل يبلغ من العمر 84 سنة قطع 1000 كيلومتر لينقل من بني ملال إلى طرفاية خروفين كهدية منه إلى متطوعي المسيرة الخضراء. 3) روى الملك الإسباني خوان كارلوس واقعة طريفة للغاية، وهي أن صحفيا إسبانيا استقل سيارة أجرة من أكادير للالتحاق بالمسيرة الخضراء في طرفاية. وعلى بعد مائتي كيلو متر من أكادير سمع السائق خطاب المرحوم الحسن الثاني الذي أعلن فيه أن المسيرة قد أدت مهمتها. وطلب الملك من المشاركين فيها العودة. فتوقف السائق على الفور وعاد على أعقابه. فسأله الصحفي وهو في غاية الاندهاش: «ترى ماذا دهاك»؟ فأجابه السائق: «لقد أمر ملكنا بالعودة، وعلي أن أمتثل لأمر سيدنا». كيف اهتدى الملك إلى فكرة المسيرة؟ «في 20 غشت 1975 كان علي أن ألقي خطابا بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، وهي الذكرى التي تخلد تاريخ نفي الأسرة الملكية. وعشية ذلك اليوم كنت أتساءل مع نفسي: «ترى ماذا عساي أن أقول في هذا الخطاب»؟ وفي المساء وبعد أن أديت صلاة العشاء أخلدت إلى النوم. فاستيقظت فجأة في منتصف الليل تراودني فكرة نفذت نفوذ السهم إلى ذهني وهي: «لقد رأيت آلاف الأشخاص يتظاهرون في جميع المدن الكبرى مطالبين باستعادة الصحراء. فلماذا إذن لا ننظم تجمهرا سلميا ضخما يأخذ شكل مسيرة»؟ وهنا أحسست أني قد تحررت من عبء ثقيل للغاية. وقد اكتفيت في خطابي في اليوم الموالي بالتطرق لبعض القضايا العامة. إثر ذلك استدعيت وزير التجارة ووزير المالية وقلت لهما: «إن شهر رمضان قد يكون قاسيا، إذ المحاصيل الزراعية كانت متوسطة، فهل يمكنكما من باب الاحتياط تخزين كمية من المواد الغذائية؟ حتى إذا وجدنا أنفسنا في حاجة إلى عرضها في السوق أمكننا المحافظة على سعر تابث لها». فأجابا: «بكل تأكيد، وما هي الكمية التي يتعين تخزينها؟» فقلت لهما: «تموين يكفي لشهر أو شهرين». ولم يفطنا لشيء وهذا ما كنت أرغب فيه. واستدعيت بعد ذلك أولئك الذين سيصبحون إلى جانبي المسؤولين الثلاثة عن المسيرة الخضراء. وهم الجنيرال أشهبار الكاتب العام لإدارة الدفاع والجنيرال بناني من المكتب الثالث والكولونيل ماجور الزياتي من المكتب الرابع. وبعد أدائهم اليمين بعدم إفشاء السر حتى ولو لم يكونوا متفقين على ذلك، شرحت لهم أن عدد المشاركين في المسيرة سيصل إلى ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة. فقالوا مستفسيرن: «لماذا كل هذا العدد؟» فأجبتهم بأن المسألة في غاية البساطة فهناك ثلاثمائة وخمسون ألف مغربي ومغربية يولدون كل سنة، وبالتالي فإن هذا العدد ليس بالأهمية التي قد تؤثر على عدد السكان». وقد ألهبت الفكرة على التو حماسهم وشرعوا في العمل بدون كاتبات أو أجهزة حاسوب، وكانوا يحررون كل شيء بأيديهم، حيث كان يتعين إحصاء كمية الخبز اللازمة لإطعام ثلاثمائة وخمسين ألف شخص، وعدد الشموع الضرورية لإنارة الخيام. وهكذا عملنا نحن الأربعة في سرية تامة حتى مطلع شهر أكتوبر. وهنا كان لابد من الإسرار للحكومة بذلك، وكذا لعمال الأقاليم حتى يفتحوا في الوقت المناسب المكاتب لتسجيل المتطوعين». وعن السبب في تأخر إخبار الحكومة بالمسيرة، قال الملك: «لأن كتمان السر كان أسهل بين أربعة أشخاص، أكثر منه بين ثلاثين، فما بالكم إذا أفشي السر لأزيد من أربعين عامل إقليم، سيما وأن تسرب هذا السر كان سيكون مميتا وستكون له انعكاسات وخيمة على الصعيد الدولي». عن «ذاكرة ملك الحسن الثاني» ص 113 114 من قام بتأطير المتطوعين؟ كانت هناك ثلاث حلقات رئيسية في التأطير: هم كبار ضباط القيادة العليا للجيش والدرك والأمن الوطني والقوات المساعدة بالنظر إلى السياق الذي كان يتميز آنذاك بتصعيد البوليزاريو لتهديداتها بعرقلة المسيرة والهجوم على القوافل الشيء الذي كان يفرض يقظة مختلف قوات الأمن، هذا دون الحديث عن الحاجة إلى مهندسي الجيش في اللوجستيك. تتمثل في عمال الأقاليم والعمالات خاصة وأنهم ممثلو الملك في كل منطقة يتولون تصريف خطاب الملك على أرض الواقع من تسجيل المتطوعين وجرد الحاجيات وتوفير الحافلات والشاحنات. الحلقة الثالثة من التأطير ضمت 700 رجل سلطة وخلفائهم الذين استدعوا إلى مقر وزارة الداخلية بدعوى أنه وقع عليهم الاختيار لإجراء دورة تكوينية (Recyclage) لها علاقة بعملهم الإداري، فتم نقلهم إلى بنجرير حيث لقنوا دروسا في المدينة والوطنية وتنظيم وتأطير الجماهير وهي الدورة التي أحيطت بدورها بالسرية. وكل أسئلتهم واستفساراتهم حول عزلهم ونوعية التداريس التي يتلقونها بمعسكر بنجرير ذابت وهم يسمعون خطاب الملك على الساعة 6.30 مساء يوم 16 أكتوبر 1975. من أين استمد الحسن الثاني قسم المسيرة الخضراء؟ استمد الحسن الثاني قسم المسيرة الخضراء من أواخر آية سورة المائدة. وقد كشف المرحوم ذلك بنفسه في خطاب 6 نونبر 1978 حينما قال: «في ذلك الحوار الرائع القدسي الذي كان بين الله سبحانه وتعالى وبين روحه سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، وفي آخر الحوار يقول سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم: «وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد». فهذا القسم شعبي العزيز، أقسمت أنك ستكون بارا به، كما أقسمت أن تلقنه أسرتك وعشيرتك، لأن الأجيال تمر، والبلاد تدوم، الرجال بمثابة الوقود، والمسؤولية كجهنم تأكل الرجال أكلا، لكن على القيم أن تدوم، وعلى القسم أن يدوم... فعليك شعبي العزيز أن تبقى دائما على يقظة. دائما مستعدا لخوض المعركة. دائما مستعدا لإظهار أن مسيرتك الخضراء السلمية، لم تحكم عليك نهائيا بالمسالمة. بل إن قدراتك ومواهبك الحربية والعسكرية موجودة كذلك فيك كامنة فيك. لم تمت، وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». وفيما يلي قسم المسيرة «أقسم بالله العلي العظيم أن أبقى وفيا لروح المسيرة الخضراء مكافحا عن وحدة وطني، من البوغاز إلى الصحراء. أقسم بالله العلي العظيم أن ألقن هذا القسم أسرتي وعشيرتي في سري وعلانيتي، والله سبحانه هو الرقيب على طويتي، وصدق نيتي.» تم بناء معسكرات بطان طان وطرفاية وأيضا بمراكش وأكادير (مدن المرور من أجل استراحة المتطوعين) وتم تشكيل مخزون كبير من المؤن الغذائية والأدوية علما أن شراء وتخزين المؤن والأدوية تم من طرف لجنة ضمت ممثلي كل المصالح الوزارية. إذ تمت تعبئة 5000 عون مدني. وحتى نوضح حجم التأطير سنأخذ مثلا حاجة 10000 متطوع الذين خصصت لهم عمالة الرباطسلا ما يلي: (8 رجال سلطة (قايد)، 20 عون سلطة (شيوخ ومقدمين)، طبيبان، 12 ممرضا، 62 مساعدا اجتماعيا، 63 إطار من مختلف الإدارات، 120 فردا من الكشفية). وقد تم تسخير 300 شاحنة تابعة للمكتب الوطني للنقل كانت تتنقل يوميا ليل نهار بين وسط البلاد وطان طان وطرفاية لتقل المؤن والأدوية تحضيرا للمسيرة. كما سخر 1200 حافلة لنقل المتطوعين. هذا اللوجستيك لم يؤمن تنقل 350000 متطوع إلى طان طان وطرفاية بل وضمن نقل 23000 طن من الماء و17 ألف طن من المواد الغذائية كمخزون احتياطي وهذه الأرقام ستتم مضاعفتها بنسبة 2.5 بسبب تمديد فترة المكوث بالصحراء من 21 أكتوبر إلى نهاية نونبر (أي في المجموع 63 ألف طن من الماء تقريبا و42500 طن من المواد الغذائية). وكانت شاحنات الصهريج التي تذهب من طرفاية للتزود بالماء تضطر إلى قطع مسافات تصل إلى 300 و500 و750 كلم حسب مركز التزود بالماء (كلميم، أكادير، مراكش). إلى جانب ذلك تمت تعبئة 10000 خيمة، و اقتناء 430000 أواني المطبخ، إضافة إلى 350000 غطاء. محمد أقصايب، مخرج بالتلفزة المغربية: لولا الجيش لما تحقق النقل التلفزي المباشر للمسيرة يصف الزميل محمد أقصايب، مخرج بالتلفزة المغربية، الإسهام الذي قامت به القوات المسلحة الملكية لتسهيل مهمة النقل التلفزي للمسيرة الخضراء، وكيف آمنت هذه القوات دقة التنظيم وقامت بتدبير اللوجستيك والتموين * كنت رفقة الفريق التلفزي الذي تولى تغطية المسيرة الخضراء بالصحراء، هل يمكن أن تحدثنا عن السياق الذي توجهتم فيه كفريق إلى طرفاية؟ ** قبل أن نذهب إلى طرفاية، أعطيت الأوامر من طرف الإدارة إلى وحدتين متنقلتين للتوجه إلى مراكش يوم 14 أكتوبر 1975. الوحدة الأولى التي كنت أنتمي إليها توجهت نحو القصر الملكي بمراكش، بينما توجهت الوحدة الثانية إلى الحارثي. الوحدة الأولى كانت مهمتها التكفل بالندوات الصحفية للمرحوم الحسن الثاني، أما الوحدة الثانية فتولت نقل آراء المواطنين وتغطية الندوات والموائد المستديرة حول المسيرة. ويوم 16 أكتوبر 1975، موعد الخطاب الملكي الشهير، دخلنا للقصر الملكي بمراكش وكان الحضور كبيرا جدا للصحافيين من مختلف الدول ومن مختلف القنوات، خاصة من طرف الإسبان الذين كان حضورهم لافتا. وكان الترقب سيد الميدان بالنظر إلى الأجواء المشحونة آنذاك في سماء المحيط الإقليمي والتعطش لمعرفة حكم المحكمة الدولية بلاهاي، وهل ستقول بأن هناك روابط بيعة بين الصحراء والملوك أم العكس، ومن ثم كان الجميع متلهفا لسماع خطاب الملك الراحل لمعرفة هل سيعلن الحرب على إسبانيا أم لا. ومما علق بذاكرتي، أن صحافيا فرنسيا قال لنا ونحن داخل القصر: «إذا أطل الحسن الثاني بلباس عسكري، فإنه سيعلن الحرب. وإذا أطل بلباس مدني فسيكون العكس.» فإذا بالحسن الثاني يطل بلباسه الأنيق كعادته معلنا في خطابه عن المسيرة الخضراء. وفي انتظار الترجمة الرسمية للخطاب الملكي تطوع مجموعة من الصحافيين المغاربة الذين يتقنون اللغات الفرنسية والإسبانية والإنجليزية بترجمة مضمون الخطاب للزملاء الأجانب. وفي الغد أعطيت التعليمات لتبقى وحدتنا المتنقلة مرابطة بالقصر الملكي بمراكش لمواكبة أنشطة الملك الصحفية. وهنا تحضرني إحدى الطرائف مع جلالته. إذ حينما أنهينا تغطية حواره مع جريدة إسبانية يوم 17 أكتوبر على ما أظن، ولما رغبنا في المغادرة خاطبنا الحسن الثاني رحمة الله عليه بلباقة ضاحكا: «واملين التلفزيون بلا ما تخرجو الماتريال ديالكم وتتعذبو، راه جميع الخطب واللقاءات ديالي غادي نديرها هنا في القصر داخل هذه القاعة خليو داك الشي ديالكم هنا، راه في الأمان». وأجبناه «نعم سيدي» وفعلا تركنا كل معداتنا التي واكبنا بها الأنشطة داخل القصر. * كم مكثتم بالقصر الملكي بمراكش؟ ** بقينا في مهمتنا إلى أواخر أكتوبر تقريبا، بعد ذلك انتقلنا إلى أكادير لما ذهب جلالته إلى هناك. وآنذاك ارتفعت حرارة الأحداث ليس بالمغرب وحده، بل في العالم كله. إذ لأول مرة يعيش العالم حدثا ضخما من هذا القبيل. فالصحافيون من كل البقاع لم يتخيلوا أن يعيشوا حدث تعبئة 350 ألف شخص في مسيرة سلمية، مما جعل كل القنوات والصحف من مختلف البقاع كلها ترسل وفودها. في هذا الجو كنا كفريق تلفزي سعداء فعلا بحظوة تغطية هذا الحدث، لدرجة أننا لم نكن نبالي لا أين سننام ولا ماذا سنأكل. فالحدث كان ملحمة تاريخية بامتياز. في هذه الأثناء قررت إدارة التلفزيون الإبقاء على وحدة متنقلة للتلفزة بأكادير، فيما أعطيت الأوامر لتتوجه وحدة متنقلة إلى طرفاية. وبأكادير بقي المدير العام عبد اللطيف خالص، فيما ذهب إلى طرفاية نائب مدير التلفزيون قويدر بناني. * وأين توجهت أنت؟ ** توجهت إلى طرفاية ضمن فريق يتكون من المرحوم المخرج محمد بوجنة وعبد الرزاق بركاش وبنعيسى الريفي ومشوق أيوب وإبراهيم، فضلا عن عدد آخر من الزملاء. وأذكر أنه لما كنا متوجهين إلى طرفاية كانت القوافل طويلة والتنظيم محكما من طرف رجال الدرك والأمن فضلا عن الأجواء الاحتفالية التي كانت تصاحب القوافل. لدرجة أنه لما وصلنا إلى هناك جاء عندنا صحافي أمريكي مذهولا، وقال لنا إنه لم يكن يتصور عقلا بشريا قادرا علي تسيير أمواج ضخمة من البشر فاقت 350 ألف متطوع. وأضاف: «شاهدت فيلم الإنزال الأمريكي في نورماندي بفرنسا، لكن ما أراه في المسيرة الخضراء لن يقوى على تصويره أكبر السينمائيين». * لما استقر بكم الحال بطرفاية، كيف كنتم تؤمنون البث، علما بأن طرفاية لم تكن تتوفر آنذاك على التجهيزات اللازمة؟ ** لم يكن البث المباشر موجودا آنذاك، وكان المسؤول عن إذاعة طرفاية المحلية هو المرحوم محمد جاد. ولم يكن بالإذاعة المحلية سوى استوديو صغير بكامرتين بالأبيض والأسود. لكن الدور الكبير الذي قامت به القوات المسلحة الملكية لتأمين وصول الأشرطة الخاصة بالروبورطاجات والحوارات وتغطية أجواء المسيرة بطرفاية كان حاسما. ومن خلال جريدتكم أود أن أحيي مصالح الجيش الملكي التي ساعدتنا كثيرا على ذلك، لدرجة أنه لولا القوات المسلحة الملكية لما تحقق «البث المباشر» ليستمتع المغاربة والعالم بمشاهد حية للمسيرة. فحينما كنا نصور كنا نسرع لحمل الأشرطة إلى طائرة عسكرية بطرفاية لينقلها الطيار العسكري إلى مطار أكادير، ومن هناك تنقلها القوات المسلحة الملكية إلى القاعدة الجوية العسكرية بسلا ليتسلمها زملاؤنا بالرباط قصد حملها إلى التلفزيون لبثها. وكانت هذه العملية تتم على مدار اليوم، أي 24 ساعة على 24 ساعة. وساعد على دقة التنظيم وسير التعاون بين التلفزة ومصالح الجيش أن مديرنا المهندس قويدر بناني هو أخ الجنيرال عبد العزيز بناني المفتش الحالي للجيش، لأن الجنيرال بناني كان من بين الضباط الكبار الذين اختارهم الملك الحسن الثاني لينفذوا تعليماته حول المسيرة الخضراء، إلى جانب الجنيرال زياتي وآخرين. * لما أعطى الحسن الثاني إشارة الانطلاق يوم 6 نونبر 1975 لاختراق الحدود الوهمية. أين كنتم وبماذا قمتم؟ ** في تلك اللحظة أمسك مديرنا قويدر بزمام الأمور ووزع الأدوار على كل مسؤول بالفريق التلفزي لتوثيق هذه اللحظة التاريخية الكبرى. ومن حسن حظي أن قويدر كلفني رفقة المرحوم المخرج بوجنة بلوجستيك الأشرطة والروبورطاجات، مما جعلنا نكون في طليعة المشهد وفي مقدمة المسيرة (يتوقف بعدما اغرورقت عيناه بالدموع بعد تذكر هذه اللحظات) ولا أخفيك أني شعرت بإحساس غريب وأنا أرى تدفق الآلاف من المغاربة يحملون القرآن ويرددون «الله أكبر». إذ مهما كانت تركيبة الإنسان فإني أقسم بأن يتعرض المرء للذوبان وهو يرى ما رأيت من مشاهد عالية في الوطنية لمغاربة يزحفون دون أن يفكر أحد منهم لحظة ما أن الجيش الإسباني قد يطلق النار. * قلت إن الجيش الملكي هو الذي أمن للمغاربة الاستمتاع ببث ما أنجز من عمل تلفزي حول المسيرة عبر الرحلات المكوكية للطائرات العسكرية من طرفاية إلى سلا. لكن أنى للجيش ذلك ونحن نعلم أن طرفاية مدفونة في الرمال ولا تتوفر حتى على الماء آنذاك فأحرى على مطار؟ ** هذا بالذات ما جعلني أحيي دور القوات المسلحة الملكية، إذ في رمشة عين تمت تهيئة أرضية لتقف فوقها الطائرات، صحيح ليست أرضية مطار دولي، ولكن كانت تفي بالغرض، وهذا ما يهمنا نحن آنذاك. أضف إلى ذلك حكاية عشتها أثناء المسيرة، لأننا كفريق تلفزي ربطنا صداقات مع رجال الدرك والجنود ورجال السلطة، وكنا نتقاسم نفس الهم. ذلك أنه في إحدى الليالي كانت الرؤية جد ضعيفة بسبب الزوابع وصعوبة الهبوط، وكانت طائرة عسكرية من نوع C130 محملة بالمؤن تود النزول، وابتكر أحد الضباط فكرة لتسهيل الأمر على الربان عبر جمع كل سيارات الدرك الملكي وأمرها باستعمال الأضواء (gyrophare) وأوقف صفا من سيارات الدرك على هذا الجانب وصفا على الجانب الآخر على امتداد البصر بطول مسافة تفوق الكيلومترين، وبهذه الطريقة توفرت الرؤية نسبيا للربان وحط بطائرته بسلام . نفس الأمر عشناه لما جاءت باخرة محملة بالبطاطس، لكن هيجان البحر وغياب مرفأ آمن دفع القوات الجوية الملكية إلى التدخل عبر ربط جسر جوي بين المخيمات والسفينة التي ظلت قرب سواحل طرفاية إلى أن تم إفراغها كلية من طرف الجيش، وهي العملية التي أطلق عليها آنذاك «سويمينغ». * كم من شريط أنجزتم؟ ** بالآلاف، وكنا نشتغل بأشرطة 16 ميلمتر وبواسطة كاميرات «ليكلير» و«لاريفليكس»، حيث تنجر الصوت بشريط والصورة بشريط آخر.