لم يكن عصمان مجرد زميل دراسة بالنسبة إلى الحسن الثاني بل كان أيضا صهرا وصديقا صدوقا له. لقد عايش عصمان خلال الخمسين سنة الأخيرة أحداثا بارزة من تاريخ المغرب المعاصر، وها هو اليوم بعد تقاعده يعود بذاكرته إلى الوراء ليحكي شهادته حول ذلك العصر. - كنتم رئيسا للبرلمان من 1984 إلى 1992 في أوج قوة المعارضة، هل كان من السهل عليك مواجهة خصوم مثل اليازغي وولعلو؟ < في الحقيقة كانت المعارضة في أوجها، لذا أظن أنه بإمكاني أن أهنئ نفسي على نجاحي في تلك المرحلة من حياتي. في البرلمان، تكون تحت يد الرئيس دائما مطرقة يستعملها لكي يحافظ على النظام أو لكي يفرض الهدوء عندما يصبح النقاش حامي الوطيس، لكنني لم أضطر يوما إلى استعمالها. ومن اللحظات الصعبة التي عشتها كرئيس للبرلمان، أذكر يوم هدد نواب أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية والاستقلال بتقديم ملتمس رقابة ضد حكومة عز الدين العراقي، كان ذلك عام 1990. لقد كنت رافضا لقبول هذا الملتمس، خاصة وأن الحكومة في ذلك الوقت كانت غير قادرة على تحمل نتائج ذلك. كان علي في ذلك الوقت أن أسافر إلى البرتغال. وعند عودتي، فوجئت بأن البرلمان كان على وشك المصادقة على الملتمس. بدأنا النقاش في الموضوع ذات مساء وعلى الساعة الثالثة صباحا كان النقاش لا يزال مستمرا، اتصل بي الحسن الثاني وطلب مني أن أوقف الجلسة، غير أنني قررت أن نواصل، وهكذا أخذ كل من علي يعته ومحمد بوستة وآخرون الفرصة ليعبروا عن مواقفهم، ولم تنتهي المداخلة الأخيرة إلا في السادسة صباحا. وهكذا تجاوزنا الأزمة، وخرجنا من عنق الزجاجة. - كنت هناك أيضا حينما طرحت مسألة حل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.... < ذات يوم استدعاني الحسن الثاني إلى الديوان الملكي، وحينما وصلت إلى القصر اكتشفت أنني لم أكن المدعو الوحيد، لقد كان هناك أحمد الدليمي وإدريس السلاوي وزير الأشغال العمومية. أخبرنا أن جلسة عمل منعقدة لدى الوزير الأول آنذاك المعطي بوعبيد، وأن علينا أن نشارك فيها، فكان بها. ذهبنا ووجدنا أنفسنا في قاعة جمعت كل أعضاء الحكومة، وكذا جميع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وكان جدول الأعمال هو حل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لأنه اتخذ موقفا معينا من قضية أحبذ ألا أذكرها في هذا المقام. اتخذ الدليمي، الذي كان يشعر بأنه غير معني بالأمر، ركنا منزويا من القاعة وجلس يتحدث إلى بعض قادة الجيش، أما السلاوي فقال إنه لا يفهم في السياسة، فكنت إذن الوحيد الذي تدخل، فلما ألقيت كلمتي قلت فيها إنني أشعر بالخزي لأنني أشارك في اجتماع مثل ذلك، وذلك لأسباب سياسية وأيضا قانونية، إذ ليس من اختصاصنا نحن أن نقرر حل الحزب أو بقاءه، لأن هذا من اختصاص القضاء، وقد دافعت عن وجهة نظري هذه طوال الجلسة مما أدى إلى رفعها. - عام 1975 كنت من أوائل المشاركين في المسيرة الخضراء، كيف حدث ذلك، هل كانت مجرد صدفة تاريخية؟ < يجب أن أقول، وهي شهادة للتاريخ، أن الحسن الثاني كان يريد أن يقود بنفسه المسيرة الخضراء، ولم يعدل عن ذلك إلا بعد تدخلات كثيرة لثنيه عن الأمر خوفا على حياته. عشية انطلاق المسيرة الخضراء اتصل بي الحسن الثاني ليخبرني أنني أنا من سيقود المسيرة الخضراء. استقليت الطائرة إلى طان طان ومن هناك انطلق كل شيء. في الصباح أعطيت إشارة الانطلاق، وكان علي بعد ذلك مباشرة أن أستعد لمعاهدة مدريد وكان ذلك في اليوم نفسه. انطلقت المسيرة الخضراء في السادس من نونبر وتم التوقيع على معاهدة مدريد في الرابع عشر من نونبر نفسه. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على السرعة التي توالت بها الأحداث المتلاحقة. بالموازاة مع ذلك، كنا على اتصال بأئمة المساجد وممثلي القبائل الصحراوية، وخاصة رجل يدعى الجماني وهو رجل غير عادي، إنه ببساطة تراث مغربي حقيقي. بماذا ترد على من يقولون إن المسيرة الخضراء كانت حدثا صغيرا لم يكن منظما كما ينبغي لدرجة سقوط ضحايا أثناءه، وأنه كان حدثا ضخمته التغطية الإعلامية الخارقة للعادة التي خصصت له؟ < لقد كانت المسيرة الخضراء لحظة تاريخية، فريدة من نوعها، ليس فقط في تاريخ المغرب وإنما في تاريخ الإنسانية جمعاء، إنها حدث استثنائي بجميع المقاييس، وخاصة على المستوى التنظيمي الذي سهر الحسن الثاني شخصيا على حسن سيره. لقد هيأ الحسن الثاني بدقة وبذكاء لكل صغيرة وكبيرة قبل انطلاق المسيرة، حتى ما يتعلق بالجانب الإسباني، وذلك لكي يجري كل شيء في أحسن الظروف الممكنة ولكي لا يحدق بحياة المشاركين فيها أي خطر. سيذكر التاريخ المسيرة الخضراء كحدث غير مسبوق وأيضا كنجاح سيكون من الصعب تكرار مثيل له. ترجمة: سناء ثابت