لم يكن عصمان مجرد زميل دراسة بالنسبة إلى الحسن الثاني بل كان أيضا صهرا وصديقا صدوقا له. لقد عايش عصمان خلال الخمسين سنة الأخيرة أحداثا بارزة من تاريخ المغرب المعاصر، وها هو اليوم بعد تقاعده يعود بذاكرته إلى الوراء ليحكي شهادته حول ذلك العصر. - منذ اليوم الذي التحقت فيه بالمعهد المولوي لم تفارق الحسن الثاني، كيف كانت طبيعة العلاقة التي جمعت بينكما؟ هل كنتما صديقين؟ < كانت علاقتنا مبنية على الصراحة. وبما أنني أنحدر من منطقة وجدة فأنا أحمل هذه الخصلة في عروقي، وهذا أكثر ما كان يعجبه في شخصيتي، رغم أنه أحيانا كل الحقائق التي كنت أقولها لم تكن صالحة لأن تقال وبعضها لم يكن يعجبه على الإطلاق. لهذا أبدى العاهل الراحل في حواره الأخير لمجلة «لونوفيل أوبسيرفاتور» سخطه على ما كان يسميه مؤامرة الصمت، وعلى المشكل الكبير الذي يتحمل فيه المسؤولية أقرب المحيطين به من حاشيته أو من سماهم «الدائرة». ولطالما سببت لي صراحتي عداوات داخل هذه الدائرة. - هل خولت لك صراحتك أن تنتقد الأشخاص المحيطين بالملك؟ < مثلا، لم أكف أبدا عن التحذير من نوايا أوفقير الذي كنت أنا عدوه اللدود، خاصة أن هذا الأخير كثيرا ما كان يجهر بمشاريعه الدنيئة وكان يعقد اجتماعات قبيل الانقلابين يتحدث فيها بشكل واضح عن الأمر، لدرجة أن الملك الراحل أمرني، عن طريق محمد باحنيني ومحمد عواد، بأن لا أتحدث أبدا عن أوفقير. وقد امتثلت لأمر الملك إلى أن اتصل بي وزير الصحة آنذاك عبد المجيد بلماحي على الساعة الثالثة صباحا وطلب مقابلتي على الفور، وقد كاد أن يغشى علي إذ حسبت أنه سيحمل لي نبأ سيئا عن صحة الملك. أسرعت إلى لقائه وإذا به يمد إلي رسالة أرسلها إليه ضابط حضر أحد الاجتماعات التي أعطى خلالها أوفقير تفاصيل المؤامرة التي كان يحيكها ضد الملك. وفي وقت مبكر من صباح اليوم التالي، طلبت مقابلة مع الملك، إذ كنت آنذاك رئيس الحكومة. استقبلني جنرال يدعى أحمد الدليمي، ولأنني كنت مرتابا لم أشأ أن أسلمه الرسالة. استدعاني الملك فيما بعد، وقال لي إن علي ألا أستسلم لشكوكي، وطلب مني أن أركب معه سيارته حيث كان متوجها إلى دار السلام، وهناك طلب مني أن أقرأ عليه الرسالة. لاحقا علمت أن أوفقير أقسم على المصحف الكريم أن ما كتب في الرسالة غير صحيح، غير أن التاريخ فيما بعد أثبت صدق كلامي. - ماذا عن إدريس البصري؟ لقد رأيته يكبر أمام عينيك... < إلى غاية الوقت الذي أصبح فيه نائب كاتب الدولة في الداخلية، لم يكن إدريس البصري معروفا في محيط الملك، حتى لا أقول إنه لم يكن معروفا البتة. لقد بدأ وضعه شيئا فشيئا يقلقني، قبل أن أصبح أيضا عدوه اللدود، وذلك لأنني لم أكن أتردد في مواجهته بحقيقته. لقد كان البصري يضر كثيرا بمصلحة البلاد من خلال الخلافات التي كان يخلقها بين القبائل والصراعات التي كان يزرعها بين مناطق المملكة حيث كان هو المخطط لها. - ما الذي جعلك تقول هذا؟ < خلال حفل الولاء عام 1985 بمراكش، قرر جلالة الملك وهو يمتطي صهوة جواده أن يوشحني بوسام ملكي- لا زلت أحتفظ بصورة تخلد هذه الذكرى- وتعرفون بلا شك أنه في مثل هذه المناسبة يكون جميع العمال والولاة حاضرين. وكان حدث أنه قبل أيام من توشيحي، وأثناء تناولنا وجبة إفطار مع جلالة الملك، كان البصري حاضرا فيها، بدأ جلالة الملك يتحدث عن عمال الأقاليم، في تلك اللحظة سمحت لنفسي أن أقول لجلالته إنه باستثناء البعض منهم، مثل عمر بنشمسي في الرباط وأحمد الفزازي في وجدة، فإن «عمال جلالتكم يستغلون الشعب باسمكم». لم يوافقني البصري الرأي في ما قلت، لكنه لم يفوت الفرصة ونقل كلامي إلى عمال جلالة الملك، غير أن توشيح الملك لي بالوسام كان أفضل دليل على تصديق الملك لما قلته، كما كان رسالة ذات معان كثيرة. - في محيط الملك، كان هناك أيضا رجال ذوو قيمة عالية، مثل المهدي بنبركة الذي عرفته عن قرب. أي ذكرى تحملونها عن بنبركة؟ < لازلت أحمل عنه صورة ذلك الزعيم السياسي الشاب والعظيم، صورة رجل كان مقربا من الملك. أذكر أيضا أنه في وقت معين قرر الحسن الثاني أن يستدعيه ليوليه بعض المسؤوليات المهمة، وكانت تلك هي اللحظة التي تم فيها اغتيال المهدي بنبركة. ترجمة سناء ثابت