لم يكن عصمان مجرد زميل دراسة بالنسبة إلى الحسن الثاني بل كان أيضا صهرا وصديقا صدوقا له. لقد عايش عصمان خلال الخمسين سنة الأخيرة أحداثا بارزة من تاريخ المغرب المعاصر، وها هو اليوم بعد تقاعده يعود بذاكرته إلى الوراء ليحكي شهادته حول ذلك العصر. الحوار أجرته الزميلة «لوسوار» ونعيد ترجمته. - في أية ظروف قررت السفر إلى فرنسا لاستكمال دراستك؟ < كان ذلك في عهد الحماية. بعد أن تم نفي الأسرة الملكية، قررت أنه من اللازم أن أستكمل دراستي. لقد كان المستعمرون الفرنسيون أشرارا، لكن كانت هناك استثناءات بينهم. كان هناك رجل يدعى طابو مسؤول عن التعليم العمومي في ذلك العصر، وكنا مقربين منه. كان الرجل حريصا على تعليمنا، كان يأتي مرارا ليزورنا في المعهد المولوي ليسأل عن أحوالنا. كان طابو حريصا على مصلحتنا وودودا بشكل غير عادي. بعد خروجي من السجن، ذهبت فورا للقائه. وبمجرد رؤيته لي، فهم أنني تعرضت لمعاملة سيئة، ولما علم بما تعرضنا له من القبض علينا وحبسنا ثم تعذيبنا والأيام المريرة التي قضيتها في مخفر شرطة باب الحد، احمر وجهه من الغضب إلى درجة أنه قال لي إنه يشعر بالعار لأنه فرنسي؟ بفضل هذا الرجل، تمكنت من الذهاب إلى فرنسا لاستكمال دراستي. - كانت تلك هي الفترة الوحيدة التي فارقت فيها الحسن الثاني منذ دخولك المعهد المولوي.. < نعم، لكن كان ذلك مؤقتا، أنا والملك الراحل لم نكن نفترق أبدا، أنا لم أجاوره في مقاعد الدراسة الثانوية فحسب، بل في الدراسة الجامعية أيضا، بل إننا كنا نقيم سويا في العام الذي حصلنا فيه على الإجازة مما كان يسمى آنذاك معهد الدراسات المغربية العليا. وقبل عودتها إلى المغرب، أقامت الأسرة الملكية لفترة قصيرة في بوفالون وفي سان جيرمان اون لاي، وهناك ذهبت لزيارتها، سألني الحسن الثاني أين أقيم وأراد أن يرى بنفسه. لقد كانت شقة صغيرة تركها لي ابن عمي الذي أنهى دراسة الطب في فرنسا. عندما رأى الحسن الثاني الشقة طلب مني أن أحزم حقائبي وأن أذهب للإقامة مع الأسرة الملكية. وهكذا عادت العلاقة بيننا إلى ما كانت عليه في السابق. - لقد تقاسمتم لحظات حميمية. بماذا كان يوحي إليك الحسن الثاني، الرهبة أم الإعجاب؟ < لقد كان الحسن الثاني رجلا شجاعا جدا، له حس عال لاتخاذ المبادرة. لم يكن أبدا يتردد في التصرف عندما يكون واثقا من قرار اتخذه. واسترجاع طرفاية عام 1958 هو أفضل دليل على ذلك. لقد فعل ذلك دون أن يستشير والده. بعد ذلك استقبله محمد الخامس ووشحه بوسام، ثم احتضنه بين ذراعيه. كان الحسن الثاني محاضرا كبيرا، ولازلت أذكر ندوة نظمها في نادي السفراء، النادي الشهير الموجود في تقاطع طرق لوفيغارو بباريس الذي يرتاده أكبر ذوي النفوذ عبر العالم من رؤساء دول وغيرهم قبل أن يتم إغلاقه. وهو الأمر الذي لم أفهمه. كان عمر الحسن الثاني خمسا وعشرين سنة فقط، لكنه ارتجل مداخلة رائعة. - كان الحسن الثاني يتمتع أيضا بقدرة كبيرة على الإنصات وأيضا على الحفظ. هل ساعده هذا أثناء دراسته؟ < لازلت أذكر أنه عشية امتحان الباكلوريا جاءني الحسن الثاني وطلب مني أن ألخص له شفويا ما أحفظه في مادة العلوم الطبيعية، تلك المادة لم تكن تستهوي أبدا الحسن الثاني، لكننا كنا نعرف أن أمامنا امتحانا في اليوم التالي. فاستعرضت أمامه كل ما أعرفه في تلك المادة في حوالي ساعة، لم يفلح فقط في استيعاب كل ما استعرضته أمامه بل أيضا في حفظه عن ظهر قلب. - كنت حاضرا أيضا في الهجوم على الطائرة الملكية عام 1972. ماذا تذكر عن ذلك اليوم؟ < كنا في تلك الطائرة الشهيرة عندما بدأ القصف، البعض منا اعتقد أنه هجوم من رئيس دولة معروف كان يناصبنا العداء في تلك الفترة والذي أفضل ألا أذكر اسمه اليوم، لكنني قلت لهم إن من يقف وراء هذا الهجوم هو شخص من الداخل، شخص نعرفه جيدا، وخاطبت جلالة الملك قائلا: «عندما ستصل إلى الرباط ستجد جميع أعضاء الحكومة في انتظارك إلا شخصا واحدا، هذا الشخص سيكون هو الواقف وراء هذا الهجوم. وكنت على حق. - هل شعرت بالخوف في تلك اللحظة، وفيم فكرت؟ < نعم، وكان ذلك طبيعيا، لقد سمحت لنفسي ونصحت الملك بألا يذهب مباشرة بعد هبوطنا إلى قصره بالرباط وبأن يختبئ مؤقتا في مكان ما. وبالفعل، كان ذلك ما قام به. وعندما عدت إلى بيتي في حي السويسي حيث أسكن، رأيت طائرات تقوم بقصف القصر الملكي. ترجمة سناء ثابت